عندما تموت أحلى الكلمات وأكثرها إيماناً وإنسانية في بلدي
[حسن العمري]
* حسن العمري
كنا خير أمة أختارها الله سبحانه وتعالى لنزول آخر رسالاته وأكثرها رحمة ومودة ورأفة وأخلاقاً وعدالة مما سبقتها من الأمم، لتكون نبراساً للبشرية جمعاء، لاتفرق بين أبيض وأسود، وعربي وأعجمي، فكان الإيمان هو المعيار والميزان، نابذة التقاليد القبلية الجاهلية [كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ- آل عمران: 110]؛ فكان الحاكم فيها خادماً وليس ملكاً أو سلطان ظالماً يفرض ما تحلوا لنفسه الأمارة بالسوء على الناس [قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ – النمل: 34].
لو تدبرنا قليلاً في كتاب ربنا وسنة نبيناً محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما نزعم تمسكنا بهما، لما وجدنا ديناً ولا نظاماً ولا قانوناً أو شريعةً من الشرائع السابقة تولي العناية القصوى بالرحمة والرأفة والألفة والمودة والتعايش السلمي بين الناس مثل ديننا العظيم حيث يفتتح الله سبحانه وتعالى كتابه العظيم وهو القانون للأمة الاسلامية جمعاء من كبير وصغير، بآية الرحمة العظيمة (بسم الله الرحمن الرحيم) والتي تتضمن صفتين من صفات الله وأسمين من أسمائه سبحانه وتعالى، الرحمن: الذي يدل على الرحمة الشاملة الواسعة [وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ – الأعراف: 156]، إنساناً وحيواناً، وكل ما في الكون، خلقه بالرحمة، وهداه بالرحمة، ويعيش بالرحمة، ويموت بالرحمة، فالكل تناله الرحمة، أعطاهم الله جل وعلا الرزق والنعم التي لا تعد ولا تحصى.
تكررت "آية الرحمة" في بداية كل سور القرآن الكريم ما عدا سورة واحدة وهي سورة البراءة ولكنها عوضت بذكرها مرتين في سورة النمل وبالتالي عدد السور 114 سورة وعدد تكرار هذه الآية الكريمة أيضاً 114 مرة؛ ثم تكررت كلمة "الرحمة" بمختلف أنواعها وأشكالها وأماكنها ومراتبها في القرآن الكريم أكثر من 350 مرة ولو أضفنا إليها الكلمات التي تدل على نفس الرحمة مثل الرأفة وغيرها لبلغت الآيات الكريمة حول الرحمة في الإسلام العظيم أكثر من 1000 آية أي سدس القرآن الكريم - راجع التفاسير. كمّا أنّ القرآن الكريم جاء مُخبراً أنّ الرسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، إنّما جاء بالإسلام رحمةً للعالمين، قال الله تعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ- الأنبياء: 107] - حسب قول المفسرين.
الرحمة، الرأفة، المودة، التعاون، التعايش السلمي، العدل، المساواة، الحياء، الخجل، الإيمان، مساعدة الآخرين و.. أحلى الكلمات وأكثرها إنسانية، باتت اليوم بعيدة كل البعد عن مجتمعنا الذي طالما تباهى بإيمانه وتمسكه بالكتاب والسنة أمام المجتمعات الاسلامية وغير الاسلامية، بفضل سلطة آل سعود على رقاب شعبنا خاصة خلال الحقبة السلمانية التي لم ولن تتوانى من إرتكاب أبشع وأفضع الجرائم بحق الانسانية منتهكة أبسط أوجه حقوق الانسان في داخل بلاد الحرمين الشريفين موطن الوحي والتنزيل، وفي خارجه بدءاً من الجوار اليمني والبحريني والعراقي حتى الأقليم العربي سوريا ولبنان وليبيا، والاسلامي أفغانستان وباكستان وايران وغيرها، حتى شمل الإرهاب السلماني بعض بلاد الأفرنج أيضاً؛ كل ذلك خدمة للأسياد في إرعاب الناس من الاسلام والترويج للأسلاموفوبيا.
أعادوا الأمة الى عصر الجاهلية والظلم والظلمة كما جاء في القرآن الكريم [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ: آل عمران 144]، واضحى الاسلام يساوي الإرهاب والقتل والتفخيخ والتفجير والدمار والذبح والسبي وأبشع صور الإجرام التي شهدتها البشرية، بعدما كان دين الرحمة والرأفة والمودة والأخاء والتودد والتعاون والتعاضد وقوله تعالى [ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ -الأنبياء: 107] الرحمة بتعليمهم دين الإسلام، الرحمة بهم أن نبين لهم طريق الحق، الرحمة بهم أن نعرضه عليهم بأسلوب هين، لين، برفق، وحكمة، معنى الشهادتين، أركان الإسلام الخمسة، وأركان الإيمان الستة. فقال سلام الله وصلواته عليه: إني لم أبعث لعاناً، وإنما بُعثت رحمة- أخرجه مسلم:2599.
سعى الرسول ص الى تربية أمته على الرحمة وربط الإيمان بالرحمة "من لا يَرْحَم لا يُرْحَم"رواه البخاري: كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم (5667)، ومسلم: في الفضائل، باب رحمته بالصبيان والعيال (2319)، أبو داود (5218)، والترمذي (1911)، وأحمد (7121)؛ وكذلك "ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ "- رواه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، وأحمد، وعبد في مسنديهما،والطبراني وآخرون؛ وقال أيضاً "لن تؤمنوا حتى تراحموا"، قالوا: يا رسول الله، كلنا رحيم، قال: "إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ، ولكنها رحمة الناس رحمة العامة".. الرحمة العامة: تشمل الإنسان الذي أحسن إليك وتشمل الإنسان الذي أساء إليك ، هكذا ربى الرسول ص صحابته الكرام، [ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ - آل عمران: 159]، ثم [كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ-الأنعام: 54] في كتاب مكتوب عند الله قبل أن يخلق الخلق، "إن رحمتي سبقت غضبي" المكتوبة عنده فوق العرش- الحديث رواه البخاري 7554، ومسلم 2751، بلفظ آخر.
يدلّ ذلك كله على أنّ رسالة الإسلام الأولى، هي الرحمة. ثم إنّ مظاهر الرحمة، وصورها في التشريع الإسلامي كثيرةٌ جداً، فيما يأتي بيان البعض منها: أُمر الإمام بالشفقة على رعيته، وتجنّب ما يُمكن أن يشقّ عليهم، في قول الرسول ص: "إذا صلَّى أحدكم للناسِ فليُخَفِّفْ، فإنَّه منهم الضعيفُ والسقيمُ والكبيرُ"- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 703؛ الأمر بالتوسّط في العبادة، وترك ما يشقّ على النفس، ويصعب عليها. الأمر ببرّ الوالدين، وجعله واجباً على الإنسان رحمةً، ورأفةً بهما. الإرشاد والتوجيه الى احترام المرأة، والرحمة بها، والإحسان إليها. التوجيه الى الإشفاق على الأبناء، والرحمة بهم، والعطف عليهم. الحثّ على الرفق، والرحمة بمن يعمل تحت يد الإنسان من عمّالٍ، أو خدمٍ، أو عبيدٍ، أو نحوه. الأمر بالإحسان في قتل الذبيحة. النهي عن كلّ أشكال تعذيب الحيوانات من إيذائهم، أو إخافتهم، أو تجويعهم، أو تحميلهم ما لا يطيقون، فكيف بالإنسان الذي يفتك به الإرهاب التكفيري اليوم؛ الأمر بالإحسان الى اليتيم، والتعامل معه برحمةٍ، والنهي عن أكل ماله، أو إيذائه، أو شتمه، أو ضربه. الأمر بتبليغ الدين للكفار، ودعوتهم الى وحدانية وعبادة الله سبحانه وتعالى، فإنّ الرحمة في الإسلام تشمل الكافر أيضاً، باستحباب حصول الخير له من خلال دخوله في الإسلام. الأمر بالإحسان الى الأسرى، وعدم تعذيبهم، أو إهانتهم.. فيما نرى العكس من كل ذلك في بلاد الوحي والتنزيل.
أين نقف اليوم من كل هذه الرحمة والرأفة والمودة والتعايش السلمي بين مختلف الناس؟!، والإرهاب التكفيري الوهابي المتطرف الذي أبتدعه ودعمه وموله آل سعود يمزق ويفتك بالأمة من شمالها الى جنوبها ومن شرقها الى غربها ودفع الى تجزئتها وتقسيمها الى دويلات سايكس بيكو، واليوم ينتظرنا ذات المصير ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير لتقسيم المقسم وتجزئة المجزء الى كانتونات وأمارات تحارب بعضها البعض لتشغيل مصانع أسلحة الاستعمار الجديد وراعي البقر الحلوب التي لاتفكر سوى بعروشها وسطوتها وتدفع ما عليها من بيت المال العام لينعم أعداء الأمة فيما شعوبنا تموت جوعاً ودماراً وإقتتالاً وأنهار دماء الأبرياء تجري هنا وهناك، وسجون المملكة مليئة بعشرات آلاف الأبرياء تقطع روؤس بعضهم حرابة بين الحين والآخر ذنبهم الوحيد تمسكهم بقوله تعالى [ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ- الحجرات: 13] .
ارسال التعليق