جمال بن عمر مندوب الأمم المتحدة السابق في الأزمة اليمنية... يخلط الأوراق ويكشف بعض المستور عن العدوان على الشعب اليمني!!
[عبد العزيز المكي]
بين الحين والآخر، تتكشف حقائق جديدة عن عدوان التحالف السعودي الإماراتي على اليمن وشعبه المظلوم عام 2015، وحول الدور الأمريكي في التحريض والتشجيع على هذا العدوان، ولعل حديث الممثل الأممي الأسبق في الأزمة اليمنية جمال بن عمر، الذي أدلى به للقناة الروسية (RT) مؤخراً، يشكل إضافة جديدة حول حقائق العدوان السعودي الإماراتي المغيبة عن حيثيات وخلفيات العدوان والدور الأمريكي والسعودي فيه، حقائق لها من الأهمية والخطورة أن من شأنها أن تقلب المفاهيم التي كانت سائدة، وتترك آثاراً جمة على المفاوضات ومحاولة إيقاف العدوان، يمكن أن تترتب عليها معطيات جديدة بشأن العقوبات وبشأن المعتدي وما الى ذلك كثير خصوصاً الكم الضخم من الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب اليمني على خلفية ادعاءات وأكاذيب تتأكد مصاديق زيفها وفبركتها يوماً بعد آخر.. ومما جاء في حديث بن عمر الآنف، أنه.." عند ما تعقد الوضع في بداية 2015 كان الفرقاء اليمنيين كلهم مجتمعون على طاولة الحوار وكنا نيّسر هذه المفاوضات فيما عرف حينها بمفاوضات مو فمبيك، وحققنا تقدماً بشكل كبير باتجاه حل نهائي مبني على تقاسم السلطة وتم الاتفاق على شكل السلطة التنفيذية والتشريعية ومؤسسات الدولة وبقيت هناك خلافات بموضوع الرئاسة ومكان التوقيع – أنا زرت السعودية قبل يومين من بدء الحرب العسكرية التي قادتها السعودية على اليمن وكان النقاش على مكان التوقيع فقط، حيث كان السعوديون يلحون على ان يكون التوقيع في الرياض، بينما أنصار الله وعلي عبد الله صالح كانوا رافضين هذا المقترح وكنا نبحث عن حل، لكن التدخل العسكري بقيادة السعودية هو الذي كان أصلاً وضعاً معقداً فالتدخل العسكري الخارجي فتح الباب لمسار جديد مؤلم"..
هذا التصريح الخطير يكشف حقائق كثيرة ويؤكد معطيات كانت قد تأكدت من خلال الممارسات ومن خلال سلوكيات وتناقض المواقف السعودية- الإماراتية والأمريكية من العدوان، ومنها ما يلي:-
1- زيف وكذب المبررات والأسباب التي أعلنتها السعودية لشن الحرب على اليمن، ومنها إعادة ما تسميه الشرعية إلى صنعاء، و" دحر الانقلاب الحوثي"، وتلبيه دعوة " الرئيس المخلوع" هادي لمساعدة الشعب اليمني في مواجهة الحوثيين وما الى ذلك من الادعاءات والمزاعم، وكان هادي عبد ربه منصور قد صرح بأنه لم يكن يعلم بقرار شن الحرب، وإنما سمع به من الأخبار، فتصريح جمال بن عمر يؤكدان قرار الحرب كأنه قد اتخذ من قبل الإدارتين الأمريكية والسعودية، فلو كانت هاتان الإدارتان حريصتين على الاستقرار اليمني السياسي والاجتماعي لمنحتا المندوب الأممي فرصة إنجاز التسوية، يبد ان قرار الحرب جاء من البيت الأبيض في الوقت الذي كان فيه بن سلمان متحفزاً لها على خلفية تصورات بتحقيق انتصار سريع يوفر لطموح بن سلمان لعب دور الشرطي الأمريكي في المنطقة وليكون الآمر والناهي فيها، ولذلك جاء إعلان الحرب السعودية من واشنطن على لسان السفير السعودي السابق عادل الجبير، يضاف الى ذلك، ان كل المرجعيات التي أنتجتها السعودية وتلك التي أنتجها مجلس الأمن بدعم امريكي سعودي، كلها جاءت لتخدم هدف شن العدوان، ولتجعل من التسوية السلمية أمراً مستحيلاً، ومنها القرار الدولي (2216) الذي ما يزال من يعتبره من المرتزقة وأسياده مرجعاً للحوار، يقول بن عمر بشأن هذا القرار.."..من بعد ذلك..حدث شيء مهم وهو القرار الذي أصدره مجلس الأمن الدولي(2216).. هذا القرار وهو قرار عجيب غريب، عملياً يطلب من طرف واحد وهو أنصار الله الاستسلام لحكومة ليست موجودة الّا في فنادق الرياض، وهذا القرار كان غير واقعي وعقد العملية السياسية..عندما قرأت مسودة هذا القرار اتضح لي أنه ليس هناك الآن أي دور سيكون ايجابي لمبعوث الأمم المتحدة، وحينها قدمت استقالتي" وأضاف بن عمر قائلاً: " ..هذا القرار كان كارثة في الحقيقة وأثر على دور الأمم المتحدة ومبعوثيها.."!
2- حديث بن عمر أكد بطلان مزاعم النظام السعودي بأن تدخله العسكري رداً على ما كان يسميه " التدخل الإيراني" في اليمن، فبن عمر يقول ان".. الصراع في اليمن لم يأخذ بعداً إقليمياً الّا بعد أن تدخلت السعودية عسكرياً في اليمن، الخطأ الكبير الذي ارتكبته السعودية هو في مارس 2015 حين ظنت أن بإمكانها تنصيب حكومة موالية لها والحد من سيطرة أنصار الله. وكان هذا خطأ قاتل، فقد وجدنا ان السعودية لم تحقق أي من أهدافها في اليمن بل بالعكس أدت تصرفاتها إلى تقوية أنصار الله وأصبحوا الآن قوة كبيرة أكثر مما كانوا في السابق، كما ان هذه الحرب أدت إلى خلق أمراء حرب جدد كل واحد فيهم يسيطر على منطقة معينة في اليمن، وهذا أدى إلى تقسيم اليمن وأدى إلى الكارثة التي نراها الآن"!
3- ما تقدم يؤكد أن السعودية تتحمل قانونياً وبحسب كل الأعراف الدولية المسؤولية كاملة عن كل ما لحق باليمن من دمار ومن قتل ومن كوارث إنسانية وتخريب للبنية التحتية، وعن كل الخسائر المادية وغير المادية التي لحقت بالشعب اليمني جراء هذا العدوان الظالم. لأن اعترافات جمال بن عمر تعتبر وثيقة ومستندات دامغة على مسؤولية السعودية عن شن هذا العدوان وبلا مبرر مقنع.
خسارة السعودية وربح أمريكا:
مثلما صرح جمال بن عمر، السعودية لم تحقق أي من أهداف هذا العدوان، فأنصار الله باتوا اليوم قوة إقليمية تهابها أمريكا نفسها، فيما " الشرعية" اليمنية مازالت تائهة وضائعة بين فنادق الرياض واسطنبول والقاهرة و.و.. كما لم يتحقق الأمن السعودي على الحدود ولا حتى في العمق السعودي في جدة والرياض ونجران وجيزان وباقي المناطق السعودية التي تعرضت للقصف اليمني أبان اشتعال الحرب قبل الهدنة... بخلاصة شديدة ان السعودية وصلت بعد ثمان سنوات من العدوان الى قناعة باستحالة الانتصار في الحرب، بل ان الحرب أصبحت وبالاً عليها وتهديداً متفاقماً لها، ما جعلها تندفع مؤخراً باستماتة للخروج من الحرب، والتفاوض مع أنصار الله، وهذا ما أشارت اليه الصحف الامريكية والبريطانية صراحة، حيث قالت ان المملكة ذهبت للتفاوض، أو أنها اضطرت للذهاب للتفاوض في صنعاء بخصوص إنها الحرب بعد أن استنزفت خزينة المملكة بعشرات المليارات من الدولارات.. وفي هذا السياق قالت صحيفة الوول ستريت جورنال الأمريكية، ان الحرب كلفت السعودية حوالي 350 مليار دولار منذ بداية شن الحرب في عام 2015، مضيفة ان تحركات المملكة الحالية تأتي في إطار إعادة العلاقات مع ايران ومساعي الحفاظ على المنشآت النفطية في المملكة.من جانبها ذكرت وكالة بلومبيرغ أن المملكة لم تعد قادرة على تحمل القصور في " المظلة الأمريكية الأمنية" مما دفعها الى اتخاذ ترتيبات بديلة مثل الوصول الى تسوية مع إيران والانسحاب من حرب اليمن التي كبدتها خسائر بالمليارات.. صحيفة الغارديان البريطانية هي الأخرى ذهبت إلى ما ذهب إليه نظيراتها الأمريكيات في السياق الآنف.
مقابل ذلك ان الولايات المتحدة حققت الكثير من أهدافها ومنها ما يلي:
1- استنزاف أموال السعودية والأمارات وامتصاص ما راكمتاه من أموال النفط، والحيلولة دون الاستفادة من هذه الأموال في التنمية والتطور، إذ أن هذه الأموال شغلت المصانع العسكرية وزادت من خطوط إنتاجها في الولايات المتحدة وفي الدول الغربية وباعتراف ترامب الذي كان قد تحجج بذلك، وتباهى بحل مشكلة البطالة في ولايات المصانع العسكرية!
2- السيطرة ثم عسكرة الموانئ والجزر اليمنية بمعية البريطانيين والفرنسيين والصهاينة، وتجري عملية العسكرة هذه على قدم وساق اليوم تحت غطاء الاحتلال الإماراتي والسعودي، ذلك ان السيطرة والعسكرة تلكما تشكلان مرتكزاً أساسياً للاستراتيجية الأمريكية الصهيونية الرامية الى الهيمنة والسيطرة على تلك المنطقة وعلى أفريقيا وأيضاً الاستقواء من خلالها على الصين وروسيا.يضاف الى ذلك السيطرة والتمركز في المناطق اليمنية النفطية تحت غطاء الاحتلالين السعودي والإماراتي.
3- إثارة الحروب، واحدة من أسس الاستراتيجية الأمريكية لاستنزاف الأمة وإضعاف دولها وتبرير التدخلات الأمريكية والحضور الأمريكي الصهيوني في المنطقة، وتمكين العدو الصهيوني من التمدد والنفوذ والهيمنة، ولذلك لاحظنا ان المنطقة لم تهدأ منذ السبعينات، فمن حرب لبنان، مروراً بحرب العراق وإيران، ثم أفغانستان، فغزوا العراق، فحرب سوريا، فالحرب اليمنية والآن الحرب الداخلية السودانية وقبلها حرب اذربيجان وارمينيا وهكذا...
ما تقدم وغيره يفسر الجهد الأمريكي الحثيث لتخريب المفاوضات السعودية مع أنصار الله لوقف الحرب، والتي كادت أن تتمخض عن أتفاق بين الطرفين ينهي الحرب ويضع حداً لها، حيث كان من المقرر التوقيع والإعلان عن الاتفاق بعيد الفطر المبارك، لكن التدخل الأمريكي المكثف أوقف تلك المساعي وخرّب المفاوضات، لأن وقف الحرب وإحلال السلام في اليمن يتنافى مع المصلحة الأمريكية، بينما يصب في المصلحة السعودية.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق