الوثائق البريطانية المفرج .. تفضح آل خليفة الذين نصبتهم بريطانيا على البحرين
[عبد العزيز المكي]
بين الحين والآخر تُفرج خٍزانات الأرشيف البريطانية أو الأمريكية عن الآلاف من الوثائق السرية والحساسة، لمرور ثلاثين سنة على عمرها، أو لأنها باتت غير محرجة لأصحابها، أو لأن الإفراج عنها لا يشكل تهديداً قومياً لبريطانيا أو أمريكا، وهكذا... وفي الآونة الأخيرة أفرجت بريطانيا عن مجموعة من الوثائق، تضمنت أو ضمت مراسلات بريطانية فيما يخص عملاء بريطانيا في البحرين آل خليفة الذين نصبتهم الإدارة البريطانية في ذلك الوقت حكاماً على الشعب البحريني المظلوم، كشفت هذه المراسلات حقيقة هؤلاء العملاء، وقد بادرت المعارضة البحرينية الى ترجمة هذه المراسلات ( الوثائق) الى اللغة العربية وتم نشرها في بعض المواقع العربية في 10/1/2023م..
و مما جاء في هذه الوثائق حول نفقات عائلة آل خليفة وكيف تستحوذ على نصف أموال الدولة البحرينية، مخصصة لنفقات هذه العائلة.." أنه في موازنة أحد الاعوام كان المبلغ الكلي الذي دفع للعائلة الحاكمة من صناديق الحكومة مقداره (464/509) روبية. أما مبلغ عائدات الحكومة الإجمالي المخصص، فكان (000/990) روبية"!! أي ان تلك العائلة تتقاضى أموالاً هي أكثر من نصف موازنة الحكومة.. لدرجة ان ذلك أثار حنق وتحذيرات المعتمد السياسي في البحرين آنذاك وهو برايور حيث كتب محذراً ومنبهاً من أنه " لا يمكن لنا أن نتغاضى عن مسؤوليتنا، ففي حال ترك الأمر للشيخ فأنه سيبتلع كامل عائدات الحكومة"!!
وينقل المسؤولون الصهاينة تصوراتهم عن هؤلاء العملاء الذين نصبوهم على رؤوس الشعب، اعتقادهم بأن استيلائهم على البلد بالقوة، يمنحهم ذلك الحق في التصرف بكل شيء في البلد، حتى أرواح الناس، فضلاً عن أملاكهم الخاصة فهم يرون- أي هؤلاء العملاء- مفوضين دون رقيب أو حسيب لهم حق التصرف ما يشاؤون!! ولا استبعد ان الانجليزي المستعمر نفسه رسخ هذه القناعة لديهم ليشدهم الى خدمته، لأن هذه القناعة موجودة عند كل عملائهم من حكام المنطقة، فالامير السعودي طلال بن عبد العزيز كان قد أكد هذه القناعة بقولته المشهورة، ان المملكة هي بمثابة شركة" وأن آل سعود" وانهم أصحاب الشركة، أما ابناء الشعب فهم مجرد عمال في هذه الشركة"!! أي ان صاحب الشركة هو المتصرف الحقيقي يعمل ما يشاء في شركته!!.
نعود للمعتمد الانجليزي بحسب ما أفضحت عنه الوثائق، حيث يتحدث عن القناعة الآنفة أو ما يمكن تسميته بالحق المطلق لآل خليفة في شؤون البلد وفي ثرواته، اذ كتب برايور عن مطالبات الشيخ بزيادة مخصصاته ومخصصات اسرته:." إن أفراد آل خليفة كلهم يعتبرون أنفسهم مستحقين بفضل مولدهم كآل خليفة أن تكون لهم حصة من نهب البحرين"!! وكتب برايور عن طمع آل خليفة الذي لا يقف عند حد قائلاً: " إنهم يمتلكون بالفعل الأراضي الزراعية كلها في الجزر، وهي أراضي سلبوها من البحارنة ويستنقذون منها الأموال التي يمكن أن يحصلوها كلها، إضافة الى امتلاكهم إقطاعيات ذات قيمة في السوق، ولديهم أسواق"!! ويضيف برايور في الرسالة السرية المرمزة 94-028 c، تموز/يوليو 1929/م.."و وفقاً لهذا الأمر، اذا سمحنا لهم أن يستنزفوا 50% من اجمالي عائدات الحكومة إضافة الى ذلك كله، فأعتقد أننا ستكون قد فشلنا في مهمتنا".
كما ينفرد المعتمد البريطاني بالتعبير عن غضبه، وبالتحذير من جشع وعبث عملائهم هؤلاء بثروات البلد، بل ان بقية المسؤولين من المستعمرين أيضاً هم كما تقول الوثائق يشاركون برايور غضبه وحنقه من هؤلاء العملاء وجشعهم، ولاحظ أخي القارئ، كيف ان المستعمر مصاص الدماء يحنق من جشع ونهب العميل لثروات البلد، فتصور كم يفوق هذا العميل سيده المستعمر في نهب الثروات والعبث بالبلاد والعباد!!
على أي حال، كتب المستشار تشارلز بلجريف حانقاُ يقول: " إن آل خليفة يتكاثرون كالأرانب في هذه الأيام، وعلى الحكومة المسكينة أن تدعم التكاثر السريع لمجموعة من صغار الشيوخ الكسالى عديمي القيمة".. يشار الى تشارلز بلجريف ظل على مدى اكثر من ثلاثين سنة يتمتع بسلطة ونفوذ واسعين في البحرين، ولعب دوراً رئيسياً في تطويرها، الّا إنه بحلول 1957 م أجبر على مغادرة البحرين نهائياً.. وعمل بلجريف بين 1926 و1957 عمل مستشارًا الحكام البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ( حكم بين 1923-1942)، والشيخ سلمان بن حمد آل خليفة ( حكم بين 1942-1961). هذا وكشف بلجريف بحسب المراسلات البريطانية الكثير من الحقائق حول جشع هذه العائلة الحاكمة واستهتارها بمقدرات البلاد والعباد!!
و اللافت ان عائلة آل خليفة مازالت حتى اللحظة تستحوذ على خيرات البحرين بحسب تقرير لموقع مرآة البحرين، الذي ترجم الرسائل البريطانية في تلك الحقبة الى العربية، ويقول التقرير.." لقد مرت أكثر من100 عام على هذه المراسلات السرية التي تكشف الأمور المتعلقة بالموازنة العامة للبلاد، لكن أيا من تلك الملاحظات لم يتغير. بقيت الموازنات السرية للعائلة القابضة تستنزف ميزانيات البلاد إن لم يكن اكثر". ويضيف التقرير " خطوط أنابيب بأكملها لا تدخل في الموازنة العامة، إضافة الى كل ما تقبض عليه شركات ممتلكات البحرين، التي أعلن الملك حمد عن تأسيسها العام 2006 لكن يقبض هو على إيراداتها بعد أن قبض عليها عمه خليفة بن سلمان لعشرات السنين"..
على ان ما كشفته الوثائق البريطانية الآنفة هو تأكيد الحقائق التالية:-
1) ان البريطانيين نصبوا على شعوبنا ومنهم الشعب البحريني ناس سراق فاسدين ودخلاء، فحكام البحرين، ليسوا بحرينيين انما جاء بهم الانجليز من نجد وسلطهم على رؤوس البحرينيين، أما فسادهم وسرقتهم لثروات الشعب البحريني فهو يعتبر شاخص ثابت لهؤلاء الحكام وعلى طول الخط لم يقتصر على فترة زمنية دون أخرى ولا على حاكم دون آخر، إنما يعتبر الفساد والسرقة اساساً وركناً رئيسياً من أركان وكينونة هذه العائلة الفاسدة، والأدلة أكثر من ان تحصى.. فهذا الحاكم البريطاني، الآمر والناهي في البحرين ستوارث جورج نوكس، وهو المقيم السياسي البريطاني بالوكالة، خاطب في 26/ مايو/1923 الحاكم الخليفي، عيسى بن علي آل خليفة، قائلاً له بعد ان فضحه وفضح حكمه القاسي، طبقاً لما نقله موقع مرآة البحرين في 1/3/2019 " يا سادة آل خليفة، عند الرجوع الى الماضي، أخشى انه من واجبي تحذيركم ان مجرد وجودكم لا يعني أنه من حقكم العيش على حساب المجتمع، سواء اكان ذلك عبر مخصصات تقتطع من عائدات هذه الجزر أو عبر استغلال الفقراء والمساكين. ان المثل القائل: من لا يعمل لا يأكل، هو شعار جيد، والأفضل لكم تطبيقه على حالكم".. وأضاف " أما الذين يجلسون بلا عمل، ينبغي أن يرضوا بمرتب زهيد فقط من اجل العيش ومن يرتكب الحماقات سيحرم من المال تماماً وينال العقاب بناءاً على ذلك".. ويؤشر هذا الخطاب بوضوح الى جشع آل خليفة ونهبهم لثروات البلاد فحتى المستعمر البريطاني الذي نصبهم حكاماً لعمالتهم لم يستطع السكوت على هذا الجشع والعيش على حساب المحرومين من أبناء الشعب البحريني فهذا الملك سليل هذه الزمرة الخائنة حمد بن عيسى آل خليفة وولي عهده إبنه سلمان، فقد اطلع " بحريني ليكس" على وثائق تثبت ان الملك حمد يخصص موازنة شهرية بقيمة مليون و400 ألف دولار أمريكي من أجل القيام برحلات ترفيهية، وفقط للرحلات الداخلية، اما الرحلات الخارجية فحدث ولا حرج، كما كشفت وكالة بلومبيرغ عن بيع الأمير بندر بن سلطان أحد كبار الشخصيات السعودية قصراً ريفياً كبيراً في انجلترا لعائلة ملك البحرين مقابل 165 مليون دولار!! أما ولي العهد، سلمان بن حمد فهو اكثر جشعا من أبيه واسلافه، اذ استحوذ وبالقوة على أملاك عمه المقبور خليفة بن سلمان، طبقاً للوثائق التي سربها مسؤول رفيع المستوى لـ بحريني ليكس، وتتكون هذه الاملاك من مبالغ مالية وعقارات تتجاوز قيمتها ملايين الدولارات. ومنها عقار في قرية قلالي تبلغ مساحته 21 كيلومتراً مربعاً، وعقارات في مناطق القدم وكرانة والبسيتين بلغ مساحتها اكثر من 20 كم !! والى ذلك تقول شبكة المناهل ان حمد زاد ثروته من 36 مليار دولار الى 45 مليار دولار ولديه شبكة قصور في المغرب والسعودية والأردن وبريطانيا واسبانيا ودول أخرى!! على ان الإعلامي اللبناني ياسر الحريري قال في حديث لقناة اللؤلوة البحرينية في 22 سبتمبر 2016 ان ثروة عائلة آل خليفة الحاكمة في البحرين تصل الى 410 مليار دولار، يتقاسمها حمد بن عيسى ملك البحرين بـ 220 مليار دولار ورئيس الوزراء خليفة بن سلمان بـ 200 مليار دولار، وبالطبع فأن الأخير توفي واستولى على أمواله ولي العهد سلمان كما سبق الاشارة! وهناك العشرات من التقارير الامريكية والبريطانية التي تتحدث عن فساد هذه العائلة ونهبها ثروات البلاد على حساب الاكثرية الفقيرة نكتفي بهذا القدر.
2) الوثائق البريطانية تؤكد ان الحاكم الفعلي في البحرين هم الانجليز أما آل خليفة فهم مجرد أدوات فاسدون ينفذون ما يمليه عليهم سيدهم البريطاني أو السعودي والأمريكي حالياً، وتجدر الإشارة هنا الى كيف يتعامل مع هؤلاء الأدوات، والانجليزي الحاكم الفعلي للبلاد من يوم جلبهم من نجد والى اليوم.. ففي العام 1923، وطبقاً لما ذكره موقع مرآة البحرين أنهى البريطانيون حكم عيسى بن علي آل خليفة القاسي معزولاً بخطاب تاريخي، بعد أن تربع على العرش 54 عاماً عاث فيها هو وعائلته الحاكمة في البلاد واذاقوا الشعب البحريني الأمرين! ففي هذا الخطاب الذي ألقاه المقيم السياسي البريطاني المعتمد في البحرين ستوارت جورج نوكس الذي سبقت الاشارة اليه قال للحاكم الخليفي عيسى أو بالأحرى الاداة البريطانية،: " إن الاحداث الأخيرة التي لا أرغب في الحديث عنها حالياً، تؤكد وتشدد على الدعوة الملحة الى الإصلاح الإداري على نحو حديث، وبالتالي لاشئ مفاجئ في حقيقة ان الرجل الذي بلغ الخامسة والسبعين من عمره ليس قادراً على التجاوب مع هذا المطلب، ادى الحكم المتساهل والمتسامح للشيخ عيسى- قد يسميه البعض سوء الحكم وانا شخصياً أفضل تسميته باللاحكم- الى تزايد حالات الاستبداد والاستقلالية التي كانت تتجلى سريعاً بالمصالح المكتسبة والإضعاف الخطير للادارة"! ويعلق الناقد البحريني الدكتور على الديري في كتابه " من هو البحريني"، وطبقاً لما نقله عنه موقع مرآة البحرين، قوله، " ان نوكس قال لعيسى بن علي ان حكمك كان " لا حكم" أي انك لم تكن تحكم هذه البلاد، وانها كانت من غير نظام، من غير عقل رشيد لذا وجب التغيير، هذه أسباب تغييرنا لك".. فهذا هو الخط العام في السلوك الانجليزي مع هؤلاء العملاء، فالمصادر البريطانية كشفت ان الحكومة البريطانية كان لديها مشروع في الالتفاف على يقظة الشعوب العربية خلال فترة ماسمي بالربيع العربي يتمثل في خداعها بانتداب الزعماء الشباب من عملائهم!!
3) ان هذه الوثائق تكشف ان وجود هؤلاء مرهون بتأييدهم للكيان الصهيوني الذي زرعته بريطانيا في فلسطين، وليس ما يجري من تطبيع ومن تبادل للزيارات ومن اتفاقات تعاون أمني وعسكري الّا شاهداً على هذا الرهان، فالعدو وقادته يعترفون صراحة بأن البحرين باتت قاعدة عسكرية لهم!!
وبالإضافة إلى ذلك فأن هناك حقائق كثيرة باتت معروفة في سلوك هذا النظام العميل، وقبل الختام لابد من الإشارة إلى ان ما قيل عنه يقال عن بقية الأنظمة العربية العميلة!!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق