بيان الإدانة السعودي يجدد التماهي مع مشروع اليمين الديني الصهيوني
[عبد الرحمن الهاشمي]
بقلم عبد الرحمن الهاشمي
لم يكن مستغربا، بعد عملية القدس الفدائية التي أعقبت مجزرة "جنين" الأسبوع الماضي أن تطلع علينا وزارة خارجية النظام السعودي بذلك البيان المصاغ بلغة وقحة - "ندين كل استهداف للمدنيين، ونؤكد ضرورة وقف التصعيد الجاري، وضرورة إحياء عملية السلام"- لتؤكد لحليفتها (إسرائيل) عبر هذه الإدانة وقوفها إلى جانبها، ومن وراء ذلك بعث رسائل عن تحيزها السافر لأمريكا والدول الغربية.
نقول لم يكن بيان الإدانة السعودي مستغربا ولا مفاجئا، لأن البلاط السعودي لم يكن تاريخيا ضد (اسرائيل)، ففي أرشيف وزارة الخارجية الأميركية، وحيث الوثائق العديدة، من محضر لقاء الرئيس فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز غداة مؤتمر يالطا في شباط 1945، إلى رسالة وزير الخارجية الأميركية الجنرال جورج مارشال (صاحب المشروع الشهير) الى الملك، وفيها يبدي امتنانه لكون صاحب الجلالة عمل على «تهدئة» العرب واستيعاب قيام (اسرائيل).
أما في عهد محمد بن سلمان – الحاكم الفعلي- فهناك توجه لا يمكن وصفه إلا بالصهيوني، وحيث الإنسلاخ مما يعتبر بالمفاهيم العتيقة عبر هدم البنية التاريخية وحتى اللاهوتية ليس في جزيرة العرب فقط، بل وفي المنطقة العربية طالما أنّ الطموح يصل إلى سقف الريادة العربية على غرار ما كانت عليه مصر زمن الراحل جمال عبد الناصر، فالفائض المالي والشراكة الكاملة مع (إسرائيل) يغري بهكذا حلم.
منذ مجيئه إلى ولاية العهد وهو صبي (إسرائيل)، وضع يده ومقدرات بلده بيد الصهاينة، كما وضع بحسب رؤيته تلك "الكوميديا الرثة" المسماة بالصراع العربي الإسرائيلي جانبا، لكي يعبد الطريق أمام أحلامه ورؤيته المهجوسة بالتميز، التي وإذ يؤسس بها لمشروعيته في الحكم وجدارته به، يريدها دليلا على الأفق التكنولوجي والإستراتيجي الذي يفتتحه خيار السلام مع (إسرائيل).
هناك ثابت في سياسة الحكم السعودي، وهو تصفية القضية الفلسطينية بأي وجه، لذلك لم يتردد النظام السعودي في أن يكون الضلع المالي في ما سمي ب"صفقة القرن" لغلق ملف الصراع ولو بمقايضة الوطن والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني بالرواتب الضخمة للنخبة الفلسطينية على خارطة ملفقة من أجزاء من الأردن وسوريا وربما أيضا جزء من العراق، لتكون شبه دولة بديلة ومرفهة، الصفقة التي وصفها نائب الرئيس الأميركي السابق مايك بنس ، أمام أركان «الإيباك» بكونها الطريق إلى «مملكة يهوه».
قبل ذلك، أطلق الملك عبد الله بن عبد العزيز "مبادرة السلام" والتي اعتمدها العرب في قمة بيروت عام 2002 ، وتقوم على انسحاب (إسرائيل) من الأراضي العربية المحتلة لعام 1967 بما فيه الجولان، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك مقابل اتفاقيات سلام وعلاقات طبيعية وكاملة مع (اسرائيل). ومع أنّ الرد الإسرائيلى الرسمي جاء مباشرة بعد الإعلان عن "مبادرة السلام" العربية وقبل أن يجف الحبر الذي كتبت به، بأنّ هذه المبادرة "لا تساوى قيمة الحبر الذي كتبت به"! ظل النظام السعودي متمسكا بها ومصرا على جعلها مرجعية عربية للتسوية إلى أن جاء محمد بن سلمان إلى ولاية العهد، ليحدث التحول الأشد خطورة وذلك عبر التماهي الكامل بين مواقفه والمسار التوراتي ل(إسرائيل) الذي يتبناه اليمين الديني المتطرف.
استعجال إقبار القضية الفلسطينية في السياسة السعودية يأتي من إعتقاد الحكم السعودي بأن الصراع مع (اسرائيل) هو الذي فتح الأبواب أمام الإيرانيين للتسلل إلى العمق العربي، بل وإلى قلوب الكثير من العرب. وطالما أن هناك مقاومة فإن إيران تحقق مكاسب استراتيجية فيما يخسر الحكم السعودي من رصيده ومكانته ويتزلل موقع الريادة العربية الذي يتطلع إليه.
لن تكون إدانة عابرة يطويها النسيان، فذاكرة الشعب الفلسطيني بلا ثقوب، وهي تسجل في تاريخ كفاح الشعب من يدعمه ويسنده كما تحفظ أسماء أصحاب مواقف التآمر والخيانة والخذلان بل والتماهي في هذا المفصل التاريخي مع أهداف اليمين الديني الصهيوني بقيادة نتنياهو و إيتمار بن غفير.
وفي الحساب السياسي والإستراتيجي، فالحكم السعودي يخسر مجددا فيما تكسب جماعات الحلف الاخر مرة أخرى ويتعزز موقفها كداعم قوي لكفاح الشعب الفلسطيني. ولن تضير مقاومة الشعب الفلسطيني إدانة ساقطة تصدر عن طغمة حاكمة؛ مارقة عن قيم العروبة والإسلام بل وعن القيم الإنسانية التي تقر بحق الشعوب في مقاومة المحتل بكل الأساليب والوسائل.
ارسال التعليق