الانتخابات اللبنانية.. مَنْ الذي انتصر..أمريكا والسعودية ومرتزقتهما، أم المقاومة وحلفاؤها!؟
[عبد العزيز المكي]
وأخيراً أُجريت الانتخابات اللبنانية، وانكشفت تركيبة البرلمان اللبناني الجديد، حيث تراجعت أعداد مقاعد كتلة الوفاء للمقاومة وحلفائها من 71 مقعدًا في إنتخابات2018، وحافظت الكتلتين المسيحيتين كتلة زعيم القوات سمير جعجع، وكتلة التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل، على تمثيلهما السابق 19و 18 مقعداً على التوالي مع تراجع بسيط جداً للوطني الحر، حيث خسر مقعدين تقريباً مقارنة بحجمه في انتخابات2018، وظهرت كتلة جديدة في هذه الانتخابات، هي كتلة المستقلين، أو كتلة التغيير، الذين افرزتهم الأزمة الاقتصادية والسياسية التي عصفت بلبنان، واللافت أنه في بداية احتساب النتائج، الذي أظهر تقدم كتلة القوات وحلفائها، سارع جعجع بإعلان الانتصار، كما سارع السفير السعودي في بيروت وليد البخاري إلى قراءة آيات النصر، وإصدار الأوامر للفائزين بتغليب منطقة الدولة على منطقة (الدويلة) في إشارة خبيثة إلى حزب الله وحلفائه، لكن هذه النشوة بالنصر لم تدم طويلاً إذ أن النتيجة النهائية للعد الانتخابية كشفت انقلاب المشهد لغير صالح جعجع وحلفائه، فعلى عكس ما كان قد أعلنه بأنه اكبر كتلة في البرلمان يمتلك الأغلبية، أظهرت النتائج النهائية، ان ولا كتلة تمتلك الأغلبية في البرلمان المكون من 128 مقعداً، وجاءت التركيبة على النحو التالي 68 مقعداً لكتلة الوفاء وحلفائها، و47 لجعجع وحلفائه و13 مقعداً للمستقلين..
و رغم ذلك، يعتبر السعوديون ومرتزقتهم وحتى الامريكان ان تراجع كتلة المقاومة وحلفائها من 71 مقعداً الى 68 مقعداً انتصاراً لهم وهزيمة للكتلة المتراجعة!! نعم في الحسابات العددية يعتبر ذلك تراجعاً نسبياً والتراجع يقتصر على حلفاء حزب الله من المسيحيين والدروز، أما حزب الله ومنظمة أمل فحصلوا على كامل المقاعد الشيعية المخصصة لهذه الطائفة الكريمة 27مقعدًا..
أما في الحسابات السياسية وفي حسابات المال السياسي والجهد الذي بذله لاميركان والسعوديون على كل الأصعدة من أجل حرف النتائج وقلبها، فذلك يعتبر هزيمة مدوية للنظام السعودي ولاميركا، ولمرتزقتهم من أمثال جعجع ووليد جنبلاط ومن لف لفهم وذلك للأسباب التالية:-
1- ان السعودية ومن ورائها أمريكا والكيان الصهيوني أرادوا هذه الانتخابات محطة أساسية لإشعال الحرب الأهلية، لاستهداف رأس المقاومة عبر كتل أبدت استعدادها لإنجاز هذه المهمة يقف على رأسها سمير جعجع وقواته!! فهذا الهدف كان المحور الرئيسي الذي تحركت عليه المؤامرة السعودية الأمريكية الصهيونية، ليس في محطة الانتخابات وحسب، وإنما سبق ذلك بكثير، فكان النظام السعودي قد طلب من سعد الحريري تصعيد الموقف مع حزب الله الى حد الصدام العسكري ووعدته بمناصرة جعجع لكن الرجل رفض ذلك لأن الحرب الأهلية، هي هلاك للبنان ولطوائفه ومكوناته، فما كان من بن سلمان إلا أن يستدعي الحريري ويجبره على الاستقالة بعد احتجازه وزجه في السجن، لو لا تدخل الرئيس الفرنسي إيمانول ماكرون، والقصة معروفة، وذلك لاستبداله بشخصية لديها الاستعداد في إشعال الحرب مع حزب الله نيابة عن الكيان الصهيوني. أكثر من ذلك منعته من الترشح وحاولت الاستعاضة عنه بفؤاد السنيورة وسمير جعجع، وطالبته بعدم مطالبة أتباعه بمقاطعة الانتخابات في مقال قاسي جداً لأحد الكتاب المقربين من البلاط السعودي هو محمد الساعد حيث شن هجوماً عنيفاً على سعد الحريري في مقاله في صحيفة عكاظ في 5/5/2022 أي قبيل الانتخابات اللبنانية، جاء فيه: "يبدو سعد الحريري بعد سبعة عشر عاماً، مختلفاً تماماً عن ذلك الشاب الذي كفكفت دموعه المملكة اغتيال والده في شباط/2005، فقد التحى كما الإيرانيين، ولم يبق إلا ان يخلع الكرافته، ليكون أقرب الى منتظري" على حد قوله. وأضاف: " لا عجب في ذلك، فمن باع دم والده مقابل عدم فتح ملفات الفساد التي تورط فيها، لن يتوانى في تقديم قرابين الرضا لاعداء لبنان، من أجل الحفاظ على مصالحه الشخصية" على حد قوله. وبعد ان اتهم هذا الكاتب الحريري بمحاولة تشتيت الأصوات السنية لصالح حزب الله، الذي قال عنه " انه العدو التاريخي ليس للسنة فقط بل للبنانيين جميعاً" على حد زعمه وافترائه وكذبه!! بعد هذا الاتهام قال هذا الكاتب " إن كان سعد الحريري يتذكر إنه اليوم الذي انفجرت فيه سيارة الحريري الأب انحازت السعودية لسنة لبنان ولعائلته المغدورة ورفضت بالمطلق كل التسويات لمعروضة" على حد قوله وزعمه وهذا يعني بوضوح التدخل السعودي السافر والفج في الشأن اللبناني خدمة لامريكا والصهاينة كما سنرى، في الوقت الذي تؤكد كل الأدلة والوثائق المتوفرة ان العدو الصهيوني وأمريكا وبالتعاون مع السعودية وعملائها في لبنان هم من قتلوا الحريري الأب.
على أي حال ان هذا المقال يؤكد بوضوح ان السعودية مثل سيدها الامريكي والصهيوني كانوا يعولون على هذه الانتخابات في تغيير خريطة المشهد السياسي اللبناني بما يوفر الفرصة السانحة والظروف الملائمة لإشعال الحرب الأهلية في هذا البلد.
2- ولتحقيق هذا الهدف، نزلت السعودية وأمريكا بكل ثقلهما في الساحة اللبنانية، وجرى التحرك على كل الأصعدة، فعلى الصعيد السياسي، ذهبت السعودية بعيداً في دعم شخصيات حليفة ممن سماهم الكاتب السعودي محمد الساعد المشار إليه، صقور تيار المستقبل و14 آذار ومفكريه السياسيين، مثل فؤاد السنيورة وأحمد فتفت ومروان حمادة، وسمير جعجع وفارس سعيد وسامي الجميل وأشرف ريفي وغيرهم..و كان مقال هذا الكاتب الذي أوردنا مقاطع منه جاء في سياق دعم هذه الشخصيات البديلة. كما أنها ضخت الأموال الطائلة لحزب القوات وبقية الحلفاء مثل السنيورة وغيره، تزامن ذلك مع حملة إعلامية صاخبة لتشويه حزب الله وتحميله مسؤولية ما يعانيه الشعب اللبناني من أزمات ومعاناة!! ولعل اللبنانيين يعرفون اكثر من غيرهم حجم النشاط الذي قام به السفير السعودي وليد البخاري قبيل الانتخابات لصالح السنيورة وجعجع وباقي حلفاء السعودية، فقد كان أنشط من حلفاء السعودية أنفسهم حتى!
هذا قبيل الانتخابات، أما قبلها فأن السعودية وأمريكا شنّا حرباً اقتصادية وسياسية وإعلامية وحتى أمنية، تمثل بتفجير مرفأ بيروت وبالمحاصرة الاقتصادية وبمصادرة ودائع المواطنين اللبنانيين في البنوك اللبنانية، وقطع المساعدات الاقتصادية والمالية عن لبنان، وغيرها من أشكال الحرب الظالمة التي اشتدت خلال السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة.. كل ذلك من أجل إيصال المواطن اللبناني الى قناعة بأن الوقوف في مواجهة الكيان الصهيوني، هما السبب الأساسي في معاناته وأزماته وما يقاسيه، ومنذ ذلك الوقت ظل الإعلام المناوئ، وظل السياسيون اللبنانيون من حلفاء السعودية وأمريكا، يضخون في هذا الاتجاه ويحرضون ضد من يعادي اسرائيل تحديداً، ويحملونه المسؤولية عن كل شيء شيء يتعرض له لبنان، فيما السعودية وامريكا والكيان الصهيوني هم السبب الأساسي في إيجاد كل المآسي التي عانى ويعاني منها الشعب اللبناني.
3- المال السياسي، في كل انتخابات لبنانية تضخ السعودية أموالاً طائلة لشراء أصوات اللبنانيين لضمان صعود حلفائها، يبد ان الأموال التي ضختها في هذه الدورة من الانتخابات، فاقت كل الدورات السابقة، ففيما كانت السعودية تشتري صوت الناخب اللبناني بـ 100 دولار في عام 2000، وبما قل من 500دولار في الدورات التالية، فأن المعلومات الواردة من هناك تقول ان الرياض منحت جعجع مبلغ2000 دولار أمريكي لكل مقترع، مستغلة السعودية وأمريكا حاجة المواطن اللبناني الماسة لمواصلة عيشته وحياته، تلك التي أوصله إليها، الحرب والحصار الامريكي والسعودي نفسيهما!!
ذلك فضلاً عن دعم إعلامي هائل من قبل وسائل إعلام محلية وخليجية وعالمية، فتحت الهواء طيلة الوقت للتحريض ضد المقاومة ورموزها وحلفائها.
كل ذلك وغيره كما قلنا من أجل ضرب حاضنة المقاومة وأبعادها عنها، والسيطرة على المؤسسات السياسية مثل البرلمان ومؤسسة الجيش وعلى المنظومات الأمنية في البلاد من أجل تسخيرها وتوظيفها في إطار المشروع الأمريكي الصهيوني السعودي الرامي الى تجريد المقاومة من حاضنتها الشعبية وتسهيل عملية ضربها عسكرياً عبر الحرب الأهلية.. لكن ماذا كانت النتيجة؟ إنها جاءت صادمة للسعودية ولاميركا.. ونترك التحليلات والتطبيل السعودي وكذلك تطبيل مرتزقة السعودية للتغطية على هزيمتهم وإحباطهم قبال الجهد الذي بذلوه، وبذله بالأخص وليد البخاري السفير السعودي كما أشرنا اكثر من مرة نترك هذا التطبيل ولنسمع جواب الكولونيل "الإسرائيلي" في الاحتياط جاك نيريا الباحث الكبير في المعهد " الاورشليمي للشؤون العامة والسياسية" والمستشار السابق لرئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إسحاق رابين، حيث قال هذا الباحث معلقا على نتائج الانتخابات اللبنانية، بأنها يوم أسود " لإسرائيل". وأضاف في معرض رده على سؤال لإذاعة جيش الاحتلال.." ان حزب الله لم يحافظ على قوته فقط، بل زادها". واستطرد نيريا قائلاً: " ان التوقعات بأن يقوم الجمهور اللبناني بمعاقبة حزب الله بسبب الوضع الاقتصادي الصعب منذ العام 2019م وبسبب تفجير مرفأ بيروت، تلاشت وان الناخب اللبناني، لا يؤمن بأن حزب الله هو الذي قام بتفجير المرفأ؟"- بالإضافة الى ذلك، توجه نيريا الى صناع القرار في تل أبيب وأكد قائلا: " إن انتفاضة شعبية ضد حزب الله ليست واردة بتاتاً لا اليوم ولا غداً"، لافتاً الى.. " أن نتائج الانتخابات في لبنان مقلقة جداً بالنسبة " لإسرائيل"، ليس فقط بسبب ازدياد قوة حزب الله فقط، بل لأن الحزب وضع الآن نصب عينيه الحرب مع " إسرائيل"، متوقعاً ان الحرب القادمة بين دولة الاحتلال وحزب الله ستندلع بسبب الخلاف على المياه الإقليمية". صحيفة النيويورك تايمز الامريكية بدورها قالت إن الانتخابات البرلمانية في لبنان لم تؤدِ الى نتائج تسمح بعملية إصلاح شاملة، والمقصود إزاحة كتلة المقاومة عن واجهة المشهد السياسي في لبنان، وتحقيق الغرض المتمثل في إدخال البلد في متاهة الحرب الأهلية، وكل ذلك يشكل اعترافاً بالهزيمة وانتكاسة مدوية للمشروع السعودي الصهيوني الأمريكي في لبنان، والعاقل من يأخذ العبرة ويتعظ. فهل تؤوب السلطات السعودية الى رشدها وتترك التآمر على البلدان العربية والإسلامية خدمة لأمريكا وللصهيونية ولأذنابهم!؟
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق