"الرياضيات الالكترونية" واجرام "بن سلمان".. الكل يرتزق على دمائنا
[جمال حسن]
* جمال حسن
ارتفع عدد أحكام الإعدام المنفذة من قبل السلطات السعودية خلال العام الجاري الى أكثر من 110 أشخاص وفق إحصاءات رسمية، أي ،أعدام كل يومين"، فيما منظمات حقوق الانسان وفي مقدمتها العفو الدولية تؤكد أن لديها تقارير موثقة تشير الى أن العدد أكثر من هذا وسط كتمان الحقائق التي تعيشها الجزيرة العربية منذ عقود طويلة.
فقد تضاعفت حالات الإعدام التي تكون غالبيتها إما على أسس قبلية وذات منافع تتعلق بمحمد بن سلمان مثل ما تتعرض له قبيلة "الحويطات" غربي البلاد، أو على أسس طائفية مقيتة كما يتعرض له أبناء شعبنا في المنطقة الشرقية- وفق مراقبون وحقوقيون، مشددين أن هناك "محاكمات غير عادلة" رغم إدعاء "بن سلمان" بحذف عقوبة الاعدام وأنه يمضي نحو "الإصلاح" جزافاً.
وقالت "هبة مرايف" مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية "أمنستي"، إنّ الأمر "يكشف عن استخفاف السلطات السعودية المروع بالحق في الحياة ويتناقض بوضوح مع وعودها المتكررة بالحد من استخدامها لعقوبة الإعدام"؛ فقد تم أعدام أكثر من (1100) شخص في الجزيرة العربية منذ تولي سلمان السلطة وانقلابه على قرارات الأسرة الحاكمة- بحسب تقرير مشترك لمنظمة "ريبريف" غير الحكومية المناهضة لعقوبة الإعدام ومقرّها في بريطانيا.
وقال كينيث روث -المدير التنفيذي السابق لمنظمة هيومن رايتس ووتش- والأستاذ حالياً في كلية الشؤون العامة والدولية بجامعة برينستون ( غالبية الاعدامات لا تتم حتى بسبب جرائم عادية معترف بها بل بسبب جرائم سياسية مثل تعريض الوحدة الوطنية للخطر أو تقويض الأمن المجتمعي" حسب إدعاءات السلطة الحاكمة، وترى منظمة العفو الدولية أن ثمة "استخدام للقضاء لإسكات المعارضين".
وسط هذا الكم الهائل من الاعدامات التي تطال أبناء الجزيرة العربية لأسباب غالبيتها المطلقة سياسية بحتة، نرى التزام الأنظمة الغربية والاتحادات الرياضية الدولية التي تتشدق بحقوق الانسان والعدالة والمساواة، الصمت المقيت جراء رشى النظام السعودي الدموي لهم من أموال بيت المال ونهب لقمة عيش المواطن، مرتزقين على دماء أحبائنا وأشقائنا وأبنائنا وآبائنا من كلا الجنسين الذين نفجع بهم يومياً.
مع اتساع نطاق الاعدامات في البلاد، نرى مشاركة واسعة النطاق من قبل الاتحادات الرياضية والفرق الرياضية الأوروبية منها وجنوب شرق آسيا وحتى العربية، في البطولات التي يقيمها محمد بن سلمان على أركام أجساد وعظام قتلانا ودموع أيتامهم وآبائهم وأمهاتهم، دون أدنى اعتناء لشعاراتها التي ترفعها بخصوص حقوق الإنسان ومعاقبة المعتدي.
على سبيل المثال نرى كيف تم حرمان روسيا من الأولمبياد العالمية المقامة حالياً في فرنسا بسبب الحرب على أوكرانيا، فيما يتم استضافة فرق الكيان الصهيوني المجرم في هذا الحدث الرياضي العالمي وكأنه لم يرتكب المجازر الدموية لحظة بلحظة وليس يوماً بعد آخر، ضد الفلسطينيين العزل في غزة والضفة الغربية المحتلة بدعم الأنظمة الغربية المتشدقة بحقوق الانسان ذاتها تسليحا وسياسة ومالاً وحتى قوات.
وتزامناً مع اعلان الرياض تنفيذ حكم الإعدام "حرابة" بحق عدد من أبناء المنطقة الشرقية، يقيم النظام السعودي "بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية" بكل وقاحة ودون الاعتناء لصراخ الثكالى ودعوات بعض المنظمات الدولية بالحد من هذه العقوبة المميتة المقيتة، وتنفيذ الوعود التي أطلقها "بن سلمان" عام 2018 على أقل تقدير؛ والتوجه نحو تحسين الوضع الاقتصادي الضحل لبلاد الذهب الأسود الذي يزدان سوءً يوماً بعد آخر.
"60 مليون أخضر يزغللوا"، يصرخ بها الممثل المصري عمرو يوسف خلال ترويجه الدعائي لكأس العالم للرياضات الإلكترونية المقامة في الرياض، يجمع فيه أبطال فيلم "ولاد رزق 3" المنحطين خلقياً، معلقاً: "احنا كنا هنبطل! بس ٦٠ مليون أخضر يزغللوا عين أي حد.. حكاية ولاد رزق لسه مخلصتش والطالعة المرة دي فيها كأس عالم، تيجي زي ما تيجي"؛ يا لسخافة الفن الذي يستخدم لكتمان إجرام سلطة ضد شعبها ويرتزق على دماء الأبرياء.
ويقام كأس العالم للرياضات الإلكترونية في "بوليفارد رياض سيتي" في العاصمة السعودية، الرياض، بمشاركة أكثر من 1500 لاعب من نخبة الأندية الدولية، الذين يتنافسون في 22 بطولة بجوائز مالية هي الأغلى في تاريخ القطاع، بإجمالي قيمة تتجاوز 60 مليون دولار، وفق وكالة الأنباء الرسمية "واس"، تستقطع من قيمة الضريبة المضافة التي يدفعها مواطني المملكة من لقمة عيشهم لينعم بها أصحاب الكروش والعروش.
الأمر لم ينته عند هذا الواقع بل يزداد سوءاً يوماً بعد آخر طالما "تركي آل الشيخ" رئيس هيئة الترفيه الحكومية السعودية، هذا الكلب الوفي لمحمد بن سلمان يحرث أرض المقدسات بعهرة ودعارته وقبح الاخلاق ليبعد أجيالنا عن ديننا ومعتقداتنا وقيمنا الاجتماعية، ويسلب منا كل شئ قيم إيجابي ومفيد ليجعل من بلاد الحرمين الشريفين مرقصاً وملهاً لسيده هبل آل سعود.
وقد اعتمد "صندوق التنمية الوطني" بقيادة محمد بن سلمان، برنامجا لتمويل قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية بميزانية قدرها 300 مليون ريال في العام 2022م، وبنهاية عام 2023م تم زيادة ميزانية البرنامج الى 1.09 مليار ريال؛ فيما مواطنوا الجزيرة العربية يعانون الويل في لقمة عيشهم وكاهلهم منحط بسبب أرتفاع الأسعار والغلاء والبطالة وتنامي الفقر وحذف الدعوم الحكومية من المواد الأساسية والأغذية والأدوية.
ويرى المراقبون أن الزيادة الأخيرة في عمليات الإعدام تتناقض مع تصريح "هلا بنت مَزْيَد التويجري" - رئيسة ما تسمى "هيئة حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية"- مؤخراً، والتي أبلغت مجلس حقوق الإنسان الدولي في جنيف أن "السعودية عازمة على المضي قدماً نحو تحقيق أفضل المعايير الدولية في حماية وتعزيز حقوق الإنسان، انطلاقاً من مبادئها وقيمها الراسخة، وإرادة قيادتها التي تضع الإنسان فوق كل اعتبار"؛ وهي كلمات جوفاء مفرغة من معناها، حيث إن "حقوق الإنسان الفعلية من شأنها أن تسمح بالانتقاد والمراقبة والمساءلة في النظام السلطوي".
ثم لا ننسى ما تتعرض له قبيلة الحويطات من قساوة السلطة السعودية على أبناءها لا لأجل حقوق سياسية وحرية رأي، بل بدافع استحواذ "بن سلمان" على أراضي القبيلة ومصادرتها بكل ما لديه من قوة، كما يفعل مع مناطق عديدة في المنطقة الشرقية ايضا حيث التهجير القسري وإصدار أحكام بالسجن تصل الى 50 عاماً تستهدف الرافضين لأطماعه، فيما هناك العديد منهم أعدموا وآخرين ينتظرون الاعدام لهذا السبب لا أكثر.
هذا التناقض ما بين النظرة الدولية والمنظمات الحقوقية لواقع بلاد الحجاز الحقوقي، وبين ما تعلنه السلطات السعودية نفسها من إصلاحات وتغييرات، وبين الممارسة الفعلية على أرض الواقع من حملات اعتقالات وملاحقات يومية، يطرح التساؤل عما إذا كان الإصلاح في المملكة حقيقة أم أنها "مجرد دعاية" اعلامية؟؟، حيث الشق الثاني للسؤال هو الواقع الحقيقي - وفق تقرير مركز مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط مدعوم بتجارب كوكبةٍ من خبراء كارنيغي في بيروت وواشنطن.
"لا شيء تغير"، انه تضليل لما يجري من مجازر دموية يومية بحق المواطن بالجزيرة على أسس طائفية وقبلية ومصالح تخص محمد بن سلمان وحده دون غيره، يرتزق على فتات مائدته جمع كثير من مصاصي الدماء داخلياً وعربياً ودولياً خاصة الأنظمة الغربية المتبجحة بحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، والنظم الديمقراطية، وهي شعارات حبر على ورق تستخدمها متى اقتضت ضرورة مصالحها الطامعة في ثروات بلادنا.
يشعر الكثيرون بالقلق إزاء ارتباط البطولات الرياضية التي يقيمها "أبو منشار" لاجرامه المتفاقم ضد أبناء شعبنا، وهو ما يطلق عليه المراقبون أسم "التبييض الرياضي"، وسط انتشار مخاوف بشأن سجل حقوق الإنسان هناك على نطاق واسع في أوساط الرياضات الإلكترونية، ورفض بعض الفرق المشاركة بالبطولة الحالية، وتشعر منظمات حقوق الإنسان بالقلق إزاء استمرار استثمار السعوديين في الرياضات الإلكترونية.
وقالت "دانا أحمد" الباحثة في شؤون الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية، لشبكة "سي أن أن": "تستثمر السلطات السعودية المليارات في الرياضات الإلكترونية، وهو مجال مزدهر في التفاعلات عبر الإنترنت، بينما تقوم بقمع أي شكل من أشكال التعبير الانتقادي عبر الإنترنت بعقوبات قاسية بالسجن وحتى عقوبة الإعدام".
ارسال التعليق