العلاقة السعودية الإسرائيلية.. هل تتجه نحو الترسيم؟
[-----------------------]
بقلم عبد الرحمن آل هاشم
عندما سُئل زير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان" ، خلال إحدى جلسات المنتدى الإقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، عن تقارير تتحدث عن تطبيع العلاقات بين السعودية و"إسرائيل"، قال إنه يجب اتخاذ المزيد من الخطوات لإيجاد حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، معتبرا أنّ التطبيع هو نتيجة نهائية لمسار. ففي رأيه أن التطبيع بين المنطقة و"إسرائيل" سيحقق فوائد، لكن جني تلك الفوائد لن يتحقق ما لم يتم التوصل إلى معالجة للقضية الفلسطينية.
لكن كلام الوزير السعودي يفهم منه التطبيع المعلن او تظهير العلاقة مع دولة الكيان الصهيوني، وإلا فإن المسار التطبيعي التصاعدي تشهد عليه الكثير من الوقائع ليس آخرها الزيارة التي قام بها –قبل أيام- مسؤول إسرائيلي رفيع إلى القصر الملكي في الرياض لبحث سبل تطوير التنسيق الأمني بين البلدين. وأما التحجج بحل القضية الفلسطينية فالمواقف السعودية واضحة في تنصلها من أي إلتزام أخلاقي تجاه الشعب الفلسطيني.
وإذا استعرضنا السياسات السعودية منذ لقاء البارجة الحربية الأمريكية بين الرئيس الأمريكي "فرانكلين روزفلت" و الملك "عبد العزيز بن سعود" عام 1945 ، وبداية العلاقات الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية، فإننا نجدها سياسات في خدمة المشاريع الأمريكية في المنطقة وكانت العمود الثاني بعد "إسرائيل" الذي استندت إليه المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وكان لا بد لهذه السياسات أن تغطي الكيان الصهيوني الذي تم زرعة في المنطقة وتوفر له سندا قويا عبر معاداة حركة التحرر العربي، وأن تنخرط بفاعلية وبعدّة دينية (وهّابية) مميعة لحقيقة الصراع في المعسكر الغربي في مقابل المعسكر الشرقي قبل انهيار الاتحاد السوفييتي وانتقال العالم إلى الأحادية القطبية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن مياها كثيرة جرت تحت الجسر فلم يعد الشرق الأوسط أولوية في الأجندة الأميركية، فالظروف الإقتصادية والمتغيرات الدولية والصعود الإقتصادي الصيني، والمصالح الأمريكية الخالصة كل ذلك فرض الترتيب لإنسحاب أمريكي من المنطقة يمكن رصد جديته مع الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان، وتركيز التموضع الاستراتجي الأميركي صوب شرق آسيا، ومواجهة التحدي الصيني المتصاعد. لكن هذا الإنسحاب الأمريكي لا يعني ترك المنطقة التي لم تفقد حيويتها بالنسبة للمصالح الأمريكية للفراغ أو للتنين الأصفر ليضع يده على حقول الطاقة ، كما لا يعني ترك الباب مشرعا أمام خصوم الولايات المتحدة الامريكية في المنطقة لملئ الفراغ. بل هو إنسحاب يتم عبر إحلال ترتيبات جديدة تصبح فيها العلاقة مع "إسرائيل" محور الضمان الأمني والاقلاع الاقتصادي للحكم السعودي واستطرادا لمعظم دول الخليج. وهذا ما يتناغم مع ما يذهب إليه خبراء أمريكيون من أن الوجود العسكري ليس السبيل الأوحد لتأمين المصالح الأمريكية، فالنهج الدبلوماسي المدروس والفعّال يمكن أن يحقق نتائج مثمرة، ومن يؤيد هذا النهج يعتقد أن المطلوب هو تعزيز "النفوذ" الأمريكي في المنطقة والحفاظ عليه عبر تشبيك علاقات التحالف العربي الإسرائيلي.
بالرجوع الى العلاقات السعودية الإسرائيلية ففي تاريخ 31 تشرين الأول عام 2018، (ما نقلته جريدة الأخبار عن تسريبات ويكيليكس) قدّم رئيس الاستخبارات العامة الفريق أول خالد الحميدان إلى الديوان الملكي السعودي تقريرا مصنّفاً «سريّ للغاية»، يتضمن تقديرا أمنيا حول «مسار التطبيع بين "إسرائيل" ودول الخليج وحدود الاستفادة الخليجية من "إسرائيل"».
يستعرض التقرير أبرز الأنشطة التطبيعية الخليجية مع "إسرائيل" منذ التسعينيات، ويتضمّن تفسيرات للتقارب الخليجي - الإسرائيلي وقتذاك، كما يقدم توقعاً لكيفية وأوجه الاستفادة "السعودية" من "إسرائيل".
يذهب التقرير إلى أن المعركة الوجودية التي تنخرط فيها "السعودية" ضمن تحالف موسع مع المحور المقابل لا تعود فيها العلاقات مع "إسرائيل" محل نقاش، بل ما يبقى للنقاش هو الشكل والإخراج المطلوب لمنع حصول ما ليس في الحسبان.
ويرسم التقرير حدود استفادة المملكة من "إسرائيل" ضمن تقدير يرى أنه يصعب على المملكة لمكانتها الدينية والسياسية العالمية تبني النهج نفسه إزاء "إسرائيل" علنا، مثل عمان أو الإمارات او البحرين، على الأقل في وقت إعداد التقرير. وفي حدود ذلك، يمكن للمملكة أن تستفيد من "إسرائيل" بعدد من الأشكال:
- الانخراط في مشروعات التعاون الإقليمي على المستويات الأمنية والعسكرية والاقتصادية.
- الاستفادة من إمكانيات اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة.
- التخفيف من الضغوط على المملكة وتحسين صورتها أوقات الأزمات وعند الحاجة. - التعاون العلمي والبحثي.
لكن هذا التقرير المسرّب مضت عليه اكثر من ثلاثة سنوات ونصف،اي قبل العودة الى الحوار مع إيران في افق إحياء الاتفاق النووي، وقبل صدمة الهروب الامريكي من أفغانستان والذي يؤشر إلى انسحابات أخرى أقل دراماتيكية من ملفات الإقليم، فإن الاستفادة الاستراتيجية بحسب التقدير السعودي المستجد تكمن في الاستظلال الأمني ب(إسرائيل) وصولا إلى لحظة المجاهرة بالتطبيع معها والانخراط في حلف عربي معها ، تحت ذريعة المصلحة الوطنية العليا خاصة إذا تطلبها ثمن أمريكي في مقابل طي ملف خاشقجي وفتح صفحة جديدة في العلاقات تتوَّج بقبول امريكي بأن يتولى4 ولي العهد محمد بن سلمان الملك، وهذا ما تتداوله جملة من التقارير قبيل زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمملكة كجزء من رحلته المخطط لها مبدئيا إلى الشرق الأوسط، في نهاية شهر يونيو/حزيران.
والتقدير السعودي المستجد يمكن التدليل عليه بما صرح به رجل الأعمال الأميركي/ الإسرائيلي بيل روزن، الذي شغل في السابق منصب رئيس «جمعية أصدقاء الليكود» في الولايات المتحدة، ويُعَد مقرباً من رئيس الوزراء السابق ورئيس المعارضة الحالي بنيامين نتنياهو، وأحد أهم داعميه، ففي أعقاب زيارته للمملكة ضمن بعثة مؤلّفة من 20 يهوديا أميركيا من جميع أنحاء الولايات المتحدة تمت قبل أشهر، فإنهم –أي- (السعوديون) يعتبرون "إسرائيل" قوة عظمى، وهم متأثرون ومعجبون من القدرات التي تملكها للدفاع عن نفسها في المنطقة. وتابع في حديثه لموقع عبري» إنه أمر رائع ومدهش، وهذا جزء من الجاذبية التي تتمتع بها "إسرائيل" بعيون السعوديين، الذين يرون في "إسرائيل" القوة التي تستطيع حمايتهم مقابل التهديد والعدو المشترك الذي هو إيران».
فهل يفعلها محمد بن سلمان ويكون الوتد العتيد في خيمة اتفاقات أبراهام؟
كل شيء وارد أمام شهوة الملك.
ارسال التعليق