سلمان يفشل في إقناع الحلفاء وشرم الشيخ تصفع الرباعي الخليجي
[حسن العمري]
بقلم: حسن العمري
وجهت القمة العربية ـ الأوروبية الأولى التي عقدت في شرم الشيخ تحت شعار “الاستثمار في الاستقرار”، صفعة موجعة للرباعي الخليجي العربي بعد رفض الطرف الأوروبي تعديلات قدمتها كل من السعودية والامارات والبحرين ولبنان على البيان الختامي ليبقى كما خطه قلم السيد الراعي، موحياً بعدم أي مكانة للطرف الآخر الذي يمده بالطاقة التي يحتاجها؛ رغم أن التعديل تضمن إقتراحات لتعزيز التعاون مع الجانب الأوروبي، وهو ما بدا أن أوروبا قد رفضته.
الصفعة الأوروبية هذه تزامنت مع مناقشة لجنة حقوق الانسان التابعة للبرلمان الأوروبي تحت قبة البرلمان ملف انتهاكات حقوق الانسان في الامارات والبحرين وخاصة السعودية، حيث ظهرت أوراق مثيرة للجدل ضمت استماع لشهادات من ذوي بعض معتقلي ومعتقلات حرية الرأي والتعبير القابعين في سجون هذه الأنظمة القمعية وما يواجه المعارضين لها ليس في داخل بلدانهم بل حتى في خارجها تصاعدت المخاطر فيها خلال الآونة الأخيرة آسيوياً؛ لتتطرق الجلسة لقضية مقتل جمال خاشقجي البشعة وإفساح المجال لخطيبته خديجة جنكيز بمداخلة لإسماع الضمير الأوروبي مطالبة مساعدتها في الكشف عن الحقائق ودعم المعتقلين ومحاسبة الضالعين في مختلف الانتهاكات.
إتساع نطاق حالة الرفض الدولي والنفور الشعبي يحرج الأسرة السعودية الحاكمة ووساطات الرئيس الأمريكي وصهره جاويد كوشنر لم تفلح في إقناع الحضور الأوروبي والغالب العربي في قمة شرم الشيخ القبول بمشاركة محمد بن سلمان فيها، حيث إشترط رؤساء كبرى الدول الأوروبية للحضور تأكيد عدم مشاركة ولي العهد السعودي وكذا الرئيس السوداني عمر البشير في القمة، سرعان ما إستجاب له الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، تفاديًا لفشل القمة التي تعد الأولى من نوعها وتمده بالكثير من الدعم الدولي وهو في ظروف سياسية واقتصادية مزرية، فباع العهود مع سلمان ونجله حفاظاً على سمعته ومقامه خاصة وأن الدب الداشر يوجه رفضٌ دولي وإقليمي وليد حربه على اليمن، حملات قمعه للناشطين والمعارضين في المملكة، وتورطه المباشر في قتل جمال خاشقجي؛ ولم يفلح في معالجة هذا الرفض رغم جولاته الأوروبية والأسيوية وكل البذخ والترف والتطميع وشوهت صورته والعائلة والمملكة برمتها بفعل سياسته الطائشة والصبيانية ليجد نفسه غير مرغوب به في حضور قمم ولقاءات بين كبار زعماء العالم، حسب وكالة رويترز.
رفض أقرب الحلفاء حضور نجل سلمان قمة شرم الشيخ يعيد للذاكرة القريبة مشاهد تجاهل رؤساء الدول والوفود المشاركة التي تعرض لها أبو منشار خلال حضوره قمة الدول العشرين التي أنعقدت في الأرجنتين نهاية شهر نوفمبر 2018، تلك التي خلقت غضباً عارماً في صفوف المنظمات الحقوقية الدولية ما دعا العديد من قادة الدول الى تجاهل ولي العهد السعودي وتجنّب لقائه والحديث معه وحتى خلال إلتقاط الصورة الجماعية لرؤساء وممثّلي الدول العشرين أخذ أبن سلمان يمين الصورة، موزّعاً نظراته وابتساماته الحرجة على نظرائه، فظهر كأنه منبوذ من الجميع وهو يقبض بكفّه الأيسر على رسغه الأيمن بإحكام شديد، ما تعطي دلالة على الإحراج الشديد والبالغ وكبت المشاعر.. وقد زاد الطين بلة عندما طأطأ أرعن آل سعود رأسه بتكرار وتجنّب النظر المباشر بالعينين حين مرّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومن قبله إبتسامته حين كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقدم النصح له لتغيير سياسته.
مصادر قريبة من مراكز القرار الأوروبي أوشت بأن سلمان بن عبد العزيز هو الآخر فشل في إقناع الحلفاء المشاركين في قمة شرم الشيخ لرأب الصدع القائم في العلاقات الستراتيجية بين بلدانهم والمملكة وإعادتها الى حالتها السابقة، ما واجه ببرود تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطنيا ورفضاً شديد اللهجة من قبل المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل وآخرين بينهم عرب، مطالبينه بضرورة تغيير وجهته وقراره بشأن تسليم العرش لنجله محمد لما آلت اليه سياسته الفاشلة وتدهور النظرة العالمية للمملكة ودعوة الكثير من السياسيين المتنفذين المقربين من العائلة الحاكمة المجتمع الدولي الى "كبح" جماحه وإبعاده عن القدرة، فيما ذهب الآخرين الى أبعد من ذلك في تصريحاتهم ومنهم السياسي المخضرم في الحزب الديمقراطي السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز؛ الى أنه “لقد حان الوقت لكي يكبح المجتمع الدولي النظام الاستبدادي في السعودية”، مؤكداً أن “سِجل بن سلمان في سجن وقتل النشطاء يؤكد أنه ليس إصلاحياً”.. فيما دعت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية الى معاملة محمد بن سلمان "كشخص منبوذ.
ولي العهد السعودي وبغية دعم وساطة والده العجوز المصاب بالزهايمر العضال، أصدر ثلاثة أوامر ملكية باسم الملك وهو في مصر لحضور مؤتمر القمة العربية الأوروبية في شرم الشيخ.. منها تعيين سفير السعودية في أمريكا، وتعيين الأمير خالد بن سلمان نائبا لوزير الدفاع بمرتبة وزير (الذي تم سحبه من واشنطن بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي المقيم في اميركا بالقنصلية السعودية في اسطنبول لوجود وثائق تدل على تورطه في الجريمة)، فيما نص الأمر الملكي الثالث على تعيين الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود سفيرة المملكة في الولايات المتحدة الأمريكية بمرتبة وزير؛ سعياً منه لتبييض صورته محلياً ودولياً لكنها دون جدوى، فكان قرار القمة برفض كل ما تتقدم به السعودية وأخواتها البقرات الحلوبة حتى دون قراءته.
غربيون مقربون من الأسرة السعودية الحاكمة أقترحوا على سلمان التعجيل في تعيين شخص لآخر ولياً للعهد بدلاً من نجله محمد، بذات الذريعة التي أقال بها محمد بن نايف من هذا المنصب خاصة وأن محمد بن سلمان لا يزال يعاني من الصرع والإضطرابات النفسية التي تلازمه منذ أيام المراهقة رغم معالجته لها من قبل كبار الخبراء الألمان آنذاك، وفق ما كشفته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية عن تقرير طبي ألماني يتضمّن السجلّ الطبي لولي العهد السعودي صدر عام 2015 من جهاز الاستخبارات البريطانية MI6، حذّر فيه من تغيير أجيال القيادة السعودية، كما حذّر التقرير من تركّز السلطة بيد محمد بن سلمان، الذي كان وزيراً للدفاع آنذاك، وولياً لولي العهد، ثم ولياً للعهد في طريقه للصعود الى عرش المملكة، مؤكّدة في الوقت ذاته أنه سيكون زعيماً على غرار الدكتاتور العراقي صدام حسين، في حال أصبح ملكاً للسعودية - على حدّ تعبير التقرير.
مسؤول بارز في الاتحاد الأوروبي برر أسباب رفض المقترحات الخليجية في قمة شرم الشيخ، قائلا: "لا نتفق مع العالم العربي خاصة السعودية وأخواتها في وجهات النظر بشأن كل تلك القضايا (..) لكن العلاقات المتبادلة تدعو الى الحوار والتواصل المشترك. أياً كان ما يحدث هناك فهو مرتبط بنا والعكس". من جانبه أكد السفير السابق بالخارجية المصرية الدكتور باهر الدويني، "أن الدول الأوروبية لديها مصالح عديدة مع الدول العربية، وهي تقدم مصالحها على أي شيء آخر، وبالتالي فإنه ليس لديها مانع من التحالف مع الشيطان طالما أن ذلك يصب في مصلحتها، ولا يؤثر بالسلب على مصلحة شعوبها".
ارسال التعليق