السعودية وأنصار الله... من اتفاق وشيك لإنهاء العدوان على اليمن، إلى تبادل التهديدات بالعودة للحرب مجدداً !!...
[عبد العزيز المكي]
بعد الأحاديث المتكررة عن احتمالات توصل أنصار الله والسعوديين إلى اتفاق لإنهاء العدوان على اليمن.. وبعد اختتام لقاءات مسقط الأخيرة بين أنصار الله وما يسمى "الحكومة الشرعية" والسعودية أيضاً .. وبعد تصريحات وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الأخيرة التي زعم فيها "أن خريطة الطريق لحل الأزمة اليمنية أصبحت جاهزة مؤكداً استعداد المملكة للعمل وفقاً لها" على حد زعمه، وقال بن فرحان أيضا في تصريحات صحفية قبل أيام: "نعتقد أنه بالتوقيع على خريطة الطريق سيكون بوسعنا المضي قدماً، ونأمل ان يحدث ذلك عاجلاً وليس آجلاً" معربا عن أمله في أن يتم التوقيع على خارطة "الطريق اليمنية في أقرب وقت ممكن" !
بعد كل هذه الأجواء التي اعتبرها البعض أجواء إيجابية، ومؤشراً على قرب انفراج الأزمة اليمنية، يبدو أن الأوضاع مرشحة بدلاً من الاتفاق وإنهاء العدوان إلى التصعيد والعودة إلى الحرب مجدداً، هذا ما تعكسه تهديدات أنصار الله وتحذيراتهم للنظام السعودي، باللجوء إلى الخيارات العسكرية التي ستكون مختلفة تماماً عن مجريات الحرب التي تواصلت على مدى تسع سنوات، واللافت أن هذه التهديدات جاءت على لسان قائد أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي في الخطاب الأخير الذي ألقاه بمناسبة رأس السنة الهجرية الجديدة (١٤٤٦ هـ ) حيث قال بعد اتهامه للنظام السعودي بالانسياق مع الحرب الأمريكية الاقتصادية على الشعب اليمني بعد هزيمة أمريكا وفشلها في الحرب العسكرية مع أنصار الله في البحر الأحمر والبحر العربي، "أن على السعودي أن يدرك أنه لا يمكن السكوت على خطواته الرعناء الغبية وان يكف عن مساره الخاطئ" وأضاف راسما السيد الحوثي ، معادلة جديدة في الحرب القادمة: "سنقابل كل شيء بمثله: البنوك بالبنوك، مطار الرياض بمطار صنعاء، والمواني بالميناء" وقال السيد عبد الملك الحوثي أيضاً: "إذا كان النظام السعودي مقتنعاً بالتورط مع الأمريكي وتقديم الدعم للإسرائيلي، فهذا خياره والعواقب ستكون خطيرة عليه"! ورغم الأجواء المتفائلة التي اشرنا إليها في بداية الحديث اتهم السيد الحوثي كما اشرنا قبل قليل - السعودية بالتصعيد والانخراط في العدوان الأمريكي العسكري والاقتصادي حيث قال "عندما تلجئونا إلى خيارات لا مناص منها سنتحرك بكل قناعة واطمئنان، لأننا أصلاً في الحرب والحصار والمعاناة" وأضاف "الأمريكي يحاول أن يورطكم وإذا كنتم تريدون ذلك فجربوا" وتابع محذراً السعوديين بالقول "إذا نجح الأمريكي في توريطكم فهو غباء رهيب وخذلان كبير ومن حقنا الطبيعي التصدي لأي خطوة عدوانية، وإذا تورطتم أكثر سيكون التصعيد من جانبنا أكثر، ولا تعولوا على الأمريكي فهو فاشل" وقدم السيد الحوثي النصيحة الأخيرة للنظام السعودي بعد هذا التهديد الصارم قائلاً "إذا كنتم تريدون الخير لانفسكم والاستقرار لبلدكم واقتصادكم فكفوا مؤامراتكم عن بلدنا، مؤكداً أن "الاتجاه نحو التصعيد العدواني ضد بلدنا لا يمكن أن نقبل به أبداً"..
تهديدات وتحذيرات ونصائح السيد الحوثي تؤشر إلى أمرين هامين هما:
- ان ما يروج له النظام السعودي وأعوانه حول مزاعم الاتفاق وخرائط الطريق الجاهزة لإنهاء العدوان، ما هي إلا محاولة تغطية على نوايا النظام الحقيقية التي باتت اليوم بعيدة عن التوصل إلى خارطة طريق حقيقية لإنهاء العدوان، كما أن المفاوضات نوع من المماطلة وكسب الوقت من أجل الأعداد والاستعداد لشن العدوان على اليمن..- يؤشر خطاب السيد عبد الملك، أن النظام السعودي قد حسم خياره بالانخراط في المشروع الأمريكي الرامي إلى إشعال الحرب مجدداً في اليمن من أجل استنزاف أنصار الله، لعل ذلك يؤثر على قدرتهم في فرض الحصار البحري على العدو الصهيوني والذي فشل الأمريكي والبريطاني عسكريا في كسره، كما بات معلوماً.. وكان النظام السعودي متردداً في الانخراط بما يريده الأمريكي من تصعيد الحرب مجدداً ضد أنصار الله خوفاً من تبعات التصعيد، سيما وان قدرات أنصار الله الصاروخية والعسكرية تضاعفت عشرات المرات لدرجة أنهم ضربوا حاملة الطائرات الأمريكية "آيزنهاور:.. وقد مارست أمريكا الضغوط على النظام السعودي من أجل مغادرة التردد والانخراط في التصعيد ضد أنصار الله، ويبدو أنهم خضعوا للإرادة الأمريكية وهذا ما أشار إليه السيد عبد الملك الحوثي في خطابه الآنف، إذ أكد على أن "الأمريكي أرسل إلينا برسائل بأنه سيدفع النظام السعودي إلى خطوات عدوانية، وحصلت زيارات أمريكية للسعودية من أجل ذلك" وأضاف أن "الأمريكي مستمر في محاولاته لتوريط النظام السعودي بعد فشله عسكرياً في المواجهة مع اليمن" وأشار السيد عبد الملك الحوثي إلى أن "أهم ما يركز عليه الأمريكي هو المجال الاقتصادي لأن ضرره يلحق بكل الناس" كما اعتبر الحوثي نقل البنوك من صنعاء خطوة جنونية وغبية، حيث قال: "لا أحد في العالم يفكر بهذه الطريقة" مؤكداً أن "النظام السعودي أقدم على هذه الخطوة خدمة لإسرائيل وطاعة لأمريكا"..على أن النظام السعودي اعتبر وعلى لسان إعلامييه وخبرائه كما في كل مرة، أن أنصار الله هم الذين "يصعدون" وهم الذين "يتحدون وينقلبون" على الاتفاقات بين الطرفين حول إنهاء الحرب، فهذا الخبير العسكري السعودي الدكتور زايد محمد العمري، خرج عن سياقات اللياقة الأدبية في الرد على أنصار الله، واستخدم عبارات سوقية تكشف الهستيريا التي أصابت النظام بعد التهديدات التي أطلقها السيد الحوثي حيث قال هذا الخبير: "الرسالة اليوم.. أوجهها إلى "معتوه" صعدة، عليكم بالهدوء واحترام المملكة التي لا زالت رغم "رعونة" تعاملك مع الأزمة وتبعيتك لأجندات خارجية، إلا أنها تمسك أعصابها ولم تستخدم القوة التي تملكها، ومن يوجهك يعلم تلك القوة، فعد إلى رشدك وإلا فاعلم أن للصبر حدود والعمق بالعمق!!" على حد قوله وزعمه.
وأضاف العمري الذي كما قلنا يعكس رأي النظام السعودي، قائلا "ولن تظل المملكة مكتوفة الأيدي عن الرد، ليس بالمثل بل بأشد قوة وشراسة مما سيجعل ما يتم استهدافه أثراً بعد عين.." !! وفي ذات السياق جاءت تصريحات وكتابات بقية مرتزقة النظام السعودي من الكتاب، والخبراء. وغيرهم، وواضح هم يحملون أنصار الله مسؤولية التصعيد والتوتر في اليمن، ويحملون أنصار الله مسؤولية فشل مفاوضات مسقط الأخيرة، في حين أن كل المعطيات والمؤشرات الميدانية ثم التحركات السعودية تؤكد أن النظام السعودي هو المسؤول عن هذا التوتر بانخراطه على ما يبدو في الخطة الأمريكية الصهيونية الخاصة باليمن، وهنا يمكن أن نشير إلى بعض من هذه المعطيات بما يلي:
إن السعودية كانت توصلت إلى اتفاق كامل مع أنصار الله وتبادلت معهم الزيارات وعلى مستويات عالية، وحتى أن الطرفين وصلا إلى مرحلة التوقيع على هذا الاتفاق لإنهاء العدوان، لكن أمريكا تدخلت لدى الطرف السعودي ومنعته من التوقيع باعتراف وزير الخارجية بلينكن الذي قال لا نسمح بانجاز هذا الاتفاق وسنقف ضده ولذلك قام بلينكن بجولات متعددة مع مسؤولين أمريكيين آخرين على الرياض للضغط عليها ومنعها من توقيع الاتفاق، وبعد مقاومة لهذه الضغوط خضعت القيادة السعودية واستجابت للطلب الأمريكي ونفذت خطوة نقل البنوك ومحاصرة الجهاز المالي لأنصار الله، التي خطط لها الأمريكي بعد فشله العسكري في البحر الأحمر، الأمر الذي خرب الاتفاق المذكور بين الطرفين!!بعد تخريب الاتفاق والانقلاب عليه أعادت السعودية عملية المفاوضات إلى المربع صفر، ووضعت شروطاً جديدة وصعبة لا يمكن القبول بها، فالهدف منها أساساً عرقلة أي جهود للوصول إلى اتفاق مرض، وهذا ما يؤكده تعليق أو رسالة الصحفي السعودي الذي طالما يسرب وجهة نظر النظام السعودي عبد الله آل هتيلة حيث قال "قلناها ونكررها، مفاوضات السلام تحتاج إلى الالتزام بكامل بنودها حزمة واحدة بعيدا عن الانتقائية والسير في مراحل أولية لتحقيق مكاسب ومن ثم رفض ما تبقى"!! وأضاف "من يريد السلام في اليمن، عليه الإعلان عن الالتزام بكامل بنود خارطة الطريق وليس فقط المرحلة الأولى التي تتضمن صرف الرواتب وفتح المعابر لتحسين الظروف الاقتصادية ومن ثم التنصل من استكمال عملية السلام، ثم يشير بوضوح إلى الشرط التعجيزي والذي نسف الاتفاق والمفاوضات اللاحقة، وهو إلغاء دور أنصار الله، كما تريد الولايات المتحدة، قائلا "إن من يريد السلام في اليمن عليه أن يعلن انه يلتزم بكامل البنود العسكرية والسياسية، وبدولة ذات سيادة وقرار بيدها السلاح المتوسط والثقيل ولا كلمة تعلو على كلمتها في كل القرارات الداخلية والخارجية ووفق ما يتفق عليه اليمنيون" ويوضح آل هتيلة أكثر بالشرط الجديد الذي وضعته أمريكا قائلا: إن اليمن لن يقبل شعبه أن يكون صورة طبق الأصل للبنان أو العراق لأن شعبه ينشد التقدم والازدهار والأمن، ولا يمكن له القبول بتعطيل مستقبله كما هو الحال في لبنان والعراق وسوريا وليبيا والسودان" !! على حد قوله وزعمه..
وواضح أن تصريحات آل هتيلة تؤكد أن ما قصده فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي في تصريحاته مارة الذكر حول "أن خارطة الطريق لحل أزمة اليمين جاهزة" هو استسلام الحوثيين وتسليم سلاحهم، وهو الشرط الذي عجزت السعودية عن تحقيقه رغم شنها العدوان على صنعاء على مدى تسع سنوات، وشملت كل مناحي الحياة !!
3- النظام السعودي، إلى جانب تحريكه أزلامه في اليمن، لرفع التوتر في جبهات القتال في أغلب المحاور، أقدم على مزيد من التضييق ضد أنصار الله بتقويض حركة النقل والطيران في مطار صنعاء، إذ لم يسمح إلا برحلة واحدة في الذهاب والإياب من صنعاء إلى عمان، وهذا ما رفضه الأنصار حيث أصدروا بياناً شجبوا فيه الحرب أو التصعيد في الحرب الاقتصادية على اليمن نزولا للرغبة الأمريكية من جانب النظام السعودي.. ومما جاء في البيان الذي أصدره المجلس السياسي الأعلى في صنعاء، تأييده للمعادلة التي أعلنها السيد عبد الملك الحوثي، والاستعداد للمواجهة والحرب، متهما السعودية بالتصعيد الاقتصادي ضد الشعب اليمني خدمة لأمريكا وإسرائيل.. وإلى ذلك أصدرت الخطوط الجوية اليمنية في صنعاء بياناً حملت فيه السعودية المسؤولية عن غلق مطار صنعاء ومما قالت فيه: "إن التحالف غير جاد في فتح المطار الدولي من خلال قيامه بجدولة وجهة واحدة فقط هي رحلات صنعاء - عمان والعودة اعتباراً من اليوم الثلاثاء 19/ ٧/ لشهر يوليو لرفع الحرج عنه أمام المجتمع الدولي" وأكد البيان أن التحالف مستمر في إغلاق مطار صنعاء بشكل كامل معتبرا ذلك التفافاً وتنصلا واضحا يدل على عدم جديته على فتح مطار صنعاء رافضاً هذه الخطوة نهائياً، ومحملا التحالف كامل المسؤولية عن الاستمرار في التعنت لمنعه فتح مطار صنعاء !!
4- تشكيل جماعات إرهابية للقيام بزعزعة الأمن والاستقرار في المحافظات التي تحت سيطرة أنصار الله، وشروعها بعمليات اغتيال وقتل قيادات أنصار الله وقد شهدت تلك المناطق أكثر من عملية اغتيال للأسف .
5 - تصعيد إعلامي شرس ضد أنصار الله، بعد تهدئة استمرت لأكثر من عام، بعد التوصل إلى اتفاق ينهي العدوان، شارك فيه كبار الإعلاميين والخبراء السعوديين أمثال نائب رئيس تحرير صحيفة عكاظ عبد الله آل هتيلة وغيره ! على أن السؤال المطروح إزاء تلكم التطورات هو ماذا وراء الانخراط السعودي في التصعيد الأمريكي ضد أنصار الله !؟ هذا ما اجبنا عليه في القسم الاخر من المقالة.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق