على هامش زيارة بايدن المرتقبة للرياض وتل أبيب..مَنْ الذي تغيّر بايدن أم بن سلمان
[عبد العزيز المكي]
الإعلان الرسمي للبيت الأبيض الأمريكي، عن أن الرئيس جوبايدن سيقوم بزيارة لتل أبيب يومي 13،14 وللرياض يومي 15،16 يوليو القادمين ، حيث سيعقد بايدن لقاءاً مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي بالاضافة الى الاردن ومصر والعراق في جدة... نقول منذ ذلك الإعلان، والإعلام الأمريكي والغربي أو بعضه، خصوصاً الإعلام البريطاني يواصل الجدل حول تلك الزيارة مستهدفاً تركيز أو تعزيز قناعة لدى المتلقي العربي والإسلامي في المنطقة " ان بايدن تخلى عن وعوده بنبذ السعودية وعزلها، وانه تخلى عن مبادئ أمريكا في الدفاع عن حقوق الإنسان!! وأيضاً انه تخلى عن الديمقراطية!! ومبادئها، وكرس سياسة دعم المستبدين والأنظمة الدكتاتورية.. وما إلى ذلك كثير..." وفي الحقيقة أن أمريكا لا تعرف ولا تقيم وزناً لمبادئ حقوق الإنسان ولا للديمقراطية فهي البلد الأول في ممارسة الإرهاب وفي دعم الأنظمة الشمولية في المنطقة والعالم، وهي أم الإرهاب ومنشأته ومرضعته بالتعاون مع عملائها في المنطقة وهذا أمر معروف أقر به حتى بعض الكتاب والمفكرين الأمريكان والغربيين.. على أي حال، أعود للفكرة الأصلية، واكرر أن تلك الأوساط الأمريكية والغربية مازالت تثير الجدل والنقاش حول ما أشرنا إليه، لتكريس القناعة المذكورة على الرغم من توفر الأدلة الدامغة بخلافها، بل إن بعض الأعضاء من الكونغرس الأمريكي دخلوا على خط هذا الجدل ليوجهوا لبايدن الاتهام بأنه " تغير وخان وعوده الانتخابية و.و." لأنه سيجتمع ببن سلمان،" وان الحاجة لتخفيض أسعار النفط أجبرته على ما أسموه " التحول" لصالح بن سلمان، بل أكثر من ذلك أن الصحفي الأمريكي الذي أجرى مقابلة مع بن سلمان، العام الماضي، والكاتب في مجلة " ذا اتلانتيك" الأمريكية، عزايمي وود، كتب مقالاً ذكرّ فيه ما كان قد قاله بن سلمان في تلك المقابلة بخصوص بايدن، حيث اعتبر البعض ان هذه الأقوال، من مثل"..أنا لا أكثرت بما يعتقده بايدن.." وغيرها اهانة لبايدن، وكأن هذا الصحفي يذكرّ بايدن بالاهانات والتحدي التي زعموا ان بن سلمان وجهها لبايدن!!
أعتقد جازماً ان كل هذا الجدل الذي يصور أن بايدن إنحنى لبن سلمان مدفوع الثمن من قبل بن سلمان، فهذا الأخير حوّل الكثير من وسائل الاعلام الأمريكية والبريطانية لتلميع صورته امريكياً وغربياً، وما يرجح هذا الأمر هو ان بن سلمان كلف رابطة العالم الإسلامي بالعمل على تحسين صورته في الولايات المتحدة والغرب، وكشف موقع " أنتلجنس أونلاين" الاستخباراتي الفرنسي ان رابطة العالم الإسلامي أقنعت شركة “8/BGR GOVER-nment Affairs”و هي شركة تعمل في حشد التأييد على دراية بالمملكة السعودية للمساعدة في تحقيق مايريده بن سلمان من تحسين وتلميع صورته التي تشوهت كثيراً بسبب جرائمه وبطشه بالمعارضين، ومنها جريمة قتل الصحفي السعودي المقرب من أل سعود، البشعة والمروعة، جمال خاشقجي..
اذن هناك تشويه للأمور والتضليل على الحقيقة فبايدن لم يغير سياسة ولا انحنى لبن سلمان، على العكس تماماً، ان الأخير هو الذي انحنى وطأطأ رأسه لما تريده أمريكا وبايدن بالذات والدلائل كثيرة نشير الى بعض منها بما يلي:
1. إن بايدن اعترف بعظمة لسانه انه لم يذهب للسعودية من أجل زيادة إنتاج النفط السعودي لخفض الأسعار، ولا لشيء آخر بل من اجل " الأمن القومي الإسرائيلي" فهو سوف يأتي لمحاولة تحصين العدو الصهيوني من الأخطار التي باتت محدقة به من كل جانب فهو قادم للمنطقة من أجل تحصين أمن هذا العدو بإمكانات الدول العربية ( الخليجية ومصر والأردن والعراق)، وأموالها وثرواتها ثم تسييد العدو على المنطقة ومنحه حق التصرف بكافة شؤون هذه الدول عبر لافتة أو من خلال مسوغات ما يسمى بالحلف العسكري، أو توحيد الدفاع الجوي لهذه الدول مع الكيان الصهيوني!! فبحسب ما نقلته وسائل الإعلام العالمية عن بايدن قوله بهذا الخصوص: " الالتزامات التي ننتظرها من السعوديين لا علاقة لها بالطاقة ، إذ لا يتخطى الأمر كونه مجرد انعقاد اجتماع على نطاق أكبر في السعودية، وهذا سبب زيارتي للمملكة. ويتعلق الأمر بالأمن القومي " لإسرائيل والإسرائيليين"، وأضاف: فالأمر يتعلق بقضايا أكبر بكثير من التطرق إلى أسعار الطاقة". وهذا ما أكده ناتان ساكس مدير مركز سياسات الشرق الأوسط في معهد بروكنجز، بقوله تعليقا على تلك الزيارة ان " الولايات المتحدة تتطلع إلى إقامة شراكات على نطاق أوسع مع بلدان المنطقة في مجال الأمن، وستكون هذه الزيارة جزءاً من هذه الجهود. وآية ذلك أنه من الواضح أن إدارة بايدن تنضم إلى شراكة بين الدول العربية و" إسرائيل" في مجال الدفاع، لاسيما ضد الطائرات المسيّرة الإيرانية والمدعومة من إيران، وهذا يعد تحولاً كبيراً في موقف بايدن، فضلاً عن كونه يمثل إشارة أخرى إلى وجود شرق أوسط مختلف تماماً" على حد زعمه.
2. تأكيد الأوساط السياسية والإعلامية الصهيونية على أن الهدف الأساسي لمهمة بايدن في الرياض هي تحصين أو محاولة تحصين " الأمن القومي الإسرائيلي"، فهذا الأمر مازال حتى اللحظة محور الأحاديث والتصريحات والنقاش داخل الأوساط الصهيونية، ففي هذا الإطار أعلنت الحكومة الصهيونية البيان الصادر عن مكتب رئيس الوزراء بييت، والذي أعلنت فيه تواريخ الزيارة.. وجاء فيه " ان زيارة بايدن ستساهم في تعميق العلاقات الخاصة والشراكة الاستراتيجية القائمة بين الدولتين، بالإضافة إلى تعميق الالتزام الأمريكي بأمن واستقرار " إسرائيل" والمنطقة" وأضاف البيان قائلاً: " في إطار زيارة الرئيس المرتقبة سيتم الكشف عن خطوات تعني بتعزيز اندماج " إسرائيل" في الشرق الأوسط، وبتعزيز ازدهار المنطقة برمتها، إلى جانب تفاهمات بشأن توطيد التعاون الأمني والمدني بين الولايات المتحدة و" إسرائيل" على نحو سيطلق التحالف القائم بين كلتا الدولتين في قمم جديدة" على حد زعم البيان. من جهتها صحيفة إسرائيل اليوم" قالت نقلا عن مصادر صهيونية " أن الرئيس الأمريكي جو بايدن سيعلن عن إنشاء نوع من الاتفاق الأمني الإقليمي بين إسرائيل" وبعض دول الخليج"! وتحدثت الصحيفة عن أن صاحب هذه الفكرة هو وزير الدفاع الصهيوني بيني غانتس واقنع بها الاميركان، ونقلت الصحيفة قوله بهذا الخصوص" بما أن إيران رفضت محاولات التوصل إلى أتفاق نووي واستمرت في أعمال التحدي فهناك حاجة ليس فقط للتعاون ولكن لبناء قوة إقليمية مشترك بقيادة أمريكية من شأنها تمكين كل من الشركاء. هذا ما نعمل عليه" على حد قوله!
وإلى ذلك قال الملياردير الأمريكي الإسرائيلي حاييم سبان في مقابلة له مع صحيفة هاآرتيز الصهيونية يوم 16 حزيران/2022،حول لقائه الأخير ببايدن، قال إن الأخير أخبره انه يأتي للتعبير عن حبه " لإسرائيل" و" للشعب الإسرائيلي" بغض النظر عن من يكون رئيس الوزراء، وأضاف سبان، ان هم بايدن وهدف مجيئه إلى المنطقة هو أمن " إسرائيل"!!
3. ليس لم تقدم الإدارة الأمريكية أي تنازل للنظام السعودي ولبن سلمان تحديداً وحسب، وإنما وجهت إهانة له، وأقدمت على خطوة لا توصف إلا في إطار التحدي والاحتقار والازدراء لهذا النظام وولي عهده بن سلمان، تمثلت تلك الخطوة بتسمية شارع السفارة السعودية في واشنطن باسم جمال خاشقجي الذي قتله بن سلمان عبر فريقه الذي أرسله إلى تركيا حيث ارتكب الجريمة البشعة في اسطنبول باستدراج خاشقجي والانقضاض عليه في القنصلية السعودية ومن ثم تقطيع أوصاله وإرسال رأسه إلى الرياض، هدية لبن سلمان. فتسمية هذا الشارع تعني رسالة أمريكية واضحة أن تلك الإدارة لن تنسى هذه الجريمة، ليس لأنها جريمة بشعة، لأن أمريكا ترتكب عشرات الجرائم الأبشع منها بحق الشعوب أسبوعياً، ولكن لتبقى أو الإصرار أمريكا على بقاء هذه الجريمة كأداة لحلب وابتزاز النظام السعودي مالياً وعسكرياً وامنياً وعلى كل الأصعدة متى شاءت أمريكا!!
وإلى ذلك، فأن عدداً من أعضاء الكونغرس ظلوا يوجهون الأهانات والإذلال للنظام السعودي باتهامه بالارهاب والاستبداد، وبوصفه بأوصاف تستحق قطع العلاقات والرد عليها بالعقوبات لو كان هذا النظام لديه ذرة من الكرامة!!
والأنكى من ذلك كله أن بن سلمان يطير لمصر والأردن ودول أخرى ويستخدم أمواله الطائلة في اقناع هذه الدول بالمشاركة في لقاء بايدن بالسعودية والموافقة على مشروعه بإقامة الحلف مع الكيان الصهيوني!! كل هذه الخسائر والاهانات يتلقاها بن سلمان مقابل الموافقة على توليه العرش، ومنحه شرعية أمريكية زائفة!! وأكثر من ذلك فأن الخسائر السعودية بل وأكثر دول الخليج العربية تتضاعف بشكل متزايد لأن:-
1. ابن سلمان جعل السعودية، أو سيجعلها كما يريد الشقيق الصهيوني التوأم لآل سعود، الدرع الذي سوف يحمي العدو الصهيوني، والساحة التي تدور فيها معركة الوجود الصهيوني مع محور المقاومة، مما يؤدي إلى سحق السعودية شعباً واقتصاداً وتدميراً هائلاً أياً كانت نتيجة هذه الحرب ومآلاتها .
2.فقدان المملكة مكانتها الإسلامية وهيبتها لأن قرارها سيصبح بيد الصهاينة وهؤلاء أينما حلوا نشروا الفساد والدمار وتجربتي كامبديفيد ووادي عربة دليل على ذلك، سيما وان هذا التدمير سوف يتضاعف من جانب العدو لأنه يعتبر المملكة مهد الحضارة الإسلامية ومهبط الوحي، فيما يواصل اليهود وأجيالهم اللاحقة من الصهاينة التآمر والدس لتدمير الإسلام وقيمه والحديث يطول بهذا السياق.
3. سيظل النظام السعودي ينزف الأموال، ويظل متخلفاً على كل الأصعدة لأن العدو بارع في ابتزاز الأموال أكثر من الولايات المتحدة بإضعاف مضاعفة، ولأن العدو يريد ان تبقى المملكة سوقاً لمنتجاته الصناعية والزراعية، كما ان سياسته قائمة على عدم السماح لأي بلد عربي وإسلامي بالتطور وما فعله بمصر ويفعله خير دليل على ذلك، لا، بل هم يصرحون ليل نهار بأنهم لا يسمحون لأي بلد عربي أو إسلامي بالتطور والتفوق عليهم!
4. في أي معركة يشعلها العدو مع محور المقاومة باستخدام إمكانات تلك الدول كما صرح وزير دفاعه بيني غانتس مؤخراً، فأن أولى ضحاياها المملكة واستقرارها السياسي والاقتصادي، وإذا ما انتهت بهزيمة العدو وهو المرجح وفق حتى الخبراء الصهاينة، فأن النظام السعودي سيكون الضحية الأولى لهذه الحرب بدون شك.
وهناك خسائر كثيرة لا مجال لذكرها جراء هذه السياسة غير الرشيدة والطائشة لبن سلمان، فهل يرعوي هذا الأخير ويؤوب إلى رشده!؟
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق