بعد فوز نتنياهو... هل يعلن بن سلمان التطبيع الرسمي مع العدو الصهيوني!؟
[عبد العزيز المكي]
بعد فوز رئيس الوزراء السابق نتنياهو في انتخابات الكنيست الأخيرة وحصوله على 64 مقعداً هو وحلفاؤه وتمكنه من تشكيل الحكومة أُثيرت مجدداً قضية التطبيع السعودي مع العدو، لأن نتنياهو نفسه وعد في حملته الانتخابية باقناع بن سلمان في إعلان التطبيع، ولأن الإعلام الصهيوني اهتم كثيراً بهذه القضية على خلفية وعود نتنياهو الانتخابية، بل الأعلام الغربي الأمريكي والأوربي هو الآخر سلط الأضواء عليها، وكأنه مهد الطريق لبن سلمان لإعلان التطبيع مع العدو، وكأنه يحاول تدجين الرأي العام على هذه الخطوة ان اتخذت، ويهيئ الأجواء السياسية وأجواء الرأي العام للأقدام على اتخاذها...
وفي الحقيقة ان بن سلمان ما كان ينتظر فوز نتنياهو ليعلن التطبيع مع العدو، فهو ومنذ مجيئة للحكم بعد تولي أبيه سلمان، عرش المملكة وأصبح ولياً للعهد بعد إزاحة بن عمه محمد بن نايف ولي العهد السابق، تبنى التطبيع بل التحالف مع العدو مرتكزاً استراتيجياً في سياسة مملكة آل سعود متجاوزا كل الخطوط الحمر وقامعاً كل الأصوات المعارضة ذلك من داخل مؤسسة آل سعود الحاكمة ومن خارجها! ومنذ ذلك الوقت وحتى اللحظة تمضي مسيرة بن سلمان التطبيعية مع العدو بخطى وئيدة وثابتة، وكنا قد سلطنا الأضواء عليها في مقالاتنا السابقة، ولا بأس التذكير بها مجدداً، ليتضح لنا الهدف الأخطر من هذه المسيرة التطبيعية التي يلهث ورائها العدو، وهنا سوف أركز على الإشارة إلى المستجدة من الخطوات التي يواصل بن سلمان التقدم بها في إطار تلك المسيرة المشار إليها، ومن تلك الخطوات المستجدة ما يلي:-
1- الاستمرار في التعاون العسكري والأمني بين الطرفين حيث قطعا شوطاً طويلاً في هذا المضمار، وكشف العدو نفسه ووسائل إعلامه معطيات كثيرة ومثيرة حول هذا الموضوع، فاللقاءات بين المسؤولين الصهاينة السياسيين والعسكريين والأمنيين وبين نظرائهم السعوديين لم تتوقف ولم تنقطع، بل اتخذت هذه اللقاءات في الآونة الأخيرة طابعاً علنياً أكثر منه سرياً ! في هذا السياق قال الخبير في الشؤون " الإسرائيلية" الدكتور حاتم أبو زايدة في حديث لصحيفة الشرق القطرية " إن التعاون العسكري بين الرياض وتل أبيب بات واضحاً خصوصاً فيما يتعلق بإيران ومجابهتها حيث عقدت على مدار السنين الأخيرة لقاءات بين الجانبين فيما يتعلق بالإضرار بإيران ومحاربة نفوذها في العالم العربي والتضييق على حلفائها.." وأضاف هذا الخبير قائلا: ان " العلاقات الإسرائيلية- السعودية شملت صفقات سايبر، ومعدات تجسس، كما شملت تعاوناً لتجفيف منابع تمويل المقاومة الفلسطينية علاوة على اعتبارها " منظمات إرهابية"!! مشيراً الى زيارات رئيس الموساد السابق تامير باردو السرية للرياض، وهو ما يوضح بحسب رأي الخبير أبو زايدة، حجم التعاون والتنسيق بين الجانبين في الأمور العسكرية والأمنية..
من جهته كشف المتحدث بإسم الجيش الصهيوني العميد ران كوخاف وجود التعاون العسكري والأمني مع النظام السعودي، وذكرت القناة العبرية السابعة ان العميد ران كوخاف أفاد بأن " إسرائيل" لا يمكنها الإفصاح عن كل شئ فيما يتعلق بالعلاقات الأمنية مع المملكة السعودية مؤكداً مواصلة هذا التعاون. والى ذلك فقد كشف الإعلام الصهيوني جانباً من التعاون الاستخباري بين الرياض وتل أبيب في عهد بن سلمان، " فقد سبق لموآف فاردي، المعلق في قناة التلفزة الرسمية " كان" أن كشف أن نائب مدير المخابرات السعودية أحمد العسيري، يعتبر شخصية معروفة جداً لقادة الاستخبارات " الإسرائيلية"، وإنهم كانوا يرون فيه ذخراً بكل ما للكلمة من معنى! ". كما تجدر الإشارة إلى أن وزارة الأمن الصهيونية كانت قد أقرت قبل خمس سنوات بتصدير برامج الكترونية ومنتجات سايبر، تتعلق بالمجال الأمني والتجسس، الى السعودية!
أما ما يخص إقامة القواعد العسكرية الصهيونية فالحديث عنها يطول، فبعد ما كان العدو يتواجد عسكرياً في القواعد الأمريكية في السعودية بات يمتلك قواعد عسكرية مستقلة فله قاعدة في تبوك وقواعد أخرى في أماكن مختلفة، بل مكن السعوديون والإماراتيون من تحويل جزر اليمن القريبة من باب المندب في البحر الأحمر، كسقطري وميون وعبدالكوري وحنيش وغيرها الى قواعد عسكرية للعدو، جهزها بكل أنواع الأسلحة والطيران، بعد استحداث المطارات ومهابط طائرات الهليكوبتر المقاتلة، وأكثر من ذلك بدأ العدو يقيم مثل هذه القواعد أو يعزز حضوره العسكري والأمني إلى جانب القوات الأمريكية والبريطانية في عدن وحضرموت والمهرة، وفي المناطق النفطية الأخرى، وذلك ما اعترف به العدو عياناً ولمرات عديدة مؤكداً دوره في الدعم العسكري للنظام السعودي في محاربة أنصار الله!!
2- الاستمرار في عملية تغيير عقل الجيل الشبابي والأجيال القادمة من الإنسان في المملكة وفي خارجها صياغة تتلائم مع مايريده العدو والاميركان والغربيون، فهم يريدون أنساناً ممسوخاً يتخلى وينسى نهائياً قيمه الإسلامية ويصبح إنساناً بلا هوية وبلا قيم من أجل استبعاده وتوظيفه في إطار انجاز مشاريعهم الاستعمارية في المنطقة، واللافت ان ابن سلمان يسارع الخطى في عملية إعادة صياغة العقل العربي برمته، و بدعم من لجان المتخصصين والخبراء الأمريكيين والبريطانيين والصهاينة، فعلى سبيل المثال، ان بن سلمان في الوقت الذي يمنع فيه إقامة احتفالات بمناسبة المولد النبوي الشريف بحجة ان ذلك من " البدع" بحسب الفكر الوهابي، فهو يطلق العنان للاحتفالات الصاخبة " الترفيهية" وغير " الترفيهية" الثقافية منها خصوصاً المستوردة من الغرب والتي تهدف الى تفكيك المجتمع وضرب قيمه الثقافية والدينية وتفكيك عرى تماسكه، واستقامته وقوته، بتسخيف قيمه!! وترسيخ قيم التفسخ والانحلال في أذهان الجيل المراهق والأجيال الصاعدة وصولاً كما قلنا إلى مسخ المجتمع وتدميره.. ونشير في هذه العجالة إلى احتفال النظام بعيد " الهالوين" وهو عيد أصله وثني يتمسك به عبدة الشيطان، وقد نبذه النصارى المتمسكون بعقيدتهم. وقد أدمج هذا العيد " بعيد القديسين" ويتضمن الاحتفال به ممارسات وطقوس وثنية وشيطانية، منها التعري، ولبس أقنعة جماعة عبادة الشيطان، والاختلاط ومظاهر محرمة في الإسلام وما إلى ذلك.. على أي حال، الحكومة السعودية هذا العام احتفلت بهذا العيد الوثني حيث وصفته الصحافة الأجنبية بالمميز، وقالت صحيفة " نيويورك تايمز" الأمريكية في تقرير لها، " ان احتفالات عيد الهالوين في السعودية تؤكد حدوث تغييرات كبيرة حيث كانت السلطات مسبقاً تقوم باعتقال كل من يقوم بمحاولة إحياء هذه الفعالية" منوهة ( تلك الصحيفة) بأن ولي العهد محمد بن سلمان هو من يقف خلف كافة مشاريع الترفيه والانفتاح في المملكة!
و تجدر الإشارة إلى أن الاحتفال بهذا العيد أثار استهجاناً وانتقاداً وحتى غضباً لدى بعض أوساط المجتمع ، انعكس في تغريدات الكثير منهم على تويتر، حتى ان أحدهم كتب متسائلاً:" السؤال يطرح نفسه: ما هو السبب لانحراف جيل الشباب السعودي ووصولهم الى هذه الدرجة من الانحطاط والتشرذم؟ أين ذهبت الجهود التي كانت تبذلها المدارس الدينية!؟ ولعله يخاف من الاعتقال والإعدام بهذا التساؤل مثل مصير غيره ممن غردوا وحملوا بن سلمان المسؤولية عما وصلت اليه الأمور في المملكة.
هذا جانب من جوانب تفكيك المجتمع في السعودية ومحاولة صياغة عقله بشكل آخر، والجانب الآخر والخطير أيضاً هو تغيير مناهج التعليم في المملكة بإشراف صهيوني أمريكي، وبهذا الصدد يقول الباحث السعودي فهد الغفيلي" إن ما جرى لمناهج التعليم في المملكة هو تبديل للمفاهيم والتوجهات وليست عملية تعديل" و" هذه المفاهيم تم وضعها لأهداف سياسية ونفذها بن سلمان بتعليمات من جهات خارجية لتحقيق أهداف رئيسية أبرزها تشويه الإسلام الصحيح ونشر الأفكار الغربية وتبديل نظرة العداء للمحتلين الإسرائيليين.."! إذن، ان الحقيقة كما يقول هذا الباحث هي.." ان عمليات تغيير المناهج في المملكة كانت بأوامر مباشرة من المؤسسات الأمريكية والصهيونية والتي تواكب عمليات التغيير، بعمليات رصد ومراقبة وتقييم مستمر!! ولقد عبر الصهاينة في أكثر من مناسبة عن غبطتهم وافتخارهم بما يجري في السعودية على هذا الصعيد تحت إشرافهم، فعلى سبيل المثال نقل تقرير صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية تصريحات ماركوس شيف الرئيس التنفيذي لمركز Impact-SEفي " إسرائيل" قوله بأنهم فخورين بإزالة ما يعادي السامية من المناهج السعودية، وحذف حديث لن تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله ورائي يهودي فتعال فاقتله.
وإلى جانب ذلك، قام بن سلمان بحذف كل ما يجرم الشذوذ والشعوذة والزنا وغيرها من القضايا التي يجرمها دين الإسلام بغرض تقديم صورة مغلوطة مشوهة عن الدين الإسلامي كما يريد الصهاينة، وهناك الكثير والكثير مما يقوم به بن سلمان في هذا المجال لتدمير المجتمع وتفكيك أواصره الدينية والثقافية والعقائدية!! بخلاصة أن بن سلمان حقق نبوءة الدكتور عبد الله النفيسي التي قالها لقناة الجزيرة في مقابلته معها في يونيو 1999 عند ما كان يفكر بشكل سليم وقبل أن تجرفه الأهواء، حيث كان يصف ما يجري بالمنطقة آنذاك بأنه" مشروع أمريكي مخطط له مسبقاً لإبعاد الجزيرة العربية عن هويتها الإسلامية كمقدمة للسيطرة على المنطقة وبداية لقدوم " الإسرائيليين"، وفي حينها اشار الدكتور الكويتي عبد الله النفيسي إلى أن الأمريكان حريصون على شيئين في الخليج اليوم، وهي تفكيك الحالة الإسلامية في الجزيرة العربية.. والشيء الثاني إعادة صياغة المجتمعات الخليجية والجزيرة العربية.
3- اتساع نطاق التعاون الاقتصادي بين الطرفين، وقد أسهبت الصحف الأمريكية والبريطانية والصهيونية في شرح وبيان أنشطة هذا التعاون وتزايدها يوماً بعد آخر، ولذلك اكتفي بالإشارة إلى ما قالته صحيفة الوول ستريت جورنال في 29/10/2022 حول مشاركة رجال الأعمال الصهاينة في منتدى دافوس الصحراء الاقتصادي الذي عقد في السعودية في 25 تشرين الأول/أكتوبر في الرياض، والذي حضره مسؤولون رفيعو المستوى من جميع أنحاء العالم.. وأوضحت الصحيفة أن " رجال أعمال الكيان الإسرائيلي" شاركوا في مؤتمر الاستثمار السعودي الرائد هذا... في اشارة واضحة الى العلاقات التجارية المزدهرة، والقبول السعودي المتزايد "لاسرائيل..." في السياق ذاته كان موقع غلوبس " الإسرائيلي" قد نقل عن مصدر سعودي رسمي قوله " ان ممثلي الشركات ورجال الأعمال " الإسرائيليين" يأتون إلى الرياض يومياً، ويشاركون في مشاريع كبيرة، بما في ذلك مدينة نيوم المستقبلية"!
وإذا أخذنا بنظر الاعتبار عملية التدجين المكثفة للرأي العام في السعودية وفي خارجها من أجل التمهيد لإعلان رسمية التطبيع فلا نستبعد أن تتحقق وعود نتنياهو بانضمام النظام السعودي رسمياً إلى قطار التطبيع مع العدو!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق