"تكافؤ الفرص والمساواة" في "السعودية".. حديث المستحيل
[عبد الرحمن الهاشمي]
بقلم عبد الرحمن الهاشمي
في مقالة قصيرة على صحيفة "عكاظ" اعتبر الكاتب "خالد السليمان" أن موافقة مجلس الوزراء السعودي الأسبوع الماضي، على السياسة الوطنية لتشجيع تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة في الإستخدام والمهنة، يستحق الإهتمام والتغطية الإعلامية. وذهب الكاتب إلى أنّ هذه "السياسة التي ستطبق على مدى 10 سنوات ستعزز في المجتمع مفهوم تكافؤ الفرص والمساواة ليس في الإستخدام والمهنة وحسب بل وفي جميع التعاملات، فالأثر سيشكل وعياً مجتمعياً أكثر إيماناً بتكافؤ الفرص والمساواة في كل شيء!".
منوّها إلى أن "الهدف الأساس للسياسة هو القضاء على أي تمييز في الإستخدام والمهنة، ويقوم تحقيق ذلك على تطوير الأنظمة والسياسات التي تحدد وتمنع صراحة التمييز وتعزز المساواة في المعاملة، وتعزز مشاركة المرأة والفئات الأقل فرصاً في سوق العمل ودعم تنفيذ ذلك بإجراءات فاعلة". وبعد حديثه عن "الواسطة" معول الهدم كما وصفها يخلص إلى أنّ "القضاء على التمييز وضمان التنافس العادل على الفرص والمساواة في المعاملة هو نبراس العدالة في المجتمع"!
يبدو جليا أن الكاتب يضخم من قرار مجلس الوزراء ويجعل منه؛ مع ما يمكن أن يواجهه من عراقيل في التطبيق؛ مؤشرا عن توجه جديد وجدّي نحو إقرار العدالة في المجتمع وإلى حد تشكّل وعي مجتمعيّ بهذه الحقيقة الكبرى!
لقد أضحت مسألة التحول وسرديّة "أنّ المملكة تتغيّر" ناظما أساسيّا يوجّه مواقف السياسيين والدبلوماسيين والإعلاميين، فكل شيء يندرج تحت عنوان "الرؤية" الأسطورية وينتظم في سياقاتها الإقتصادية والسياسية والثقافية والتشريعية..وينسى، أو بالأحرى يتجاهل كل هؤلاء أنّ بناء منظومة إقتصادية على قواعد جديدة تتفاعل مع ديناميات الحداثة بكل وجوهها، يتطلب بالضرورة تعديلا في بنية النظام السياسي، وبالتالي انحسارا في علاقة العائلة بالدولة وإستئثار ألأولى بها؛ في أفق دولة تنبثق من الشعب وتعبر عن إرادته وتجسدها. وأما رؤية في الإقتصاد بإيقاع وتطلعات حداثية مع المرواحة السياسية فيما هو حكم الفرد وتسلط الأسرة فإنّ ذلك لا ينتج إلا شكلا فقاعيا في صورة التحديث لا يصل إلى جوهره.
في هذا السياق يشير الخبير في شؤون الخليج "سايمون هندرسون"، إلى أنّ (السعودية) تحتل المرتبة الأولى على صعيد الدول التي شهدت التغيير الأكبر في الشرق الأوسط، خلال العشرين سنة الماضية، لكنه يستدرك بأن تلك التغيرات لم تأت على العوامل الأساسية للسياسة السعودية.
في ملف الديمقراطية يرى هندرسون أن التحوّل الذي تشهده "المملكة" لا يتوجه بأي شكل من الأشكال نحو الديمقراطية. فحكم "المملكة" لا يزال استبدادياً، حيث إن توسيع نطاق الحقوق المدنية هو هدية من الحاكم ومنّة منه وليس استجابة للضغوط.."، فضلا على أن يندرج ذلك ضمن إرادة سياسية في الإنتقال الديمقراطي.
فما يسمى بـ"السياسة الوطنية لتشجيع تكافؤ الفرص والمساواة" التي أطلقها مجلس الوزراء، ليس لها أي مدلول سياسي ، حتى نربطها بعنوان العدالة الإجتماعية وبإرهاصات تشكل وعي مجتمعي جديد يستدمج هذا المفهوم ضمن سيرورة تطور عام وشامل، وإنما هو بالأساس تسكين لقلق الشباب الراغبين في الوظائف والحصول على فرصة لإيجادها، فالأسعار ترتفع والدعم الحكومي ينخفض، والمواطنون عموما بحاجة إلى وظائف للحفاظ على مستوى معيشتهم، لكنهم يصطدمون بالوساطات والمحسوبيات وبنية فساد إدارية مستحكمة. وإلا فالتمييز لازال سياسة متبعة في إقصاء مكونات مجتمعية من بعض الوظائف في دوائر معينة،و لازالت طبقة الأمراء تستأثر بأهم المناصب والمواقع الحكومية خاصة في القطاعات الحساسة والسيادية، كما في السلك الدبلوماسي..أمراء المناطق ونوابهم جمعيهم من الأمراء . وكذلك الحال -بنسب متفاونة- في المجالس، مجلس الوزراء، مجلس الشورى، مجلس الأمن القومي، المجلس الأعلى للقضاء، المجلس الإقتصادي الأعلى، المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن...
قد تتنزع قرارات مجلس الوزراء الأخيرة -في حال تم تطبيقها-بعض الهوامش من بنية الفساد وتحسن من معدل نسب التحصّل على الوظيفة بالنسبة لعموم المواطنين لكن لن تبلغ هذه السياسة مستوى تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة، فبنية دولة الأسرة والنمط الإستبدادي للحكم السعودي يمنعان من ذلك.
وبإختصار فإنّ القضاء على الإستبداد وحكم الأسرة بأسلوب قروسطي ومتخلف هو الطريق نحو العدالة في كل تجلياتها.
ارسال التعليق