البحرين.. خفايا إزاحة خالد بن أحمد وإبداله بالزياني وزيراً للخارجية
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي..
لعلكم أیها الأخوة القراء والمتابعین، قرأتم وتابعتم الخبر الذی تناقلته وكالات الأبناء والذي أعلنت عنه وكالة أبناء البحرين في مطلع يناير للعام الجديد 2020، والذي كشفت فيه الوكالة.. عن أن ولي العهد البحرين سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة أبلغ عبد اللطيف الزياني أمين عام مجلس التعاون الخليجي، برغبة الملك حمد بن عيسى بتعيينه وزيراً للخارجية بدلاً عن الأمير المتصهين خالد بن أحمد، مع انتهاء فترة عمله في أمانة مجلس التعاون في نيسان/أبريل القادم، وتعيين خالد بن أحمد مستشاراً للملك للشؤون الدبلوماسية، وفي حينها علق الأخير على إزاحته من الوزارة، قائلاً على حسابه الرسمي على تويتر.."خدمت سيدي صاحب الجلالة ووطني بكل ما أوتيت من جهد واستطاعة وسأظل أخدمهم ما حييت" وختم التعليق بالقول.. "الآن أسلم الراية لأخ قدير عزيز تعلمت منه الكثير" على حد أقواله وتعليقاته.
هذا التطور فاجأ المراقبين والمحللين، لأنه جاء مفاجئاً بدون مقدمات من النظام البحريني أولاً، وثانياً، لأنه خلاف التوقعات، لأن هذا الرجل الذي يصفه أو ينعته الأعلام "ببرميل البحرين" هو أبرز شخص عربي متصهين، بل الصهاينة أنفسهم أشادوا بصهيونية وقالوا انه أشد صهيونية وأكثر من الصهاينة أنفسهم !!
وفعلاً فأن هذا الرجل تجاوز كل المحذورات وكل الحدود في التعبير عن الانحياز والولاء للصهاينة والدفاع عن كيانهم الغاصب!! حتى انه استحق لقب "عراب التطبيع البحريني والخليجي" في المنطقة بجدارة فائقة، فهذا الوزير وطيلة بقائه بالوزارة على مدى الخمسة عشر عاماً الماضية لم يترك مناسبة إلا وأعلن فيها ولائه لأسياده الصهاينة أو دافع عن كيانهم الغاصب، ودعونا نذكركم ببعض مواقفه، لضرورة البناء عليها في التحليل وفي معرفة الأسباب الكامنة وراء هذه الإزاحة والإخراج من الوزارة، ومن أبرز تصريحاته ومواقفه في هذا السياق، وهي تصريحات ومواقف صادمة للعرب وللفلسطينيين ولكل المسلمين.. قوله في حوار مع صحيفة "تايم اوف إسرائيل" الصهيونية على هامش "ورشة البحرين للسلام من أجل الازدهار "المعينة بالشق الاقتصادي من صفقة القرن، التي عقدت في المنامة في حزيران الماضي.. قوله.. "إن إسرائيل وجدت لتبقى، ولها الحق في أن تعيش داخل حدود آمنة" مؤكداً أن المنامة وعواصم عربية أخرى تريد التطبيع معها!! وأضاف.."إن المبادرة العربية، مبادرة السلام، لم تعرض على جزيرة أو دولة بعيدة، وإنما على إسرائيل "وان بلاده تريد علاقات أفضل معها، مشدداً على ما أسماه "حق إسرائيل" في الوجود كدولة وبحدود آمنة موضحاً "إن هذا الحق هو ما جعل دولاً عربية تعرض عليها مبادرة السلام".. على حد مزاعمه وأقواله..
كما دافع هذا الوزير عن ما أسماه حق الكيان الصهيوني في الاعتداء على سوريا وفي قتل الفلسطينيين وفي كل مناسبة تجري فيها مواجهات بين العدو والمقاومة، زاعماً أن ذلك هو دفاع عن النفس!! ففي هذا السياق اعتبر خالد بن أحمد "أن استهداف دولة الاحتلال الإسرائيلي لإيران وأذرعها يعد "دفاعاً عن النفس" على خلفية الغارات التي شنها الاحتلال الصهيوني على أهداف يعدها إيرانية في العراق ولبنان وسوريا في الأشهر الأخيرة!! ولفت خالد حينها إلى "أن المادة 51 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة تؤكد وبكل وضوح حق الدول في الدفاع عن نفسها ضد أي تهديد أو اعتداء "معتبراً بذلك" إسرائيل "دولة بالمعنى الحقيقي وليست احتلالاً !!
ذلك إلى جانب الكثير من التصريحات والمواقف، واللقاءات الساخنة والودية مع بعض المسؤولين الصهاينة ومنهم تسيفي ليفني، ألتي عبر فيها هذا الوزير المتصهين إلى حد النخاع، والتي آخرها وليس أخيرها، تصريحاته التي أدلى بها في حلقة نقاشية أمام حلف الأطلسي في واشنطن، والتي عقدت في تموز الماضي إذ أكد دعمه للتطبيع وانه يسير على خطى الرئيس المصري السابق أنور السادات. وقال أيضاً: إن "الشعب الاسرائيلي بحاجة الى راحة البال الأجيال قادمة "على حد زعمه وقوله، وأضاف: "لذا ينبغي أن يسمعونا وكما نقول (دغري بالعربية) هذا ما نعتقده وما نود تحقيقه، فالمنطقة التي ينتمي إليها الشعب الإسرائيلي" اكبر بكثير لأنها تشمل أراضينا ودولنا "على حد أقواله ومزاعمه.
وإذا ما أردنا أن نقرأ ما وراء هذا الحماس وهذا الود الذي يعبر عنه هذا المتصهين دائماً تجاه الكيان الصهيوني وأسياده الصهاينة، فأننا يمكن أن تحدد عدة أهداف يسعى نحوها خالد بن أحمد آل خليفة نكتفي بالإشارة إلى ثلاثة مهمة، هي ما يلي:
1ــ محاولة كسر الحواجز النفسية التي كانت تحول، أو تشكل عقبة كأداء أمام تسويق العدو وتحسين صورته بين أوساط الأمة، وبالتالي شق الطريق الذي كان مسدوداً أمام ولوج الأنظمة لهذا الطريق للتطبيع مع العدو، ذلك عبر هذه الجرأة التي اتسمت بها مواقف هذا الوزير المتصهين دون غيره من المطبيعين السعوديين والإماراتيين، فهو أجاد هذا الدور وانتهك بشكل سافر مقدسات الأمة واستهتر بمشاعرها، ومارس دوراً قذراً أكثر من عمليات التسويق للعدو والتدجين للأمة، ولعله كان مكلفاً من الصهاينة والسعوديين للقيام بهذا الدور من أجل التمهيد لبن سلمان للهرولة مع العدو، ولذلك لاحظنا انه كلما ازدادت الجرأة السعودية عند الأوساط الإعلامية خاصة والسياسية عامة في هذا الاتجاه. ذلك فضلاً عن أن هذه الجرأة والتحدي لمشاعر الأمة، يجريان في إطار تقديم النظام البحريني شهادة حسن السلوك للأسياد الصهاينة.
2ــ ورغم ان مواقف هذا الوزير المتصهين من العدو الصهيوني تأتي في سياق الهدف المشار إليه، إلا أنها تستهدف ضمانة المحافظة على النظام البحريني، على خلفية مقولة، أن كسب الحماية الأمريكية تأتي من بوابة الولوج نحو الرضا الصهيوني، ذلك أن هذا النظام يتعرض إلى تحديات كثيرة، فهو من جانب يشهد حراكاً شعبياً يسعى إلى وضع حد لاستهتار النظام بقيم الناس وأرزاقها وتهديد استقرارها الاجتماعي والنفسي، ومن جهة ثانية يتعرض البلد إلى احتلال عسكري سعودي إماراتي، فهذا الاحتلال الذي فرض فرضاً على النظام هو الحاكم الفعلي وهو الذي يتحكم بالمفاصل الأساسية للحكم في هذا البلد، ولذلك لم يكن قدر نظام آل خليفة في المنامة يعد هذا الاحتلال إلّا السمع والطاعة لآل سعود، وحتى ولو كان ذلك يضر بالنظام البحريني نفسه. ومن جهة ثالثة فالنظام يعاني من الانقسامات الداخلية ومن الاختلافات داخل العائلة الخليفية، الأمر الذي شكل صاعقاً مهدداً لاستقرار العائلة ولتماسكها ووحدتها، إذا ما انفجر بعامل ما، وأمام كل هذه التحديات وغيرها يعتقد نظام ال خليفة عامة وهذا الوزير خاصة أن الهرولة والارتماء في أحضان العدو، هما الضمانة لحماية هذا النظام من السقوط والرمي في مزابل التاريخ!!
3 ــ بالإضافة إلى ذلك، أرى أن هذا الحماس الذي يبديه هذا الوزير المتصهين من آل خليفة للتطبيع والتفاني والدفاع عن الكيان الصهيوني، له دوافع شخصية أيضاً، فكما أشرنا قبل قليل، خالد بن أحمد غال وتجاوز كل الحدود المعقولة في هذا الحماس المشار إليه والاندفاع نحو التطبيع مع العدو، من أجل توجيه رسائل منه إلى الأسياد الصهاينة بأنه الرجل الذي يمثلهم هنا، وبأنه الشخص المخلص في الدفاع عنهم وعن مصالحهم، وفي تسويق وجوههم القبيحة وتلميعها في المنطقة، طمعا منه في أن يعتمده الصهاينة الشخص الأول في البحرين، ظناً منه، إنْ تحقق ذلك فأنه سيكون الشخص الأوفر حظاً من توفر الفرص لإحراز مقام عال في النظام البحريني، أو حتى الوصول إلى رئاسة الوزراء بل أكثر من ذلك يطمح هذا الوزير ليكون الملك القادم!! وهذا لا يعني أن الملك حمد بن عيسى آل خليفة وابنه سلمان لا يمتلكان نفس الحماس للتطبيع مع العدو، لعلهما أكثر حماساً من هذا الوزير لكنها لا تصل وقاحتهم وتحديهما لمشاعر الأمة ولمقدساتها وقيمها وأعرافها الإسلامية والاجتماعية لا تصل إلى مستوى ما يمتلكه هذا الوزير من وقاحة وصلافة وعداء للأمة ولحقها في فلسطين والقدس المغتصبتين.. فهذه الوقاحة جعلت خالد بن أحمد أكثر خطوة عند الصهاينة وأكثر اهتماماً به وبشأنه لدرجة أن المسؤولين الصهاينة والإعلام الصهيوني دائماً ما يشيد به ويطري عليه ويجري معه المقابلات المطولة، كما هو الحال في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة يدعوت احرونوت.. وصحف أخرى كثيرة بالإضافة إلى لقاءاته مع قنوات التلفزيون العبري ومنها القناة (13).. ودائماً ما تخطى تصريحاته بالإشادات الصهيونية، وبأنها تشكل مادة دسمة لتعليقات ومتابعة وتحليل الخبراء والمحللين الصهاينة، فعلى سبيل المثال، وبعد تغريدته على تويتر التي دعم فيها الكيان الصهيوني بعد قصفه مواقع سورية في العام الماضي، والتي قال فيها: "إنه لطالما أخلّت إيران بالوضع القائم في المنطقة واستباحت الدول بقواتها وصواريخها، فيحق لأي دولة في المنطقة- ومنها إسرائيل- أن تدافع عن نفسها بتدمير مصادر الخطر" على حد قوله وزعمه.. نقول بعد هذه التغريدة، علّق وزير الاتصالات الصهيوني من جملة الاهتمام الذي أولته الأوساط الصهيونية وبشكل واسع بهذه التغريدة، أيّوب قرّا قائلاً: "إنها- أي هذه التغريدة تشكل دعماً تأريخيا لإسرائيل إزاء ما سماه العدوان الإيراني"! واعتبر قرّا أن كلام وزير خارجية جزيرة البحرين هو دعم يعكس التحالف الجديد الذي يتشكل في الشرق الأوساط بفضل الجهود التي يبذلها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بحسب تعبيره. أكثر من ذلك، أن حتى الأوساط الغربية والأمريكية بدأت تهتم بتصريحات ومواقف الوزير البحريني المتصهين الداعمة لكيان الصهيوني، ففي هذا السياق وتعليقاً على تغريده الوزير البحريني الآنفة علقت مسؤولة أمريكية رفيعة المستوى بالقول " إن من الأهمية بمكان أن تعترف دولة خليجية وعربية مثل البحرين "بإسرائيل" وبحقها بالدفاع عن نفسها في وجه التهديدات الإيرانية" على حد قولها..
وأضافت: "أن تعبير وزير الخارجية البحريني عن مثل هذا الرأي وبشكل علني أمر قوي.. وان توقيت نشر تغريدة المسؤول البحريني قبل ثلاثة أيام من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس اكبر دليل على أن قرار الرئيس دونالد ترامب قرار صائب، وانه لا يسبب أي استياء في المنطقة"! على حد زعمها.. وفي الإطار ذاته كتب المسؤول في وزارة الخارجية الألمانية، كريستيان بوك الذي حضر القمة الاقتصادية التي عقدت في نهايات أو في الأشهر الأخيرة من العام 2019 حول ما يسمى بصفقة القرن في البحرين..كتب هذا المسؤول في تغريدة له في ذلك الوقت قائلاً: "أسعدني رؤية مشاركين عرب وإسرائيليين يجلسون جنباً إلى جنب.. وقول وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة إنه يرغب بعلاقات أفضل وسلام مع إسرائيل" على حد قوله..
هذا الاهتمام الصهيوني والأمريكي والغربي بهذا الوزير المتصهين وإعجاب الصهاينة والأمريكيين والغربيين أيضاً بجرأته في الدفاع عن الكيان الصهيوني أثار القلق والخوف عند آل خليفة، لاسيما عند ولي العهد سلمان بن حمد وأبيه الملك حمد بن عيسى آل خليفة، على خلفية الصراع الذي تشهده العائلة على الحكم وعلى خلفية الصراع الخفي بين الأمارات والسعودية، فهذه الأخيرة تدعم رئيس الوزراء سلمان بن خليفة عم الملك الحالي الذي يتربع على هذا المنصب منذ أكثر من أربعين عاماً، أما الأمارات فهي تسعى بكل جهدها من أجل إزاحة هذا العجوز وإبداله بالشباب من آل خليفة ولهذا السبب فأن عائلة آل خليفة تنقسم إلى محورين، الأول يمثله رئيس الوزراء، ولأن الخلافات برزت مؤخراً على السطح أو طفت على السطح بسبب أن رئيس الوزراء بدأ ينفرد في اتخاذ القرارات والقيام ببعض التحركات بخصوص الأزمة الداخلية التي يعاني البلد منها، اضطر المحور الثاني للإعلان في أكثر من مرة بأن خطوات العم رئيس الوزراء لا تمثل النظام إنما تمثل شخصه، فهذا الصراع والانقسام عزز المخاوف لدى ولي العهد البحريني من احتمالات دعم الصهاينة وترجيحهم لهذا المتصهين ليكون رئيس الوزراء أو حتى الملك القادم، ولذلك جاءت الخطوة لإبعاد هذا الوزير عن الأضواء ليخلو الجو لولي العهد البحريني من منافس قوي يتمتع بالدعم الصهيوني، هذا من جهة ومن جهة أخرى أن إزاحته عن وزارة الخارجية من شأنه أن يضعف جبهة رئيس الوزراء داخل الأسرة الخليفية الحاكمة. أما اختيار عبد اللطيف الزياني بديلاً لخالد بن أحمد، فلأنه مقرب جداً من النظام السعودي، كما انه من خارج دائرة الأسرة الخليفية الحاكمة، بالإضافة إلى أنه رجل ضعيف ولا يشكل تهديداً لطموحات الملك البحريني وولي عهده وبالتالي فأن إبعاد خالد عن مسرح وزارة الخارجية، فهو لإضعاف محور رئيس الوزراء ثم وضع حد لطموحات هذا الوزير ونفوذه صهيونياً وأمريكياً، وأخيراً تقوية محور الملك وأبناءه داخل الأسرة الخليفية، وتمكينه من إمكانية حسم الصراع مصالحه.
ارسال التعليق