الكيان السعودي بقيادة بن سلمان.. يهتز من الداخل !
[عبد العزيز المكي]
في تطور لافت، أعلن ضابط في القوات الجوية الملكية السعودية، في 13/2/2024 انشقاقه عن النظام السعودي، احتجاجاً على استمرار سياسة بن سلمان الإساءة للدين الإسلامي، موجها رسالة هامة إلى أبناء الحجاز ونجد وملحقاتهما في المملكة السعودية. الضابط هو الملازم الأول سالم ناصر القحطاني، وجاء في رسالته، التي تناقلتها بعض وكالات الأنباء والمواقع الإعلامية، أن انشقاقه من النظام السعودي جاء جراء تردي الأوضاع الاقتصادية للمواطنين والجيش السعودي واستمرار محاربة الدين الإسلامي، وانعدام الحريات الأساسية لحقوق الإنسان في المملكة ! وأوضح هذا الضابط "أن سب الله سبحانه وتعالى والإساءة للدين في السعودية أصبح بالشيء الطبيعي، وإنفاق المليارات على الحفلات التي تقدم للشعب في المملكة دون أي قيمة حقيقية" .
وأشار إلى تسخير النظام للدين وحماية السلطة تحت غطاء الآيات والأحاديث دون الحفاظ على الأخلاق والقيم، داعيا الشعب في المملكة إلى الخروج عن صمته الذي هو فيه. وسالم القحطاني هو واحد من ثلاث شخصيات كشفت عن نفسها خلال أسبوعين وقيل إنها أزعجت بن سلمان وتسببت في اهتزاز الديوان الملكي، حيث ظهر بعد سالم القحطاني بأيام المعارض فؤاد كوثر طبقاً لما كشفه حساب "نحو الحرية" المعارض، وفؤاد كوثر كان ينتحل اسم "فهد" المعارض الشهير، الذي تم اتهامه بأنه ليس شخصية سعودية انه إعلامي يمني ليخرج كاشفاً إسمه "فؤاد كوثر" وهو من مدينة جدة وكان يعمل في أكاديميات للطيران. وظهر المعارض في مقطع مصور وأرفقه بتوضيح ذكر فيه: "أنا ابن الوطن، أعلن عن انتهاء المرحلة السرية وابتداء العلنية، وأميط اللثام اليوم عن شخصيتي التي أخفيتها طيلة ست سنوات مضت باسم فهد.. مستشار الطيران فؤاد كوثر".
وقال فؤاد انه كشف عن هويته بعد تمكنه من مغادرة المملكة إلى جهة أكثر أماناً، وانه أراد إسكات حملات التشكيك الواسعة حول هويته. أما المعارض الثالث فهو حفيد الشيخ المعروف، عبد العزيز بن باز، وهو صالح بن عبد الله بن عبد العزيز بن باز، وقد هاجم سياسة الحكومة السعودية الرامية إلى تحويل البلاد من المظهر الإسلامي إلى المظهر العلماني، ودعا لعدم السكوت على وقوع الظلم لأن هذا السكوت سيزيد من سوء الأحوال المعيشية، كما إنه استنكر صمت هيئة كبار العلماء على السعي الحكومي لإفساد أخلاق الناس بشتى الوسائل. وإلى ذلك، انتقد بشدة تجنيد الحكومة للجان الكترونية من أجل تخوين الوطنيين والتشكيك بوطنيتهم ، كما عارض العدوان الصهيوني على غزة ودعا إلى دعم المقاومة الفلسطينية، ورفض تطبيع الحكومات العربية مع الكيان الصهيوني، متهما هذه الحكومات بالتنسيق فيما بينها لكسر صمود سكان غزة.
إن ظهور هذه الشخصيات الثلاثة وفي هذه المدة القصيرة، وبهذا التحدي والهجوم المعارض لسياسات بن سلمان يؤشر إلى تطورات في غاية الأهمية والخطورة وهي اتساع نطاق المعارضة للنظام السعودي، لتشمل قطاعات عسكرية وسياسية واقتصادية محسوبة على النظام نفسه، بعد ما كانت هذه المعارضة محصورة في الوسط الجماهيري لاسيما بين أوساط المثقفين والمتعلمين، بل أكثر من ذلك أن التقارير التي ترد من مصادر إعلامية غربية، بريطانية وأمريكية خصوصا، انه حتى من الأمراء من داخل العائلة المالكة، أي من آل سعود، من التحق بهذه المعارضة وبات يطالب بالتخلص من بن سلمان المتهم بقيادة البلاد إلى الكارثة والهاوية، وهذا ما أكدته أيضاً التقارير التي سربتها وكالة الاستخبارات الأمريكية، وتصريحات المسؤولين السابقين في هذه ا الوكالة، والذين كشفوا خلفيات الصراع المحتدم بين أمراء العائلة السعودية من الجيل الثاني، والطامحين إلى السلطة سيما بين محمد بن نايف ولي العهد السابق وبين بن سلمان، وكيف انتهى الصراع لصالح الأخير، فيما يقبع الأول حالياً في السجن، بل إن تقارير المخابرات الغربية أشارت أكثر من مرة إلى مواجهات مسلحة بين الأمراء في القصور الملكية، ومحاولات لاغتيال بن سلمان نجا منها بأعجوبة بحسب هذه التقارير، وكل ذلك، أقصد اتساع نطاق المعارضة للنظام السعودي يكشف بوضوح فشل سياسة القبضة الحديدية تجاه الشعب الجزيري عامة والمعارضين بشكل خاص، ولعل الكل يتذكر ما فعله بن سلمان بجمال خاشقجي الذي خدم النظام السعودي لمدة أربعين سنة، حيث قام باغتياله عام ٢٠١٨ غدراً، وبشكل مروع بتقطيع جثته بعد خنقه ، وذلك في القنصلية السعودية في اسطنبول، لأنه كان يعارض سياسات بن سلمان وينحاز لبن نايف، فكان قتله واسكات صوته رسالة لكل معارضة الخارج، رسالة إرهاب وإرعاب وتخويف، أما في الداخل فإن الاعتقالات والإعدامات تجرى على قدم وساق والتهم مجرد تغريدة تنتقد سياسات بن سلمان أو تنتقد تقييد الحريات وما إلى ذلك. كل هذا الإرهاب والقتل الذي يمارسه بن سلمان بحق المطالبين بالحرية، هو من أجل إسكات الصوت المعارض ضد سياساته، لكن العكس من ذلك، أن القمع والقتل وملاحقة الأحرار، والزج بهم في السجون وإصدار الأحكام "القراقوزية" بحقهم، جاءت بنتائج عكسية إذ رفعت من الاحتقان الجماهيري وزادت من ظاهرة التمرد في مؤسسات النظام وفي مراكزه الحساسة، وزادت من تحدي المعارضين لجبروت بن سلمان وقبضته الحديدية.. لدرجة أن صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية قالت بعد أن وصفت الإعدامات التي يقوم بها النظام السعودي بالتصرف البربري، أن أي معارضة بالسعودية صارت تؤدي بصاحبها إلى الموت في ظل عهد محمد بن سلمان.. غير أن كل هذا البطش الذي تمارسه أجهزة بن سلمان القمعية، كما اشرنا قبل قليل حولت البلاد إلى برميل بارود كما يقول تقرير بريطاني نشره معهد "تشاشام هاوس" البريطاني في ٦ أكتوبر ٢٠١٧ ، وشرح هذا التقرير كيفية اتساع نطاق المعارضة لسياسات بن سلمان وبالتفصيل، وقالت جين كينينمونت نائبة رئيس برنامج الشرق الأوسط وإفريقيا في المعهد البريطاني المشار إليه أن بن سلمان في ورطة، وعليه أن يتوقع من الآن - هذا الكلام قبل أربع سنوات - موجة ارتدادية هائلة للقرارات.. التي اتخذها أو ينوي اتخاذها وعدم استعداده لها سيكون بمثابة خطر كبير يهدد حكمه للسعودية" . واختتمت الباحثة جين معدة التقرير قولها .. "لن تخضع المعارضة السعودية للقهر إلى الأبد، وينبغي على بن سلمان ألا يفوت الفرصة الخاصة بالإصلاحات الاقتصادية، وأن يدعمها بإصلاحات سياسية تستوعب المعارضة بصورة أكبر".
على أن بن سلمان ليس لم يستجب لهذه النصائح، ولنصائح عدد من الخبراء الغربيين وحسب، وإنما ضاعف من حملاته القمعية ومطارداته للمعارضين، مما ضاعف من مظاهر التذمر والاحتقان في الوسط الجماهيري!! أكثر من ذلك أن بن سلمان تبنى سياسات استفزت الجمهور الإسلامي في المملكة وأدت إلى رفع مناسيب الاحتقان والغضب عند كل فصائل وشرائح الشعب هناك، ومن هذه السياسات ما يلي:
أولا العمل وبجد ومثابرة على تغيير عقل الشعب الجزيري، ومسخ ذاكرة الأجيال الصاعدة، فمنذ أن اشترط عليه الأمريكان والصهاينة القيام بهذا العمل كثمن الموافقة على توليه عرش المملكة بعد أن أصبح وليا للعهد يواصل هذا الجهد لتحقيق هذا الهدف، وقد تعرضنا لهذه الأمور في مناسبات سابقة، لذلك نكتفي بالإشارات السريعة، والتذكير الذي يفرضه علينا سياق الحديث.. على أي حال، يواصل بن سلمان الجهد من خلال الخطوات التالية وبإشراف الخبراء الأميركان والصهاينة:
تغيير المناهج الدراسية والتربوية في المملكة من مرحلة الروضة حتى المراحل الجامعية، وقد قطع النظام شوطاً طويلاً وما يزال يواصل الجهد والمثابرة باعتراف وزير التعليم السعودي، ويتم التغيير بحسب ما يناسب الصهاينة والأميركان، بحيث تؤدي التغييرات إلى صياغة جديدة لعقول الناس وتغيير طريقة تفكيرها بالابتعاد عن ثوابت تفكيرها السابقة، والتي ترتكز إلى الثقافة الإسلامية، وإلى الدين الإسلامي. محاربة الشعائر الإسلامية والتضييق عليها ومحاولة إخراجها من بعدها الحقيقي ومعناها الأصلي، وتحويلها إلى مجرد ديكور أو توظيفها لخدمة الأهداف الأمريكية والصهيونية في داخل المملكة وفي المنطقة عموماً .. سيما الشعائر ذات البعد العالمي مثل شعيرة الحج، وفي هذا السياق نشير إلى تقرير "مرصد انتهاكات الحج والعمرة" الأخير الذي رصد انتهاكات بن سلمان لأداء المعتمرين الفروض والشعائر الدينية، التي يقول التقرير أن بن سلمان حولها إلى مصدر قلق وخوف من التضييق والتعسف المتصاعد في المملكة!! وبعد إشارة التقرير الذي انتشر في 4/3/2024 إلى البطش والسلوك الاستبدادي الذي يمارسه بن سلمان مع المعتمرين أكد "انتهاك بن سلمان الحق في أداء الشعائر الدينية لمن يحملون خلفيات سياسية متنوعة، ويجعل الحج مقتصراً على من يحملون أفكاراً ورؤى توافق هوى بن سلمان".
وأكد المرصد أن السلطات السعودية تعتقل كل من يدخل إليها لأداء العمرة، بسبب تأييده الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الصهيوني على غزة ويكون مصيره الترحيل وفي أكثر الأحيان التغييب القسري، أو القتل والتصفية!! كل ذلك من أجل تحويل تلك الشعيرة إلى مجرد ديكور، يخدم بن سلمان وأهدافه!! ولذلك يقول المرصد، أن معتمرين من دول إسلامية أخفتهم السلطات السعودية ولم يعثر على أي أثر لهم لمجرد أنهم تفوهوا بكلمة تأييد لفلسطين!!
3- إغراق المجتمع هناك بمظاهر الرذيلة والفساد عبر إقامة الحفلات المختلطة ومهرجانات التعري وإقامة مراكز الإفساد وما إليها كثير..
4- تدمير وإخفاء الآثار الإسلامية التاريخية التي ترمز إلى عظمة الإسلام وإلى قدسيته وقدسية رموزه، تمهيداً لمحو الذاكرة التاريخية عند المسلمين التي تشدهم إلى أسلامهم وإلى مقدساتهم ورموزهم وتجدد فيهم بل وتعزز عندهم الانتماء إلى دينهم وإلى ثقافتهم الإسلامية، وقد قطع بن سلمان شوطاً طويلاً وخطيراً في دثر المعالم التاريخية المقدسة للرسول (ص) والصحابة ولمآثرهم وأماكن غزواتهم.
5-توظيف المؤسسة الوهابية الدينية التي تتماشى مع هوى بن سلمان، في إطار السياسية الأنفة لإضفاء المشروعية والمبررات الدينية عليها، فبين الحين والآخر يطل علينا شيخ من شيوخ هذه المؤسسة يفتي بفتيا ما أنزل الله بها من سلطان ولا تمت لا من بعيد ولا من قريب بالدين الإسلامي، على العكس تماماً، إنها تشوه الدين الإسلامي، كفتوى عدم مناصرة الشعب الفلسطيني وحمايته من العدوان الصهيوني على غزة وهناك الكثير الذي يقال في هذا المجال، الموثق تاريخياً وحالياً، نكتفي بهذا القدر..
ثانياَ: الوقوف بجانب العدو في عدوانه على غزة، رغم علم النظام السعودي وإنه يستهدف القضاء على الهوية الإسلامية للأمة ككل باعتراف نتياهو وبقية بعض المسؤولين الصهاينة أنفسهم.. وقد عبر النظام السعودي عن هذا الدعم للعدو بعدة صور، وأساليب علنية وسرية ومنها:
1- تحريض العدو على القضاء على حماس والتشديد في عدوانه على غزة وهذا ما اعترف به دنیس روس المبعوث الأمريكي السابق في القضية الفلسطينية حيث قال إن المسؤولين العرب يدعمون "إسرائيل" في القضاء على حماس، وكذلك قالها بلينكن وبصراحة أن السعوديين يدعمون العدوان على غزة ويريدون انتصار "إسرائيل" واعترف أيضاً نتنياهو مرات عديدة وآخرها وليس أخيرها، قبل ثلاثة أيام من كتابة هذه السطور حيث قال انه حصل على دعم ضمني من العديد من القادة العرب، للمضي قدما في الحرب على غزة المستمرة للشهر السادس!! ومصداق الموقف السعودي هذا هو حظر بن سلمان أي تأييد أو رفع لافتة دعم لأهالي غزة، في المملكة السعودية ومع أي مظاهرات دعم، أو حتى الدعاء لهم، فضلاً عن فتاوى التخاذل التي تصدر عن مشايخ بن سلمان!
2- الإعلان والتأكيد بشكل مستمر على أن السعودية لم تتراجع عن التطبيع مع العدو، وسوف تقدم على هذه الخطوة اليوم التالي لتوقف الحرب كهدية لنتياهو لأن مجازره واستمرار عدوانه على غزة بات يحرج النظام السعودي وبقية الأنظمة العربية، وقد جاء هذا التأكيد مرات عديدة على لسان بن فرحان وزير الخارجية السعودية.
3- الدعم العسكري عبر اعتراض صواريخ ومسيرات أنصار الله المتجهة نحو العدو والدم الاقتصادي عبر تأمين طريق بري لنقل الحاويات إلى الموانئ الصهيونية بعد إحكام أنصار الله الحصار البحري على العدو!
4- ضاعف النظام السعودي من لقاءاته واستقبالاته الحميمية لقادة العدو، فلقاء تاريخي صميم بين وزير التجارة السعودي ونظيره الصهيوني في الإمارات قبل أيام قليلة، واستقبال حار لحاخام صهيوني في السعودية، يدعو لقتل نساء وأطفال الفلسطينيين وهكذا فإن تلك اللقاءات قائمة على قدم وساق، رغم المجازر اليومية في غزة التي يقترفها العدو وإلى ذلك، فضح هانتر بن جوبايدن الأموال التي منحها بن سلمان لصهر ترامب جاريد كوشنر الذي سلمها بدوره إلى نتياهو وذلك في تغريدة له على موقع X توتير سابقاً في 24/2/2024 جاء فيها: "بخلاف كوشنر، لم يحصل أبداً أن استلمت أموالاً من حكومات خارجية، عندما زار جاريد كوشنر السعودية العربية حصل على 2 بليون دولار، ثم عاد ووضعها وحده في جيبه، حسناً، وترامب يترشح لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، أليس لديكم يا رفاق أي مشاكل مع ذلك؟!".
وما يثير الاستغراب أن بن سلمان لم يأخذ العبرة من هزيمة العدو في غزة وهزيمة الولايات المتحدة وبريطانيا في البحرين الأحمر والعربي، ويراجع سياساته البائسة ويؤوب إلى رشده، بل ما يزال يراهن على الحماية الصهيونية والأمريكية، ويتحدى مشاعر ومقدسات الأمة، وينحاز إلى أسياده الأمر الذي ضاعف من احتقان الشعب الجزيري وشعوب الأمة الإسلامية كما أشرنا، ولذلك فهو الآن مهدد بانفجار القاعدة الشعبية ضده في أية لحظة..
ارسال التعليق