ضربات أنصار الله للعدو ... تضع الأخير وحاميته أمريكا في مأزق قاتل
[عبد العزيز المكي]
ضربات أنصار الله للعدو ... تضع الأخير وحاميته أمريكا في مأزق قاتل
لعل أكثر المتابعين لتطورات العدوان الصهيوني على قطاع غزة المنكوب وارتكاب العدو الصهيوني المدعوم من أمريكا، وما يزال المجازر المتنقلة بحق النساء والأطفال العزل في غزة ... يتذكرون كيف أن الصهاينة، وحتى الاميركان فضلاً عن عملائهم وأدواتهم العرب في المنطقة، كانوا يستهزئون ويسخرون من مشاركة أنصار الله في مواجهة العدوان الصهيوني الأمريكي الغاشم على غزة، بضرب ميناء ايلات أم الرشراش بالصواريخ البالستية والمجنحة والمسيرات المختلفة، انتصارا لضحايا غزة الذين يسقطون بالصواريخ الأمريكية التي زودت بها طائرات العدو !!. فقد اعتبر هؤلاء الساخرون و المستهزئون ان ضربات أنصار الله عديمة الجدوى والتأثير ولا قيمة لها !! ولكن يوما بعد آخر، ومع تصاعد الضربات اليمنية للعدو وتوسيع أنصار الله لدائرة الاستهدافات و تشديدهم لتلك الضربات لتشمل أسر سفن تجارية صهيونية وحرمان العدو من المرور في البحر الأحمر أو مضيق باب المندب، واضطرار سفنه إلى سلوك طرق أخرى بعيدة ومكلفة ، ثم استهداف السفن الصهيونية، وتلك السفن الأمريكية الحربية التي تحميها بالنيران.. وأخيرا وليس آخراً القرار الذي اتخذه أنصار الله باغلاق باب المندب على السفن التجارية الصهيونية واستهدافهم السفينة النرويجية التي تحمل النفط للكيان الصهيوني بالصواريخ يوم 11/12/ 2023وحصول ضجة دولية ... نقول كل ذلك وغيره جعل الاميركان والصهاينة قبل غيرهم يعترفون بتأثير وخطورة ووقع هذه الضربات ليس على العدو الصهيوني وحسب بل وعلى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ويخلص محللوهم وصحفهم وخبراءهم الذين باتت الضربات اليمنية للعدو شغلهم الشاغل إلى الواقع الجديد الذي أوجدته هذه المشاركة اليمنية في المواجهة مع العدو ومع حاميته أمريكا الواقع الذي يمكن إجماله بالنقاط التالية وبشكل سريع :-
1- ضربات أنصار الله كبدت العدو خسائر اقتصادية فادحة باعتراف الصهاينة أنفسهم، ففي هذا السياق قالت صحيفة يدعوت احرونوت الإسرائيلية أن الحوثيين نجحوا بالفعل في الاضرار بالتجارة البحرية الإسرائيلية، منذ أعلنت شركة زیمبا أنها ستغير مسارات سفنها بعيدا عن الطريق المهاجم في البحر الاحمر . واشارت الصحيفة العبرية إلى أن السفن ستضطر للإبحار عبر آسيا وصولاً إلى أسرائيل ، الأمر الذي سيؤدي إلى تأخيرات في عمليات التسليم تتراوح بين 30 إلي 50 يوماً اعتمادا على بلد المنشأ والحاويات. على الصعيد نفسه، نقل موقع "غلوبس"الإسرائيلي، المتخصص في الشؤون الاقتصادية، عن مدير ميناء ايلات قولة: "إن تهديدات الحوثيين تؤثر على جميع السفن بما فيها التي تمر إلى البحر الأبيض متوسط والينا في ايلات .. وكان موقع غلوبس قد ذكر في وقت سابق من نوفمبر المنصرم ، إن السفن التي لها روابط مع أسرائيل" اضطرت إلى تغيير مسارها الملاحي والإبحار حول أفريقيا بدلاً من البحر الأحمر لتجنب هجمات الحوثيين قبالة سواحل اليمن.. وهذا ما أكده رئيس قسم الابحاث في شركة الشحن فريتوس الإسرائيلية" يهوذا ليفين بقوله (إن العديد من السفن التي لها روابط مع إسرائيل اضطرت بسبب الظروف الحالية إلى الإبحار حول إفريقيا، أو للتخطيط للقيام بذلك، بدلاً من المرور عبر البحر الأحمر.. موضحاً .. ان هذا الطريق سيطيل الرحلة لمدة أسبوعين، ويزيد بشكل كبير من تكلفة نقلها ..! أما عن الوضع الذي يعيشه ميناء ام الرشراش " ایلات "حالياً، فقد نقل موقع غلوبس المشار إليه، عن مسؤولين في الميناء قولهم : « إنه لا توجد أي سفن تقريبا تزور الميناء و هو ما أكدته مصادر في الصناعة الإسرائيلية قولهم "ان الميناء ينوي إخراج العمال وإغلاق بواباته، بسبب قلة العمل وتحويل الاستيراد الذي كان يستقبله ميناء ايلات إلى ميناء حيفا .....".
وبخصوص الخسائر الاقتصادية التي يتكبدها نتيجة ضربات أنصار الله اليمنية، يشير الكاتب والباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين، في حديث لموقع "العهد )"الإخباري، إلى أن المفاجأة الأكبر والأهم أنه من خلال باب المندب يتم نقل70٪ من الأمن الغذائي الصهيوني، وهو ما يشكل عنصرا رئيسيا بموضوع الأمن الغذائي للكيان الصهيوني ، وله تأثير مباشر على الاقتصاد الداخلي للاحتلال . وبعد ان يشرح ناصر الدين انعكاسات سد مضيق باب المندب علی أوربا و على الولايات المتحدة والكيان الصهيوني نفسه نتيجة ارتفاع أسعار النفط، يقول: أن كلفة الحرب يومياً في غزة بحسب تقديرات وكالة بلومبيرغ هي ٧٣ ، مليون دولار يومياً، وهذه الكلفة ستنعكس على الاقتصاد الإسرائيلي بشكل اكبر، وهنا سيكون عامل الضغط الخارجي اكبر "...
2- بقرار قائد أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي، بمنع السفن التجارية الواردة إلى الكيان الصهيوني ومن أي جنسية كانت ، نقل مواجهة أنصار الله مع العدو من مرحلة إلى مرحلة تصعيد خطيرة فرضت معادلة جديدة ، تمثلت بفرض الحصار البحري على العدو الصهيوني، مقابل الحصار البحري الذي يفرضه على غزة وعلى معبر رفح، سيما وان هذا القرار دخل حيز التنفيذ باستهداف السفن التجارية الخارجة والداخلة إلى موانئ الكيان الصهيوني في الأمر الذي زاد من تأزيم الأوضاع الاقتصادية للعدو ومن همومه ومعاناته، باعتراف الصهاينة أنفسهم. ففي هذا السياق كشف تقرير لموقع فاينانس والا الاقتصادي التابع للموقع " العبري، والذي ترجمه موقع "يمن ايكو" اليمني في ٢٠٢٣/١٢/١١ كشف هذا الموقع بأن قرار قوات صنعاء بمنع كافة سفن الشحن من الوصول إلى "إسرائيل"، سيرفع الأسعار بنسبة ٣٠ ٪، وسيؤدي إلى وقف حوالي ثلث التجارة الإسرائيلية، بالإضافة إلى رفع كلفة النقل عبر خطوط الشحن الأخرى... ووصف التقرير قرار قوات صنعاء الآنف بأنه قنبلة اعلامية هزت صناعة الشحن، فإذا كان الحوثيون في السابق هاجموا واختطفوا السفن المملوكة أو المستأجرة من قبل بعض الإسرائيليين فأن أي سفينة تحمل بضائع إلى إسرائيل أصبحت الآن هدفاً بحرياً مهددا .. ونقل التقرر عن يورام زیبا رئیس غرفة الشحن في إسرائيل تصريحاته حول آثار هذا القرار والعواقب الوخيمة التي سيتركها على التجارة مع العدو، وعلى الأمن الغذائي هذا الأخير، وأضاف صحيح أنه سيتم الالتفاف حول افريقيا - بالطبع فراراً من البحر الأحمر - كما أعلنت شركة رزيم، لكن كل رحلة من هذا القبيل ستستغرق حوالي ثلاثة اسابيع إضافية، وسترتفع تكلفتها بمقدار نصف مليون إلى مليون دولار » وأوضح يورام .. (( إن التجارة مع الشرق الأقصى تمثل بين %٢٦ و ٣٤٪ من إجمالي التجارة مع "إسرائيل". وليس مهما أن تقل أجهزة التلفاز من ثلاثة إلى اثنين، ولكن إذا تأثرت الواردات الغذائية فسيكون الأمر بالغ الأهمية و نقل التقرير الأنف أيضاً عن ايريز وينر الرئيس التنفيذي لشركة ويليبود التي تستورد المواد الغذائية من الشرق الأقصى، قوله : " أرسلت لنا شركات الشحن رسالة مفادها أن بعض الخطوط القادمة من الشرق ستغير المسار الأمر الذي سيضيف ثلاثة اسابيع إلى مواعيد الأبحار". وأضاف، إنه ) إذا تحقق تهديد الحوثيين سترتفع الأسعار حوالي ٣٠% كما هو متوقع مع الأخذ في الاعتبار مدة الرحلة». وهذا ما اكدته أيضا صحيفة هآريتس العبرية. بل إن أكثرية الأوساط الإعلامية الصهيونية تؤكد أن قرار الحوثيين سيكبد الكيان الغاصب خسائر تقدر بعشرات المليارات من الدولارات لأن التجارة البحرية للعدو تستحوذ على 70%من واردات العدو.. نعم هذا غيض من فيض التغطية الإعلامية الصهيونية وحتى السياسية لهذا القرار، والذي اعترف بوطأته وخطورته على الكيان الغاصب مسؤولو هذا الكيان أنفسهم أو بعضهم، فهذا مستشار الأمن القومي الصهيوني تساهي هنغبي في ٢٠٢٣/12/١٠ رفض ( الحصار البحري ) الذي فرضه أنصار الله على هذا الكيان .. وأشار هنغبي ، إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو طلب من الرئيس الأمريكي جو بايدن والقادة الأوربيين اتخاذ اجراءات لمواجهة هذا الوضع ، محذراً عبر القناة الثانية عشرة ، بقوله: (( إذا لم يهتم العالم بالأمن سنتحرك لإزالة الحصار البحري" بحسب زعمه!!
۲- قرارات تصعيد المواجهة العسكرية والبحرية لأنصار الله مع العدو الصهيوني ثبتت أيضاً معادلة جديدة في الخريطة العسكرية في المنطقة، وهي أن الأنصار لم يكونوا قوة عسكرية ضاربة وبارزة فرضت وجودها وتأثير على الجغرافيا اليمنية وحسب، وإنما باتت اليوم قوة إقليمية مهابة ومؤثرة جداً في مجريات الصراعات في هذا الإقليم كما هو واضح اليوم في مواجهتها العدو الصهيوني وتكبيده الخسائر الاقتصادية والمادية الفادحة، وباعتراف الصهاينة وحماتهم الأميركان، نظراً للقوة العسكرية الضاربة التي يمتلكونها وكذلك النوعية الأسلحة المتطورة التي بحوزتهم والتي ينتجونها في مصانعهم..وهذا ما أقر به أعدأوهم قبل أصدقائهم .. ففي هذا السياق تحدث الخبير العسكري الصهيوني أليكس جرينبيرج للقناة السابعة العبرية عن قوة الحوثيين مقدما شرحا مسهباً عن تطور تلك القوة، ومعترفاً بشكل غير مباشر بعجز العدو عن مواجهتهم عسكرياً خصوصاً في الوقت الحاضر.. وهذا ما يفسر ما ذكرته القناة العبرية ( 124 ) في 5/12/2023 ان الكيان الصهيوني طلب من عدة دول ، بينها بريطانيا واليابان بالإضافة إلى الولايات المتحدة تشكيل قوة عمليات مخصصة للعمل في البحر الأحمر من أجل ضمان حرية الممرات الملاحية في المنطقة خصوصا البحر الأحمر ومضيق باب المندب الذي تمر منه أغلب السفن التجارية الصهيونية.
وكانت مجلة نيوزويك قد قالت ان البحرية الأمريكية تواجه لتهديدها صاروخياً مضاداً للسفن قبل قوات صنعاء، وهو تهديد بقدرات تتفوق على قدرات معظم الدول .. ونقلت المجلة عن فابيان هينز، الباحث المتخصص في التحليل الدفاعي العسكري في الشرق الأوسط، في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، قوله : إن ترسانة الصواريخ المضادة للسفن لدى الحوثيين ليست قابلة للمقارنة فحسب، بل إنها تتفوق على الأرجح على معظم الجهات الحكومية ... و بحسب هينز فأن الصواريخ المضادة للسفن والصواريخ البالستية هي قدرة متخصصة للغاية لا يمتلكها سوى عدد قليل جداً من الدول. كما نقلت المجلة الأمريكية أيضاً عن سيد صارت كوشال، وهو زميل باحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في بريطانيا، استغرابه من امتلاك صنعاء مثل هذه القدرات التي وصفها بالقدرات غير العادية إلى حد كبير. هذا وأشارت مجلة نيوزويك الأمريكية إلى عجز القوات البحرية الأمريكية عن حماية السفن التجارية في البحر الأحمر قائلة : " إن القدرات اليمنية، أي قوات صنعاء كبيرة للغاية. كما أنها تشكل خطراً جديا للغاية في البحر، ويمكن أن تؤدي حتى إلى إغراق السفن، اعتماداً على حجم الرأس الحربي. كما أن المهم.. أضافت المجلة .. أن ندرك أنه حتى أفضل سفينة حربية في العالم يمكن أن تتعرض لضربة محظوظة" وهذا ما اعترف به الخبير هييز الذي اشرنا إليه قبل قليل، بقوله : ( إن حماية كل سفينة تجارية تتحرك عبر مضيق باب المندب الاستراتيجي داخل وخارج البحر الأحمر قد يكون بمثابة كابوس....
4- على أن ما يفاقم من مأزق الكيان الصهيوني وأمريكا هو البعد العسكري والاستراتيجي
لضربات أنصار الله، ويتجلى هذا البعد في أمرين الأول، ويتمثل بالنسبة للعدو، بأن البحر الأحمر يحظى وكذلك باب المندب بأهمية استراتيجية فيما يخص ما يسمونه الأمن القومي للعدو، ولذلك فأن الحصار البحري الذي يفرضه أنصار الله ، وعجز العدو وأمريكا عن الرد ، يعني عزل الكيان الصهيوني عن عمقه الاستراتيجي والجغرافي الذي يتمثل في وجود القواعد العسكرية التي إستحدثها العدو في السنين الأخيرة في اريتيريا واثيوبيا والصومال، والسودان، وفي الجزر اليمنية المحتلة مثل سقطري وعبد الكوري وميون وحنيش وغيرها، وايضاً في السعودية والأمارات ... فعزل هذه القواعد بحريا يعني تقويض القوة العسكرية للعدو واختزال مناورته العسكرية في تلك المنطقة الى حد كبير جدًا .. أما الأمر الثاني، فيتمثل في عدم قدرة الولايات المتحدة على الرد العسكري على أنصار الله ، لأن أي تصعيد أمريكي مع الحوثيين سوف يجري إلى حرب إقليمية شاملة ، لا يمكن التنبوء بآثارها وتداعياتها، ويمكن أن تهدد الوجود العسكري في المنطقة وحتى وجود الكيان الصهيوني لأن القواعد والسفن العسكرية الأمريكية ستتحول إلى أهداف للمقاومة، وسوف تغلق كل المضائق البحرية وترتفع الأسعار، سيما أسعار النفط، ويمكن أن تنجر الأمور إلى حرب عالمية، وبالتالي فأن أمريكا في وضعها الحالي لا قدرة لها على تلك المواجهة التي تختزن احتمالات خروجها عهد السيطرة مئة بالمئة.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق