ضحايا قمع النظام البحريني... بين دموية هذا النظام والنفاق الأمريكي
[عبد العزيز المكي]
بعثت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، مؤخراً- يوم 24 ايلول2021 برسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، أعربوا فيها عن قلقهم من انتهاكات النظام البحريني لحقوق الإنسان ، وطالبوه فيها بضرورة ممارسة إدارة بايدن الضغط على آل خليفة من أجل وضع حد للقمع العنيف الذي يمارسه تجاه المواطنين البحرينيين. ومن بين من وقع على هذه الرسالة، من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، هم رون وايدن، وماركو روبيو، وتامي بالديون، وشيرود براون، وباتريك ليهي، وجيف ميركلي، وبيرني ساندرز..
وفي التفاصيل أشارت الرسالة الى:" الاحتجاز التعسفي والتعذيب والمعاملة القاسية والمهينة للسجناء والقيود المفروضة على حرية الصحافة والتدخل في التجمع السلمي والقيود المفروضة على المشاركة السياسية والممارسات الدينية"..
و جاء في الرسالة تحذير للإدارة الأمريكية من أن لهذا القمع الدموي الممنهج للسلطات البحرينية تداعيات على الأمن العالمي للولايات المتحدة، ومنها تهديد الأسطول الخامس الأمريكي حيث يعيش الآلاف ويعمل الآلاف من الأمريكيين في منشآت أمريكية.. وأثارت هذه المجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ في رسالتها، قضايا مثل قضية المعارض حسن مشيمع والمعارض ناجي فتيل وغيرهما..
وفي الحقيقة أن هذه الرسالة من هؤلاء الأعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي لم تأتِ بشيء جديد، سوى تأكيدها لحقائق القمع الدموي والقتل وتكميم الأفواه والتمييز الطائفي وكل أنواع العسف وخنق الحريات التي يمارسها النظام البحريني بحق أبناء الشعب ، فكانت ومازالت الكثير من المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان والمنظمات غير الدولية المثيلة، مثل منظمة العفو الدولية، ومجلس حقوق الإنسان، وهيومن ووتش راتيس الأمريكية بالاضافة إلى المنظمات البحرينية المماثلة، أصدرت عشرات بل مئات التقارير حول جرائم السلطات بحق الشعب البحريني، بل وثقت بعض التقارير خصوصاً التي تصدرها منظمة العفو الدولية، ومجلس حقوق الإنسان هذه الجرائم والعسف والظلم وبالأدلة الدامغة، حيث تمارس السلطات البحرينية كل هذه الجرائم تحت رعاية ودراية النظام الأمريكي بكل مؤسساته من البيت الأبيض ومروراً بالكونغرس الأمريكي ووزارة الخارجية وما إليها، ودون أن تحرك هذه المؤسسات ساكناً! بل أكثر من ذلك، أن هذا النظام القمعي والكل يعرف القاصي والداني، انه يحظى بحماية السعودية والولايات المتحدة نفسها، فبالإضافة إلى انه محتل من قبل القوات السعودية تحت لافتة " درع الجزيرة" تلك القوات التي جاءت وقمعت الثورة البحرينية قبل عشر سنوات، ومازالت تسيطر على مفاصل الحكم هناك، بالإضافة إلى هذه القوات المحتلة فهناك الأسطول الخامس البحري الأمريكي الذي يتخذ من البحرين قاعدة له ويتولى حماية النظام البحريني باعتراف الإدارة الأمريكية السابقة، إدارة ترامب، بل إن التقارير أكدت أن الأسطول الخامس وجنرالاته يتدخلون في شؤون النظام البحريني في الصغيرة والكبيرة، ولا يتنفس هذا النظام إلا بإيعاز من هؤلاء الجنرالات! والكثير من عمليات القمع والمداهمة لأبناء الشعب البحريني تجري على خلفية معلومات يزود النظام بها لسي آي أي وعملاؤها في البحرين، والأسطول الخامس!
والأكثر من ذلك، أن النظام الصهيوني دخل خلال السنوات الأخيرة على خط الدعم الأمريكي والسعودي للنظام البحريني بقوة، فالصحافة الصهيونية نفسها اعترفت بأن هذا الكيان قدم للسلطات البحرينية مساعدات أمنية وعسكرية جمة مكنتهُ من قمع وملاحقة كل من يعارضه، بل وتصفية الكثير منهم بدعم صهيوني واضح، وتقنية بيغاسوس التجسسية التي زود النظام الصهيوني بها أجهزة الأمن السعودية والإماراتية والبحرينية، والتي اخترقت بها تلك الأنظمة أجهزة هواتف المعارضين، بل ورؤساء دول ووزراء ومسؤولين، مثال على ذلك، تلك التقنية التي أثارت ضجة مؤخراً، طالت فرنسا ولبنان والعراق ودول أخرى حيث اعترف النظام الصهيوني بأن شركاته الأمنية زودت أنظمة السعودية والإمارات والبحرين بهذه التقنيات التي تمكنت بها هذه الأنظمة من تصفية معارضيها وملاحقتهم، مثل تصفية الصحفي السعودي، حليف النظام السعودي لمدة أربعين سنة جمال خاشقجي.
إذن رسالة هذه المجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ، لم تكن الّا توزيع أدوار بين المؤسسات الأمريكية اعتدنا عليها لتحقيق عدة أهداف هي الأخرى باتت معروفة ومنها ما يلي:
1- محاولة تحسين الوجه الإجرامي القبيح للولايات المتحدة ، ففيما كانت تنجح في الهروب من مسؤوليات ارتكاب الجرائم والقتل بحق الشعوب المظلومة في آسيا وأفريقيا عبر التلطي وراء أكاذيب وروايات الدفاع عن الديمقراطية المزيفة، باتت اليوم في قبضة الرصد الإعلامي والشاهد الحقيقي على إجرامها نتيجة التطور الهائل في وسائل الاتصال العالمية عبر الانترنت والفضائيات وأجهزة التواصل والإعلام الأخرى، فعلى اثر هذا الرصد وصلت سمعة أمريكا إلى مستويات منحطة وسقطت في مستنقع الحضيض، بل إنه حتى قطاع كبير من الشعب الأمريكي نفسه بدأ يعي أن حكومته مجرمة ومسؤولة بشكل مباشر عن مصائب وويلات الشعوب وكذلك مآسيها خصوصاً في اليمن وأفغانستان والعراق وسوريا، و.و.. لذلك ضغطت هذه الشريحة من الشعب الأمريكي على الإدارة الأمريكية لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، ولإنهاء مأساة الشعب اليمني عبر الضغط على النظام السعودي وعدم تزويده بالأسلحة والمعدات العسكرية، ولذلك فأن رسالة مجموعة الأعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي، جزء من أهدافها أيضاً امتصاص ضغوط هذه الشريحة ومحاولة خداعها بأن الإدارة الأمريكية جادة في ادعاءاتها بالدفاع عن ما يسمونه الديمقراطية وممارسة الضغوط على الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية مثل النظام البحريني البائس.
2- لا نسقط تماماً احتمال أن تكون هذه المجموعة جادة في رسالتها، وإذا كانت كذلك، فهي جاءت استجابة لضغوط الشريحة التي اشرنا إليها من الشعب الأمريكي، والتي قلنا أنها باتت تضغط باتجاه انهاء الحروب والتدخل في شؤون الدول الفقيرة والمستضعفة دفاعاً عن الكيان الصهيوني وأمنه، والذي اي بات هو الآخر يشكل كابوساً على شريحة عريضة من الشعب الأمريكي، بل ثمة وعي كبير حتى في بعض الأوساط السياسية والإعلامية المؤثرة والنافذة في السياسة الأمريكية من ان هذا الكيان بات يشكل خطراً على استقرار ورفاهية الشعب الأمريكي نفسه وهو ما بات يقلق الصهاينة بشكل جدي.
3- بالتأكيد أن إثارة هذه الرسالة، هو من الأساليب التي اعتادت على اجادتها الادارة الأمريكية من ابتزاز عملائها في المنطقة فهي جعلت من لافتة حقوق الإنسان، وفضح ممارسات عملائها أمثال النظامين البحريني والسعودي وحتى النظام الأماراتي، سلاحاً وسيفاً مشهراً على رقاب هؤلاء، كلما ارادت أمريكا انتزاع أموال ومصالح وما الى ذلك من الاملاءات تشهره وتضعه على رؤوس هؤلاء من أجل ارعابهم، اذن فذلك رسالة لهؤلاء العملاء ولغيرهم من الحلفاء للأمريكيين، ان امريكا لا تتردد في فضح هؤلاء واستخدام هذا السلاح ليس لابتزازهم ماليا وسياسياً وعسكرياً وحسب، بل وحتى مطاردتهم ومحاكمتهم والتخلص منهم، والعملاء يفهمون مغازي مثل هذه الرسائل جيداً.
وفي كل الأحوال فأن الرسالة، أي رسالة مجموعة الاعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي المشار اليها، تكشف عدة معطيات مهمة نذكر منها ما يلي:
1- ان هذه الرسالة شهادة وتوثيق لاجرام النظام البحريني الدموي بحق أهلنا في البحرين، فهذا النظام دأب على اتهام المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الانسان بأنها " تختلق الاكاذيب" حول انتهاكاته، أو يتهم الاعلام المعارض بأنه اعلام " فارسي " أو يتحرك بوحي خارجي!! فهاهم اليوم أسياد وحماة النظام البحريني ترتفع أصواتهم ويعلنون قلقهم وخوفهم على جنودهم في البحرين من كثرة ما ولغ عميلهم في دماء أبناء الشعب البحريني، فلم تأت هذه الاصوات لا من المنظمات الدولية، ولا من الاعلام المعارض، التي يتهمها النظام بعدم الحيادية، إنما من الحامي والمشارك في هذه الجرائم الولايات المتحدة، ولذلك لا يمكن لهذا النظام الانكار والتلطي وراء التزوير للحقائق والكذب والتضليل لاخفاء تعسفه وقمعه ودمويته بحق أهلنا في البحرين المنكوبة.
2- ان الرسالة تكشف ان هذا العسف والظلم والقمع الذي يمارسه النظام البحريني ، من الشدة والبشاعة والدموية والبطش بحيث دفع أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي إلى رفع أصواتهم لوضع حد لحماسات هذا النظام، لأنها باتت من الخطورة ومن البشاعة يمكن أن تؤدي إلى ردود أفعال والى تداعيات تهدد أمن الجنود الأمريكان المرابطين في الاسطول الخامس الأمريكي المستقر في البحرين، وللإشارة ان هذا النظام تمادى في ممارسة القمع والقتل والعنف بحق أهالي البحرين، فاق حتى ما يقوم به النظام السعودي من قمع ضد شعب الجزيرة، رغم ان ما يتعرض له هذا الشعب الجزيري من عسف وظلم لا يوصف!! فالنظام البحريني تمادى في اجرامه بحيث غيّر البنية الديموغرافية للسكان حيث جلب مئات الآلاف من العشائر السنية من العراق وسوريا والاردن ومن السعودية واسكنهم في المناطق الشيعية ومنحهم أراضي وحتى مساكن السكان الشيعة، في حين يقوم باستمرار ليس بتجريد السكان الاصليين من أراضيهم ومن مساكنهم وحسب بل ومن وظائفهم وانتمائهم لهذه الأرض، أي اسقاط جنسياتهم ووثائقهم الشخصية التي تثبت انتمائهم لهذا الوطن، وقد اعترفت بل واكدت تقارير المنظمات الدولية هذه الممارسات التي لا يقوم بها في هذه المنطقة، سوى الكيان الصهيوني، بسلب الشعب الفلسطيني من أراضيه وتاريخه وإحلاله بالشذاذ اليهود الذين جاؤوا من أصقاع الأرض.
3- تشكل هذه الرسالة إدانة للنظام الأمريكي نفسه لأنه الحامي والداعم الأساسي للنظام البحريني بالإضافة الى بريطانيا، التي لحد الآن جنرالاتها يقودون الجيش البحريني ويقودون الأجهزة الأمنية القمعية! ولذلك فأن محاولة الأميركان النأي بأنفسهم عن مسؤولية ارتكاب النظام البحريني لهذه الجرائم لا تجدي نفعاً، لأن الادارة الأمريكية مازالت وحتى هذه اللحظة تحتضن هذه السلطات البحرينية الجائرة وترعاها وتقدم لها كل أنواع الدعم والحماية، ومرابطة الاسطول الخامس الأمريكي في البحريني وما يقوم به من دعم لوجستي مباشرة وغير مباشر للنظام في قمع ابناء الشعب البحريني وارتكابه الجرائم البشعة بحقهم،...نقول وما مرابطة هذا الاسطول في البحرين الّا دليل دامغ على ما نقول
4- بما ان هذه الرسالة تشكل إدانة ووثيقة دامغة على اجرام النظام البحريني كما قلنا قبل قليل، فأنه يمكن لأبناء الشعب مقاضاة هذا النظام الدموي في المحافل الدولية.. قد يقول البعض ان لا فائدة من ذلك لان هذه المحافل الدولية مشلولة الارادة بسبب تأثير ونفوذ اميركا والكيان الصهيوني حلفاء النظام والمساهمان كما قلنا في هذه الجرائم، وذلك صحيح الى حد كبير، لكن أثارة القضية، مجرد إثارتها مهم جداً، لأن هذه الأثارة، تفضح النظام أمام الرأي العام العالمي، وتمزق بل وتكنس كل غيوم التضليل والأكاذيب التي دأب النظام على إثارتها لاخفاء حقيقة إجرامه وبشاعته ودمويته.. هذا اولاً ، وثانياً: ان اثارة مقاضاة النظام البحريني امام المحاكم الدولية، لأنها تفضح اجرام السلطات البحرينية وظلمها للشعب البحريني، فأنها تساهم في رفع منسوب الوعي عند شرائح الرأي العالمي أو بعضها، بما يجري في البحرين، ولقد لاحظنا كيف ان وعي هذا المجتمعات شيئاً فشيئاً بجرائم النظامين الإماراتي والسعودي بحق الشعب اليمني المظلوم، دفع الى ممارسة هذه المجتمعات أو شرائح منها بالضغط على حكوماتها لإيقاف بيعها وتزويدها الأسلحة لهذين النظامين القاتلين، فمن شأن زيادة وعي المجتمعات العالمية، الغربية خصوصاً أن تؤدي في المحصلة الى ردع السلطات البحرينية من جهة والى احراج أسياد وحماة هذه السلطات من جهة أخرى، الأمر الذي يؤدي بدوره الى زيادة مساحة الأصوات الرافضة لهذه السياسات القمعية على شاكلة الرسالة التي نحن بصدد الحديث عنها.
و في كل الأحوال ينبغي ان تكون هذه الرسالة دافعاً وحافزا قويين للمنظمات الإسلامية وغير الإسلامية المهتمة بحقوق الإنسان والمنصفة لمضاعفة الجهد في الدفاع عن هذا الشعب المظلوم، وفي فضح جرائم النظام البحريني بحق أبناء هذا الشعب لعله يرعوي أو يؤوب الى رشده.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق