النظام السعودي...و فضيحة استخدامه برنامج التجسس الصهيوني "بيغاسوس"
[عبد العزيز المكي]
منذ تسرب معلومات وأخبار من أوساط اعلامية عربية وغربية حول استخدام النظام لتقنية التجسس الصهيونية " بيغاسوس" التي تنتجها شركة الـNSO الصهيونية التابعة لوزارة حرب العدو الصهيوني، في عام2018م، سيما بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي...منذ ذلك الوقت، والنظام السعودي ينكر بشدة هذا الأمر، وينفي أنه يتعاون سراً مع السلطات الصهيونية أمنياً!! بل ظل ينكر هذا التعاون حتى عندما أشارت بعض الأوساط الصهيونية الى أنها سمحت شركة الـ NSOالمنتجة الأنظمة وبرامج التجسس السيبراني للنظامين السعودي والإماراتي وبعض المطبعين العرب الجدد! باستخدام هذه البرامج ضد المعارضين لهم والناشطين في مجال حقوق الانسان في هذين البلدين!!
أكثر من ذلك، ظل النظام السعودي ينكر بشدة هذا الأمر، حتى بعد إنكشاف فضيحة التجسس واتخاذها أبعاداً إقليمية وعالمية خطيرة، بعد الاستقصاء والتحقيق الذي أجرته منظمتا " قصص محظورة" و" العفو الدولية" بالاضافة الى " 14" وسيلة ومنظمة إعلامية، منها صحيفة الواشنطن بوست، والنيويورك تايمز الامريكيتان والغارديان البريطانية وغيرها.. حيث توصلت هذه الاوساط بالرصد والتحقيق الى ان مستخدمي تقنية أو برنامج تجسس " بيغاسوس"، إخترقوا 50 ألف هاتف لأشخاص معارضين ولنشطاء في قضايا حقوق الانسان، ولرؤساء ورؤساء وزراء دول على مستوى المنطقة والعالم، ومنهم الرئيس الفرنسي ماكرون ونظيره العراقي برهم صالح والملك المغربي محمد السادس، ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وغيرهم، بالإضافة إلى اختراق أو محاولة اختراق هاتف اكثر من عشرة آلاف صحفي وناشط!!
ففي السياق المشار اليه، أعلن التلفزيون السعودي في الثلاثين من تموز الماضي، " ان مصدراً مسؤولاً في المملكة نفى مزاعم في وسائل اعلام بأن السعودية استخدمت برمجيات لمتابعة الاتصالات..و أضاف المسؤول ان هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة واكد ان سياسة المملكة لاتقر مثل هذه الممارسات"!!
ولكن رغم النفي الخجول، فأن ثمة أدلة دامغة ومتواترة توفرت لدى الاوساط التي استقصت عملية التجسس المشار اليها، ولدى المتابعين والكثير من الاوساط الاعلامية العربية والاجنبية حول استخدام السلطات السعودية لهذه البرمجيات او لتقنية (بيغاسوس)، ليس ضد المعارضين السعوديين ومنهم خاشقجي وحسب، وانما ضد رؤساء دول ورؤساء وزارات دول أجنبية وعربية أيضاً!! ففي هذا السياق قالت صحيفة الواشنطن بوست، وهي من الصحف التي شاركت في عملية التحقيق الاستقصائي العالمي سابق الذكر، قالت ان برنامج بيغاسوس استخدم لاستهداف هواتف امرأتين كانتا قريبتين من الصحفي جمال خاشقجي الذي كان يكتب بالصحيفة.. كما كشفت صحيفة النيويورك تايمز الامريكية في تقرير لها " ان " اسرائيل" سمحت لمجموعة من شركات المراقبة الإلكترونية بالعمل لصالح حكومة السعودية".. واشارت الصحيفة الى ان " هذه الخطوة جاءت رغم المخاوف الدولية المتعلقة بقيام السعودية باستخدام برامج التجسس الاسرائيلية لسحق المعارضة في الداخل والخارج، خاصة بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي".
و أضافت صحيفة النيويورك تايمز التي شاركت هي أيضاً في التحقيق الاستقصائي.. " ان مجموعة الـ (NSO)" الاسرائيلية الغت عقودها مع السعودية بعد مقتل خاشقجي في 2018، لكن الحكومة " الاسرائيلية " شجعتها مع شركتين أخريين على مواصلة العمل مع المملكة، كما منحت الحكومة " الاسرائيلية " ترخيصاً جديداً لشركة رابعة من أجل العمل مع السعودية، متجاوزة المخاوف المتعلقة بانتهاكات حقوق الانسان وفقاً لمسؤول " اسرائيلي" كبير، وثلاثة أشخاص مرتبطين بتلك الشركات" ولفتت الصحيفة الامريكية أيضاً، الى ان شركة اسرائيلية خامسة تدعى سيليبرايت تعمل مع السعودية لبيع برمجيات تجسس على الهواتف المحمولة، لكن دون موافقة رسمية من الحكومة " الاسرائيلية"!
بدورها ذكرت صحيفة لوموند الفرنسية أن " السعودية والامارات استخدمتا برنامج بيغاسوس الجاسوسي المطور من قبل شركة NSO الاسرائيلية" لتععقب كبار الساسة اللبنانيين"!!
الأوساط الصهيونية الاعلامية والسياسية هي الأخرى نفسها لم تخفِ هذا التعاون السعودي الصهيوني في مجال التجسس على الآخرين بواسطة تقنيات بيغاسوس، ففي هذا السياق كشفت صحيفة (جيروزاليم بوست) الصهيونية في تقرير لها نشرت بعض المواقع العربية ترجمته العربية في 4/11/2020، كشفت العلاقة الحميمة بين بن سلمان ورئيس الوزراء الصهيوني السابق بنيامين نتنياهو شارحة الاسباب في ذلك ومن أهمها تعويل بن سلمان على الاستفادة من قدرات الكيان الصهيوني في مواجهة أعدائه!! بحسب ما ذكرت الصحيفة الصهيونية..
أما كيفية حصول بن سلمان على تقنية بيغاسوس، فذلك شرحته وبالادلة صحيفة الغارديان البريطانية في تقريرها الذي نشر موقع " عربي21" ترجمته العربية في 22/7/2021، حيث قالت صحيح انه لا توجد علاقات رسمية بين المملكة السعودية والكيان الصهيوني، لكن مجموعة صغيرة من رجال الاعمال الصهاينة، حضروا اجتماعات سرية مع مسؤولين سعوديين في فيينا وقبرص والرياض في صيف 2017م. ووفقاً لشخص حضر الاجتماع في حزيران/2017 في قبرص فأن مسؤولاً رفيعاً في المخابرات السعودية كان مندهشاً مما رآه، بعد مناقشة مطولة وتقنية، عُرض على المسؤول السعودي، الذي أحضر جهاز iphone جديد، كيف يمكن لبيغاسوس، أن يخترق الهاتف ثم يُستخدم لتشغيل الكاميرا عن بعد. وقال الشخص: " لا تحتاج الى فهم لغتهم لترى أنهم كانوا مندهشين ومتحمسين وأنهم رأوا ما يحتاجون اليه"!
و شددت صحيفة الغاردين في تقريرها على ان مجموعة NSO حصلت على إذن صريح من الحكومة " الاسرائيلية" لمحاولة بيع أدوات القرصنة المحلية للسعوديين لقد كان ترتيباً سرياً واسفر عن إبرام البيع لاحقاً في الرياض بصفقة تبلغ قيمتها 55 مليون دولار على الأقل.
وأمام هذه الحقائق وغيرها لا يمكن للنظام السعودي الانكار بعدم استخدام برنامج بيغاسوس، بل مازالت المعلومات تترا حول استخدام النظام السعودي هذا البرنامج ضد معارضيه وبعض الشخصيات السياسية في المنطقة مثل سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني السابق، والرئيس العراقي برهم صالح، وشخصيات إعلامية قطرية وعربية، وذلك ما كشفته وتكشفه وسائل اعلامية غربية ومنظمات دولية رصينة باستمرار كما اشرنا سابقاً، فقد كشف موقع ميدل إيست آي البريطاني في 30 حزيران2021، أن هاتف رئيس مكتبها في تركيا الصحفي رجب صويلو قد تعرض للاختراق ببرنامج بيغاسوس " الاسرائيلي" مرجحاً ان السعودية تقف وراء ذلك. وقال صويلو " أشعر بالغضب الشديد والغضب الشديد من فكرة أن شخصاً ما جالساً في المملكة العربية السعودية أو مجموعة NSO يمكنه الوصول إلى مستنداتي ونصوص رسائلي ورسائلي الالكترونية وصوري الخاصة".
من قبل برنامج التجسس بيغاسوس عدة مرات في 9 فبراير 2021، ثم سبع عمليات اختراق أخرى ناجحة حتى الخامس من يوليو 2021". بدورها كشفت الناشطة السعودية والمتحدثة بإسم حزب التجمع الوطني الدكتورة مضاوي الرشيد المقيمة في لندن، ان هاتفها تعرض للاختراق من قبل أجهزة النظام السعودي بواسطة برنامج بيغاسوس الصهيوني!
على أي حال، المعطيات كثيرة وكثيرة جداً على استخدام النظام السعودي لتقنيات وبرامج تجسسية، وحتى أسلحة صهيونية، ضد خصومة وضد من يعتقد أنهم أعداؤه!! ما يعني ذلك جملة أمور منها ما يلي:-
المعطيات السابقة كشفت بما لا يقبل الشك ان النظام السعودي رغم نفيه الظاهري، يتعاون سراً مع النظام الصهيوني.. وزيادة على ذلك، نقل الكاتب الفلسطيني زهير أندراوس في مقالة على موقع " رأي اليوم" في 4/8/2021، عن يفغيني ساتانوفسكي الخبير في الشؤون الصهيونية والرئيس السابق للمؤتمر اليهودي- الروسي.. قوله: " أن اسرائيل تبيع السعودية طائرات من دون طيار وأنظمة رصد وتنصت" والى ذلك، نقل الكاتب أندراوس عن وثيقة صادرة عن مؤتمر هرتزليا الأخير تتحدث عن التعاون والتنسيق بين العدو الصهيوني والنظام السعودي، ومما جاء في هذه الوثيقة تحت عنوان: " اسرائيل" والدول العربية السنية: الفرص والمخاطر".." أن تحقق العلاقة بين " اسرائيل" والدول العربية يعتبر تحولاً مهماً في ميزان القوى الأقليمية، فشراكة المصالح الاستراتيجية واضحة ومرئية، وهذه العلاقات تعتمد بشكل حصري تقريباً على التعاون والتنسيق الأمني"! بدورها كانت صحيفة هاآريتز العبرية، قد كشفت في 8/6/2021 ان السعودية إشترت تقنية تجسس من شركة (( اسرائيلية" تسمح باختراق هواتف آيفون بنقرة واحدة! وتحدثت الصحيفة عن الشركة الصهيونية واسمها " شركة كوادريم" وعن مكان هذه الشركة ومن يقودها من ضباط المخابرات العسكرية السابقين، واضافت قائلة: " ان السعودية اشترت برامج تجسس من شركة كوادريم " الاسرائيلية" منذ عام 2019"!و أوضحت الشركة الصهيونية ان هيئة حكومية سعودية هي من اشترت منتجات شركة كوادريم التي تركز جهودها على تقنيات تتيح اختراق الهواتف المحمولة وجلب بيانات منها وتشغيل المحمول عن بعد كوسيلة لتتبع مالكه"!
ان الاستعانة ببرامج التجسس الصهيونية من جانب النظام السعودي لمتابعة نشاط وحركات وسكنات المعارضين في داخل وخارج المملكة السعودية، يكشف خوف وهلع النظام السعودي من المعارضة، ويكشف ضعفه وبعده عن الشعب الجزيري، وهذا ما يفسر عمليات القمع المستمرة لابناء الشعب، وحملة الاعدامات التي ينفذها النظام حتى بالشباب القصر! ولذلك صنفت المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الانسان على أنه اكثر الانظمة الاستبدادية يمارس عمليات الاعدام في العالم، وقد كشفت منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN) في بيان لها صدر يوم 10/ حزيران 2021، عن دور 20 مسؤولاً مصرياً وسعودياً قالت إنهم متورطون في الاعتقالات التعسفية والتعذيب والإخفاء القسري وانتهاك الإجراءات القانونية الواجبة بحق ناشطين حقوقيين وسياسيين وصحفيين وباحثين سلميين. والى ذلك فأن منظمة العفو الدولية نشرت تقريراً موجزاً في 3آب/2021، قالت فيه ان السعودية عادت الى حملات القمع الشرسة ضد الناشطين وحرية التعبير والمحاكمات الجائرة وتنفيذ عمليات الاعدام بعد إنتهاء رئاستها لقمة العشرين!! وتحدثت المنظمة الدولية بشكل مفصل عن انتهاكات النظام حتى للقوانين السعودية الجائرة نفسها بحق المواطنين واشارت الى انه تم إعدام 40 شخصاً في المملكة في الشهرين 6 و 7 من العام الجاري!!
ان ما تقدم يؤكد للمرة الألف بأن النظام السعودي ينتهك القوانين الدولية فيما يخص حقوق الانسان، وكما اشرنا قبل قليل فانه بات يعدم حتى القاصر من الصبيان لمجرد انه كتب جملة ينتقد بها النظام السعودي، أو شارك في مظاهرة احتجاج ضد سياسات النظام! واللافت ان بعض المؤسسات الامريكية كانت قد وثقت انتهاكات بن سلمان لحقوق المواطن في مملكة آل سعود ودعت بايدن الى اتخاذ موقف حازم من ولي العهد السعودي، لكن دون جدوى اذ لم يحرك الرئيس الامريكي ساكناً!
أما تداعيات استخدام النظام السعودي لبرنامج بيغاسوس الصهيوني فهي خطيرة جداً نذكر منها ما يلي:-
يجمع اكثر الخبراء الأكاديميين والأمنيين على ان استخدام هذا البرنامج سوف يوفر للعدو الصهيوني فرصة جمع المعلومات حول مستخدمي البرنامج أنفسهم أي أنه سيراقب من خلال هذه البرامج التجسسية كل سكنات وحركات مستخدمي تلك البرامج والاطلاع على تفصيلات حياتهم السياسية والخاصة والعائلية وكل شئ، ذلك في الوقت الذي يجمع فيه العدو كل معلومات التجسس التي يجمعها النظام السعودي حول المعارضين والنشطاء للنظام نفسه. وفي هذا السياق يعترف المستشرق الصهيوني ومحلل شؤون الشرق الاوسط في صحيفة هاآرتيز الدكتور تسفي بارئيل، ويؤكد " أن برنامج التجسس المذكور (بيغاسوس)، هو بمثابة الأذن " الاسرائيلية" التي تتجسس وتتنصت وتراقب الحكام العرب"!! والاخطر من ذلك ان موقع النبأ اليمني نقل في 24/7/2021 عن مصادر استخباراتية قولها، ان فريقاً تابعاً للموساد، أي " لجهاز الاستخبارات الصهيونية ساعد الامارات على اختراق الدائرة المغلقة لولي عهد السعودية محمد بن سلمان في عملية استخباراتية مشتركة بين أبوظبي وتل أبيب. وهذا ما يعني انكشاف الأمن القومي بحسب تسمية حكام المملكة حتى لأبناء زايد، بل يؤشر ذلك الى الفوضى، لأن بن سلمان تجسس بواسطة هذه البرامج على المسؤولين العراقيين وعلى المسؤولين اللبنانيين، وعلى اليمنيين وغيرهم كثير وحتى المسؤولين الأماراتيين أنفسهم، وكل هذا الكم من المعلومات حول هذه الحكومات بيد الكيان الصهيوني!!
أشارت المصادر الصهيونية ان الكيان الصهيوني أستخدم هذه البرامج كوسيلة للتطبيع مع الانظمة العربية الخليجية، خاصة أنظمة السعودية والامارات والبحرين ومن دون شك انه استخدمها كوسيلة ابتزاز وضغط على هذه الانظمة واجبارها على الانصياع لمشاريعه وخططه في المنطقة، كالتطبيع ومعاداة محور المقاومة، والسماح لهذا العدو بالتمدد عسكرياً واقتصادياً وأمنياً في جسم ونسيج هذه الدول! بخلاصة ان هذه الدول، أصبحت رهينة بيد العدو!!
اكثر من ذلك، ان حياة بن سلمان وبن زايد وغيرهما ممن يتعاون أمنياً اصبحت بيد العدو، لأنه كما كشفت صحيفة يدعوت أحرونوت الصهيونية ان تعاون هؤلاء الحكام لايقتصر على الاستفادة من برامج التجسس وحسب وانما تجاوز ذلك الى الاستفادة من الشركات الأمنية الصهيونية لحماية انفسهم لأنهم لايثقون بابناء جلدتهم حتى ولو من مؤيديهم ومن المصنفين لهم!! فهؤلاء يوظفون حراساً صهاينة لحمايتهم وبالتالي تصبح حياتهم مهددة بالخطر، لأن الصهاينة المعروف عنهم يرمون بهؤلاء الحكام في مزابل التاريخ متى ما انتهى " مصرفهم " وتعارض وجودهم مع مصالح هذا الكيان والأمثلة على ذلك كثيرة.
عبدالعزيز المكي
ارسال التعليق