حدث وتحليل
ظاهرة اعتقال النساء في السعودية.. طارئة أم متأصلة؟
[من الصحافة]
أثيرت في الآونة الأخيرة موجة من الانتقادات ضد قيام سلطات آل سعود باعتقال عدد من الناشطات في مجال حقوق الإنسان، الأمر الذي طرح جملة من التساؤلات بينها: هل أن ظاهرة اعتقال النساء حديثة في السعودية أم متجذرة في ظل نظام قمعي يسعى لمصادرة الحريّات وخنق الخصوم بشتى الوسائل المُدانة من قبل الهيئات الحقوقية والقانونية الإقليمية والدولية.
قبل الإجابة عن هذا التساؤل نشير إلى أن صحيفة "دير شبيغل" الألمانية ذكرت في تقرير لها مؤخراً حمل عنوان "بن سلمان يكيل بمكيالين بشأن حقوق المرأة" إنّ ولي العهد المهووس بالسلطة والذي يرغب في السيطرة على كلّ شيء ينتهج سياسة مزدوجة تجاه المرأة؛ فهو من ناحية يدّعي أنه يريد أن يمنحها جملة من حقوقها إلّا أنه في المقابل يشنّ حملة اعتقالات لناشطات يدافعن عن هذه الحقوق.
وقالت الصحيفة إنّ سلطات الرياض أقدمت على اعتقال 7 ناشطات حقوقيات سعوديات لعل أشهرهن "لجين الهذلول" التي اعتُقلت في أبوظبي ورُحّلت إلى المملكة، مشيرة إلى أن هؤلاء النسوة لطالما كافحن من أجل تمتع المرأة بحق قيادة السيارة، على الرغم من أن قرار رفع الحظر عن هذا الحق سيدخل حيّز التنفيذ بتاريخ 24 حزيران/يونيو المقبل.
وأوضحت الصحيفة نقلاً عن ناشطات سعوديات أن التهمة التي وجهها النظام لهؤلاء النسوة وبينهن أستاذات جامعيات هي "خيانة الوطن والتخابر مع دول أجنبية" وهي أقسى تهمة يمكن أن توجه لأحد وتصل عقوبتها إلى الاعدام، بالإضافة إلى تعريضهن لحملة تشويه واسعة على وسائل إعلام النظام.
الأمر الأخر الذي ذكرته الصحيفة هو تعرض عوائل الناشطات المعتقلات للتهديد في إطار سياسة قمعية وإجراءات تعسفية كثيرة بينها حظر السفر على هذه العوائل، ومطالبتهم بأن لايكتفوا بالصمت، بل عليهم أن يرحّبوا بالإصلاحات المزعومة لولي العهد.
الجدير بالذكر أن الناشطات الحقوقيات تعرضن للاعتقال دون أن يتم رفع أي دعاوى ضدّهن، سوى ما إدعّى به الأمن الوطني من أنهن تعاملن مع جهات أجنبية في إشارة إلى ما قمن به من جهود في شبكات التواصل الاجتماعي لشرح حال المرأة في البلاد، الأمر الذي أثار قلق السلطات وأجبر المنظمات الحقوقية العالمية وعدد من وسائل الإعلام الغربية على التطرق لهذا الموضوع الذي لم يعد السكوت عنه أمراً معقولاً ولامستساغاً على الاطلاق.
وينبغي التذكير بأن حملات الاعتقال التي تشنّها سلطات آل سعود استهدفت في البداية الكثير من المفكّرين والوجوه المحافظة ورجال الأعمال وتواصلت بوتيرة متصاعدة لتشمل الناشطات الحقوقيات والاستاذات الجامعيات.
ولايزال مصير معظم المعتقلات مجهولا، ما يدعو إلى القلق حيال وضعهن، خصوصاً أن المعروف عن أجهزة أمن النظام هو القسوة والوحشية في التعامل مع النساء إلى حدّ يخشى منه على من تعتقل منهن أن يكون مصيرها الترويع بشتى أساليب التعذيب النفسي والاعتداء الجسدي.
موجات اعتقال الناشطات تعكس في الواقع حقيقة شعور النظام بالخوف على فقدان السلطة التي أمسك بها في غفلة من الزمن بانتهاج سياسات أقل ما يقال عنها بأنها بعيدة كل البعد عن الحسّ الإنساني السليم وعن الحقوق المشروعة التي أقرتها القوانين الدولية والتي تمنع امتهان كرامة الإنسان وسحق حريّاته تحت أي ذريعة، ناهيك عمّا تعكسه هذه الاعتقالات من همجية وبربرية واضحة تؤكد أن آل سعود لم يصلوا إلى السلطة إلّا من أجل التحكم بمقدرات العباد والبلاد خدمة لأهداف دنيئة تصب في نهاية المطاف في المشروع الصهيوني الرامي إلى تمزيق المنطقة ورهن مقدراتها ومصيرها بيد شذّاذ الآفاق أمثال بن سلمان ومن لفَّ لفّه.
كما تعكس الاعتقالات رغبة شرّيرة في تعزيز السلطة من قبل الحاكمين دون حقّ، وذلك من خلال القمع الذي لايعرف الحدود ولا يرقُب في الناس إلًّا ولا ذمّة.
والناشطات المعتقلات لا يمكن اعتبارهن سوى سجينات رأي وليس كما وصفتهن أبواق النظام بإلقاء التهم الجاهزة التي لاتنمّ إلّا عن شعور عميق بالنقص وانعدام الإحساس بمشروعية التحكم بالسلطة. ومن المؤكد أن الغرض من هذه الاعتقالات هو القضاء على أي صوت ناقد بغضّ النظر عن مصدره سواء كان رجل أو إمرأة وسواء كان هذا الصوت مطلق اللحية ام حالقها طالما أن هذا الصوت يسهم في فضح سياسات آل سعود ويعرّي أساليبهم القمعية وهدرهم لأموال الشعب على ملذّاتهم الهابطة وما يتمتعون به من امتيازات دون وجه حق واستهتارهم بالقيم وكل ما له صلة بالإنسانية والمُثل النبيلة.
وبالعودة إلى التساؤل الذي طُرح في بداية الكلام وهو:هل أن ظاهرة اعتقال النساء في السعودية طارئة أم متأصلة؟ فالجواب قطعاً أنها ليست قضية جديدة؛ بل هي متجذرة في ذات العلاقة المتأزمة التي تربط نظام آل سعود بكل صوت يدعو لكشف الحقائق وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والنفسية للمجتمع في وقت تصرّ فيه السلطات على قمع هذه الأصوات بذرائع واهية وتتمترس خلف مزاعم سقيمة وتُهمٍ معلّبة مفضوحة الأهداف والنوايا.
ولإثبات حقيقة أن ظاهرة اعتقال النساء في السعودية ليست حديثة ولاطارئة نشير إلى عيّنات من هذه الاعتقالات التي لاحصر لها لإماطة اللثام عن الوجه القبيح لآل سعود ومن يزمّر ويطبّل لهم طمعاً في عطاياهم المنتزعة من قوت الشعب والمسروقة من أمواله وثرواته وحقوق الأجيال القادمة.
فظاهرة اعتقال النساء طالت من قبلُ أمّهات وزوجات وبنات المعتقلين في سجون آل سعود الذين مضى على الكثير منهم سنوات طويلة دون محاكمة أو صدرت ضدّهم أحكاماً وصفتها المنظمات الحقوقية والإنسانية بالظالمة والكارثية.
وفي وقت سابق وتحديداً في أكتوبر/تشرين الأول تم اعتقال ما يزيد عن 15 إمرأة دون محاكمة أيضاً، من بينهن "بهيّة الرشودي" التي اعتقلت بعد إتهامها بشراء طابعة بزعم أنها تنوي استخدامها لطباعة منشورات سياسية ضد النظام.
كما اعتقل جهاز الأمن السعودي الدكتورات "نورة السعد" و"رقية المحارب" و"نوال العيد" على خلفية نشاطات تتعلق كذلك بحقوق الإنسان.
وفي سبتمبر/أيلول من العام الماضي اعتقل نظام آل سعود ما يقارب 30 من زوجات التجّار ورجال الأعمال الذين احتجزتهم السلطات بحجّة محاربة الفساد.
وأشارت بعض التقارير إلى أن هؤلاء النسوة تم تعريتهن وضربهن أمام أطفالهن لإرغامهن على الإدلاء بمعلومات تتعلق بثروات أزواجهن الذين أفرج عنهم في وقت لاحق بعد مساومتهم على أموالهم وممتلكاتهم التي قدّرت بعشرات المليارات من الدولارات.
وقبل نحو عامين اعتقلت السلطات عدد من الناشطات المطالبات بحقوق الإنسان ومنعتهن فيما بعد من السفر، وفصلت الكثير منهن من وظائفهن. كما تم اعتقال أزواجهن أو آبائهن بتهمة "عجزهم عن السيطرة على نسائهم".
أخيراً بقى أن نشير إلى أن الحديث عن القمع والتعسف في السعودية كظاهرة ملموسة ومتعددة الجوانب قد يطول ليتجاوز أكثر من كتاب وليس مقالة مقتضبة… لكن لابدّ من التذكير بأن ما نُشر وينشر عن اعتقال النساء في المملكة وإهانتهن وترويعهن لحدود مؤسفة جداً قد يكون أقوى تأثيراً من ألف كلمة ومن أي صوت… فقط يلزمنا التأمل لإدراك خطورة هذه الظاهرة وتداعياتها السلبية والكارثية على المجتمع والدولة في آن واحد.
ارسال التعليق