النظام السعودي: بين احتفاله الصاخب بعيد المسيح (ع)..(عيد رأس السنة الميلادية)..و منعه الاحتفال بعيد مولد نبينا (ص)
[عبد العزيز المكي]
في الوقت الذي يمنع فيه النظام السعودي الاحتفال بعيد مولد نبينا العزيز، نبي الإنسانية، محمّد (ص)، ويعتبر ذلك " بدعة" كما سنرى بعد قليل، فإنه احتفل هذا العام بعيد رأس السنة الميلادية ، بشكل لافت، بل بشكل مبالغ فيه! فبالإضافة الى لنشاطات الاحتفالية على غرار ما يجري في الدول الأوربية من طقوس و" خلاعة"، ورقص وعهر، شاركت الصحف السعودية بزخم ملفت للنظر وصدرت باعداد خاصة، ولبست حلة جديدة وزاهية، فيما زخرت صفحاتها بالتحليلات والتقارير حول هذه المناسبة!! فعلى سبيل المثال كتبت صحيفة (عرب نيوز) السعودية، على صورة نُشرت في صفحتها الأولى " ان السعوديين يعيشون روح عيد الميلاد كما لم يسبق من قبل، وشجرة عيد الميلاد وعربة سانتا كلوز تجرها الغزلان في سماء الرياض"! وفي مقال الصحيفة الافتتاحي الذي كتبه رئيس تحريرها فيصل عباس، فقد أبدى فيه بعد تقديم التهنئة للمسيحيين " افتخاره بتقدير الأوساط اليهودية لتعايش السعوديين وقبولهم بخطوات التطبيع" معتبراً ان القضية الفلسطينية لا تشكل عائقاً أمام التطبيع والتحالف السعودي مع الكيان الصهيوني، لأن الصراع الفلسطيني- الصهيوني برأية ، هو " ليس صراعاً دينياً وإنما هو صراع حول الجغرافية، صراع يدور حول الأراضي الفلسطينية" حيث يقول بهذا الصدد " إن إيماء اتنا لقرائنا اليهود، تتماشى مع إيماننا بأن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، هو صراع يدور حول الاراضي المحتلة، على النمو المحدد من قبل الأمم المتحدة ولا يجوز السماح بالاستمرار في تصويره على أنه شقاق ديني، ولهذا نحن فخورون بأن يكون الحاخام مارك شناير ورئيس المؤتمر اليهودي العالمي رونالد إس لودر، والأكاديمي الشهير يوسي ميكلبيرغ من بين المقدرين لدينا" على حد قوله وزعمه.. في حين ان الصهاينة أنفسهم لا يقرون بهذه المزاعم ولذلك أصر نتنياهو على العرب والفلسطينيين بالاعتراف بيهودية " اسرايئل"!! أي الاعتراف بأن فلسطين هي " حق" لليهود فقط وليس لغيرهم، فالصراع مع العدو هو صراع حضاري بكل ما للكلمة من معنى قبل أن يكون صراعاً على الجغرافيا..
نعود الى الاحتفال السعودي الصاخب " بالكريسماس" هذا العام، فقد كتبت صحيفة الفاينشنال تايمز البريطانية تقريراً على الاحتفالات السعودية بأعياد الميلاد نشرته في الأيام القليلة الماضية جاء فيه " ان السعودية تتمنى لك كريسماس سعيد".. وتابع التقرير شارحاً الاحتفالات وصفاً وتبيانا ، وقال " في العاصمة السعودية الرياض، أقبل السعوديون على شراء أشجار عيد الميلاد، وأعدت صحيفة سعودية رسمية إصداراً إحتفالياً خاصاً بهذه المناسبة للمرة الأولى في تاريخ البلاد "!! وأثنت الصحيفة على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي قالت انه صاحب " الانفتاح" على الغرب والسماح بالاحتفال بالمناسبات الغربية الدينية منها والثقافية وتجدر الإشارة إلى أن النظام السعودي احتفل في العام المنصرم بعيد الهالوين الخرافي، وصرف في الاحتفالات عشرات الملايين من الدولارات، وتشير التقرير الى ان النظامين السعودي والإماراتي أهدرا في طقوس " كريسماس" هذا العام اكثر من مليار دولار!! لشراء المفرقعات والأضوية وإقامة الحفلات الراقصة وما الى ذلك..
واللافت ان هيئة كبار العلماء السعودية أفتت بجواز الأحتفال بهذه الخرافات ( الهاالوين) وبعيد رأس السنة الميلادية! ذلك في الوقت الذي تحرم فيه هذه الهيئة الوهابية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف كما أشرنا والحجة انه – أي الاحتفال- " بدعة"!! وجاء هذا التحريم على ألسنة كل المفتين في السعودية من مثل بن عثيمين وبن باز وآل الشيخ وما اليهم ، فمما قاله المفتي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ بهذا الصدد:" فلنحذر من الغلو في المولد النبوي الشريف) ولنعلم أن الفرح بهذه الموالد وأمثالها من البدع والخرافات التي ما أنزل بها من سلطان." جاء ذلك في خطبة الجمعة التي ألقاها في الرياض في عام 2015) والتي قال فيها ان : " محمداً صلى الله وعليه وسلم بُعث ليدلنا على الله، ويعرفنا بالله ويدعونا اليه، ولقد حذرنا النبي (ص) من الغلو فيه والدليل قوله: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فانما أنا عبد الله ورسوله"!!
و في الحقيقة ان هذا التحريم لإحياء المولد النبوي الشريف باطل، واثبت بطلانه عدد من العلماء بالأدلة الشرعية من القرآن والسنة الشريفة، ولكن لنترك هذا الأمر، ونحاجج القوم بما ألزموا به أنفسهم، فهم في فتاواهم، وفتاوى أسلافهم من أمثال ابن قيم الجوزية وبن تيمية يحرمون الاحتفال بعيد السنة الميلادية، لأن هذا الاحتفال يعني التشبه بهم بحسب منطق بن باز، والتشبه بهم صار منهم..يقول في فتواه: " لا يجوز للمسلم ولا للمسلمة مشاركة النصارى أو اليهود أو غيرهم من الكفرة في أعيادهم، بل يجب ترك ذلك: لأن من تشبه بقوم فهو منهم والرسول (ص) حذرنا من مشابهتهم والتخلق بأخلاقهم فعلى المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك وألا يساعد في إقامة هذه الاعياد بأي شئ، لأنها أعياد مخالفة لشرع الله"! اما بن عثيمين فيذهب في فتواه الى ان احياء أعياد الكفار ( المقصود هنا من المسيحيين واليهود)، يخرج المسلم من دائرة الاسلام.. ومما جاء في تلك الفتوى.." رأس العام الميلادي، فأنه لا يجوز التهنئة به: لأنه ليس عاماً شرعياً، بل ان هنئ به الكفار على أعيادهم، فهذا يكون الإنسان فيه على خطر أن يهنئهم باعياد الكفر، لأن التهنئة باعياد الكفر رضا بها وزيادة، والرضا بالاعياد الكفرية ربما يخرج الانسان من دائرة الاسلام"!
و في ضوء هذا الموقف ماذا يقول مفتي السعودية وبقية علماءها بالاحتفال الصاخب بعيد رأس السنة الميلادية، لماذا السكوت؟ ألا يعني السكوت وعدم الاعتراض على هذا الاحتفال، ان النظام السعودي صار من الكفار بحسب منطق الفتاوى؟ لماذا ترتفع الاصوات، اصوات هؤلاء " العلماء" السعوديين عالياً بالاعتراض على احياء المولد النبوي الشريف وتخفت نهائياً امام الاحتفالات بعيد المسيح عليه السلام!؟
واللافت ان علماء السعودية لم يكتفوا بالسكوت عما قام بن سلمان من احتفال واحتفالات صاخبة بمناسبة رأس السنة الميلادية وحسب، بل أجازوا الاحتفال مخالفين كل فتاوى كبار علمائهم وأسلافهم!! فقد أعلن عضو هيئة كبار العلماء السعودية الدكتور قيس بن محمد آل الشيخ في مقابلة له في صحيفة عكاظ في 22/12/2022،أعلن ان إجابة دعوة غير المسلمين لحضور أعيادهم مباح اذا قصد من ورائه ادخال الفرحة عليهم وتأليف قلوبهم على الاسلام!! في حين ان الاحتفال ومظاهره في واقعه بدلاً من ان يقرب هؤلاء للاسلام، يبعّد الشباب السعودي عن الاسلام ويفسد الأخلاق نتيجة تفش ثقافة الفساد والمجون الغربية بواسطة هذه الاحتفالات، واللافت ان هذا العضو برر فتواه بآية من القرآن الكريم!!
على أي حال، وزير العدل السعودي السابق رئيس رابطة العالم الاسلامي الشيخ محمد العيسى من جهته قال لقناة " أم بي سي" إنه " لايوجد نص شرعي يمنع تهنئة غير المسلمين بـ (الكريسماس) وغيرها من الاعياد الأخرى" لافتاً الى " أن تبادل التهاني مع غير المسلمين صدر بجوازها فتاوى من علماء كبار في العالم الاسلامي، ولا يجوز الاعتراض على أي مسالة تتعلق باجتهاد شرعي"!! ويفترض ان هذا "التجويز" ينسحب على المناسبات الاسلامية، الّا ان المثير، انه لا ينسحب على المناسبات الاسلامية فهذا العالم الديني السعودي الشيخ الدكتور عبد العزيز المقحم، الاستاذ في الكلية التقنية في الرياض، حرّم الاحتفال بعيد رأس السنة الهجرية وقال في 10/12/2022 لاذاعة القرآن الكريم، ان هذا الاحتفال محرم شرعاً!! مشيراً الى ان الاحتفال بهذا اليوم فيه شبهة تقليد لافعال المشركين وهو سنة جاهلية كان يفعلها المجوس واليهود والنصارى!! ولنا أنه نسأل هذا الشيخ، عماذا يقول حول احياء السعودية لرأس السنة الميلادية!؟ نترك الاحكام للقراء الأعزاء، وننتقل الى الاهداف من وراء الاحياء الصاخب للنظام السعودي لهذه المناسبة، ومنها ما يلي:-
1- ان هذا الاحتفال يجري ضمن مشروع امريكي غربي صهيوني قديم متجدد لضرب قيم الأسلام في مركز اشعاعه الجزيرة العربية (مكة والمدينة) ومحاولة القضاء عليه وابداله باسلام امريكي غربي، يلبي مصالح الاميركان والصهاينة وينسجم مع قيمهم وثقافتهم.
2- و تحقيق هذا الهدف يجري عبر ضرب المنظومة الثقافية لدى المجتمع في المملكة السعودية وتدجينه على منظومة جديدة تحت لافتة الانفتاح، وعبر تزريق مصطلحات جديدة وقيم جديدة، من أجل المحصلة النهائية وهي غسل الادمغة والتلاعب بوعي الطبقة الشابة وما الى ذلك والتحرك في هذا الاتجاه يجري على قدم وساق.
3- ما تشهده أرض مهد الاسلام المحمدي من تماهي مع المنظومة الثقافية والقيمية الغربية، عبر واجهات الاحتفالات وتغيير المناهج وضرب المنظومة الثقافية يؤشر الى ان بن سلمان وفر الفرصة السانحة للعمل الجاد الامريكي والغربي والصهيوني وتكثيف الجهد لتكريس " الاسلام الأمريكي" في تلك الارض المقدسة وصولاً الى ضرب الاسلام المحمدي في كل مكان. وما يعزز هذا الأمر ما يقوم به بن سلمان بالاضافة الى ما يسمونه (الانفتاح) بتجريف الأماكن المقدسة والتاريخية للرسول (ص) وللصحابة ولكل ما يمت للاسلام المحمدي بصله.
4- ذلك يفسر لنا سكوت المؤسسة الدينية الوهابية، ، كأداة بيد الاعداء الغربيين لضرب الإسلام المحمدي، وإنتاج إسلام وهابي او داعشي أو أمريكي منحرف هدفه خدمة الغرب وتمزيق عالم المسلمين.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق