بين فرق تسد والحوار الوطني.. الحقيقة والأوهام
[حسن العمري]
آل سعود وكراهية وعداء الآخر توأمان سياميان أرتبطا معاً منذ نشأتهم الأولى وسيموتان إن تم فصلهما عن بعضهما الآخر، وما بروباغاندا الدين والإعلام المضلل إلا الغذاء الروحي والجسدي لدوامهما وبقائهما منذ اتفاقية الدرعية عام 1744 أطلقوا عليها تسمية وهمية استعمارية خبيثة "العقيدة الاسلامية الصفائية" تمكنوا من خلالها العبث في مقدرات الأمة ونسيج تعايشها السلمي وتعاونها الأخوي من بلاد الحرمين نحو سائر بلدان العالم، فأتت أُكلها بتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا خدمة للأسياد الذين جاؤوا بهم الى سدة الحكم ودعموهم في البقاء على الرقاب حتى يومنا هذا.
"فرق تسد" سياسة تعلموها من الاستعمار الخبيث والثعلب العجوز فكانت الجسر الثمين لاحتلالهم شبه الجزيرة العربية وقيام كيانهم البغيض حتى يومنا هذا، مستغلين بذلك منابر الدين ووسائل الإعلام لإخفاء أجندتهم وخططهم الحقيقة حيث كان ولا يزال لهما الدور الأبرز في تشكيل الرأي العام وتكوينه، فبفضلهما تنشأ حركات اجتماعية أو تندثر، وتبسط وتخفف بعض الأزمات الاقتصادية، وتٌبرر الحروب، ويتم تأجيج وإشعال الخلافات بين الأيدولوجيات المختلفة.
لقطات مصورة يتم تدولها على "تويتر" تكشف عن المساحة الجغرافية الكبيرة جداً لسجن ومركز شرطة جديد تشيده سلطات ال سعود غربي العوامية، سجن كبير يوازي حجمه مساحة بلدة كاملة على شاكلة "سجن حائر" السيء الصيت والذي يضم عشرات آلاف المعتقلين الكثير منهم من خيرة رجالنا وشبابنا وبناتنا من علماء ومفكرين ودعاة وناشطين، والذي يصنف بحسب تقارير عالمية على أنه من أخطر سجون الشرق الأوسط وضمن أخطر 10 سجون في العالم؛ تظهر اللقطات عمليات إنشائية لمبان وأبراج مراقبة داخل الجدار العازل، في خطوة تندرج ضمن سياسة القمع والتنكيل الممنهجة من قبل نجل سلمان وما سبقه من حكام آل سعود ضد أبناء المنطقة الشرقية، ما يظهر مدى حقدهم على الآخر الذي لا ينتمي لفكرهم وعقيدتهم، ولا يتماشى مع سياستهم القمعية التنكيلية النفاقية.
“حافظوا على تحويل انتباه الرأي العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية والهوه بمسائل تافهة لا أهمية لها. أبقُوا الجمهور مشغولا، مشغولا، مشغولا دون أن يكون لديه أي وقت للتفكير، فقط عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات الأخرى" - مقتطف وثيقة “أسلحة صامتة من أجل خوض حروب هادئة” للمفكر والمنظر والباحث الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي.
بتاريخ 24 في يونيو/حزيران 2003 أمر فهد بن عبد العزيز بإنشاء مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني بغية توفير البيئة الملائمة الداعمة للحوار الوطني بين أفراد المجتمع وفئاته (من الذكور والإناث) بما يحقق المصلحة العامة ويحافظ على الوحدة الوطنية المبنية على العقيدة الإسلامية- وفق مدعى السلطة، بأهداف معينة منها..
1- مناقشة القضايا الوطنيَّة الاجتماعيَّة والثقافيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة والتربويَّة وغيرها، وطرحها من خلال قنوات الحوار الفكري وآلياته .
2- تشجيع أفراد المجتمع ومؤسسات المجتمع المدني على الإسهام والمشاركة في الحوار الوطني .
3- الإسهام في صياغة الخطاب الإسلامي الصحيح المبني على الوسطيَّة والاعتدال .
4- الإسهام في توفير البيئة الملائمة لإشاعة ثقافة الحوار داخل المجتمع .
مساعي السلطة وإعلامها فشل فشلاً ذريعاً في تسويق هذه الفكرة المضللة التي لا تتعدى شعاراتها ولا تساوي مخرجاتها حتى ثمن الحبر الذي تطبع به القرارات الصادرة ولن يعيرها النظام الحاكم أدنى أهمية؛ فما كان من نخب اعلامية ومراقبين وأكاديميين عام 2010 إلا المطالبة بتفعيل المشاركة الشعبية في أي حوار وطني لضمان نجاحه, تزامناً مع تدشين حملة إعلامية - وصفت بأنها الأكبر في المملكة- "لنشر ثقافة الحوار والوسطية وقبول الآخر"، كانت لي مشاركة فيها حيث حضرها عدد من مختلف المذاهب والطوائف من أبناء بلاد الحرمين لأول وآخر مرة نتج عنها اعتقال العديد منهم وممن وافقهم الآراء التي طرحت في ندوات الحوار الوطنية التي أقيمت في العديد من المناطق، الى جانب هروب أو إختفاء العديد الآخرين منهم.
"هيومن رايتس ووتش" أصدرت تقريرها في ذلك العام في 52 صفحة دعت فيه "الملك عبد الله" الى الوفاء بوعوده وإطلاق سراح المعتقلين وإصدار العفو العام عن الذين هربوا خشية الفتك بهم من قبل أذرع وأجهزة السلة الأمنية القمعية الى جانب بذل المزيد من الجهد لإصلاح الواقع، وتحويل "الملك" وعوده الى قوانين لضمان استدامة مكاسب "الحوار الوطني" للمواطنين بعيش آمن ومتساوٍ بعيداً عن الطائفية والقبلية. حيث قال كريستوف ويلكى، باحث أول في قسم الشرق الأوسط في المنظمة: "إذا قلّ حماس الملك عبد الله للإصلاح، أو إذا كان خلفاؤه أشد تحفظاً على مسار الإصلاح، فلن يكون مُنجزه إلا نسمة هواء عابرة، وليس إصلاحاً مؤسسياً راسخاً".
آلاف المعارضين السلميين والنشطاء والمفكرين والأكاديميين والعلماء والدعاة يقبعون رهن الإحتجاز والاعتقال ويوجهون محاكمات جائرة بتهم مزيفة، ذنبهم الوحيد انتقادهم بالعلن والخفاء لسياسة السلطة الجائرة والدعوة الى العدالة والتغيير والمساواة في مملكة "الصمت والاستعباد"، والتي تعتبر من أكثر الدول بوليسية في العالم حيث يتحكم بها فكر آل سعود الـ"نابع من ثقافة قمعية استبدادية" في بلد لا يملك بعداً إستراتيجياً ولا وعياً ثقافياً - وفق وصف الأمير خالد بن فرحان آل سعود.
كانت لي مداخلة في الندوة السادسة للحوار الوطني بخصوص المناهج الدراسية ودورها في زرع كراهية الآخر وتأليب المواطن على أخيه لاختلاف في المذهب أو المعتقد، تطرقت فيها عن استخدام مناهج وزارة التعليم السعودية خطابا معاديا لغير الذي ينتهج المعتقد الوهابي مثل الشيعة والإسماعيلية وحتى غيرهم من الديانات الاخرى من مواطني المملكة حيث منهج الدين لا يذكر "الشيعة" بالاسم، بل يستخدم لغة ضمنية لوصم ممارساتهم الدينية الشيعية بأنها شرك أو غلوّ في الدين مستفيداً فتاوى عديدة لمفتي السعودية السابق عبد العزيز بن باز والتي لا تزال قائمة على موقعه الإلكتروني، وهو ما يمنعه ويرفضه ديننا الإسلامي الحنيف بصراحة ويؤمرنا بالتعايش السلمي والتعاون والتآزر "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ، وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" - سورة المائدة الآية 2؛ كما يرفض ويمنع ذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان ويؤكد بأن "الدعوة للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف".
موقع “ميدل إيست مونيتور” البريطاني وثّق قبل أيام أكثر من 145 انتهاكا حقوقيا لنظام آل سعود ضد المرأة "فقط" منذ حكم محمد بن سلمان 2017 ما يكذب الادعاءات المتكررة بإدخال إصلاحات، وذلك رداً على تبجح "ايفانكا" ابنة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أشادت باثنين من الحلفاء الرئيسيين لأمريكا في الشرق الأوسط أولهما السعودية، متجاهلة محنة عدد لا يستهان به من الناشطات المعتقلات وتعرضهن للتعذيب الجسدي والروحي والاعتداء الجنسي بسبب معارضتهن لسياسة التمييز القائمة في مملكة الرمال المتحركة.
عندما نتحدث عن نظام ال سعود فإننا نتحدث عن كارثة إنسانية وحقوقية فريدة من نوعها.. "الملك" يستحوذ على جميع السلطات والثروات والقرارات، وهذا عائقاً كبيراً في وجه تحقيق العدالة داخل البلاد.. النظام القائم في بلاد الحرمين خاصة الحالي لا يتمتع بالمصداقية الكافية لتنفيذ واحترام حقوق الإنسان، وسجونه مليئة بأشخاص من كافة أطياف المجتمع - وفق غالبية المعارضين وجميع منظمات حقوق الإنسان العربية والإقليمية والدولية.
ارسال التعليق