حظوظه في الوصول إلى العرش تتلاشى يوماً بعد آخر... بن سلمان في مرمى إدارة بايدن
[عبد العزيز المكي]
منذ ترشح الرئيس الأمريكي جوبايدن إلى خوض الانتخابات الرئاسية الأخيرة في أمريكا، والتي فاز فيها، ورسائله للنظام السعودي لم تتوقف، بين الحين والآخر ينتقد السياسة السعودية، ويحمل بن سلمان المسؤولية عن هذه السياسة التي باتت لا تعجب الديمقراطيين أو أغلبهم وعلى رأسهم بايدن، ولو أن تحميل المسؤولية يجري بشكل غير مباشر أو بشكل إشارة وتلميح، وفي جديد الانتقادات، ما أكدته المتحدثة باسم البيت¬الأبيض جين بساكي يوم 15/2/2021 في تصريحاتها بان الرئيس الأمريكي جو بايدن يعتزم إعادة تقويم العلاقات الأمريكية مع السعودية.. وقالت المتحدثة باسم البيت "الأبيض" من الواضح أن هناك مراجعة لسياستنا من حيث صلتها بالمملكة العربية السعودية."..مشيرة الى ان إدارة بايدن ستتواصل مع المملكة عبر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لا مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان..
وسبق هذه التصريحات التي اعتبرها البعض " تحولاً كبيراً" في سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه بن سلمان، أشارات أمريكية في ذات الاتجاه، ففي مطلع الشهر الجاري فبراير، كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد وصف اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بالعمل المشين، مشيراً الى ان بلاده تراجع علاقاتها مع السعودية.. واعتبر بلينكن في تصريحات مع شبكة " إن بي سي" الأمريكية أن " مقتل خاشقجي كان عملا مشيناً ضد صحفي مقيم في الولايات المتحدة". لافتاً الى أن " واشنطن تراجع علاقتها مع السعودية لتضمن إتساقها مع المصالح والمبادئ الأمريكية".
وإلى جانب ذلك، كشفت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في 19/2/2021 أن ادارة الرئيس الأمريكي جوبايدن قررت نشر تقرير الاستخبارات الأمريكية حول دور بن سلمان بقتل الصحافي جمال خاشقجي، وبحسب هذه الصحيفة فأن التقرير خلص، إلى ان بن سلمان أمر بقتل خاشقجي داخل سفارة بلاده في تركيا عام 2018. الواشنطن بوست ذكرت،" أنه من البداية كان واضحاً بالنسبة لوكالة الاستخبارات الأمريكية تورط بن سلمان بمقتل خاشقجي، وبأنه من أمر باغتياله، لكن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أصر على تجاهل ما توصل اليه التقرير من معلومات وحقائق، وأقدم على حماية ابن سلمان" وتابعت الصحيفة قائلة: " لقد تفاخر ترامب في مقابلة مع بوب وودوارد بأنه أنقذ " مؤخرته"_ بن سلمان من محاولات الكونغرس لتحميل ولي العهد السعودي المسؤولية".
موقع " عربي21" قال في 21/2/2021، أن مصدراً أمريكياً كشف له، أي للموقع المذكور، عن موعد نشر إدارة الرئيس جوبايدن تقريراً استخبارياً عن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.. وأفاد المصدر، بأن نشر التقرير سيتم في الأسبوع الأول من آذار/مارس المقبل، موضحاً، أنه لن ينشر بشكل كامل، وان الأدارة الأمريكية ستراعي بعض الاعتبارات السياسية والأمنية في حجم ماسيكشف من التقرير..
كل ذلك وغيره كثير يؤشر إلى جملة معطيات جديدة نشير الى بعض منها بما يلي:-
1- يؤشر ذلك، الى ان الأدارة الامريكية الجديدة تواصل ضرباتها لبن سلمان، دون توقف، ولقد قالت شبكة السي أن أن الأمريكية، ان تصريحات المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي بشأن موعد الحديث بين الرئيس جو بايدن والملك السعودي سلمان بالضبط كانت بمثابة ضربة قوية لولي العهد السعودي. وقالت الشبكة الأمريكية، فأنه سواءً أكان ذلك عودة للألتزام ببروتكول صارم، أم خطوة مقصودة، لترتيب ومكانة محمد بن سلمان، فأن هذه الخطوة تعكس رفض بايدن العلني للحاكم!! وهذا ما ذهب إليه الكاتب الروسي إيغور سوبوتين، في مقاله في صحيفة " نيز افيسيحايا غازيتا" الروسية حول تصريحات بساكي، حيث قال ان ذلك يعني ان بايدن قال لبن سلمان هذا مكانك! وهذا ما أكده أيضاً آرون ديفيد ميللر الذي عمل مستشاراً للتسوية في الشرق الأوسط لدى عدد من وزراء الخارجية، في حديث له مع وكالة "بلومبرغ" الأمريكية، بقوله إن تصريحات البيت الأبيض الأخيرة، تشير الى ان " هذه محاولة لمحاصرة محمد بن سلمان الذي تعده الأدارة متهوراً وعديم الرحمة".
في السياق ذاته، ذهبت صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير لها نشرته مؤخراً، لمراسلتها في واشنطن سيتفاني كيرتشغاسر، الى ان بايدن يسعى الى تهميش بن سلمان، و اعتبرت " ان موقف الإدارة الجديدة بحصر الاتصالات بين واشنطن والرياض، بين بايدن والملك سلمان، يمثل تغييراً مفاجئاً مقارنة بإدارة ترامب التي أمطرت الوريث الشاب بالاهتمام والثناء" بحسب وصف الكاتبة. ومن الضرورة بمكان الإشارة هنا، الى ان تغيير الإدارة الجديدة من مواقفها إزاء بن سلمان، لا يعني أنها منزعجة من انتهاكاته لحقوق الإنسان في بلده، وللإرهاب الذي تمارسه السعودية ضد شعب الجزيرة وضد شعوب المنطقة سيما الشعبين العراقي واليمني، وضد حتى الشعب الأمريكي، لأن أمريكا وإداراتها الجديدة والقديمة هي راعية الأرهاب وهي الداعمة للارهاب السعودي ومازالت، إنما المشكلة ان بن سلمان بإجرامه ودمويته وحماقاته وتهوره لا يناسب المرحلة والمهمة التي جاء بايدن من أجلها، فهذا الأخير يريد تحسين الوجه القبيح لأميركا الذي فضح قباحته وإرهابيته ترامب بصراحته ووقاحته.. ويريد خداع الرأي العام مجدداً بدفاع أمريكا المزعوم عن حقوق "الانسان " عن " السلام " وما إلى ذلك من الشعارات الجذابة التي تستهوي قلوب المقهورين من الشعوب المضطهدة والمكتوية بالارهابين السعودي والأمريكي ولذلك فأن وجود بن سلمان يتناقض أو يتعارض مع هذا التوجه للإدارة الأمريكية الجديدة، خصوصاً وان ولي العهد السعودي، بات غارقاً حتى قمة رأسه في دماء المجازر التي تقترفها قواته ومرتزقته وطائراته بحق الشعب اليمني المظلوم.. ولذلك ما ذهبت اليه صحيفة الغارديان البريطانية، حيث نقلت عن متحدث بإسم الخارجية الأمريكية، قوله ".. ان الشعب الأمريكي يتوقع ان سياسة الولايات المتحدة تجاه شراكتها الاستراتيجية مع المملكة العربية السعودية تعطي الأولوية لسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. وبناءاً على ذلك، ستتعاون الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية حيث تتوافق أولوياتنا ولن نخجل من الدفاع عن المصالح والقيم الأمريكية حيث لا تتماشى" وان " الرئيس بايدن أيضاً يريد أن يسمع كيف تنوي المملكة العربية السعودية تغيير نهجها للعمل مع الادارة الأمريكية الجديدة، ونتطلع الى تلك المناقشات لتشكيل مستقبل علاقاتنا".
2- بناءاً على ما تقدم من تحليل، يمكن إعتبار إشارات الإدارة الأمريكية، على أنها مقدمات أو أشارات للتخلص من بن سلمان، ومحاولة تهيئة الأجواء السياسية لازاحته واستبداله بأمير آخر، أو على الأقل محاولة تحجيمه وإزاحته عن الواجهة في المشهد السعودي السياسي.. وهذا ما يرجحه الكثير من المحللين والمراقبين السياسيين في الولايات المتحدة وفي خارجها، ففي هذا السياق نقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن بروس ريدل المحلل السابق في السي آي اي، وكبير زملاء معهد بروكينغز، قوله: " إن بايدن كان يرسل رسالة واضحة الى العائلة المالكة السعودية مفادها أنه طالما أن محمد بن سلمان، كما يعرف ولي العهد، كان في خط الخلافة، ستُعامل الجزيرة العربية على أنها منبوذة"..مضيفاً أنه.." لا أعرف ما الذي تفكر فيه الأدارة، لكن أفضل نتيجة ( للسعودية) إزاحته (اشارة لولي العهد السعودي) ".. متابعاً قوله: " يمكنه التقاعد في شاتيو في فرنسا".
في السياق ذاته غرد الأكاديمي الإماراتي على تويتر، البروفسور يوسف اليوسف في 19/2/2021، حول ما تداولته وسائل الإعلام عن عزم إدارة بايدن نشر تقرير السي آي ايه عن مقتل خاشقجي، قائلاً " ان تقرير الحكومة الأمريكية عن مقتل خاشقجي والمتوقع صدروه الأسبوع المقبل، سيكون إما قاصمة ظهر لأبو منشار أو سيظهر بصورة تعيد له الاعتبار" وأضاف الاكاديمي الإماراتي قائلاً: " حتى لو إختفى هذا القاتل من المشهد فالأمريكان لديهم اكثر من بديل، لأن تاريخ هذه الأسرة يشهد بأنها تفرخ الخونة لهذه الأمة".
3- قد تكون الدعوة التي تقدمت بها بعض الاوساط السياسية والاعلامية الأمريكية بالضغط على بن سلمان للافراج عن ولي العهد السابق محمد بن نايف، على غرار ما فعله بالافراج عن معتقلة وسجينة الرأي السيدة لجين الهذلول.. قد تكون هذه الدعوة في إطار أو سعي تلك الأوساط لإعادة الاعتبار أو لاعادة تأهيل بن نايف ليكون البديل عن بن سلمان في حال قررت إدارة بايدن التخلي عنه والتخلص منه، ومن هذه الدعوات نشير إلى دعوة الضابط الامريكي الذي كان قد خدم في السي آي ايه ثلاثين سنة، والذي سبق الإشارة اليه، وهو بروس ريدل، ففي مقال له على موقع معهد بروكينغز الاستخباراتي الأمريكي أكد أنه " يكتب داعياً للإفراج عن بن نايف من باب رد الوفاء، اذ قال ان ولي العهد السابق، وعندما كان يشغل منصب وزير الداخلية، أنقذ حياة المئات من الأمريكيين وألحق هزائم واسعة بتنظيم القاعدة" على حد زعمه. وشدد ريدل قائلاً: " قد تكون ممارسة الضغط على القيادة السعودية بشأن قضيته خطوة غير عادية، لكن يجب أن تكون مهمة عاجلة، حيث ان حالته خاصة بالنظر إلى مساهماته الكبيرة في الأمن الأمريكي، علاوة على ذلك، فأن حياته في خطر كبير"..
وشدد ريدل أيضاً على ان بن نايف هو الأمير الأكثر ولاءً للأمريكيين في العائلة الحاكمة بالسعودية، مذكراً بأن ولي العهد السابق تلقى تعليمه في ولاية أريغون وتدرب مع مكتب التحقيقات الفيدرالي وسكوتلاند يارد!! واستفاض ريدل في مقاله بالكتابة عن تاريخ بن نايف وخدماته المتميزة للولايات المتحدة الأمريكية، وعن اعتقاله من قبل بن سلمان، في محاولة لافتة وذات مغزى ان بن نايف هو الشخص الذي تفضله السي آي ايه لحكم المملكة، لا ابن سلمان اي ان الولايات المتحدة تبحث عن شخص مثل بن نايف يمتثل الأوامرها ويضع المصالح الأمريكية، حتى فوق مصالحه الشخصية.
4- إن التركيز الإعلامي والسياسي الأمريكي ومنذ تولي الإدارة الأمريكية الجديدة مقاليد الأمور في البيت الأبيض، على عزم هذه الإدارة، تخطي بن سلمان ونشر تقرير مقتل خاشقجي، وعلى حرب اليمن، و ضرورة وقفها والادعاء بوقف صفقات الأسلحة مع النظامين السعودي والإماراتي.. كل ذلك وغيره إنما يجري أو يستهدف أمرين، الأول محاولة التنصل من مسؤولية المجازر التي يرتكبها ابن سلمان بشكل مستمر في اليمن الجريح، وايضاً التحرر من كل ممارسات وسياسات بن سلمان المتهورة، والتي يرى بعض الأمريكان أنها تضع أمريكا في كثير من الأحيان في مأزق أخلاقي، وفي أزمات سياسية هي في غنى عنها! في وقت، وكما سبق وان قلنا، ان هذه الإدارة الجديدة، تريد إعادة الهيبة لأمريكا في المنطقة، واعادة الاعتبار لسمعتها ومنظوماتها الأخلاقية والسياسية، التي أوصلها ترامب الى الحضيض، بكشفه حقيقة وزيف الشعارات التي كانت أمريكا ترفعها وتتلطى ورائها في تمرير أهدافها الخبيثة، وتخدع بها الرأي العام في أمريكا وفي العالم أيضاً. أما الهدف الثاني، فأنه يتمثل في أن الإدارة الأمريكية الجديدة تعتقد أن تحميل بن سلمان المسؤولية عن المآسي في اليمن وعن الاضطرابات السياسية والأمنية في بعض الدول العربية والإسلامية..يمكن أن يخلق الاجواء والمناخات السياسية المناسبة لتنحية بن سلمان وازاحته أو للضغط عليه وتحجيمه وضبط سياساته بشكل يتناسق ويتوائم مع السياسات الأمريكية. ولعل إقدام بن سلمان على الأفراج عن لجين الهذلول، ونوف عبد العزيز محاولة من ولي العهد السعودي بأنه مستعد للتماهي مع سياسة الادارة الأمريكية الجديدة...بل ان الكثير من المحللين الأمريكيين والغربيين أكدوا ان خطوة بن سلمان في الإفراج عن الناشطة لجين الهذلول، هي محاولة لإرضاء بايدن، واعتبر بعضهم، ان الخطوة هذه غير كافية اذ لابد أن يقوم بن سلمان بخطوات مماثلة كثيرة حتى يكسب ود الإدارة الجديدة، ما يرجح ذلك، ما سبق من التحليل ان القضية أعمق من مسألة انتهاك لحقوق الإنسان او الإفراج عن ناشطة، أن القضية تكمن في محاولات أمريكا إزاحة كل مايعيق إعادة الهيبة والاحترام للقوة الأمريكية!!
على أن مأزق بن سلمان الحالي يؤكد حقيقتين، نرى من الضرورة بمكان التذكير بهما مجدداً، وهما:-
1- ذهاب الأموال الطائلة التي قدمها بن سلمان لترامب، وهي بمئات المليارات من الدولارات،" كعربون " لوصوله إلى عرش المملكة، سدىً، وبالتالي يعتبر ذلك، خسارة فادحة، لبن سلمان ولأموال المملكة، التي انتفعت بها أميركا وترامب نفسه، وساهمت في حل الكثير من معضلات الاقتصاد الأمريكي بينما ما تزال البنى التحتية لمدينة جدة وغيرها من المدن في المملكة مهترئة بدليل غرق هذه المدينة مع نزول أول موجة مطر في فصل الشتاء وتحوّل شوارعها الى أنهار تسير فيها القوارب!! بل ماتزال احياء في مناطق اخرى تعيش في بيوت من الصفيح!!
2- إن مواقف بايدن وطاقمه من بن سلمان ومحاولتهم تحجيمه، أو حتى إزاحته كما مر بنا، تؤكد للمرة الألف، ان رهان العملاء على القوى التي تساندهم وتدعمهم هو دائماً رهان خاسر، لأن هذه القوى لا ترى سوى مصالحها، ومتى ما رأت أن وجود هذا العميل أو ذاك يتعارض مع تلك المصالح ترمي به في مزابل التاريخ غير آسفة عليه أبداً.. فما قدمه المقبور صدام لأميركا وللكيان الصهيوني من خدمات يفوق بكثير ما قدمه بن سلمان من دولارات، ومن شن الحرب على الشعب اليمني ومن زرع المملكة بالقواعد العسكرية الامريكية... وما إلى ذلك، لكن أمريكا عندما رأت وجود صدام واستمراره لا يناسب مصالحها، أسقطته هي ورمت به في مزابل التاريخ بعد ما أذلته أيما اذلال.. وتخلت قبل ذلك عن حاكم بنما نورميغا، وتخلت عن حاكم تونس زين العابدين بن على، وعن حسني مبارك وعن شاه ايران وعن الكثير من العملاء والطواغيت ولم تسعفهم خدماتهم الجلّيلة لاميركا على حساب حرمان واضطهاد شعوبهم..
وفي المقابل فأن هذه الشواهد التأريخية الحاضرة والماضية تؤكد أن الرهان الضامن لبقاء ولكرامة الحاكم أياً كان، هو الرهان الذي يستند الى تأييد ورضاية الشعب، فالتفاف الشعب وحمايته لحاكمه، يشكلان سداً منيعاً لهذا الحاكم، أمام كل العواصف التي تستهدفه وتستهدف نظام حكمه، والأمثلة على ذلك كثيرة، لكن المشكلة أن العملاء لا يأخذون العبرة والدرس منها، فيكررون نفس الأخطاء التي وقع فيها سلفهم ممن راهن على أمريكا وعلى غيرها!!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق