جولة بلينكن السادسة.. الخفي والظاهر من أهداف هذه الجولات المتعاقبة!!
[عبد العزيز المكي]
في 20/3/2024 ، حط انطوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي رحاله في جدة يبدأ جولته السادسة في المنطقة منذ طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي.. أي أن معدل جولاته، جولة في كل شهر، يقوم بها تحت عناوين وشعارات "التهدئة" و "وقف العدوان الصهيوني على غزة" ، وما إلى ذلك من بقية العناوين التي باتت معروفة !! في حين أن الواقع يكذب هذه الشعارات، فأمريكا هي التي تدير الحرب على الشعب الفلسطيني في غزة، وهي التي تعارض وقف إطلاق النار بدليل أنها استخدمت "حق" الفيتو أكثر من مرة لإجهاض مشاريع وقف إطلاق النار تقدمت بها عدة دول! كما أنها أي الولايات المتحدة - فتحت أبواب مخازن أسلحتها الثقيلة والاستراتيجية على مصراعيها لتغذية العدو في عدوانه، ولمده بالأسلحة والصواريخ والقنابل والمعدات التي دمر بها وما يزال ٥٠ ٪ من منازل المواطنين وعماراتهم السكنية وساوى بها الأرض على رؤوس الأبرياء من الأطفال والنساء! وما زال يمارس هذا الأجرام، ومعه تتصاعد أعداد الجرحى والشهداء فتجاوزت هذه الأعداد لحد الآن مئات الآلاف جلهم من الأطفال والنساء!! فلو كانت أمريكا فعلاً تريد إيقاف العدوان الصهيوني على غزة لأوقفته بإيعاز واحد للعدو، لكنها هي من تصر على مواصلة العدوان، أما مجيء بلينكن المتعاقب للمنطقة، فالدافع الأساسي له هو أن أمريكا والعدو مأزومان، وعملائهم، خصوصا السعوديين والمصريين والإماراتيين و... هم أيضاً مأزومون!! فلقد بات واضحا انه بعكس ما كان هؤلاء المأزومين يتوقعون انه مع استمرار العدوان على غزة، ومنح العدو المزيد من الوقت لمواصلة جرائمه ومجازره بحق الشعب الفلسطيني المظلوم، انه يقترب من القضاء على حماس والمقاومة !! إنه بدلا من ذلك يبتعد أكثر عن هذه الأمنيات، وتستجد أمور في نهاية الخطورة، على هؤلاء المأزومين، ولذلك يسارع بلينكن إلى المجيء إلى المجييئ إلى المنطقة لاحتواء تلك المستجدات ولمحاولة تقليل آثار الأزمة على هؤلاء المأزومين!! ولكن قبل الإشارة إلى أهداف هذه الجولة الجديدة التي اقتصرت على السعودية ومصر والعدو الصهيوني، أحاول تفكيك الأزمة التي يعاني منها هؤلاء، لأن توصيف تلك الأزمة يشكل لنا نقطة انطلاق لفهم مغازي وأهداف التحرك الأمريكي في المنطقة، وأبدأ بالعدو الصهيوني:
1- أزمة العدو: وأزمة العدو مع استمرار العدوان باتت معروفة، يتحدث عنها يومياً ليس الإعلام الأمريكي وبعض الإعلام العربي وحسب، وإنما الإعلام الصهيوني نفسه يتحدث عنها بإغراق، كما أن شهادات الضباط الصهاينة حول الانهيار المعنوي وارتفاع اعداد القتلى والجرحى والمعوقين، باتت متواترة.. فهذا رئيس جهاز الموساد الصهيوني الأسبق، داني ياتوم يقول: إن "إسرائیل بوجود نتياهو تنهار أو تقريبا انهارت" كما ان المراسل العسكري لقناة (12) العبرية نير دفوري قد نقل عن قائد سلاح الجو الصهيوني تومير بار، تحذيره من أن سلاح الجو ليس حاضراً وليس مستعداً لأي حرب قادمة وعلى نحو خاص إذا اندلعت على عدة جبهات".
وفي السياق ذاته قال الخبير الصهيوني، وهو خبير عسكري، عمير راببورت في موقع (إسرائيل ديفينيس) العبري أن "المشكلات الأمنية المباشرة التي تواجهها إسرائيل ليست انهياراً لنموذج جيش الشعب، فقبل كل الساحات تحذر شعبة الاستخبارات من احتمال هو الأكبر منذ حرب لبنان الثانية في عام ٢٠٠٦ ، أي نشوب حرب في الشمال". وإلى ذلك يقول الكاتب الصهيوني عاموس هارين: "...في هذه المرحلة ليس من الواضح بعد ما إذا كان من الممكن الخروج من الفخ وكيف، من الممكن أن ينشأ وضع شبه دائم يتم فيه شن حرب استنزاف طويلة الأمد على طول حدودين على الأقل، ولا يزال الخطر قائماً في أن تلتهب الجبهة اللبنانية، الأكثر تهديداً، ونشهد حرباً، قد تتسع بمواجهة إيران والجماعات التي تديرها، وأبرزها حزب الله" على حد قوله، ويشير الكاتب الصهيوني إلى شحة التمويل الأمريكي وشحة تزويد العدو بالأسلحة المتطورة، وفضلاً عن ذلك فإن اعترافات الضباط الصهاينة بظاهرة الفرار من الخدمة من الجيش الصهيوني أو رفض الذهاب إلى غزة، أو رفض الشباب الصهيوني الانخراط في الجيش، باتت متواترة وأصبحت ظاهرة مألوفة.. الأكثر من ذلك أن استمرار العدوان على غزة أضحى خطراً يهدد بنية الجيش الصهيوني كما يقول عميد الاحتياط في الجيش الصهيوني أورث أفمان، في تقرير في صحيفة معاريف، حيث كشف عن ظاهرة تفكك الجيش الصهيوني يوماً بعد آخر، بسبب تنامي ما اسماه ظاهرة القبلية، موضحاً.. "بين قبيلة الضباط الكبار وقبيلة الضباط الصغار، وقبيلة الوحدة 8200 وقبيلة الجيش الاحتياط، وقبيلة النظامي والدائم، وما سيترتب عليها من هروب للمميزين من الجيش وبقاء الفاشلين" فإنه كلما طال الوقت على هذا العدوان، سوف يبتعد العدو عن تحقيق أهدافه، بل ويزداد تآكلا وتفككاً على صعيد الجيش والمجتمع، بسبب ارتفاع أعداد القتلى وبسبب الحصار الاقتصادي والتجاري الذي فرضه أنصار الله على العدو..
٢- أزمة الولايات المتحدة.. وهذه باتت من واضحات الأمور تتحدث عنها بشكل يومي تقريباً الصحف الأمريكية البارزة، بسبب ورطة الإدارة الأمريكية في الحرب على الشعب الفلسطيني، سواء بدعم الكيان الصهيوني بالأسلحة والمعدات العسكرية، أو بالتورط في حرب بحرية مع أنصار الله في البحرين الأحمر والعربي لكسر الحصار عن العدو الذي فرضه أنصار الله على الكيان الصهيوني.. وتتبدى الأزمة الأمريكية المتفاقمة اليوم في عدة مظاهر منها:
خسارتها الحرب البحرية مع أنصار الله رغم تفوقها العسكري البحري ورغم استجلابها حاملات طائراتها إلى البحرين الأحمر والعربي، ورغم مساندة القوة البحرية البريطانية لها، ذلك باعتراف الضباط الأمريكيين أنفسهم، وكذلك نظرائهم الضباط البريطانيين يقول قائد المدمرة البريطانية "دايموند" بيت إيفانز، "أن اليمنيين يستخدمون الآن أسلحة أكثر تقدماً وفتكاً، وأضاف: "في البداية عندما أتينا إلى البحر الأحمر في ديسمبر كانت الطائرات بدون طيار الهجومية ذات الاتجاه الواحد هي التهديد الرئيسي لكنهم توجهوا الآن أكثر بكثير نحو الصواريخ البالستية التي يصعب الدفاع ضدها وتسبب المزيد من الأضرار، ونقل التقرير الذي أعدته قناة البي بي سي البريطانية عن المدمرة دايموند، عن الملازم أون مارتين هاريس، الضابط التنفيذي في السفينة دايموند قوله "إن الصواريخ اليمنية تتحرك بسرعة تزيد عن سرعة الصوت بثلاثة أضعاف" وأكد التقرير أن السفينة دايموند لم تقم حتى الآن بإسقاط أي صاروخ يمني.. أما اعترافات ضباط البحرية الأمريكية التي نقلتها البي بي سي البريطانية نفسها، فهي أيضاً لا تخرج عن دائرة تصريحات الضباط البريطانيين، فقد نقلت البي بي سي عن قائد المدمرات الأمريكية العاملة في البحر الأحمر قوله: "إن اليمن أصبح يشكل التهديد الأكبر للبحرية الأمريكية في التاريخ الحديث، وان السفن الأمريكية لم تتواجد منذ الحرب العالمية الثانية في وضع كهذا الذي تتعرض فيه لإطلاق النار بشكل يومي..
كما أن مسؤولاً أمريكيا كان قد أكد لقناة السي ان ان الأمريكية في وقت سابق أن اليمنيين يفاجئون القوات الأمريكية بشكل متواصل.. وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، سئل قائد حاملة الطائرات آيزنهاور عما إذا كان من الممكن تحقيق الهدف الأمريكي بإيقاف جميع العمليات اليمنية، فأجاب أنه من الصعب قول إن ذلك ممكناً ومن الصعب تحديد الفوز والخسارة في هذا النوع من الصراع"... وكان بعض وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية البارزة قد وثقت في وقت سابق تصريحات الضباط وقادة البحرية الأمريكية حول تفوق أنصار الله وتخبط أمريكا، فعلى سبيل المثال كان قائد الأسطول الخاص الأمريكي المرابط في البحرين قال أن المعركة مع الحوثيين لم تشهد أمريكا مثلها منذ الحرب العالمية الثانية، والحصيلة أن أميركا فشلت فشلاً ذريعاً في هذه المعركة وتعرضت إلى خسارة مدوية، تتفاقم آثارها وتتسع دائرتها باستمرار هذا الصراع باعتراف الأمريكيين أنفسهم.
سقوط هيبة الولايات المتحدة في المنطقة، فبدلاً من أن تكون هذه الأساطيل التي جلبتها إلى المنطقة والبحرين الأحمر والعربي عاملاً في تعزيز الرهبة والخوف عند خصومها، سيما الصين وروسيا وإيران، بات فشلها في مواجهة أنصار الله عاملاً مهما اليوم في سقوط هيبتها وتراجع قوتها، ولذلك بدأ الكثير من الكتاب والمحللين العسكريين الأمريكان وغير الأمريكان يتحدثون عن جدوى هذه الأساطيل وحتى الدبابات المكلفة قبال أسلحة خفيفة ورخيصة وسهلة الحمل والاستعمال كالتي يستعملها أنصار الله وحماس، يقول الكابتن الأمريكي ديف ورو قائد المدمرات الأربع التابعة للبحرية الأمريكية، بأن حاملة الطائرات الأمريكية تواجه معركة شرسة ضد الهجمات من اليمن، وأضاف: "إن التهديدات التي واجهوها خلال الأشهر الأربعة الماضية تتنوع بين الصواريخ البالستية المضادة للسفن وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار، والسفن السطحية غير المأهولة، والآن السفن غير المأهولة تحت الماء، وجميعها محملة بالمتفجرات وكل ذلك جعل حماية الأساطيل تلك مهمة صعبة ومكلفة للغاية.. الأمر الذي أفقد أمريكا ثقة حتى عملائها في المنطقة الذين ما يزالون يعتمدون على حمايتها !!
يضاف إلى ما تقدم، استنفاذ مخزونها الاستراتيجي من الصواريخ والقنابل بسبب استخدامها في المعركة البحرية المحتدمة في البحرين الأحمر والعربي، وبسبب الدعم اليومي المتواصل للعدو الصهيوني ولأوكرانيا أيضاً، لدرجة أن خطوط الإنتاج باتت - عاجزة عن تعويض النقص، باعتراف بعض الأوساط الإعلامية والسياسية في أمريكا، والذين أكدوا أن النقص المستمر في هذا المخزون سوف يؤثر على صمود أمريكا في معركة مع الصين وروسيا بشكل سلبي إلى حد كبير، أن حدثت مواجهة بين أمريكا وخوصومها.
3- أما أزمة عملاء أمريكا وعلى رأسهم السعودية ومصر والإمارات، فإنها تتبدى من خلال أن تأخر حسم العدو لمعركته مع حماس في غزة، سوف يحرج هذه الأنظمة أمام شعوبها التي تزداد غليان وغضبا مع اقتراف المجازر اليومية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، فهذه الشعوب ومع استمرار هذا العدوان تنتظر من هذه الأنظمة تحركا عسكريا لنصرة هؤلاء المظلومين والتهاون أو التأخر في هذا الأمر يعزز القناعة عند هذه الشعوب بأن تلك الأنظمة متآمرة ومساندة للعدو وخائنة، ما يعني أن استمرار العدوان واستمرار ارتكاب المجازر من قبل العدو يعني زيادة انكشاف هذه الأنظمة أمام الشعوب وبالتالي سقوط شعاراتها ثم احتمال تحرك الأمة للقضاء عليها بتحرك الجيوش أو بثورات شعبية.. ولذا يريد هؤلاء العملاء إيقاف العدوان بعد ما تيقنوا أن العدو غير قادر على تغيير المعادلات في الأرض المحتلة، وان أمريكا هي الأخرى غير قادرة على تغيير المعادلات في المنطقة، فعلى هذه الخلفية جاء بلينكن في جولته أو في سياق جولته السادسة ! ولكن المشكلة بالنسبة لأمريكا وللعدو، هي أن أي تراجع عن مواصلة العدوان يعني تعزيز الأزمة المشار إليها بعشرات الأضعاف، لذلك جاء بلينكن لتخفيف الآثار ولتحقيق أهداف من خلال تعاون هؤلاء العملاء، عجز العدو عن تحقيقها بالوسائل العسكرية لحد الآن، وهذا يفسر بدء جولته بالسعودية لأنها تشكل محورا رئيسيا في المشروع الأمريكي المشار إليه، ثم يجتمع بوزراء خارجية مصر السعودية والبحرين والأردن والإمارات.. ويطلب منهم الآتي:
1- تحقيق انجاز للعدو من خلال سيطرة النظام المصري على منطقة رفح ومعبرها لضبط الشارد والوارد إلى غزة ومنها الإجراء مراقبة شديدة لمنع تهريب حماس أسلحة جديدة والأخطر من ذلك إقامة بنى تحتية ومساكن في منطقة رفح المصرية ليجري نقل الفلسطينيين إليها بهدوء، وبالتالي ضبط الحركة الفلسطينية من قبل المخابرات المصرية أو ليكون ذلك باكورة المشروع الأمريكي الصهيوني في إقامة دولة فلسطينية ممسوخة في منطقة سيناء المصرية !!
2- يتكفل النظامان السعودي والإماراتي باحتضان العدو ومده بالأموال، ودمجه في نسيج المنطقة من خلال إعلان التطبيع السعودي معه في اليوم التالي لوقف العدوان على غزة، وتعويضه الخسائر المادية والعسكرية في حرب غزة، وفي النهاية تمكين هذا العدو من السيطرة والتحكم في المنطقة، بمنحه العمق الاستراتيجي في تلك الدول وتوظيفه إمكاناتها العسكرية وغير العسكرية في إطار استراتيجياته المعروفة.
3- طلب بلينكن من هؤلاء العرب، دعم أمريكا في حربها مع أنصار الله وتعويضها الخسائر وسقوط الهيبة التي تعرضت لها وما زالت، وتمكينها من إعادة معادلة الترهيب وتسويق الخوف إلى الخصوم، التي كانت ما قبل تورط أمريكا في مستنقع الحرب مع أنصار الله، ولذلك سارعت الإمارات في منح أمريكا جزيرة سقطري اليمنية لتحويلها إلى قاعدة عسكرية أمريكية للسيطرة على المضيق المائي "باب المندب"، والبحر الأحمر، والتحكم في التجارة الدولية !!
4- الطلب من هذه الأنظمة امتصاص نقمة الرأي العام العربي عبر الإعلام الموجه وفتح المجال للعدو لمواصلة مذابحه بحق أهالي غزة عسى أن يحسم العدو الأمر بسرعة، والمتابع للإعلام العربي خصوصا الإعلام السعودي والإماراتي وحتى المصري يشخص بوضوح استجابة هذه الأنظمة للطلب الأمريكي !!
يبقى هل أن كل هذه المحاولات سوف تقلل من وطأة الأزمات على هؤلاء المأزومين !؟ لا نعتقد ذلك لان الأمور في المنطقة تمضي بما لا تشتهي سفنهم، وان رياحها باتت خارج سيطرتهم، على العكس تماماً، نحن مقبلون على مزيد من الأزمات لهؤلاء المأزومين.
ارسال التعليق