بعد جولة بلينكن الأخيرة ... هل ينقذ بن سلمان الكيان الاحتلالي من الأنهیار ؟؟
[عبد العزيز المكي]
أن يتحدث وزير الخارجية الأمريكي في جولته الرابعة الأخيرة في المنطقة منذ عمليات طوفان الأقصى، عن التطبيع بين العدو والسعودية والفرص المتاحة لتحقيق هذا الأمر في اليوم التالي لوقف العدوان، فذلك ليس من باب التسويق الأمريكي الذي اعتاد عليه الرأي العام في المنطقة منذ أكثر من سنة، وذلك لتهيئة الرأي العام لقبول هذا التطبيع، وحسب، وإنما ثمة تصور أن الأمر أبعد من ذلك، كما توضح تصريحات بلينكن نفسه، إذ قال في 9/1/2024 " تحدثنا عن التطبيع في كل محطة من جولة الشرق الأوسط، بما في ذلك بالطبع هنا في السعودية" وأضاف: " هناك اهتمام واضح هنا بالسعي إلى ذلك لكن الأمر سيتطلب إنهاء النزاع في غزة، وإيجاد مسار عملي لقيام دولة فلسطين وأشار إلى أن النقطة المشتركة للقاءاته ضمن جولته الشرق أوسطية تتمحور حول المساعدة في تحقيق استقرار غزة وإعادة إحيائها ". وما يعزر ما اشرنا إليه، هو تزامن عرض النظام السعودي لموقفه ورؤيته عن التطبيع وما بعده عبر سفيره في لندن... الأمير خالد بن بندر بن سلطان وقال هذا الأخير لهيئة الإذاعة البريطانية "البي بي سي"، في 2024/1/19، أنه لا يعتقد أن " السبب وراء هجوم حماس ( طوفان الأقصى) كان استهداف التطبيع مع أسرائيل"!! وأضاف بهذا الصدد، " إن النقاشات بشأن تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل كانت جارية قبل هجوم حماس في السابع من اكتوبر الماضي. مشيراً إلى ان المهم في هذه النقاشات أن حصيلتها النهائية تتضمن مالا يقل عن دولة فلسطينية مستقلة، وان التطبيع لن يكون على حساب الفلسطينيين" (ربما سیکون على حساب التایلنديين )... وأوضح أن بلاده لا تزال مهتمة بالتطبيع رغم هجوم السابع من أكتوبر وأنها كانت مهتمة بذلك منذ مشروع الملك فهد في العام ١٩٨٢ والذي ألهم خطة السلام العربية، على حد قوله، مضيفاً: " لا نستطيع العيش مع" إسرائيل" من دون دولة فلسطينية ) وهذا الكلام واضح المقاصد، وهو محاولة تبرير مشروع التطبيع مع العدو، الذي بات يشكل مرتكزا أساسيا بنظر الأمريكي لتسويق مشروع خطير على مستقبل القضية الفلسطينية، وإذا قرأنا تصريحات وزير الخارجية الأمريكي في محطاتة السعودية والإسرائيلية والتركية والقطرية والأردنية. و. مضافاً إليها التصريحات السعودية المتزامنة سيما تصريحات سفير السعودية في لندن خالد بن بندر بن سلطان يتضح لدينا معالم لتصور الأمريكي لأنهاء الحرب العدوانية في غزة ثم طبيعة المرحلة القادمة بعد وقف العدوان.. وللإشارة أن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو وبعض معاونيه من المسؤولين الصهاينة تحدثوا كثيرا عما أسموه مرحلة ما بعد الحرب على غزة وكيف سيكون التصور لهذه المرحلة من ناحية إدارة غزة والتعامل مع حماس ودور السلطة الفلسطينية وما إليها، خصوصا بعد الفشل الذريع الذي مني به مشروع العدو والسيناريو الذي وضعه نتنياهو وطاقمه الوزاري، وبتأييد أمريكي تام يقضي بإجبار الشعب الفلسطيني في غزة على الهجرة إلى سيناء أو إلى الأردن ..القصور الأمريكي الأنف الذي حمله بلينكن إلى حلفاء أمريكا في المنطقة هو كالآتي بنظرنا:
1- قبل وقف العدو لعدوانه على غزة لا بد من احتضانه سعودياً ودمجه في المنطقة! لأن وقفه للعدوان دون هذه الخطوة، يعني ذلك هزيمة مدوية له سوف تترك تداعيات خطيرة على مستقبل كيان الاحتلال منها إنهيار قواته وتفككها وبالتالي انهيار المجتمع (شتات) الصهاينة، وهروبهم من فلسطين لأن بقاء واستمرار هؤلاء، شذاذ الآفاق الذين جاؤوا من أصقاع المعمورة ، مرهون ببقاء جيش الاحتلال قويًا ومتفوقاً على كل جيوش المنطقة، أما انه بات يراكم الهزائم تلو الهزائم فذلك يعني ايذاناً بقرب زوال هذا الكيان، وهذه القناعة مترسخة حتى عند كبار قادة الصهاينة انفسهم ومنهم ايهود باراك رئيس الوزراء الأسبق، والذي اشار بصراحة إلى ان كيانهم لا يتعدى عمر الثمانين سنة، حيث بات قريبا من الموت والزوال.. ولمنع سقوط العدو في وحل الانهيار ينهمك الصهاينة ومعهم الأمريكان في تكثيف التحرك الدبلوماسي والسياسي من أجل إنجاز التطبيع الرسمي مع السعودية، ففي هذا السياق كشفت القناة العبرية ان نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال عهد خلال الأسابيع الأخيرة إلى وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمرة بمهمة مواصلة العمل مع الإدارة الأمريكية للتوصل إلى اتفاق تطبيع مع السعودية !! وذكرت القناة العبرية أن دير من أبلغ البيت الأبيض باستعداد حكومته لمناقشة المقابل الذي تطلبه السعودية المتعلق بالقضية الفلسطينية.. وبنظر الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، أن إعلان التطبيع السعودي مع العدو قبل انتهاء العدوان على غزة سيشكل طوق نجاة لبايدن ولنتنياهو ويحول دون انهيار العدو، ويعتبره الاثنان بايدن ونتنياهو بمثابة نصر سياسي.. ويبدو ان أغلب حلفاء واشنطن الغربيين. يدعمون هذا السيناريو وسارعوا إلى الانفتاح على الرياض وسارعوا إلى الموافقة على تزويدها بالأسلحة التي كانت قد حظرتها عليها ! فخلال الشهر الماضي قالت وزيرة الخارجية الألمانية، أنا لينا بيريوك عقب اجتماعها مع نظيرها الإسرائيلي " يسرائيل كاتس أن حكومتها لن تعارض بيع طائرات يوروفايتر للسعودية (( وأضافت بيربوك آن السعودية مساهم رئيس في أمن إسرائيل وتساعد في القضاء على خطر اندلاع حريق إقليمي "من خلال اعتراض هجمات الحوثيين الصاروخية على إسرائيل".
من جهتها صحيفة نيويورك تايمز قالت الشهر الماضي أن بايدن مستعد لتخفيف القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة من الولايات المتحدة!! يضاف إلى ذلك أن النظام السعودي هو الآخر منفتح على هذا السيناريو وهذا ما كشفه بلينكن نفسه إذ كشف بلينكن أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي اجتمع معه لمدة 90 دقيقة أبلغه أن المملكة لا تزال مهتمة بتطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وان السعوديين لا يزال لديهم مصلحة واضحة في ذلك !!
2- التصور الأمريكي، لا يقتصر على إعلان التطبيع وإنما دمج العدو في المنطقة، وتمكينه عبر السعودية ودول الخليج العربية الأخرى من ترميم وضعه الاقتصادي المنهار بسبب الحرب، عبر توظيف الثروات والإمكانات الخليجية أقصد السعودية والإمارات وحتى قطر لمساعدة الكيان على استرداد عافيته وبالتالي تخفيف عبئه عن دافع الضرائب الأمريكي، وذلك ما أشار إليه بلينكن صراحة في تصريحاته في جولته الأخيرة.. حيث تحدث بلينكن خلال زيارته للكيان الإسرائيلي في ٢٠٢٤/١/٩ عقب توقف بالسعودية، عن وجود فرص حقيقية لدى دولة الاحتلال الصهيوني في الوقت الحالي، لتعزيز علاقاتها بالدول العربية والاندماج إقليمياً عقب انتهاء حرب غزة " !! وقال بلينكين ( إنني أتطلع إلى مشاركة بعض ما سمعته من دول المنطقة». مضيفاً.. » أعرف جهودكم الخاصة، على مدى سنوات عديدة، لبناء اتصال وتكامل أفضل بكثير في الشرق الأوسط، وتل أبيب !! وأعتقد أن هناك بالفعل فرصا حقيقية هناك" في إشارة للتطبيع بين الرياض وتل أبيب!!
3- الأمريكيون والصهاينة يعتقدون انه بعد إعلان التطبيع السعودي مع العدو يصبح من الممكن تخليص العدو من عبئ غزة والمقاومة الفلسطينية فيها، ان تسلم غزة إلى السعوديين تحت لافتة إعادة إعمارها وترتيب الأوضاع السياسية فيها، بحيث يصبح السعودي وبدعم أمريكي وصهيوني عسكري وسياسي، هو من يرسم خارطتها أي غزة - السياسية، وهذا ما أشار إليه بوضوح السفير السعودي خالد بن بندر بن سلطان آل سعود في تصريحاته لهيئة الإذاعة البريطانية، حيث منح سلطة أبو مازن محمود عباس، السلطة الفلسطينية دورًا محوريا في غزة ، بينما همش دور حركة حماس إلى حد كبير وهو ما يريده الصهاينة والأميركان إذ قال " إن السلطة الفلسطينية لديها الكثير من الموارد للعب دور في غزة ، مؤكداً، ضرورة وجود انخراطها دولياأيضاً ) وأضاف « أن طبيعة هذا الدور يحدد بالحوار مع الفلسطينيين والمجتمع الدولي والإسرائيليين » !! وفيما يخص دور حركة حماس قال خالد بن بندر أن حركة حماس هي جزء من الحل السياسي للحرب ، مشيراً إلى أن الأمر يحتاج إلى الكثير من التفكير والعمل ) !! أما الأشارة إلى وجود دولة فلسطينية، فكما اشرنا في هذا المقال هي للاستهلاك المحلي ، والا فان بن سلمان يتماهي مع الصهاينة والأميركان على عدم الإصرار على وجود أو إقامة دولة فلسطينية، وهذا ما أكده مسؤولون أمريكيون ، حيث قالوا أنه في المحادثات السابقة قبل طوفان الأقصى مع بن سلمان، لم يبدِ الأخير أي اهتمام لإقامة دولة فلسطينية إنما كان يكتفي بتحسين معيشة الفلسطينيين !! وما تقدم يؤشر بوضوح ان ثمة جهد جديد ستقوده السعودية بدعم أمريكي صهيوني وعربي لتصفية القضية الفلسطينية..
4 - أيضاً التصور الامريكي يقضي بضرورة دعم تركي للدور السعودي، أو بعبارة أدق تحشيد وخندقة حلفاء واشنطن من الاتراك والعرب خلف هذا المشروع لمنع ظهور حماس مرة أخرى، ولعزل إيران وسد الأبواب عليها، تلك التي منها تقدم الدعم والمساعدات العسكرية والمادية لحماس ولباقي فصائل المقاومة، وبالتالي التأسيس لقوة قوية عربية تركية تدعم الطروحات الأمريكية وتشكل مظلة أمان وحماية للعدو الصهيوني، وهذا ما أشار إليه بلينكن في تصريحاته بعد زيارته لتركيا ولقائه باردوغان ووزير خارجيته .. حيث أوضح أن زعماء تركيا والأردن وقطر والإمارات والسعودية اتفقوا على العمل لمساعدة غزة إضافة الى تحقيق الاستقرار والتعافي ورسم مسار سياسي مستقبلي !! وأضاف: أن زعماء تلك الدول مستعدون لتقديم الالتزامات اللازمة لاتخاذ القرارات الصعبة وتحقيق كل هذه الأهداف" مردفاً ، لا يعتقد أحد ممن تحدثت معهم أن تحقيق هذه الأهداف أمر سهل، إذ يدركون جميعهم العقبات ولا يعتقد أحد أنه يمكن تحقيق ذلك بين ليلة وضحاها" !! وتعرض بلينكن إلى الأهداف المستقبلية التي تحدث عنها مع قادة الدول المذكورة وتعهدوا بالعمل من أجل تحقيقها ومنها.. بحسب قول بلينكن " أن تتوحد الضفة الغربية وغزة في ظل حكومة بقيادة فلسطينية، وان يسود التكامل في مستقبل المنطقة بدل الانقسام والنزاعات، وإنشاء دولة فلسطينية حتى يتحقق ذلك .. وهذا ما اكده المحلل السياسي الإسرائيلي تسفي برئيل في مقاله في صحيفة ها آريتس العبرية قائلاً: إلا أن بلينكن أوضح لاردوغان، أن حماس لن يكون لها أي دور، سواء في المفاوضات السياسية، أو في حل اليوم التالي لغزة" وأشار المحلل الصهيوني إلى أن وزير الخارجية الأمريكي عرض على الرئيس التركي ان يكون مشاركا في دعم جسم فلسطيني آخر، يوافق على تحمل المسؤولية في إدارة القطاع، وكذلك أن يقيم علاقات وطيدة أكثر مع السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس !! وأضاف هذا المحلل قائلا: إن دبلوماسياً تركياً أخبرني أن بلينكن فحص امكانية استعداد تركيا لتكون جزءاً من تحالف دول ستعمل على إعادة الاعمار في غزة بعد الحرب" .. ويبدو بحسب ما ذكره المحلل الإسرائيلي في مقالته أن الرئيس التركي بدا متجاوباً بشرط موافقة الكيان الصهيوني على الجسم الفلسطيني المعنى !! .
وما تقدم يؤشر بوضوح إن محور التحرك الأمريكي المتمثل في جولة بلينكن الأخيرة هو إنقاذ العدو من الانهيار والتلاشي، لأن إطالة العدوان ليست في صالح العدو، وبات الأفق أمامه قاتماً كما يقول رئيس الموساد الإسرائيلي الأسبق تامير باردو حيث قال، أن إسرائيل تمر بالفترة الأصعب والأكثر تعقيداً منذ قيامها ...الويل لنا ... الحرب لم تغير شيئاً وإسرائيل بطريق الدمار الذي رسمه نتنياهو... الخطر الكبير سيكون بمواجهة مباشرة مع مصالح الأمن القومي الأمريكي العليا وتحول الكيان لعب استراتيجي ! ولكن هل سينجح المشروع الأمريكي في إنقاذ هذا الكيان المحتل عبر احتضانه من السعودية !؟ المحللون يشكون في ذلك، لأن كل المعطيات في المنطقة تبدلت أو هي في طريق الى التبدل لغير صالح الأمريكان والصهاينة وحلفائها الغربيين والعرب.
ارسال التعليق