حول تصريحات بن سلمان في قصر منى .. هل القول يطابق الفعل! ؟
[عبد العزيز المكي]
خلال الحفل السنوي الذي أقامه محمد بن سلمان، نيابة عن الملك سلمان بن عبد العزيز يوم ٢٠٢٤/٦/١٧، في الديوان الملكي بقصر منى، لكبار الشخصيات الإسلامية وما يسمون ضيوف المملكة و رؤساء الوفود ومكاتب شؤون الحج الذين أدوا فريضة الحج لهذا العام ... خلال هذا الحفل قال بن سلمان، فيما جاء في خطابه : " يحلُّ علينا عيد الأضحى المبارك مع استمرار الجرائم الشنيعة على أشقائنا في قطاع غزة واننا اذ نؤكد ضرورة الوقف الفوري لهذا الاعتداء ، فأننا نناشد باهمية تحرك المجتمع الدولي لاتخاذ جميع الإجراءات التي تضمن حماية الأرواح في غزة "... كما أكد بن سلمان على "أهمية تنفيذ القرارات الصادرة مؤخرا من مجلس الأمن الدولي، بشأن مقترح الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة ". واكد أيضاً تجديد المملكة دعوتها للمجتمع الدولي بالاعتراف بدولة فلسطين المستقلة على حدود ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية لتمكين الشعب الفلسطيني الشقيق من الحصول على حقوقه المشروعة . وليتحقق السلام الشامل والعادل والدائم ".
هذه التصريحات فاجأت المراقبين والمحللين، واثارت عند بعضهم الكثير من التساؤلات، من مثل هل هي مؤشر لتغير موقف النظام السعودي !؟ اوهي عبارة عن تماشي القيادة السعودية مع مزاج الرأي العام المتعاطف والمنحاز للشعب الفلسطيني !؟ ذلك لأن هذه التصريحات تعتبر استدارة سعودية عن المواقف السابقة للقيادة السعودية ولبن سلمان تحديداً من القضية الفلسطينية ومن الحرب الصهيونية الدموية على غزة، حيث عبَّر بن سلمان مراراً وتكراراً بشكل غير مباشر من خلال بعض المسؤولين السعوديين أو من خلال الكتاب والصحفيين السعوديين من فريق بن سلمان، عبَّر عن رفضه وحتى ادانته "لعملية طوفان الاقصى) لحركة حماس!! فتركي الفيصل رئیس جهاز الاستخبارات السعودي السابق وسفير بلاده في واشنطن لسنوات عديدة، والذي يعبر دائماً عن وجهة نظر النظام السعودي، كان قد انتقد عملية طوفان الاقصى ووصفها" بالبربرية! " و"بالعملية الارهابية" وهكذا دأب الاعلام السعودي على تكرار هذه الأوصاف، ومساواة الضحايا الصهانية بضحايا الشعب الفلسطيني !بل ذهب شيوخ النظام السعودي إلى أبعد من ذلك بوصف طوفان الاقصى بأنها "طوفان العار"!! على حد وصفهم !فهؤلاء الشيوخ سخروا منابرهم لشيطنة المقاومة الفلسطينية في غزة وتحريم دعم الفلسطينيين، متجاهلين الجرائم المرتكبة بحقهم والمجازر المروعة التي هزت ضمائر عديد من القادة وشرائح الناس في هذا العالم لبشاعتها ولتمادي العدو ودمويته في ارتكابها على مدار الساعة منذ اكثر من ثمانية اشهر متواصلة !!فهذا الشيخ المدعو حسين بن يحيى معافا هو أحد ابرز الشيوخ المقربين من بن سلمان، ولسان دفاع وزير الاوقاف وينصح بالتغاضي عن هفوات ولاة الأمر !يشن هجوماً قاسيا على
حركة المقاومة الاسلامية حماس، مشبها إياها بداعش والقاعدة ..! وهذا الشيخ عائض القرني الذي ينعتونه بلقب الداعية ظهر في فيديو نشره على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي لمناسبة يوم التأسيس السعودي يطبل لبن سلمان دون أن يشير ولو اشارة بسيطة إلى مجازر العدو في غزة، فيما نعت بن سلمان بقائد التغيير !! وهكذا بالنسبة لشيوخ
آل سعود.
هذا من جانب، ومن جانب ثاني، ان النظام السعودي ظل حتى اللحظة يبدي استعداده لاحتضان العدو في اليوم التالي لوقف العدوان على غزة، باعلان التطبيع معه، أي بعبارة اخرى مكافأته على مجازره التي ارتكبها بحق أبناء غزة! وقتله وجرحه اكثر من (125) ألف ، جلهم من الاطفال ، قتلهم العدو ، قطع اجسامهم إلى اشلاء بالصواريخ وتهديم المنازل على رؤوس أهاليهم وعوائلهم.. وهذا ما اكده المسؤولون الأمريكان والمسؤولون الصهاينة انفسهم، وايضاً المسؤولون السعوديون، فوزير الخارجية السعودي اعلن اكثر من مرة، ان السعودية مستعدة للتطبيع مع نتنياهو في اليوم التالي لوقف العدوان على غزة. كما ان وزير الخارجية الامريكي بلينكن هو الآخر أعلن عن استعداد النظام السعودي لاحتضان نتنياهو وكيانه المهزوم ! إذلك فضلاً عن تأكيدات الصحف ووسائل الاعلام الامريكية البارزة لهذا الأمر،!! فعلى سبيل المثال كتب بريان بلوم مقالاً في صحيفة جيروزاليم بوست ، نشرت ترجمته العربية في 16 حزيران 2024 ،تحت عنوان " السعودية شريان الحياة الوحيد لاسرائيل بعد الحرب"! استهله الكاتب الصهيوني بالقول إن أسرائيل" تخسر الحرب مع حماس في غزة، هذا هو الاستنتاج الوحيد الذي يمكن استخلاصه بعد ثمانية أشهرمن هجوم ٧ اكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اذ لا تزال كتائب حماس موجودة على الأرض، ولا يزال الرهائن" - الأسرى - محتجزين في ظروف غير إنسانية - على حد زعمة - ولا تزال حماس قادرة على اطلاق صواريخ حتى مسافة بعيدة قد تصل الى تل أبيب "!اموكدا، هذا الكاتب بريان القول: ان هذا ما يعتقده معظم الاسرائيليين حالياً، مستشهداً باستطلاع رأي أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي قبل عملية ٨ حزيران / ٢٠٢٤ في النصيرات وارتكاب العدو المجزرة المروعة خلالها! ، وهو استطلاع أظهر ان ٣٤٪ فقط من الذين شملهم الاستطلاع يشعرون بتفاؤل ازاء مستقبل الأمن القومي. كما رصد معهد سياسة الشعب اليهودي في شهر مايو/ أيار الماضي ان ٣٨ ٪ فقط من الصهانية أعربوا عن "ثقة عالية "بامكانية تحقيق النصر، بينما قال عدد اكبر، حوالي41% ان لديهم ثقة قليلة بتحقيق اسرائيل النصر. ويرى الكاتب بريان بلوم ان الخروج من المأزق يكمن في التفكير خارج الصندوق، مؤكداً أن الصندوق أصبح من حسن الحظ مطروحاً على الطاولة لو تمتعت الحكومة الإسرائيلية بالشجاعة الكافية لفتحه، فالجواب يكمن في الشرق، في السعودية والأمارات !! وإلى آخر مقالة ظل الكاتب الفبري يؤكد استعداد السعودية لاحتضان العدو، ويقول ان نتنياهو لو استغل هذا الاستعداد لتغيرت المنطقة برمتها على حد قوله ولصالح العدوا ,من جهته المتحدث باسم البيت الابيض لشؤون الأمن القومي الامريكي صرح في ٣١ اكتوبر / تشرين الأول قائلا ان السعودية لا تزال مهتمة بتوقيع اتفاقية تطبيع مع اسرائيل بعد انتهاء الحرب .."!في حين ان بن سلمان اكد هذا الأمر في احد تصريحاته قائلا، انه كل يوم نقترب اكثر فاكثر من التطبيع مع "اسرائيل "، فيما كتب طارق الحميد المحرر السابق في صحيفة الشرق الاوسط السعودية مقالاً هاجم فيه بشكل مباشر زعيم حماس يحيى السنوار ودعاه الى مغادرة غزة التي حولها إلى جحيم حسب زعمه !! ومن جانب ثالث، فأن النظام السعودي مازال مسانداً فعالاً وان من وراء الكواليس للعدو بالتنسيق مع الأميركان والبريطانيين فهو شارك في التصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية التي هاجمت العدو ثأراً في قصف العدو الفصلية ايران واستشهاد أحد قادة فيلق القدس هناك، كما ان النظام وحتى هذه اللحظة يساهم في فك الحصار التجاري الذي فرضه أنصار الله على العدو، عبر طرقه البرية نحو الأردن ومن ثم إلى الأرض المحتلة وهكذا فأن التعاون الأمني والعسكري قائم على قدم وساق ويتوسع يوما بعد آخر باعتراف الصهاينة انفسهم اكثر من ذلك كله هو انه بالأمس أزالت السعودية اسم فلسطين من خرائط الكتب المدرسية تمهيداً لمسحها من ذاكرة الأجيال الأمر الذي يكشف الدور الفعال والنشط في محاولات القضاء على القضية الفلسطينية، اذاً بعد هذا كله ما الذي دفع بن سلمان الى تغيير خطابه الموجه الى حجاج بيت الله الحرام، بما فيهم وفود وشخصيات من العالم الإسلامي جاؤا لتأدية فريضة الحج !؟ أعتقد ان التغير في الخطاب الذي القاه
بن سلمان في قصر منى يستهدف تحقيق الأمور التالية:
1- جاءت هذه التصريحات للتغطية على خيانة النظام السعودي لقضية الأمة المركزية القضية الفلسطينية، ذلك ان سياسات بن سلمان بانحيازه للعدو الصهيوني وعداءه لحماس وللمقاومة الفلسطينية فضحت زيف الشعارات التي كان النظام يرفعها بأنه زعيم العالم الاسلامي السني " وانه المدافع عن القضية الفلسطينية"! وما الى ذلك من اللافتات والشعارات فقد تبين للرأي العام الاسلامي ان هذه الشعارات مجرد حملة نفاق وان النظام غارق في وحل الخيانة بالتعاون والانحياز للعدو حتى اذنيه، وذلك ما عكسه اتساع دائرة الغضب والتذمر في صفوف ابناء الأمة من هذا النظام وخيانته ، ومن خلال حملات مواقع التواصل الاجتماعي، التى ازعجت واقلقت النظام السعودي، سيما وان الاخير يتميز بالحساسية المفرطة فى الاصوات المعارضة والتي تكشف خيانته لقضايا الامة، وزيف شعاراته، ولذلك فهو يحاول تبديد تلك الاتهامات، بالادعاء ان النظام السعودي مازال يلتزم الثوابت سيما وان حملته في قمع الحجاج لهذا العام وتكميم أفواههم بالهتاف لغزة و لاهلها
وضد العدو باءت بالفشل...
3- محاولة التملق للشعب الجزيري وكسب على الاقل سكوته، لأن هذا الشعب يعيش الاحتقان والغضب بسبب ما يسميه بن سلمان الانفتاح على الثقافة الغربية المبتذلة من مثل اقامة الحفلات المختلطة، وجلب المطربين والمثليين إلى بلاد الحرمين الشريفين، واطلاق العنان لمظاهر الفساد الإفساد ، وفي المقابل محاربته للشعائر الإسلامية واحياء المناسبات الغربية مثل عيد الحب " وما اليه، ومحاولاته اجراء تغيير جذري للثقافة الاسلامية ولقيم المجتمع وإحلالها بالانحلال الغربي ما جعل كل ذلك الشعب على برميل بارود ولذلك يحاول بن سلمان خداع هذا الشعب بهذه التصريحات المنافقة الكاذبة، لكن الشعب سيقول كلمته بالنهاية ولا يمكن خداعه بالكلمات المعسولة، فلابد للقيد أن ينكسر.
3 - لأن بن سلمان وبأوامر من الاميركان والصهاينة يشن حملة تدمير وطمر للمعالم والرموز الاسلامية التاريخية في مكة والمدينة، كجزء من محاولات تدمير الرسالة الإسلامية ومسحها من ذاكرة الأجيال القادمة ، كركن اساسي في اركان المشروع الامريكي الصهيوني في المنطقة، وبادوات محلية تجري عمليات التدمير.. لأن بن سلمان يقوم بهذا العمل، فذلك ما
أثار تساؤلات كثيرة عند أبناء الأمة الإسلامية وعلمائها ومثقفيها ودعاتها ، بل ودفع البعض منهم إلى الدعوة الى إنشاء قوة دولية من الدول الإسلامية لحماية الحرمين الشريفين والمعالم والرموز الاسلامية من التدنيس والتخريب الإندثار ولذلك بن سلمان يحاول طمأنة أبناء العالم الإسلامي بأن آل سعود مازالوا يسهرون على حماية المقدسات الاسلامية وذلك محض هراء . ولذلك هو يقول في مستهل خطبته الآنفة :إننا في المملكة العربية السعودية تشكر المولى عز وجل، أن شرفنا بخدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، والعناية بقاصديها والحرص على امنهم وسلامتهم، ما يعني ذلك ان بن سلمان يشعر بالقلق والخوف من تحرك بعض الدول الأسلامية كما اشرنا الحماية المقدسات الاسلامية ولذلك فهو يحاول سد الطريق مسبقا على مثل تلك المحاولات!
عبدالعزيز المكي
ارسال التعليق