التغييرات الأخيرة...وأزمات النظام السلماني
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكيتعددت التحليلات والتفسيرات حول التغييرات الأخيرة التي أجراها الملك سلمان، وأبرزها الإطاحة بوزير الخارجية عادل الجبير، وبرئيس الحرس الوطني، ففئة من المحللين اعتبر تلك التغييرات التي طالت وجوهاً كثيرة انقلاباً قام به الملك سلمان، لأنها طالت مفاصل مهمة في الدولة السعودية، لاسيما الأمن العام والخارجية والأعلام..ذلك من أجل تهيئة الظروف لإيجاد بديل عن ابنه محمد، وهذا ما أشارت إليه صحيفة (بوبليكو) الأسبانية، حيث ذكرت أن الملك سلمان يبحث عن بديل آخر لولاية العهد خلفاً لمحمد، الذي يبدو أنه " خرج عن نطاق السياسية التقليدية التي سارت عليها المملكة، خاصة أن مشاريعه الداخلية والخارجية تعرضت لانتكاسات كبيرة"، بحسب الصحيفة.. أما الفئة الثانية من المحللين فقد اعتبرت هذه الإجراءات الملكية مؤشراً على الفوضى والارتباك داخل السعودية، بسبب تداعيات مقتل الصحافي الخضرم جمال خاشقجي، بينما الفئة الثالثة من المحللين قالت، إن هذه الأوامر الملكية جاءت لتعزز موقع ولي العهد محمد بن سلمان، وتزيد من حظوظه في الوصول إلى عرش المملكة" بعد الاهتزاز، بل الارتجاج الذي تعرض له موقعه على خلفية ارتكابه جريمة قتل خاشقجي من خلال فريق التصفية الذي أرسله إلى إسطنبول بقيادة المقربين منه، والذي قام بعميلة التصفية لخاشقجي.
وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة هذه التحليلات أو بعضها، فإن المؤكد أن هذه التعديلات الملكية التي طالت كما أشرنا وجوهاً بارزة في الحكومة السعودية، تعبر عن أزمة يعيشها النظام السعودي، لها بعدان خارجي وداخلي، على الصعيد الخارجي تتجلى هذه الأزمة بوضوح، من خلال الأمور التالية:
1ـ انفتاح عيون الرأي العام الأوربي والأمريكي على الإجرام السعودي، ذلك أن مقتل خاشقجي لا يعني شيئاً جديداً في الإجرام السعودي، فالإجرام هو الوجه الحقيقي لهذا النظام، فكما هو معروف، قام هذا النظام على جماجم أهالي نجد والحجاز وبقية مناطق الجزيرة العربية، ومنذ ذلك الوقت يمارس القتل والتصفيات الجسدية للمعارضين ببشاعة وبدموية تجلت بشكل واضح للرأي العام بعملية قتل خاشقجي، فكم من معارض سعودي، تمت تصفيته وبتلك الدموية، على أيدي المخابرات السعودية، فهناك سلسلة طويلة من الضحايا..لكن النظام كان يستخدم الأموال الطائلة للتعتيم عليها، وإسدال ستار النسيان لها.. ولكن سوء إدارة عملية تصفية خاشقجي كشفت بشاعة النظام وحقيقة دمويته...
هذا الانكشاف، شكل القشة التي كسرت ظهر البعير، لأن الرأي العام الأوربي والأمريكي، بل وبعض السياسيين والمؤسسات السياسية والحقوقية في أوربا وأمريكا تمتلك رصيداً كبيراً حول دور النظام السعودي في المنطقة من ناحية تصديره للفكر الوهابي، وصناعته وإنتاجه للقطعان التكفيرية التي زج بها في العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان والصومال ومصر وليبيا، والتي تسببت في كل هذا التخريب والتدمير والقتل البشع والدموي للأبرياء في هذا الدول، بل والمسؤولة أيضاً عن عمليات التفجير والقتل التي طالت عواصم ومدن أوربية أيضاً.. ذلك فضلاً عن المجازر البشعة التي يرتكبها النظام وبشكل متواتر في المدن اليمنية بتصفية للمناطق الآهلة بالسكان من النساء والأطفال والمسنين والتسبب في كل هذه الكوارث الصحية والإنسانية والحياتية التي تعصف بالشعب اليمني..إذن هناك خلفية لدى الرأي العام والأوساط السياسية والحقوقية في أوربا وأمريكا حول إجرامية النظام السعودي وحول خطورته، ولذلك كانت هناك دعوات بعضها علنية والكثير منها خجولة للضغط على هذا النظام لتغيير سلوكه أو قطع الأسلحة عنه، تنعكس هذه الدعوات على الصحافة الغربية حيناً، وحيناً آخر تتجلى بهمسات بعض السياسيين في أمريكا وأوربا، لكنها سرعان ما تخفت، إذ يسارع النظام إلى خنقها من خلال الرشى الطائلة التي تجبر أصحاب هذه الدعوات إلى التراجع أو السكوت وإغماض العيون عن حقيقة النظام السعودي الدموية.
على أن جريمة قتل خاشقجي فجرت الاحتقان الذي خلفه رصيد الإجرام السعودي طيلة الفترة الماضية عند الرأي العام الأوربي والأمريكي، وانعكس كحملة إعلامية وسياسية ضد النظام السعودي، لدرجة أن السي آي أي، أصدرت تقريراً أكدت فيه مسؤولية بن سلمان عن قتل خاشقجي، ثم أقدم مجلس الشيوخ الأمريكي على تحميل بن سلمان المسؤولية عن الجريمة، ومازال عدد من السياسيين ومن الرموز الأمريكية في مجلسي النواب والشيوخ وفي الخارجية يطالبون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتخلي عن بن سلمان، ومحاكمة ومعاقبة الذين قتلوا خاشقجي..لأن تلك الجريمة شكلت إحراجاً للنظام الأمريكي الداعم الرئيسي لهذا النظام القاتل، وأشارت بعض الأوساط الخارجية إلى أن الرئيس ترامب تخلى على خلفية هذه الضغوط التي مورست عليه في الاتجاه المشار إليه تخلي عن الدفاع عن بن سلمان ففي هذا السياق قال مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، في مقابلة مع وكالة بلومبيرغ نشرت يوم25/12/2018 " أن الأمير محمد له كل الحق في وراثة العرش عندما يموت الملك سلمان البالغ من العمر82عاماً ".وأضاف بوغدانوف " بالطبع، نحن ضد التدخل، وعلى الشعب والقيادة في السعودية أن يقرروا مثل هذه المسائل بأنفسهم. لقد اتخذ الملك قراراً، ولا يمكنني حتى أن أتخيل على أي أساس سيتدخل شخص بأمريكا في مثل هذه القضية ويفكر فيمن ينبغي أن يحكم المملكة السعودية الآن أو بالمستقبل، هذه مسألة سعودية".
2ـ إحراج الحليف الأمريكي..رغم كل الضغوط التي مورست على ترامب وطاقمه من أجل التخلي عن بن سلمان وإبداله بأمير آخر لولاية العهد السعودي، إلا أن ترامب ظل يدافع عن بن سلمان لأنه يطبّع مع الكيان الصهيوني، ولأن السعودية تشكل ضمانة لبقاء هذا الكيان، وعلى أثر هذا الدفاع أتهم بعض النواب، وبعض أعضاء مجلس الشيوخ الرئيس ترامب بوجود مصالح خاصة له مع النظام السعودي، بل طالب البعض بتشكيل هيئة تحقيق حول العلاقة الخاصة بين ترامب والنظام السعودي، لأن عدداً من الصحف الأمريكية اتهمت النظام السعودي بمنح عائلة ترامب امتيازات خاصة مثل تأجير فنادق خاصة لترامب بأسعار خيالية!! وعلى أثر القصف الإعلامي والسياسي المتواصل من تلك الأوساط المشار إليها، على الرئيس الأمريكي، بدا هذا الأخير أقل حماساً في الدفاع عن بن سلمان وعن النظام السعودي بشكل عام..
3ـ لأن النظام السعودي أصبح بعد جريمة قتل خاشقجي، تحت رصد الرأي العام الأوربي والأمريكي، ولأن ذلك تسبب في انهيال التقارير المتواترة حول إجرام النظام وحول اقترافه المجازر، فان ذلك وفّر فرصة مثالية لأعداء النظام السعودي، أو بالأحرى لمن كان قد أساء إليهم هذا النظام وعاداهم، وفّر لهم فرصة مثالية لمهاجمته وفضحه، الأمر الذي عقد من مهمة ترامب وطاقمه في الدفاع عن هذا النظام. ليس هذا وحسب بل إن حتى بعض حلفاء النظام السعودي وجدوا في فرصة افتضاح جرائمه، فرصة في إبرازه وحمله على نزف المزيد من الأموال، لصالح سكوت هؤلاء الحلفاء، ومن بينهم الأمريكان أنفسهم، وأيضاً، على إجباره على اتخاذ مواقف سياسية وحتى أمنية لصالح أجندات تلك الجهات المشار إليها.
4ـ الأهم من ذلك، هو أن الحكومة العميقة في أمريكا، وصلت إلى قناعة بأن وجود بن سلمان والجوقة الصبيانية التي جمعها حوله، بات يشكل خطراً على المصالح الأمريكية لأن تقديرات هذه الحكومة، أن هذا الرجل الصبياني يمكن أن يجر بتصرفاته ومجازفاته التي يقدم على بعضها دون الرجوع إلى الولايات المتحدة، يمكن أن يجر هذه الأخيرة إلى حرب، أو إلى سياسات تشكل في المحصلة تهديداً لمصالحها، ولمصالح الكيان الصهيوني، وكان قد عبر أكثر من عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي وأكثر من عضو في مجلس النواب، عن قلق الحكومة الخفية بوضوح، إذ قال بعضهم أن بن سلمان يشكل خطراً على مصالح الأمريكية، لأن تقديرات هذه الحكومة، وأن هذا الرجل الصبياني يمكن أن يجر بتصرفاته ومجازفاته التي يقدم على بعضها دون الرجوع إلى الولايات المتحدة، يمكن أن يجر هذه الأخيرة إلى حرب، أو إلى سياسات تشكل في المحصلة تهديداً لمصالحها، ولمصالح الكيان الصهيوني، وكان قد عبر أكثر من عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي وأكثر من عضو في مجلس النواب، عن قلق الحكومة الخفية بوضوح، إذ قال بعضهم أن بن سلمان يشكل خطراً على مصالح أمريكا في المنطقة والبعض الآخر، قال انه مجنون وغير متزن وبعض ثالث قال انه بسياساته يشكل كارثة على الولايات المتحدة وهكذا... هذه بعض تجليات أزمة النظام الخارجية، أما أزمة النظام الداخلية، فيمكن أن نرصد بعض تداعياتها بالآتي:-
1ـ أوجدت الحملة الأمريكية السياسية الإعلامية المضادة لبن سلمان، مناخات وأجواء تسببت في ارتجاج النظام السلماني داخل الأسرة السعودية، وداخل الوسط الجماهيري في الجزيرة، أي في بلاد الحرمين الشريفين نتيجة سياسات بن سلمان التعسفية والعميقة، فعلى صعيد الأسرة، وجد الأمراء الناقمون على بن سلمان والمعارضون لصعوده الصاروخي نحو العرش، وجدوا في القصف الأمريكي لبن سلمان فرصة في التحرك من أجل إيجاد البديل لبن سلمان وإزاحته، وأرى أن الجناح المحسوب على بريطانيا تحرك بشكل واضح في هذا الاتجاه، فالسلطات البريطانية أقنعت الأمير احمد بن عبد العزيز على ما يبدو بالذهاب إلى السعودية بضمانات بريطانية وأمريكية لحمايته من الاعتقال أو التغييب بسبب التصريحات التي حمّل فيها أخاه الملك سلمان وولي عهده ابنه محمد مسؤوليه ما وصلت إليه الأمور في المملكة، خصوصاً في شن الحرب على اليمن وارتكاب المجازر فيه، وحينها لاحظت أن الصحف البريطانية ظلت تروج أن أحمد بن عبد العزيز يمكن أن يكون البديل لبن سلمان فيما يخص ولاية العهد..ويبدو أن الخطة كانت مرسومة بريطانياً وحتى أمريكيا بهذا الاتجاه، إلا أن المعارضة القوية من جانب الكيان الصهيوني، وخاصة من جانب نتنياهو وطاقمه لهذا التغيير حال دون حصوله حتى هذه اللحظة..ولكن رغم ذلك، فأن الكاتب الأمريكي سايمون هندرسون أشار في تحليل له نشره معهد واشنطن للدراسات، إلى الاحتقان الذي بات يسيطر على العائلة السعودية، وتوقع أن ثمة تغيير يمكن أن يحصل في عام2019م، وقد انطلق هذا المحلل الأمريكي والخبير في الشأن السعودي، من وقائع تشييع جنازة الأمير طلال بن عبد العزيز الأخ غير الشقيق للملك سلمان، في توصيف حالة الاحتقان وتصاعد الخلافات داخل الأسرة الحاكمة.
أما أزمة النظام على صعيد المعارضة الشعبية، فأن أزمات بن سلمان الخارجية تسببت في النيل من موقعه القوي داخل النظام، ووجهت له ضربات أضعفت هذا الموقع، بل وعززت القناعة لدى بعض أوساط الرأي العام داخل المملكة بقرب سقوط هذا الدكتاتور الصغير، وهذا المناخ جعل الناس أكثر جرأة وتحدياً للنظام السعودي، ولذلك سارع الملك سلمان لامتصاص نقمة الجماهير واحتواء أي تحرك ثوري، إلى القيام بزيارات إلى المناطق التي تشهد توتراً متزايداً ضد نظامه، وحاول كسب رضى أهاليها من خلال الأموال التي وعد بمنحها وبالمشاريع التي تعهد بإنجازها في تلك المناطق..
2ـ فشل سياسات بن سلمان الاقتصادية، ثم حربه على اليمن، كل ذلك تسبب في زيادة الضغوط الاقتصادية على المواطن في المملكة، وما زاد الطين بله هو الحلب الأمريكي المتواصل للموارد المالية السعودية، فترامب انتزع من بن سلمان مئات المليارات من الدولارات على شكل هبات أو استثمارات، أو عقود أسلحة، كل ذلك وغيره، عزز حالة التذمر عند الناس من الملك سلمان وابنه، أكثر من ذلك، أن ممارسة بن سلمان الضغوط على بعض العشائر في السعودية، والزج برجالاتها البارزين في السجون، والسيطرة على مناطقها وأراضيها ومصادرتها وضمها إلى ممتلكات ومحميات آل سلمان، كل ذلك أوجد غلياناً داخل أوساط هذه العشائر وبالتالي فأنها تنتظر الفرصة للانقضاض والانتقام من آل سلمان، وقد يتطور الأمر للانتقام من كل الأسرة السعودية الحاكمة والرمي بها في مزابل التأريخ.
3ـ طيش بن سلمان، وزيادة شعوره بالثقة بنفسه، بسبب حماية ترامب له، وكذلك نتنياهو، ودعمهما لسياساته، دفع به إلى تصعيد عمليات بطشه بحق المعارضة الداخلية، بحيث أصبح هذا البطش وتلك السياسات العميقة لبن سلمان، حديث الصحافة الغربية، سيما البريطانية منها، فلا يمر يوم أو أسبوع إلا وثمة حديث عن بطش بن سلمان بالناشطات السعوديات أو بالنشطاء، انتقاداً أو تحذيراً، أو دعوة إلى ضرورة أن يخفف النظام من عمليات البطش والتنكيل، لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تفجر الوضع الداخلي ضد آل سعود، فعلى سبيل المثال، قالت صحيفة الغارديان البريطانية في افتتاحيتها لعدد يوم 5/1/2019 " أن السعودية صاحبة أسوء سجل في العالم عندما يتعلق الأمر بالحرية الدينية والحريات المدينة وحقوق المرأة "وبعد أن حملت بن سلمان شخصياً المسؤولية عن هذه السياسات العميقة قالت " أن السعودية في ظل آل سلمان تبدو وكأنها مكان السجن وتعذيب من لا يتفق مع بن سلمان، وقتل ويمثل بجثة من يخالفه ".
على خلفية ما تقدم وجد ترامب ونتنياهو انه لا يمكن الاستمرار في دعم بن سلمان وطاقمه فمن جهة أن ثمة ضغوط من داخل الكونغرس تُمارس على ترامب لإحداث تغيير في هيكلية النظام السعودي، ومن جهة أن هذا الترامب يتعرض إلى ضغوط هائلة من الكيان الصهيوني ورئيس وزرائه نتنياهو بعدم تغيير بن سلمان أو التفريط به، ويبدو لي أن ترامب والصهاينة توصلوا إلى حل وسط يبقي بن سلمان في السلطة ويحد من سياساته، من أجل تحقيق جملة أهداف، ومن المحافظة على النظام السعودي من الانهيار والتلاشي، وكسب رضى الأوساط الأمريكية المعارضة، ويتخلص هذا الحل بما يلي:
1ـ الحد من اندفاعات ورعونة بن سلمان، وضبط سياساته وتصرفاته بالاستناد إلى مرجعيات أمريكية وصهيونية، ولعل الصحافة الصهيونية كانت واضحة في الإشارة إلى هذه النقطة عندما قالت، انه يجب على بن سلمان أن يغير من سلوكه إذا أراد أن نبقى إلى جانبه وندافع عنه، وفي هذا الإطار، أصدر " مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي " يوم24/12/2018، كان الجنرال في الاحتياط إلداد شفيت ويوئيل جوزنسكي، قام بأعدادها، تقول هذه الدراسة " أن أسلوب حكم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المتسلط يصعّب مهمة الدفاع عنه "..وبعد إشادة الدراسة بالجهد الذي قام به نتنياهو من أجل منع الرئيس الأمريكي أو إدارته، من اتخاذ إجراءات جديدة ضد ولي العهد..قالت.." إن هذه الإجراءات لو اتخذت فأن من شأنها أن تمس استقرار نظام الحكم في المملكة، والذي بدوره قد ينعكس على "المصالح القومية الإسرائيلية " حيث حققت الرياض توازناً إقليمياً مريحاً لتل أبيب، إلى جانب دورها في مواجهة الخطر الإيراني" على حد ما جاء في هذه الدراسة ومزاعمها..كما شددت الدراسة في الوقت نفسه على أن بن سلمان يجعل مهمة الدفاع عن نظامه بالغة التعقيد، بسبب أنماط سلوكه على الصعيد الداخلي من خلال الحملة التي يقوم بها ضد العديد من الأطراف السعودية، وعلى الصعيد الإقليمي، لاسيما حربه في اليمن، والأزمة مع قطر، واختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وإجباره على الاستقالة، إلى جانب قضية مقتل خاشقجي. وبعد إشارة الدراسة إلى معارضة مجلس الشيوخ الأمريكي لبن سلمان، وضرورة الحذر الصهيوني في قضية الدفاع عن هذا الأخطير، قالت الدراسة محذرة من أن " إضعاف مكانة بن سلمان الداخلية في أعقاب قضية خاشقجي، يقلص من قدرته على تقديم بوادر حسن نية علنية تجاه تل أبيب"...كما دعت الدراسة صناع القرار في تل أبيب إلى "تبني إستراتيجية واضحة تهدف إلى الدفاع عن استقرار نظام حكم بن سلمان، وفي الوقت نفسه توخي الحذر بحيث لا يسهم الدفاع عن حكم الرياض في " تشويه سمعة إسرائيل الأخلاقية "!!)) على حد ما جاء في الدراسة التي توقعت أن يكافئ نظام الحكم السعودي (إسرائيل) في المستقبل على وقوفها إلى جانب بن سلمان عبر سلسلة من الخطوات التي تخدم مصالحها المختلفة.
2ـ حماية بن سلمان لم تقتصر على وقوف العدو إلى جانبه، وإنما نصحت الدوائر الأمريكية والصهيونية المقربة من النظام السعودي هذا الأخير إلى تعزيز قوته، بعد اهتزازه، بإحاطة بن سلمان بأمراء من المقربين له، ولذلك نجد أن الذين أسندت مهام ووزارات ومسؤوليات في المفاصل الأمنية للنظام السلماني خصوصاً هم من المقربين لبن سلمان ومن الذين يأمن جانبهم، مثال على ذلك رئيس الحرس الوطني الجديد الأمير عبد الله بن بندر..
3ـ محاولة تحسين وجه المملكة خارجياً وتغطية تجاعيده الإجرامية التي افتضحت للعالم، من خلال اختيار شخصيتين واحدة للأعلام والثانية للخارجية، واختيار إبراهيم العساف للخارجية يؤكد هذا الأمر، فالرجل كان جزءاً من الحرس القديم وتولى وزارة المالية لما يقارب من العشرين سنة، شخصية متقدمة في العمر وصاحبة تجربة في العمل الحكومي وحتى الدبلوماسي، مجرد وجوده على رأس الدبلوماسية السعودية، يمنح النظام والمملكة نظرة إيجابية خصوصاً عند الأمريكيين المطالبين بمعاقبة بن سلمان، ذلك أن عادل الجبير كان غير موفق في منح النظام صورة مرضية أمام الخارج فكان مراهقاً أيضاً على غرار بن سلمان، وردات فعله ومواقفه انفعالية ينقصها الاتزان والكياسة، وذلك بالطبع ما ساهم في كشف حقيقة هذا النظام القاتل والدموي، لذلك جيء بالعساف ليعالج هذا الأمر وليعيد نظرة العالم إلى السعودية إلى العهد السابق قبل مجيء سلمان وابنه..
إذن التغييرات الأخيرة التي أجراها الملك سلمان جاءت على خلفية خطط صهيونية لاحتواء تداعيات السياسة المراهقة لبن سلمان التي باتت تهدد النظام السعودي ومعه مصالح حلفائه الصهاينة والأمريكان خصوصاً، ومحاولة إيقاف هذه التداعيات وتدعيم ركائز هذا النظام! ولكن هل تنجح هذه الإجراءات في تحقيق هذه الأماني الصهيونية والسلمانية!؟ الأيام القادمة سوف تُجيب عن هذا التساؤل، ولكن مما هو معروف أن القدح إذا كسر لا يمكن إعادته إلى حالته الأولى إلا بتذويبه ومن ثم صناعته من جديد، فما لم يكون هناك تغييراً جذرياً يشمل كليات وجزئيات هذا النظام القبلي أعتقد أن عمليات الترقيع ستبقى حلولاً مؤقتة ليس إلا، سيما وان بن سلمان لم يغيّر من إجرامه وقمعه لأبناء الشعب المملكة خاصة وأبناء المنطقة عامة.
ارسال التعليق