بين ناصر السعيد وجمال خاشقجي.. موت الغدر لا يفرق بين معارض وخادم
[حسن العمري]
بقلم: جمال حسنأسند البعض الى أن سبب تصفية جمال الخاشقجي مشابهاً لما حدث مع ناصر السعيد، فيما الحقيقة أنه هناك فرق شاسع بين الأثنين، الأول بدأ مسيرته بمعارضة سياسة آل سعود وفسادهم وبطشهم من ألفه الى يائه، فيما كان الثاني يعمل بوقاُ إعلامياً لسنوات كثيرة قدم خلالها أفضل ماعنده لتلميع صورة الملك وولي العهد وجميع أفراد الأسرة الحاكمة وكذلك المؤسسة الدينية الداعمة، ولم ينفعه كل ذلك التملق شيئاً فما أن خرج من بيت الطاعة حتى صدر الأمر بتصفيته على شاكلة الكثيرين من المعارضين السعوديين خارج حدود المملكة.
ناصر السعيد هوأحد أبناء حائل وأول معارض لنظام حكم آل سعود في المملكة والصرخة المدوية لإصلاح المجتمع في بداية دويلتهم الثالثة، فقد قاد عام 1953 إنتفاضة العمال للمطالبة بدعم فلسطين وتم اعتقاله وأرسل الى سجن "العبيد" في الإحساء وأفرج عنه لاحقاً وحكم عليه بالإقامة الجبرية في مدينة حائل، وبعد وفاة عبد العزيز أقيم حفل استقبال للمك الجديد (سعود) في مدينة حائل القى فيه ناصر السعيد خطاباً طالب فيه بإعلان دستور للبلاد وبإصلاح وتنظيم الموارد المالية للدولة وحماية الحقوق السياسية وحقوق حرية التعبير للمواطنين وحقوق الشيعة وحقوق المرأة وتجريم الرق واصلاح السياسة الخارجية للمملكة بانتهاج الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الاخرى و.. (كتاب تاريخ آل سعود، بقلم ناصر السعيد، ص75 و ص79)؛ وفي عام 1956 غادر من حائل الى مصر جبراً بعدما أخبره صديقه عبد الرحمن الشمراني أحد ضباط الحرس الملكي عن صدور أمر بالقبض عليه وإعدامه.
أما جمال خاشقجي فهو من مواليد المدينة المنورة صحفي وإعلامي سعودي رأس عدّة مناصب لعدة صحف في السعودية بأوامر ملكية منذ العام 1987 وحتى العام الماضي تقريباً، حيث عين في منصب نائب رئيس تحرير صحيفة عرب نيوز من 1999 الى 2003، ثم تولى منصب رئيس تحرير صحيفة "الوطن" السعودية اليومية عام 2004 – 2010 على مرحلتين، وعمل منذ عام 2004 مستشاراً إعلاميّاً للأمير تركي الفيصل (السفير السعودي في لندن ومن ثم في واشنطن)، كما أنه مدير عام قناة العرب الإخبارية (2012 – 2015) للوليد بن طلال.
فقد نقلت وكالة رويترز عن مصادر تركية أن التقييم الأولي للشرطة يشير الى أن الاعلامي السعودي جمال خاشقجي قتل في القنصلية السعودية بإسطنبول وتم نقل الجثمان الى خارجها. بدورها نقلت وكالة فرانس برس عن مصدر مقرب من الحكومة التركية أن الشرطة التركية تعتقد أن خاشقجي قتل في القنصليّة بأيدي فريق أتى خصيصا الى إسطنبول وغادر في اليوم نفسه، حيث تم التحقيق معه تحت التعذيب وتم تصويره بفيديو ثم قتل إرسل الفيديو الى ولي العهد السعودي.المصادر ذاتها كشفت أن خمسة عشر سعودياً بينهم مسؤولون وصلوا الى إسطنبول على متن طائرتين ودخلوا إلى القنصلية أثناء وجود خاشقجي فيها قبل عودتهم الى بلدهم.
خاشقجي كان خلافاً لناصر سعيد يتحاشى تسميته بالمعارض السعودي حسب الصحفي الشهير ديفيد هيرست، مضيفاً: أن خاشقجي «اعتبر نفسه ملكياً، ابناً للمؤسسة، وصحافياً مخضرماً في السياسة الخارجية، وكان لأمدٍ طويل داخل دائرة الديوان الملكي التي يكتنفها الغموض. وسافَرَ معهم في مناسباتٍ سابقة». ولم يشكك خاشقجي في شرعية الملكية السعودية، ولا قواعد تداول الحكم فيها، وكان مؤيداً للملك سلمان نفسه بعد توليه مقاليد الحكم. رغم وصفه الأوضاع في المملكة في أول مقال له في واشنطن بوست (19/9/2017): “عندما أتحدث عن الخوف والترهيب والاعتقالات والتشهير العام للمثقفين والزعماء الدينيين الذين يتجرأون على التعبير عن آرائهم، ثم أقول لكم إنني من المملكة العربية السعودية، فهل يفاجئكم الأمر؟”.
لايهم السلطة الأسرية السعودية الجاثمة على رقاب شعبي الأعزل من تكون معارضاً أو خادماً متمسكاً بحقها في السلطة، لطاما خرجت عن بيت الطاعة فالاعتقال أو الإعدام أو التصفية المروعة والإختطاف والإسقاط من الطائرة الملكية الخاصة بإنتظارك، كما حصل لناصر السعيد على يد فهد بن عبد العزيز بعد أن اختفى في يوم 7 /12 /1977 بعد أن أستدرجه أحد أصدقائه من قادة منظمة فتح الى فخ منصوب وسلمه للمخابرات السعودية، أو أن تستدرج بوعود ملونة كاذبة الى قنصلية بلدك ثم تقطع إرباً إربا (كما نقلت وكالة الأناضول) ويختفي آنذاك جمال خاشقجي من الوجود وينطوي ملفه الاعلامي والحياتي فور دخوله قنصلية بلاده في تركيا بعد أن كان قد التقى مع خالد بن سلمان (شقيق ولي العهد) السفير السعودي في واشنطن أربع مرات وحصل على تطمينات قبل وصوله اسطنبول.
لقد أختطف المعارض ناصر السعيد في بيروت عام 1979 عبر عميل سعودي صديق له وهو الصحفي الفرنسي وعضو في منظمة التحرير الفلسطينية عطا الله عطا الله أبو الزعيم بطلب من السفير السعودي في لبنان الفريق علي الشاعر.. وبعد ثلاثة عقود من الحادثة المروعة كشف الحارس البريطاني لأمراء آل سعود "مارك يونق" أن ناصر السعيد لم يتم التخلص منه في السعودية عام 1979 كما قيل سابقاً بل أنه تمّ التخلص منه في لبنان بعد اختطافه بأمر من الأمير فهد ورمي جثمانه من طائرة على السواحل اللبنانية وترك أشلاؤه وجسده الممزق نهباً وغذاء للضواري والوحوش، وأكد يونق أن مصدر معلوماته هو من الملك فهد شخصياً ( فهد بن عبد العزيز أمر برمي المعارض السعودي ناصر السعيد من الطائرة نسخة محفوظة 24 ديسمبر 2017 على موقع واي باك مشين، "تفاصيل اللحظة الأخيرة في حياة ناصر السعيد ..". موقع أهل القرآن. 11 سبتمبر 2015. تمت أرشفته من الأصل في 06 أكتوبر 2017، ناصر السعيد: نهاية رجل شجاع بقلم جعفر البكلي، موقع الأخبار قسم الرأي، العدد 2593 الثلاثاء 19 أيار 2015، ناصر السعيد حياته بقلم أحمد صبحي، عن مقدمة ناشر كتابه حقائق من القهر السعودي، وآل سعود من ناصر السعيد الى محمد السعيد بقلم نضال نعيسة، الحوار المتمدن، العدد:3811).
يؤكد المتابعون للشأن السعودي أن تاريخ الاستخبارات السعودية زاخر باختطاف أو محاولة اختطاف المعارضين المقيمين في الخارج من المواطنين أو حتى الأمراء وإعادتهم للسعودية أو تصفيتهم في الخارج، مستغلة نفوذ دولتها السياسي وثروتها المالية الضخمة التي تملكها، حيث تنتهج الرياض طرقاً عدة في التعامل مع المعارضين في الخارج، إذ تعمد أولاً إلى المفاوضات والإيهام بتقديم التنازلات أو العفو مقابل الصمت والعودة إلى البلاد، وهو ما حدث مع العشرات من المعارضين اليساريين في الثمانينيات ومن الشيعة في التسعينيات وعدد من الاسلاميين في الألفية. وإذا فشلت المفاوضات فإنها تعمد الى التهديد باعتقال أفراد العائلة أو إيذائهم، وهو ما حدث مع المعارض السعودي في كندا عمر بن عبد العزيز الزهراني، ومحمد المسعري المقيم في لندن وغيرهما؛ ويأتي الاختطاف أو التصفية كحل أخير لآل سعود يستخدمونه بتقديم الرشاوى لمسؤولي المطارات ومديري الأمن في بعض الدول. وبحسب وثائقي أعدته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" بعنوان "أمراء آل سعود المخطوفون"، فإن السلطات السعودية قامت بين عامي 2015 و2017 باختطاف ثلاثة أمراء من أراضي دول الاتحاد الأوروبي، بسبب معارضتهم للأسرة الحاكمة.
ارسال التعليق