السعودي والصهيوني وارتهان جثامين الشهداء.. تجارة اعضاء أم استشفاء؟!
[جمال حسن]
* جمال حسن
ثماني سنوات عجاف على الشعب شهدت أبشع أنواع البطش بالمعارضين والعلماء والمفكرين والنشطاء، لم يشهد له مثيل سوى على عهد عبد العزيز الذي دمر البلاد وقتل العباد بحثاً عن السيطرة الكاملة على الجزيرة العربية وثرواتها بمساعدة الاستعمار البريطاني الخبيث.
انها سياسة بطش المحتلين الطغاة ضد اصحاب الأرض الأصليين شهدتها بعض دول العالم مثل أمريكا وكندا من قبل، فيما الأمر ذاته مستمر منذ القرن الماضي وحتى كتابتنا لهذه السطور في الحجاز ونجد وفلسطين المحتلة بشكل لا يتصوره العقل البشري ولا يتحمله كل صاحب ضمير.
فأرقام الاعدامات والاغتيالات الميدانية تسير بسرعة، وسلسلة الاعتقالات والإعدامات العلنية والسرية الجماعية منها والفردية باتت حديث المراقبين لسلطتي الاحتلال الصهيوني والسعودي حيث فاق الأخير قرينه الأول بالإجرام عدة مرات وتجاوزت حالات الاعدام الى أكثر من 1120 شخصاً غالبيتهم من الأبرياء الذين طالبوا بتحسين أوضاع البلاد منذ بدء العهد السلماني وحتى يومنا هذا وفق أرقام رسمية.
لكن ما يؤلم أكثر من سلسلة الإعدامات الممنهجة وعلى الهوية، أنه حتى جثامين الشهداء الطاهرة لم تسلم من أعمالهم الشريرة، والقذرة، فلم يكتفوا بإعدام أبنائنا سراً وعلانية، وفي المعتقلات، وفي الميادين والحواجز الأمنية، بل يحتجزون جثامينهم الطاهرة غاية في نفس حكام الطغيان والفرعنة، وفي انتهاك صارخ لكل القيم والأعراف الدولية والإنسانية.
لقد باتت سياسة احتجاز جثامين القتلى والمعدومين من قبل سلطات الاحتلال و حكومات بلدانهم خرقاً واضحا وصريحاً لاتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة، أمر متداول دون خوف من أية عواقب دولية لهذا الانتهاك الصارخ حيث لا أذن صاغية لعويل وصراخ ومطالبات ذوي الضحايا الذي ترهبهم السلطات السعودية وقوات الاحتلال الصهيوني.
وفي هذا الإطار شنت المنظمة الأوربية - السعودية لحقوق الإنسان هجوما لاذعا على استمرار السعودية في سياسة احتجاز جثامين معتقلي الرأي لديها، وكتبت في تغريدة لها عبر تويتر أنه "لا شكّ أن احتجاز الجثامين من أكثر السُّنن ظلماً في العهد السلماني"؛ فيما لجنة الدفاع عن الأسرى الفلسطينيين تشير الى الإجرام ذاته مشيرة الى استمرار الكيان الصهيوني باحتجاز جثامين أكثر من 390 فلسيطنياً.
فيما يشير المراقبون الى أن السلطات السعودية ومنذ مجزرة الاعدام الجماعي في يناير 2016 التي ذهب فيها خيرة الأحرار، تراكم احتجازها جثامين المعدومين في السجون وحتى تلك التي يتم اغتيالها في الشوارع أو يتم تغييبها عن ذويها للتجاوز المئات جثماناً وفق مصادر موثقة والتي أكدت أن الرقم يفوق ذلك بكثير.
انها جريمة حرب وفق القانون الدولي تضاف الى الأسباب الواهية والمزيفة من وراء صدور أحكام القتل الإعدامات المتوالية في مملكة الرعب والموت على يد آل سعود وجلاوزتهم، كما هو الحال في الأراضي الفلسطينية والعربية الاخرى على يد الصهاينة المحتلين.
إصرار السلطات السعودية والصهيونية على إحتجاز الجثامين يطرح سؤال ملح كثيراً وهو: هل الهدف هو سرقة الأعضاء البشرية؟ لتأتي الإجابة سريعة، أن السلطات الإرهابية تمارس كل الأفعال القذرة؛ فيما وثائق دامغة تؤكد الهدف من ذلك باعتبارها تجارة مربحة كثيراً و"بن سلمان" لا ينوي الإستغنا عنها كما هو شأن الاحتلال الصهيوني المشهور بهذه التجارة عالمياً ومنذ عقود طويلة.
فقد كتبت الدكتورة منيرا فايس الطبيبة الصهيونية والخبيرة في علم الإنسان في كتاب لها حول سرقة أعضاء الشهداء الفلسطينيين، أنه "خلال وجودي في معهد أبو كبير للطب الشرعي في تل أبيب شاهدت كيف كانوا يسرقون أعضاء أجساد الفلسطينيين القتلى ويبيعونها، انها تجارة مربحة للغاية".
وفي مملكة سطوة آل سعود، يروي بعض ذوي الشهداء والمقتولين أنهم شهدوا سرقات لأعضاء من الجثث التي استلموها من قرنيات، وجلدا، وصدور مفتوحة؛ حيث وضعوا مكان القرنيات شيئا بلاستيكيا، فيما أخذوا من جلد الظهر بحيث لا ترى العائلة بسهولة ذلك.
وبثت القناة الصهيونية الثانية في 23 نوفمبر 2015 تحقيقاً صحافياً يكشف قيام معهد الطب العدلي الصهيوني، بسرقة أعضاء من جثامين الشهداء الفلسطينيين التي تحتجزها دولة الاحتلال. فيما نشرت شبكة (CNN) الأمريكية تقريراً كشفت فيه النقاب عن معطيات جاء فيها أن كيان الاحتلال تعتبر أكبر مركز عالمي لتجارة الأعضاء البشرية بشكل غير قانوني.
ولم يعد الاحتلال الصهيوني اليوم الكيان الوحيد عالمياً متبحراً في سرقة وتجارة أعضاء الشهداء والقتلى، حيث باتت السلطات السعودية سباقة في هذا الأمر وتنافس تل ابيب و نايبيداو (عاصمة بورما) في الأسواق العالمية بعرضها أعضاء قتلى المسلمين بأثمان مغرية، وفق مصادر لمنظمات حقوقية دولية.
والى جانب ارتفاع أرقام الإعدامات المنفذة في مملكة الموت، فإن السلطات السعودية ابتدعت نهجا مستجدا في احتجاز جثامين المعدومين من أجل ترهيب عوائلهم وأقاربهم وسائر من توسوس له نفسه في المطالبة بحرية الرأي والتعبير والعدالة والمساواة ولقمة العيش الشريفة.
لقد بات سجل النظام السعودي الخاص بإعدام المواطنين خطيرا جدًا، وأنّ استرخاص الحياة الإنسانية بسطوة السلطة الاستبدادية للأسرة السعودية الحاكمة من خلال قضاء مسيس ومحاكمات جائرة تنعدم فيها الشفافية وتفتقر لأبسط مقومات العدالة، ثم ارتهان جثامين المعدومين ظلماَ وجوراً يكشف فظاعة ما يتعرض له أبناء الوطن من جرائم وانتهاكات من قبل النظام وأجهزته الأمنية.
السلطات السعودية القابعة على رقاب شعبنا المغلوب على أمره ترفض تسليم جثامين الشهداء ممن قضوا في عمليات الإعدام الوحشية العديدة التي ارتكبتها، وتُحاول السلطات التعامل مع الشهداء على أنهم لم يكن لهم وجودٌ أصلاً، متوهّمةً بأنها عبر إخفاء جثامين الشهداء ستُنسي ذويهم الظلم الذي تجرّعوه.
فبعد كل جريمة يليق بها وصف المجزرة، يحاول النظام السعودي السفاح طمس وإخفاء آثار جريمته، محاولاً تغييب ما حصل عن ذاكرة الناس، وذلك عبر احتجاز وإرتهان جثامين المعدومين، ظناً منه أنه بهذا تُنسى جريمته؛ لكن غالباً ليس هناك جريمة كاملة، ثمة دائماً ما ينطق موجّهاً أصابع الاتهام نحو المجرم.
ويقول المراقبون أن الحاكم مهما كان متجبّراً وجائراً، فأنه يُدرك أن غضب الشعب المظلوم إذا تأجّج سيقتلعه من جذوره، لذا يتجنّب هذا الغضب ويخشاه. وهذا ما يحاول النظام السعودي فعله، إذ يخشى تسليم جثامين الشهداء خوفاً من طوفان مسيرات التشييع التي ستملأ الشوارع والأزقة، وخشيةً من الحزن والغضب اللذين إذا امتزجا سيشكلان انفجاراً لا تُدرَك تبِعاته.
لا يقتصر استبداد الكيان السعودي المحتل على الامتناع عن تسليم الجثامين، بل يمنع أهالي الشهداء من إقامة مراسم العزاء، وبذلك يكون "بن سلمان" وسلطته قد خطفوا أرواح المعتقلين بعد أن سرقوهم أعواماً من أعمارهم، حرموهم وذويهم من لحظة وداع قبل الرحيل، ثم حرموا أهاليهم حتى السلوى الوحيدة المتبقية لهم، وهي زيارة قبور أبنائهم.
وكتب أحدهم يقول "لا بد من أن نذكر الطاغية المجرم أبن سلمان من أن جرائمه وأسرته المتوحشة طيلة أكثر من قرن لن تُنسى، ولن يطويها النسيان، وأصابع الاتهام والإدانة ستبقى موجّهة نحوهم أبداً، فذكرى جميع الشهداء المظلومين ستنطق وتفضح وحشيتهم كل يوم، وكل ما حاولوا إخفاء الشهداء أكثر، زادت ذكراهم رسوخاً واتّقاداً".
ارسال التعليق