العبث السعودي المستمر في الشأن اللبناني...والاعتراف هذه المرة على لسان الحليف سمير جعجع!!
[عبد العزيز المكي]
لعل أغلب المتابعين والمحللين في المنطقة بل وفي العالم يعرفون حقيقة ان النظام السعودي " يقلب الدنيا" و" يطبق السماء على الأرض" حينما يتعرض سياسي أو إعلامي لبناني الى النظام السعودي ولو بجملة خبرية يتحدث فيها عن حقيقة أو حدث ميداني تتحدث عنه وسائل الاعلام في المنطقة والعالم، ويعتبره " تدخلاً سافراً" في الشأن الداخلي ويهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور لقائله وللبنان برمته، وبالإضافة إلى النظام تتجند وسائل الاعلام السعودية بالإضافة إلى نظيرتها اللبنانية التي يمولها هذا النظام لاتهام هذا القائل بالتدخل في " الشأن الداخلي السعودي"!! وتحاول إثارة زوبعة من الغيوم الإعلامية، تعاير فيها اللبنانيين بمساعدتهم بالأموال، وبالوقوف الى جانبهم، وبأنها " صاحبة الفضل عليهم!!" وبأنها " لم تتدخل في شؤونهم الداخلية قيد أنملة "!! وما الى ذلك كثير، والأمثلة على ذلك كثيرة، لكن لمجرد التذكير، نتوقف عند مثال، جورج قرداحي، وزير الاعلام السابق، عند ما تفوه وقال " ان السعودية تشن حرباً عبثية على الشعب اليمني وتفرض الحصار الظالم على هذا الشعب المظلوم" وهذه حقيقة اعترف بها حتى أسياد النظام السعودي، الاميركان، الذين هم بالذات دفعوا بن سلمان لشن هذه الحرب لخدمة أهدافهم وأهداف ربيبهم الكيان الصهيوني، بل اكثر من ذلك تداعى عدد من اعضاء الكونغرس للمطالبة بوقف الرئيس الامريكي إمداد السعودية بالأسلحة في حربها مع اليمن بسبب المأساة الكارثية التي تسببت فيها هذه الحرب الظالمة، كمحاولة او بالاحرى خدعة للتنصل من المسؤولية الامريكية المباشرة عن هذه المأساة عبر دفع النظام السعودي لشن الحرب وفروض الحصار، وعبر مده بالاسلحة الفتاكة، بل والمشاركة في الحرب على هذا الشعب ميدانياً كما اعترفت اوساط امريكية سياسية واعلامية بهذا الأمر اعترافاً صريححاً! كما اعترف أيضاً بذلك عدد من المسؤولين السعوديين ومن الأمراء أيضاً، من المعترضين على سياسات بن سلمان.. ومع ذلك فأن نظام بن سلمان " قلب الدنيا" على لبنان! وقاطعه وتوعجه بالويل والبثور ان لم يتراجع قرداحي عن تصريحه الآنف! وتعرض لبنان على اثر ذلك الى هجمة تشويه وضغط اعلامي وسياسي واقتصادي، شارك فيه عملاء السعوديين من اللبنانيين أنفسهم، ووصلت الوقاحة بالنظام السعودي إلى الطلب من الحكومة اللبنانية بإحالة جورج قرداحي الى الاستقالة، وفعلاً الرجل وعلى خلفية هذه الضجة و" الهمروجة السعودية العدوانية عليه وعلى كل لبنان قدم استقالته من منصبه مما يعتبر ذلك تدخلاً سافراً في الشأن اللبناني، خلاف لما يدعيه النظام السعودي بانه لا يتدخل في شؤون الآخرين!
لكن في الوقت الذي يصر فيه هذا النظام على ادعاءه بعدم تدخله في الشأن اللبناني الداخلي وحتى في شؤون الدول العربية الأخرى، فأن حلفاء هذا النظام من اللبنانيين يعترفون صراحة بهذا التدخل ويصرحون به بدون وجل أو خجل!! فهذا الحليف المقرب جداً من النظام السعودي ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وحليف أمريكا والكيان الصهيوني اعترف بهذه الحقيقة في مقابلته الأخيرة مع صحيفة عكاظ السعودية، والتي نشرت على بعض المواقع الالكترونية الخليجية في 13/12/2022، حيث قال " إنه يعتقد أن السعودية تلعب دوراً استراتيجياً في لبنان" بحسب قوله، ومعنى ذلك:-
1- إن جعجع يعترف صراحة ان دور اللاعب السعودي في الساحة اللبنانية يشمل كل المجالات السياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية ولصالح حلفاء إسرائيل وأمريكا، وضد مَنْ؟ ضد معسكر المقاومة والرافض للهيمنة الأمريكية الصهيونية والبعث السعودي بمقدرات ومصالح الشعب اللبناني. فجعجع الذي يجاهر بتحالفه مع العدو الصهيوني وأمريكا، وبعدائه المفرط للمقاومة التي ألحقت الهزيمة العسكرية بهذا العدو.. حينما يطري على الدور السعودي بهذا الشكل، فأنه يؤكد التطابق التام في الأهداف والنوايا بينه وبين حلفائه السعوديين والصهاينة والأميركان..
و في الحقيقة ان سمير جعجع لا يضيف شيئا جديداً الى قضية التدخل السعودي التخريبي في لبنان، بقدر ما يؤكد هذا التدخل، ويؤكد كذب النفي السعودي لهذا التدخل، فالعبث السعودي بالشأن اللبناني بدأ منذ أن أقام الأنجليز الكيان السعودي على أرض الحجاز ونجد وملحقاتهما، ونيابة عن الانجليز ومن ثم نيابة عن الصهاينة والأميركان، فهو- النظام السعودي- كان وما يزال الأداة الضاربة والخبيثة التي توظف الإمكانات المالية الهائلة والأمنية والاقتصادية في خدمة المصلحة الصهيونية لضرب كل القوى المتطلعة في المنطقة للتخلص من الهيمنة الاستعمارية ومن الاحتلال الصهيوني، ولقد انبرى الكثير من الكتاب والباحثين اللبنانيين والعرب لفضح الدور التخريبي للنظام السعودي في لبنان وفي المنطقة العربية برمتها، فكان لها- اي السلطات السعودية- في الحرب الأهلية في لبنان والتي دامت 10 عاماً، كما كان لها الدور في كل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ألمت بلبنان منذ نشوئه وحتى اليوم، ولقد اعترف الصهاينة بهذا الدور التخريبي صراحة، فايهود أولمرت رئيس وزراء العدو الأسبق قال في عام 2006 ان بعض الدول العربية وقفت الى جانبنا في الحرب على حزب الله عام2006، والاعلام الصهيوني قال حينها ان النظام السعودي يدعو القيادة "الإسرائيلية سراً الى سحق حزب الله"! وفي ذلك الوقت حمّل آل سعود حزب الله المسؤولية عن وقوع العدوان، فيما علماء السعودية الوهابيون يدعون الى انتصار العدو في العدوان الذي شنه على المقاومة، اي عدوان2006!! وهناك الكثير والكثير مما يقال وبالوثائق عن التدخلات العبثية والتآمرية السعودية على لبنان على الصعيدين الأمني والعسكري بإمكان القارئ الكريم العودة اليها في أرشيفات الكتاب والباحثين اللبنانية، ولذلك اكتفي بالإشارات إلى بعض ردود أفعال بعض السياسيين والإعلاميين اللبنانيين إزاء ما يقوم به سفراء السعودية في لبنان من تدخلات فجة ووقحة في الشأن اللبناني العام والخاص!! فهؤلاء يتصرفون وكأنهم الحكام الفعليون في هذا البلد، فهم من يحدد معايير الخيانة والوطنية لأبناء الشعب اللبناني، وذلك قمة لوقاحة والتدخل والتكبر السعودي في التدخل بالشأن اللبناني، لم يسبق سفير من سفراء هذا العالم بالوصول الى هذه الدرجة من الوقاحة والتدخل في شؤون البلد المضيف، فهذا السفير السعودي وليد البخاري، وخلال استقباله لعدد من الشخصيات السياسية اللبنانية الحليفة للسعودية بمناسبة ذكرى اغتيال المفتي حسن خالد ، وذلك في منزله في 23/5/2022 قال: " نزف للمفتي حسن خالد نتائج الانتخابات المشرفة وسقوط كل رموز الغدر والخيانة وصناعة الموت والكراهية" بحسب قوله وزعمه. وهذا الكلام اعتبره اللبنانيون إعلان صريح على تدخل البخاري في الانتخابات بعد ان تحدثت تقارير إعلامية وشخصيات لبنانية بأن النظام السعودي دفع أموالاً طائلة لبعض المرشحين المناوئين لسلاح المقاومة، وان السعودية تمكنت بهذه الأموال الطائلة من إيصال حلفائها إلى البرلمان وحصولهم على الأكثرية فيه..
وفي ذلك الوقت رد وئام وهاب رئيس حزب التوحيد العربي على تصريحات البخاري في عدة تغريدات منها: " تصريحك يا سعادة السفير البخاري هو قمة التدخل الإيراني في الشؤون اللبنانية" وهو رد تهكمي يراد منه الاستسخار من الاتهام السعودي لإيران بالتدخل في الشأن اللبناني، بينما النظام السعودي، يمول الانتخابات ويخوّن المعارضين له من المسؤولين اللبنانيين الذين يقفون في صف المقاومة ومواجهة العدو!!
من جهته علق السياسي اللبناني نجاح واكيم على تصريح البخاري قائلاً.." تزف للمفتي حسن خالد نتائج الانتخابات المشرفة... وأنا أزف لشعب شبه الجزيرة العربية أن سفير النظام الديمقراطي السعودي بات يعرف معنى كلمة انتخابات"!! وهو رد تهكمي يراد منه اهانة السفير والنظام العشائري الذي لا يعرف حتى معنى الانتخابات، انما الفضل للبنانيين الذين علّموه هذا المعنى.. ووصل الأمر باللبنانيين الى انهم طالبوا بطرد هذا السفير الذي يثير الفتنة بين اللبنانيين ويصول ويجول في البلاد وكأنه الحاكم الذي لا يجارى فيها!!
2- جعجع في تصريحاته الآنفة يعترف صراحة أن السعودية هي من تحدد مقاسات وشروط الرئيس اللبناني، فإذا كان ممن لا تتوفر فيه مثل هذه الشروط فهو لا يمكنه الوصول الى الرئاسة، فالسعودية تمتلك الأسلحة والمال وكل شيء لمنعه من الوصول، ومن تلك الأسلحة نفوذها الطاغي في المفاصل اللبنانية الحساسة، وشرائها للكثير من الشخصيات السياسية اللبنانية سيما من الطائفة السنية ومن الطائفة المسيحية!! فضلاً عن الطوائف الأخرى.. وفي السياق المشار إليه يقول سمير جعجع في مقابلته أو حديثه لصحيفة عكاظ السعودية..أنه.." ومنذ اللحظة الأولى للانتخابات الرئاسية أبلغت السعودية كل الدول المعنية بقرارها، وهو في حال أتى رئيس إلى لبنان لا يوحى بالثقة فلن تسهم المملكة بأي شيء له علاقة بالمساعدات في لبنان"!! وأكد جعجع " ان هذا الموقف من المملكة دفع بعض الدول الأوربية الى تغيير موقفها وتتبنى موقف السعودية". وبحسب اعتراف جعجع، ان النظام السعودي لم يكتف بالتدخل في الشأن اللبناني وحسب وإنما حشد عدد من الدول الأوربية للتدخل وممارسة الضغط على اللبنانيين من أجل المجيء برئيس لبناني، على المقاسات السعودية ولعل أهمها أن يكون موالٍ للسعودية يقدم مصلحتها على المصلحة اللبنانية، وان يتبنى موقفها في كل القضايا الاستراتيجية سيما معاداة المقاومة والسعي لنزع سلاحها، والتماهي مع المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة.. وللإشارة فقط، ولاحظنا كيف ان بن سلمان عند ما تلكأ سعد الحريري في تنفيذ الاجندة السعودية استدعاه واعتقله واجبرهُ على الأستقالة من رئاسة الحكومة، ولم يفرج عنه الّا بعد تدخل الرئيس عون والرئيس الفرنسي ماكرون!!
3- إن تصريحات جعجع تؤكد المؤكدات، ان الأزمة التي يعاني منها حالياً لبنان على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إنما للسعودية دور أساسي فيها بالإضافة إلى أميركا وفرنسا والكيان الصهيوني، فخطة إفلاس لبنان وضرب اقتصاده وبنوكه، وتعطيل أو عرقلة انتخاب رئيس جمهورية وطني ، و.و.. خطة أمريكية سعودية من أجل تحقيق أمرين، هما إركاع لبنان وإجباره على تنفيذ الأجندات السعودية الأمريكية في المنطقة، أو الأخذ بالبلد إلى الحروب الأهلية طائفية أو سياسية لا يهم، المهم استنزاف البلد والتدخل في شؤونه، وكلا الأمرين الهدف منهما القضاء على المقاومة أو استنزافها ونزع سلاحها وتحقيق الأمن الصهيوني، المهدد حالياً بوجود المقاومة لحزب الله في لبنان...
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق