.النظام السعودي والتطبيع مع العدو الصهيوني... بين الإنكار والحقيقة!!
[عبد العزيز المكي]
بين الحين والآخر يطل وزير الخارجية السعودي فيصل بن تركي بن فرحان، كلما تثار قضية التطبيع السعودي مع العدو الصهيوني، وينكر هذا التطبيع إلا إذا اعترف هذا العدو بالمبادرة السعودية التي أصبحت عربية لتسوية القضية الفلسطينية، والتي طرحها النظام السعودي في القمة العربية لعام 2002م في بيروت، بينما هذا الإنكار لا يسنده الواقع مطلقاً، فما يجري وراء الكواليس، يؤشر بوضوح الى ان هناك عملية تطبيع بين الطرفين مكتملة الجوانب وتجري وفق منهجية مدروسة ومتقنة، ويمكن أن نرصد بعض هذه الجوانب بما يلي:-
1- عملية تدجين مستمرة للأمة داخل المملكة وخارجها على التواصل والتوادد مع العدو الصهيوني وإقامة جسور العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية، والتدرج بعملية إقناع المواطن بالقبول بإقامة هذه العلاقات مع العدو، لأن النظام يدرك وبحكم الموقع الاسلامي للبلاد لاحتضانها بيت الله الحرام ومسجد الرسول (ص)، لا يمكنه إقامة مثل هذه العلاقات على شاكلة الأمارات ومصر والبحرين وغيرها، فثمة ثمن للإقدام على مثل هذه الخطوة قد يكلف النظام باهظا، بل يهدد حتى وجوده، ولذلك لابد من عملية ترويض وتدجين وتجري هذه العملية على قدم وساق منذ أكثر من عامين، ولعل القارئ الكريم يتذكر كيف ان فريق بن سلمان الإعلامي يسوقون للعدو ومستوطنيه ويعتبرونه أخاً وحميماً، ووصل الأمر حتى بإنكار وجود المسجد الأقصى!! في القدس وذلك مروراً باستقبال المراسلين الصهاينة في مكة والمدينة سراً، ثم علناً وهكذا توالت عملية التدجين وآخر فصولها وليس آخرها، استقبال فريق صهيوني للمشاركة في البطولة الدولية للألعاب الالكترونية التي نظمت في الرياض، أستقبل هذا الفريق بشكل علني أسوة ببقية الفرق المشاركة ، وباستخدام الفريق " الجواز الإسرائيلي"، بحيث تباهى أعضاء هذا الفريق بأنهم صهاينة ويُستقبلون علناً في السعودية، إذ رفع أحدهم العلم الصهيوني! دون خوف حيث وفر لهم النظام السعودي الحماية والرعاية والاحتفاء!! ونشر الحساب الرسمي للفيفا يوم/11/تموز الجاري مقطع فيديو من افتتاح البطولة.. وظهر خلاله لاعبو المنتخب " الإسرائيلي" المشاركين للحظة قصيرة مع العلم " الإسرائيلي" كما نشرت قناة " كان" العبرية مقطع فيديو لرفع العلم وعزف النشيد " الإسرائيلي" في افتتاح البطولة.. وبحسب قناة كان وصل الفريق " الإسرائيلي" إلى السعودية عن طريق الإمارات ودخل إليها من خلال جوازات إسرائيلية" وجرى هذا بالتنسيق مع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) المسؤول عن الحدث. وتعليقا على الزيارة وحفاوة الاستقبال الذي حظي به المنتخب الصهيوني في المملكة قالت المذيعة في قناة كان انه " أمر لا نرى مثله في كل يوم في العلاقات بين " إسرائيل" والسعودية"! وأشارت إلى أن اللاعبين دخلوا المطار من الباب الأمامي... ومن دون أن يختبئوا"! ونقل الإعلام الصهيوني عن أحد اللاعبين قوله " ان الإجراءات كانت بسيطة وسريعة ولم يكن هناك شيء معقد. الجميع كانوا لطفاء، ومنحونا شعوراً بالأمان، وشعوراً بأننا في المنزل"!!
ونقل صحفي صهيوني عن مدير الفريق الصهيوني " الزائر" قوله " إنهم- أي الفريق- لا ينوون إخفاء رموزهم " الإسرائيلية" خلال البطولة نفسها"!! مستوى الحفاوة العالي والاهتمام المبالغ فيه من قبل السلطات السعودية بالفريق الصهيوني نال إعجاب الاميركان ودفع بالرئيس الأمريكي جوبايدن إلى التصريح بتصريحات جديدة أكد فيها ان لا مشكلة سعودية كبيرة مع " إسرائيل" متعهداً بمواصلة الجهد لإقناع السعوديين بترقية التطبيع إلى المستوى الرسمي بين الطرفين!!
ولأهمية وخطورة هذه الخطوة التطبيعية علق الخبير السياسي الأمريكي والمدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى روبرت ساتلوف قائلاً إن " ما جرى بمثابة لبنة أخرى وضعت في أساس تطبيع العلاقات بين السعودية و" إسرائيل"..." وأضاف في تغريدة ان " الرياض تكيف شعبها على المشهد الطبيعي للاسرائيليين" في المملكة بعناية ومنهجية"!! موضحاً انه عند ما يتوصل الطرفان الى اتفاق سلام، لن يتلقى الشعب السعودي صدمة كما تلقاها الشعب المصري عند زيارة السادات للقدس..
ومما تجدر الإشارة اليه هو ان النظام استقبل الفريق الصهيوني في الوقت الذي كان العدو يشن عدوانه على مخيم جنين الفلسطيني في الضفة الغربية وترتكب المجازر!! وفي الوقت الذي عمّ الغضب الشعبي ضد العدو عموم المنطقة الإسلامية تقريباً نظراً لاستمرار العدو في هجماته العسكرية والأمنية على محافظات ومناطق الضفة الغربية وارتكابه جرائم القتل والتشريد بحق أبناء الشعب الفلسطيني، ما يعني استهتار النظام السعودي بمشاعر الأمة وعدم الاهتمام بها من جهة، ومن جهة أخرى يعني عدم اهتمامه بالقضية الفلسطينية بل واستهتاره بها، الأمر الذي يؤكد مرة أخرى أن ما يرفعه من شعار حول ان التطبيع سيعلن عنه رسمياً إذا التزم " بالمبادرة العربية"، هو للاستهلاك المحلي ولخداع الرأي العام، ومؤخراً اسقط النظام هذا الشعار من قاموسه ولم يعد في حسابه شرطاً من شروط إعلان التطبيع مع العدو!!
2- كما بات معروفاً، انه ومنذ مجيء الملك سلمان وابنه ولي العهد تشهد المملكة السعودية عملية تطبيع ثقافي متسارعة وبهدوء، وكنا قد اشرنا في مقالات سابقة إلى هذه العملية وبالأرقام على لسان وزير التعليم السعودي واشرنا في حينها إلى أن خبراء أمريكان وصهاينة يشرفون على تنفيذ وبرمجة هذه العملية، بحيث شملت جميع المناهج المدرسية من روضات الأطفال إلى المراحل الجامعية!! حيث حذفت كل المصطلحات والفصول المعادية للعد والصهيوني وإبدالها بمصطلحات ومواد تتناسب عملية التطبيع مع هذا العدو.. وفي جديد هذه العملية أفاد تقرير جديد صادر عن معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي (IMPACT-se)، أن المملكة العربية السعودية أزالت كل المواد التي تشوه صورة " إسرائيل" وتمثل معاداة السامية من كتبها المدرسية... وذكر التقرير أن إزالة تلك المواد جرى وفق معايير حددتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة " يونسكو" وفقاً لما أورده موقع " جيوش نيوز" المعني باخبار اليهود حول العالم وترجمه موقع " الخليج الجديد".
وحلل التقرير" مجموعة مواد إنسانية كاملة" على مدى السنوات الخمس الماضية بإجمالي 301 كتاب دراسي، بما في ذلك 80 كتاباً دراسياً للعام الدراسي الحالي 2022-23 وبحسب التقرير، فقد تم حذف المواد التي تشير إلى أن اليهود هم أعداء الإسلام، وكذلك تفسيرات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تتهم اليهود والمسيحيين بالتآمر ضد الإسلام.
كما أشار التقرير إلى وجود اتجاه ايجابي للتحسن.. " إذ تمت إزالة المواد المعادية " لإسرائيل" من الكتب المدرسية لهذا العام، بما فيها مسؤولية " إسرائيل" عن إحراق المسجد الأقصى عام 1969 وشنها حرب 1967 لتوسيع حدودها ووصف إسرائيل بأنها ديمقراطية مزيفة" كما أزالت السعودية وصف الهيكل اليهودي المدعى في القدس بأنه " تلفيق له دوافع سياسية"!
3- يجري الآن، وعلى قدم وساق ربط الكيان الصهيوني بدول الخليج ومنها السعودية، بشبكة طرق برية وسكك حديد من أجل تحقيق الهدف الأمريكي الصهيوني، وهو تمكين العدو من السيطرة على ثروات المنطقة!! وفي هذا السياق كشفت صحيفة يدعوت إحرونوت الصهيونية عن وجود خطة وضعتها وزارة الخارجية الصهيونية والإدارة الأمريكية تقضي بشق طريق مباشر ومتواصل من الإمارات إلى ميناء حيفا مروراً بالسعودية والأردن، هدفها تصدير بضائع من الشرق الأقصى إلى أوربا عن طريق الأرض المحتلة... وبحسب صحيفة يدعوت احرونوت فأن الخطة الجاري بلورتها ستستخدم الطريق للسياحة والسفر، كما سيعزز المشروع اتفاقات تعاون بين العدو ودول المنطقة في مجالات المواصلات والبنية التحتية والعلوم.. وقالت مصادر مطلعة انه أصبح بالإمكان تنفيذ هذا المشروع في اعقاب توقيع " اتفاقيات ابراهام" والتزام الولايات المتحدة باتفاقيات التطبيع، والتي تقول الصحيفة ان الخطة اذا انجزت ستغير وجه الشرق الأوسط كله، بحسب تلك الصحيفة!
تجدر الإشارة إلى أن صحيفة " جيوش إنسايدر" نقلت عن السفيرة السعودية في واشنطن ريما بنت بندر آل سعود ، قولها في 27 يونيو/حزيران الماضي: " ان المملكة تريد أن ترى إسرائيل مزدهرة وفلسطين مزدهرة كجزء من غرب آسيا المتكامل"! وبحسب مزاعم وزير الخارجية الصهيوني إيلي كوهين، فأن " وزارة الخارجية تعمل على توسيع دائرة التطبيع وتحقيق مشاريع إقليمية تعزز مكانة " إسرائيل" في الشرق الأوسط، واستثمار في مشروع بنية تحتية بهذا الحجم، سيساهم في تقدم التجارة بين الدول وآسيا وأوربا ويؤدي إلى ازدهار الدول المشاركة"!
والى ذلك، فأن صحيفة جيروزاليم بوست الصهيونية الصادرة في 13/تموز الجاري قالت ان العدو شارك في المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في البحرين في المنامة يومي 10 و11 تموز الجاري لبحث مستجدات مبادرة "N7" الرامية الى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين دول الشرق الأوسط بمشاركة مؤسسات أكاديمية وبحثية ورعاية أمريكية... ما يكشف ذلك الجهد الذي تبذله بعض دول الخليج لتمكين العدو من الارتباط اقتصادياً بالمنطقة، وهو ما يفسر الحماس الصهيوني في هذا المجال، بل وبات المسؤولين يبشرون أنفسهم بالهيمنة على اقتصاد المنطقة وثرواتها، وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ما كان قد أعلنه مسؤولو العدو عن أن الإمارات رصدت مبالغ قدرها ثلاثة مليارات دولار لاستثمارها في الكيان الصهيوني، وما يجري من بناء مدينة نيوم السعودية المحاذية للعدو والتي تلبي الكثير من المشاريع الاقتصادية الصهيونية، ندرك خطورة ما يقوم به المطبعون في منطقة الخليج من تقوية ودعم ضخم لاقتصاد العدو وتمكينه من السيطرة الاقتصادية على المنطقة!!
4-التطبيع الأمني والعسكري، ويعتبر هذا النوع من التطبيع متقدماً على كل أنواع التطبيع الأخرى، بل وأصبح حديث الشارع في المملكة كما في الأمارات، فباعتراف المسؤولين الصهاينة وصحافتهم، ان التعاون الأمني والعسكري مع السعوديين قائم على قدم وساق، والأمثلة كثيرة وباتت حديث الصحافة وتتداولها المواقع الالكترونية، لتواترها ولعلنيتها بعد ما كانت هذه النشاطات تجري وراء الكواليس، فهناك قاعدة عسكرية وأمنية للعدو الصهيوني في تبوك، كما ان القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في المملكة تضم مقار للموساد وللعسكر الصهيوني، بل توسع العدو في قواعده ومراكزه الأمنية، لتشمل حتى المحافظات اليمنية المحتلة مثل سقطري، ومأرب وجزيرة عبدالكوري واغلب المناطق النفطية والغنية بالمعادن في الجنوب المحتل.. ومما تجدر الإشارة إليه أن البعض من الخبراء والمحللين اعترف وبالأدلة بمشاركة جنرالات صهاينة إلى جانب نظرائهم الاميركان والبريطانيين كانوا ومازالوا يديرون العدوان من مراكز القيادة في السعودية على الشعب اليمني.. أما على الصعيد الأمني فابرز مثال، هو تزويد العدو لبن سلمان وجهازه الأمني بتقنية التجسس على المعارضين السعوديين ومنهم جمال خاشقجي الذي قطع في القنصلية السعودية في اسطنبول التركية على يد فريق أمني سعودي محترف من المقربين لبن سلمان، حيث قتل ونشر بالمنشار وأخفيت قطع جثته، إلى اليوم، ذلك بعد ما تم رصد تحركاته وسكناته وأحاديثه من خلال تقنية التجسس الصهيونية المسماة بتقنية " فيغاسوس" والتي تحول استخدامها من قبل النظام السعودي إلى فضحية مدوية كشفت عمق التعاون الأمني بين الطرفين!
على أي حال، التطبيع بين السعودية والعدو ويتطور باستمرار، إلا أن العدو وأمريكا يريدان ترقيته إلى المستوى الرسمي، للفوائد الجمة التي سيحصل عليها الصهاينة، وهذا ما يفسر الضغط الأمريكي الهائل على السعوديين نظراً للأزمة الخانقة التي يمر بها العدو! واللافت هو عند ما طلب بن سلمان تعهداً أمريكيا بحماية السعودية وتزويدها بالأسلحة متى شاءت وأرادت ذلك بالإضافة إلى تزويدها بمفاعل نووي مدني، رفض بايدن هذه المطالب، ورفض نتنياهو تزويد السعودية بمفاعل نووي مدني مطلقاً حتى ولو توقف إعلان التطبيع على هذا الأمر!!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق