انسحاب مصر من "الناتو العربي"...صفعة للنظام السعودي
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكيقالت وكالة رويترز للأنباء، إن مصر قررت الانسحاب من "الناتو العربي" الذي كان مقرراً تشكيله بجهود أمريكية وتمويل سعودي.. ونقلت الوكالة عن أربعة مصادر وصفتها بالمطلعة، إن مصر أبلغت قرارها للولايات المتحدة والأطراف الأخرى المعينة بالتحالف الأمني في الشرق الأوسط المقترح تشكيله قبل الاجتماع الذي عقد يوم الأحد الماضي الموافق 5/4/2019م، في العاصمة السعودية الرياض.. وأضافت المصادر أن القاهرة لم ترسل وفداً إلى ذلك الاجتماع، وهو الخطوة الأحدث في إطار المساعي السعودية لإعطاء دفعة للجهود التي تقودها الولايات المتحدة لجمع الحلفاء العرب السنة في معاهدة أمنية وسياسية واقتصادية للتصدي لإيران الشيعية.!!
السلطات المصرية لم تعلن رسمياً انسحابها من التحالف الأمني المذكور، وهذا ما أثار الكثير من التساؤلات والتكهنات لدى المراقبين والمتابعين، ولدى المحللين السياسيين ولعل الأسباب والدوافع في عدم تبين السلطات المصرية رسمياً هذه الخطوة، تكمن في ما يلي:
1ـ محاولة النظام المصري التخفيف من وطأة الضربة التي وجهها الانسحاب المصري، لمثل هذا التحالف الذي تلهث وراء تشكيله واشطن بواسطة ومساعدة النظام السعودي، لمواجهة إيران كما مر بنا في السطور الماضية، وتكمن هذه الضربة وقوتها في تعويل الأطراف الساعية إلى تشكيل هذا الحلف الأمني، على القوات المصرية، فالمقررات أن تشكل الجيش المصري قوام وعماد هذا الحلف، لأن جيوش بقية الأعضاء، مثل السعودية والإمارات والبحرين، وحتى الأردن، هي جيوش ضعيفة ولا يمكن الاعتماد عليها أو التعويل عليها أمريكيا في الاضطلاع بهذه المهمة الخطيرة وهي " مواجهة إيران"، أو "شن حرب سنية ضد إيران والعراق الشيعيين" فهذه الجيوش، وان تمتلك بعضها أسلحة أمريكية متطورة جداً لكنها لا يمكنها القيام بمثل هذه المهمة، ما لم تكن هناك قوة مدربة ومجربة مثل الجيش المصري، وخير دليل على ذلك، هو فشل الجيشين السعودي والإماراتي في الحرب التي فرضتها السعودية والأمارات بقرار من واشنطن على الحوثيين خاصة وعلى الشعب اليمني بشكل عام، على الرغم من مرور أكثر من أربع سنوات، وعلى الرغم من كل الدعم الأمريكي والصهيوني والبريطاني اللوجستي والحربي لهذه الجيوش الهزيلة التي تتلقى الضربات الشديدة من قبل جماعة الحوثي وبقايا الجيش اليمني، رغم ما يعانيه الحوثيين وجيشهم من الحصار وقلة الأسلحة وتعطل سلاح الطيران. ولذلك فأن انسحاب مصر من هذا الحلف يعني توجيه ضربة قاتلة ومميتة لهذا الحلف، وجعله مجرد هيكل بلا فائدة، إذا واصل الأمريكيون وأصروا على جهود تشكيله...
2ـ محاولة السلطات المصرية التخفيف من حالة الإحراج الشديد التي تسببها خطوة الانسحاب من الحلف الأمني المشار إليه، للأطراف الأخرى خصوصاً الولايات المتحدة والسعودية، فهذان الطرفان طبلا كثيراً لهذا الحلف وأقامته، وأعلن عنه المسؤولون الأمريكيون قبل عدة أشهر، تحت غطاء ما أسموه " المواجهة والتصدي لإيران"، كما بذل السعوديون جهوداً كثيرة في سياق الأعداد لتشكيل مثل هذا الحلف، ولذلك فأن الانسحاب المصري يعني فشلاً ذريعاً لكل هذه الجهود المالي والمعنوي للحكومة المصرية.
3ـ يضاف إلى ذلك، أن النظام المصري، وعلى خلفية العلاقات الجيدة التي تربطه بكل من السعودية والولايات المتحدة، وعلى خلفية المساعدات المالية التي تدعي السعودية والإمارات أنهما يقدمانها إلى هذا النظام.. على خلفية هذا الدعم وغيره.. لا يريد النظام المصري أن يظهر أمام الرأي العام أنه على خلاف مع حلفائه في المنطقة فلذلك انعكاسات سلبية يمكن أن تترتب على مثل هذا الخلاف إذا أخذ شكلاً علنياً، على السعودية وعلى بقية الحلفاء، لأنه سيشكل فشلاً لهم ولخططهم في المنطقة، ونباءاً على ذلك فأن النظام المصري يحاول قدر المستطاع أن يبدو وكأن حلفه، أو اصطفافه بعبارة أدق مع السعودية ومع الإمارات والولايات المتحدة، أنه على ما يرام، ولا يعثر به ما يعكر هذا الاصطفاف، الذي من شأنه، أي الخلاف، أن يؤثر على استمرار وصول المساعدات والدعم السياسي والإعلامي الخليجي للحكومة المصرية ولنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي.
4ـ البعض من المحللين ذهب إلى النظام المصري أراد من عدم تبين الانسحاب رسمياً الانسحاب من الحلف الضغط على السعودية والإمارات ومحاولة ابتزازهما مزيداً من الأموال، ولكنني استبعد هذا الاحتمال، أو على الأقل يبقى احتمالاً ضعيفاً، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار بعض الخطوات السابقة والمواقف التي كان النظام المصري قد ابتعد فيها عن مواقف النظام السعودي، من مثل الامتناع عن دعم الجهود السعودية الأمريكية لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، ومن مثل امتناعه عن المشاركة الفاعلة في الحرب السعودية على الشعب اليمني المظلوم، رغم مطالبة النظام السعودي الملحة بهذه المشاركة..
ومهما تكن أسباب عدم تبني النظام المصري خطوة الانسحاب من حلف "الناتو العربي" بشكل رسمي، فأن هذا الانسحاب إذا صح يشكل تطوراً، من شأنه أن يترك تداعيات مهمة على المنطقة، فما هي الأسباب التي دعت النظام المصري إلى الانسحاب وبالتالي توجيه هذه الصفعة إلى هذا "الوليد الجديد" قبل ولادته !؟
أعتقد أن ثمة أسباب كثيرة دعت النظام المصري إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة نذكر منها ما يلي:-
1ـ النظام المصري يدرك جيداً أن من أهداف الحلف ستعارض مع التفكير الاستراتيجي المصري، بل ومع المزاج المصري العام، ويتمثل ذلك أن يكون الحلف دعماً للسعودية لتكون قائدة هذا الحلف ولو اسما أو بالإعلام، لأن القائد الحقيقي للحلف هو أمريكا والكيان الصهيوني، فكما كان تأسيس مجلس التعاون الخليجي بعيد انتصار الثورة الإيرانية 1979 كان جزءاً من أهدافه الأساسية هو منح السعودية ثقلاً عربياً ومعنوياً وعسكرياً وعمقاً استراتيجياً يمكنها من تبني سياسات تلبي الرغبات الأمريكية والغربية في مواجهة إيران، وفي عشية المشاريع الأمريكية والغربية في المنطقة والخاصة بقضاياها المصيرية مثل قضية فلسطين كذلك الأمر بالنسبة لهذا الحلف، فالهدف منه منح السعودية بقيادة بن سلمان ثقلاً عسكرياً وعمقاً استراتيجياً يمتد لمصر، يمكنها من اتخاذ قرارات ومشاريع خطيرة من مثل شن الحرب على أحد الدول المجاورة وما إلى ذلك...ومصر معروف عنها قيادة وشعباً، وبغض النظر عن اتجاهات قياداتها، لا تريد مطلقاً أن تكون دولة تابعة للسعودية أو أي دولة عربية، لأنها تمتلك عمقاً تاريخياً وثقلاً سكانياً يؤهلها أن تكون القائدة دائماً للدول العربية، فيما يشكل بنظر قيادتها بتعينها أو أن تكون ذيلاً في أي حلف أو تجمع عربي، إهانة لها وانتهاكاً لهذا الإرث التأريخي القيادي، ولدور مصر الريادي..
2ـ النظام المصري يعرف جيداً، ان بن سلمان المتحمس لتشكيل هذا الحلف، على استعداد لعمل المستحيل من أجل أن يصادق الأميركان والصهاينة على توليه العرش بعد أبيه الملك سلمان، ولعل قراره في شن الحرب على اليمن إرضاءاً لواشنطن وللعدو الصهيوني مثالاً حياً أمام القيادة المصرية لحماقات هذا الشاب الطائش، ولذلك فالمصريون وضعوا أمام أعينهم حقيقة احتمالات طيش لابن سلمان مماثلة، على شاكلة اليمن، كشن الحرب على قطر، أو على إيران أو العراق أو حتى الأردن، وبالتالي توريط مصر في حرب خاسرة يدفع الشعب المصري وجيشه ثمنها الباهظ، سيما وان القيادات المصرية تلاحظ بشكل واضح أن كلا من الأمريكيين والصهاينة يحاولون دفع المنطقة دفعاً بمثل هذه المشاريع إلى الحرب الطائفية أو الحروب البينية من أجل مصالحهم واستنزاف المنطقة والأمة الإسلامية، ومحاولة شرذمتها والسيطرة على ثرواتها، وتمكين العدو الصهيوني منها. وفي هذا السياق كان رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، ومعه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أعلنا صراحة أن تشكيل هذا الحلف هو من أجل إشعال حرب طائفية بين " السنة والشيعة " عبر حشد الدول السنية المعتدلة بقيادة النظام السعودي على حد تصريح وتعبير نتنياهو لمواجهة ما أسماه الأخير "الخطر الشيعي "الآتي من إيران والعراق" والذي يهدد السعودية والكيان الصهيوني معاً بحسب زعمه، وكذلك فأن مصر ترفض المشاركة في مثل هذه الحرب التي لم يخفِ بن سلمان حماسة لإشعالها، ذلك ليس من منطلق أن مثل هذه الحرب تأكل الأخضر واليابس، في المنطقة ومنها مصر وحسب، بل ولأن مؤسسة الأزهر الدينية تعارض مثل هذه الحرب الطائفية، على عكس المؤسسة الوهابية التكفيرية في السعودية.
3ـ ولأن هذا الحلف الهدف منه حرق المنطقة كما أشرنا، فأن النظام المصري لا يريد أن يكون جزءاً أو تكون مصر جزءاً من تلك المحرقة لخاطر نتنياهو وترامب وبن سلمان، ولابد أن وضع هذا النظام شاخص التجربة مع سوريا وما تسبب فيه العدوان الأمريكي السعودي الصهيوني على هذا البلد من دمار وتخريب وتعطيل للتنمية واستنزاف هائل للأموال الخليجية والأهم من ذلك كله هو جعل ما يسمونه " الأمن القومي العربي" والذي يشكل الأمن القومي جزءاً لا يتجزأ منه، في أضعف حالاته، أكثر من كل الفترات التأريخية التي مرّ بها هذا الأمن بالضعف والهوان، وهذا ما أشار إليه المسؤولون المصريون صراحة، بأن تقسيم سوريا وشرذمتها وإضعافها يهدد الأمن القومي المصري، لذلك فالمحرقة التي تقود إليها مثل هذا الحلف كما أعلن الاميركان والسعوديون والصهاينة، تستهدف في المحصلة الأمن القومي والمصري.
4ـ ما تدركهُ أغلب القيادات المصرية السياسية وغير السياسية، الحاكمة منها وغير الحاكمة هو أن الكيان الصهيوني ورغم معاهدة التطبيع وإنهاء الحرب الموقعة بين الطرفين منذ العام 1979،إلا انه، أي العدو، يريد مصر ضعيفة تابعة لا تمتلك الإرادة والريادة في المعادلات الإقليمية والدولية، ولذلك ظل طيلة الفترة الماضية من خلال فرق وشبكات التجسس يقوم بالتخريب داخل مصر ومحاولات تعطيل التطور في هذا البلد، وجره إلى الحروب والى التوترات مرة مع إثيوبيا، وأخرى مع السودان، وثالثة مع ليبيا، واليوم يريد هذا الكيان جر مصر إلى الحرب مع إيران لإضعاف جيشها واستنزافه، وللقضاء على موقع مصر وريادتها في المنطقة، وذلك ما تتنبه له القيادات المصرية، وتحاول تجنب الوقوع في مطباته، ولأن مثل هذا الحلف يستبطن مثل هذا الأهداف رفضت القيادة المصرية الانخراط فيه.
5ـ كان النظام المصري يدرك جيداً، ومن خلال التجارب الحية التي تشهدها بعض الدولالعربية أن الكلمة الفصل للأمة، فمهما يكون الدعم الأمريكي وغير الأمريكي للأنظمة فالأمة هي التي تقود المصير أن عزمت على التغيير، ولذلك، أطاحت هذه الأمة بمبارك ومرسي وصالح وهادي والقذافي وزين العابدين والبشير وبوتفليقة وغيرهم، ولم تسعفهم أميركا وغيرها، صحيح أن الاميركان بدهائهم وبتصرفهم بالأموال السعودية، تمكنوا من الالتفاف على ثورات بعض الدول العربية، لكن ظلت هذه الدول غير مستقرة وعرضة للتقلبات السياسية وغير السياسية، وعرضة لانعدام الأمن ولتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لذلك فأن الرهان على أمريكا والرهان على الأموال السعودية لا يمكن أن يؤدي إلى نتيجة، ما شكل ذلك شاخصاً آخر أمام النظام المصري عزز لديه الرؤية في الخروج من هذا الحلف "الدنس"، لكنه في المحصلة شكل كما أشرنا صفعة قاتلة للطموحات السعودية من وراء تشكيله. مثلما شكل صنعه للجهود الأمريكية والصهيونية الرامية إلى حرق المنطقة.
ارسال التعليق