الكيانيين السعودي والاسرائيلي .. بين التطبيع والتفضيل
[حسن العمري]
* حسن العمري
تسابق غير معهود من قبل آل سعود نحو التطبيع عندما يضع وارثهم الحالي محمد بن سلمان كل بيضاته في قبان الهرولة والانبطاح والتسليم للكيان الاسرائيلي بمختلف الطرق الدينية والمالية والسياسية والأمنية والاجتماعية؛ كل ذلك سعياً منه تحقيق حلمه بلوغ العرش وحكم بلاد الحرمين دون منافس وهو مستعد تقديم كل غالِ ونفيس في هذا المجال ليشبع رغبته التي تنامت منذ طفولته وصبيانيته بكتابة اسم "الملك" قبل اسمه، تلك السنوات الغوالي التي كان يلمس الذل والاحتقار من كبار العائلة الحاكمة ويرى فقر أبيه السياسي وحصته من السلطة قياساً بأخيه عبد الله وأبنائه فولدت عقدة الحقارة في نفس ولي عهد سلمان وأضحت غايته التي يبذخ لكل بعيد ومستعمر ومحتل وعدو من أجل تحقيقها، إنها عقدة الحقارة.
موقع “ذا إنترسبت“ الأمريكي، كشف عن تفاصيل اجتماع سري جرى منذ فترة بين مدير وكالة المخابرات المركزية “CIA” ويليام بيرنز ومحمد بن سلمان، نقلاً عن مصدرين لهما علاقات بالمخابرات الأمريكية، وآخر من أفراد العائلة السعودية الحاكمة، تحدث الأثنان عن سبل دعم واشنطن في بلوغ ولي العهد الحالي العرش دون إراقة دماء، كانت الحصة الأكبر في الحوار هو الذهاب الى التطبيع السريع أقصر طرق الملوكية الى جانب الإفراج عن العديد من أفراد آل سعود البارزين المحتجزين وفي مقدمتهم ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف (شريك وثيق للمخابرات الأمريكية)، والعم أحمد بن عبد العزيز وآخرين وضع السي آي إيه قائمة باسمائهم تم تسليمها للطرف السعودي؛ مشيرة الى إن الاعتماد على مدير وكالة المخابرات المركزية لإجراء مشاركة دبلوماسية رفيعة المستوى من هذا النوع أمر غير معتاد للغاية.
صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أماطت اللثام من أن السعودية بصدد استثمار لأول مرة وبشكل علني؛ وبمساعدة "جاريد كوشنر" صهر الرئيس الأمريكي السابق ترامب بعشرات ملايين الدولارات لدى الكيان الاسرائيلي، في التكنولوجيا العالية "الإسرائيلية"، وذلك ضمن إطار "اتفاقات إبراهام" أو المشروع الإبراهيمي الذي يشدد اللوبي الصهيوني تنفيذه لتحقيق حلم "اسرائيل الكبرى" من النيل الى الفرات، ونقلت الصحيفة عن كوشنر قوله بهذا الصدد: "تمكنت من دفع اتفاقية «سلام» اخرى بين بلد خليجي وتل أبيب بتوفيق كبير يعد نصراً للأخيرة، لقد بدأنا تغييراً تاريخياً، ونحن بحاجة الى رعايته".
التاريخ يروي لنا عبرا يجب ان نستلهم منها الدروس في حياتنا فدائما ما يعيد التاريخ نفسه بشخوص مختلفين ولكن بمواقف متشابهة.. لكن المشكلة في إن الحكام المستبدين وعبدة السلطة والقوة والدعم الأجنبي لا يعون ذلك بتاتاً فتراهم يقمعون شعوبهم ويخونوا قضايا الأمة وحتى تلك التي تصب في مصلحة بلدانهم وأبناء جلدتهم ويلهثون من وراء راعي البوفالو الحمار كان أم الفيل لا فرق في ذلك، حتى يأخذ بأعناقهم نحو مسلخ مصالحه القومية وزجهم في حروب بالوكالة لا ناقة لهم فيها ولا جمل غير سفك الدماء البريئة وتلطيخ سجلهم الأسود أكثر فأكثر حتى يبيتون أبشع البشر وأقذرهم وأشد فتكاً حتى من الحيوانات المفترسة، وما أن يجف ضرع هذه البقرات الحلوب حتى يتم ذبحها وسلخ جلدها في مسالخ منفعة المستعمر وما قصة شاه إيران وضياء الحق الباكستاني ببعيدة.
عندما فشلت مساعي أراد نابليون بونابرت غزو الامبراطورية النمساوية الكبيرة المترامية الأطراف وتلقين حكامها درسا قاسياً، اجتمع مع قادته وطلب منهم جمع معلومات استخباراتية عن الأماكن الضعيفة في مملكة النمسا آنذاك وتفاصيل اخرى ليتمكن منها.. اخيرا وجد نابليون ضالته فوجد من يتعاون معه ومع جيشه وتبرع أحد القادة العسكريين النمساويين أن يكون دليلا له ولقواته وتعاون معهم واستطاع نابليون بفضل هذه المعلومات ان يغزو بعض اجزاء المملكة ويحتلها وكان قد وعده نابليون حين يستتب الأمر له ان يعطيه منصباً رفيعا، ووافق الخائن ومرت الايام واستتب الأمر لنابليون وسيطر على بلاد النمسا وجاء يوم الحسم فطلب النمساوي من نابليون ان يبر بوعده ويجعله حاكما فسخر منه نابليون ورمى عليه صرة من المال قال هذا حقك ليس اكثر ولكن الرجل ذكره بوعده فضحك نابليون وقال له "تريدني أن اوليك على البلد هيهات فأنت خنت شعبك فكيف لا تخونني.."، وقال كلمته الشهيرة قال: "مثل الخائن لوطنه كمثل السارق من مال أبيه ليطعم اللصوص فلا أبوه يسامحه ولا اللصوص تشكره".
بالعودة الى ما ذكره حاييم وايزمن أحد الذين أسّسوا الكيان الصهيوني، وأول رئيس وزراء للكيان المحتل في مذكراته نقلاً عن رئيس الوزراء البريطاني آنذاك تشرشل قوله «أريد أن أرى ابن سعود سيداً على الشرق الأوسط وكبيراً كبر هذا الشرق، على أن يتفق معكم أولاً يا مستر حاييم، ومتى تمّ ذلك يجب عليكم أن تأخذوا منه ما تريدون أخذه.. إنشاء الدولة السعودية هو مشروع بريطانيا الأول… والمشروع الثاني من بعده إنشاء الدولة اليهودية بواسطته»، في حوار جرى بين الأثنين بعد الدور الريادي الذي لعبه عبدالعزيز آل سعود في تحقيق وعد بلفور المشؤوم، ورسالته الى مندوب الاستعمار البريطاني آنذاك اللورد كوكس الذي دعمه في السيطرة على الجزيرة برمتها، حيث كتب له مقراً " أنا السلطان عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود أقر وأعترف ألف مرة، للسير برسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى، لا مانع عندي من أعطي فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم وكما تراه بريطانيا التي لا أخرج عن رأيها" خير دليل على تناغم آل سعود مع كيان الاحتلال الاسرائيلي منذ البداية.
وأنا أعد هذا المقال، كشف الموقع الإلكتروني لقناة “i24news” الإسرائيلية، عن قيام مسؤول إسرائيلي أمني رفيع المستوى بزيارة “سرية” للسعودية، ناقش خلالها عدة ملفات في مجال التعاون الأمني بين الرياض وتل أبيب، وذلك على هامش زيارة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الى واشنطن، في إطار الاستعدادات الجارية لزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة. وذكر الموقع أن “الزيارة السرية”، التي تضمنت اجتماعات في قصر الرياض، تأتي وسط عملية تحسين في العلاقات بين البلدين وعلى خلفية زيارة الرئيس بايدن لتل أبيب والرياض نهايات الشهر قبل، مشيراً الى أن الجانبين “ناقشا المصالح الأمنية الإقليمية التي زادت في التوافق في السنوات الأخيرة بشأن التهديدات المشتركة التي تمثلها إيران”!!.
التعامل مع كيان العدو الصهيوني وتطبيع العلاقات معه كان بالأمس أشبه بارتكاب أكبر المعاصي الكبرى والكل كان يعزف على وتر عروبة فلسطين وقوميتها واسلاميتها في بعض الأحيان وفي مقدمتها السلطات السعودية.. فيما اليوم المفاهيم تغيّرت في هذا الاتجاه وأصبح قسم لا يستهان به من الزعماء العرب خاصة الخليجيين يلهثون ليل نهار وراء التطبيع مع تل أبيب دون خجل أو وجل وتغيير مؤشر بوصلة العدو نحو الشرق، وبات حكام البلدان الخليجية وكذا المغرب والأردن ومصر يهللون ليل نهار باسم المحتل الاسرائيلي ويصلون من أجل سلامته ويقيمون الولائم حتى في شهر رمضان الذي مضى تقرباً له، ويحتفلون بمرور عقود على احتلاله لأرض فلسطين التي تضم قبلة المسلمين الأولى، ويتم تجريم كل من يندد بالمحتل والتطبيع معه والكشف عن إجرامه بحق الفلسطينيين.
ارسال التعليق