عيد استقلال؛ أم ذكرى سطوة الأشرار?! بماذا نحتفي نحن؛ بعيد استقلال أم ذكرى سطوة الأشرار?!
[جمال حسن]
* جمال حسن
هناك الكثير من الغرابة في رمزيات بعض الشعوب، لكن لن نقرأ في التاريخ البشري أن شعباً يحتفل كل عام بذكرى احتلاله والتعدي عليه ودماره وتقييد حرية رأيه واستقلاله الفكري وسلبه ابسط حقوقه المشروعة على يد حفنة ارهابية مجرمة ملعونة مدلسة، ويكسي ذلك حلة "اليوم الوطني".
سذاجة وبساطة وغياب للوعي عن الكثيرين من أبناء شعبنا جعلته ينفرد دون غيره من شعوب العالم بالاحتفاء كل عام بذكرى سطوة الأشرار على رقاب الأخيار، والسراق على ثروات البلاد، والعملاء على قرار النجباء، والإرهاب على السلمية والتعايش الآمن، والفكر القبلي الصنمي على الاسلامي والحضاري.
حتى الأطفال والصبيان باتوا اليوم يعرفون جيداً "اليوم الوطني" في أي دولة من دول العالم، هو الوعد المقدس لتلك الشعوب احتفالها بذكرى استقلالها من براثن الاستعمار والاستحمار والاحتلال، إلا الشارع الذي يسيطر عليه ال سعود والذي يسير عكس العرف الأممي ويحتفل بذكرى سيطرة "سيف الحرابة" على رقابه.
والمضحك المبكي في بلاد الحرمين الشريفين أن يحتفل الشارع الساذج برقص وطرب وتحرش واحتفالات فسق وفجور في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر كل عام، بذكرى إجرام عبد العزيز وتأسيسه دويلة آل سعود عام 1932 بعد ثلاثة عقود من سفكه للدماء البريئة وخيانة الحلفاء والجوار وإستباحة مقدساتهم.
لا يمكن لأحد نكران أن التاريخ يضم في دفاته أشياء كثيرة تعكس معادن الشعوب وأصالتها، وكذا أسرار هزائمها وإنتصاراتها، ومن أهم هذه الذكريات هو تاريخ حصولهم على استقلال بلادهم من نير الاستعمار والاحتلال ليعنونوه رمزاً خالداً للأجيال القادمة يحتفلون به كل عام إكراماً للتضحيات الكبيرة التي قدموها في هذا المجال.
لكن أنصار ال سعود على عكس الرؤية الطبيعية للعالم فهم يحتفلون باليوم الأسود الذي خيم به آل سعود على رقاب ومستقبل وثروات البلاد وموقفها السياسي باعتباره "يوماً وطنياً" تبعاً لما أطلق عليه حكام الظلم والجور والخيانة والتبعية بدعم المؤسسة الدينية.
ومن الغرابة أيضا أن المؤسسة الدينية الوهابية النكرة ليس تبيح الاحتفال بهذه الذكرى المأساوية بل تؤكد على وجوب إقامتها كل عام وهي تغض الطرف عن كل ما يجري فيها من قبائح خلقية ودينية، وفي الوقت الذي تحرم فيه حتى الاحتفال بذكرى مولد الرسول الأكرم ص، رسول المحبة والمودة تدعو الى الاحتفال بسطوة السراق وسافكي الدماء البريئة حلال.
فقط السذج والأغبياء والحمقى وحدهم الذين يعتبرون هذا اليوم بمثابة يوم لخدمة الوطن لأنه يعكس حالة هذا الشعب ودرجة إنتمائه وولائه لهذه الأرض ولهذا الوطن ويطلقون عليه "اليوم الوطني"، بدلاً من إعلان الحداد العام واعتباره "يوم النكسة" لما يذكرهم من أفعال وإجرام عبد العزيز وأبنائه واحداً بعد الآخر حتى بلغنا أبو منشار.
وقد شهدت احتفالات "اليوم الوطني" في السعودية هذا العام عددا كبيراً من حوادث تحرش فردية وجماعية تم تداولها بكثرة عبر مقاطع فيديو وصور وثقتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الى جانب الاحتفالات الراقصة لنساء شبه عارية دون خجل أو وجل من قدسية بلاد الوحي والتنزيل، كل ذلك تحقيقاً لرغبة ولد سلمان المدلل الطائش.
وكم أنت بعيداً عن تاريخ بلادك يا من تحتفل فأغفلوك ودفعوك للاحتفال بذكرى "يوم الجلوس الملكي" تحت يافطة ملونة خادعة أطلقوا عليه "اليوم الوطني" بعد اجتماع احتضنه قصر "أبو حجارة" في الطائف حيث المكان الذي شهد إعلان عبد العزيز المؤسس إطلاق اسم "المملكة العربية السعودية" بعد احتلاله لسائر مناطق بلاد الحجاز بقبضة حديدية ونار وسيف يسيل منه دماء الأبرياء.
وصدق شعار العام الحالي بذكرى ما اسموه "اليوم الوطني" وهو "هي لنا دار" نعم بلادنا لآل سعود دار، أما للمواطنين فهي بلاد الغرب أوطاني، حيث القمع والعنف الجاهلي القبلي والتمييز الطائفي والتكفير يسرح ويمرح في ربوع بلاد قبلة المسلمين التي شهدت ولادة رسالة المحبة والمودة والإخاء والتعاون والعيش السلمي.
لا أدري لأي شيء يحتفل أبناء بلدي بهذه الذكرى المأساوية الأليمة على أنها نصر وانتصار؟!، بوضعنا الاقتصادي المزلزل وتفشي الفقر بين طبقات كبيرة من مجتمعنا؟، أم بحرية التعبير المسلوبة منا وسجون آل سعود مليئة بعشرات آلاف النشطاء من علماء ومفكرين وجامعيين وإعلاميين ودعاة؟، أم بسياسة البلد العدوانية الفاشلة حتى ضد أقرب الأشقاء واحتلال البحرين والعدوان على اليمن خير دليل؟، و.....
هذا ناهيك عن تأسيس آل سعود ودعمهم المتواصل للجماعات الارهابية التكفيرية المسلحة في شتى بقاع العالم العربي والاسلامي أولئك الذين أزهقوا ولا زال يزهقون أرواح مئات الآلاف من المسلمين الأبرياء هنا وهناك، وهذا ليس جزافاً بل موثقاً بوثائق مستندة لدى الأمم المتحدة واعتراف صريح من قبل وزير الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون في كتابها "الخيارات الصعبة".
فقبل عامين تبجح الأرعن ولي عهد سلمان بأن ذكرى "اليوم الوطني" توج بقرارات تاريخية تخص حقوق المرأة السعودية إذ منحها القانون امتيازات لم تكن في إطار صلاحياتها قبل ذلك، والذي تلاه اعتقال العشرات منهن بذريعة الدفاع عن حقوقهن في قيادة السيارات، وأخريات ناشطات لم يعرف حتى اليوم مصيرهن.
فيما البعض منهن ممن أطلق سراحهن كشفن عن مدى التعذيب الجسدي والروحي والتحرش الجنسي الذي تعرضن له خلال فترة الاعتقال، وهو ما تعتبره السلطة السعودية بأنه انجاز غير مسبوق ذهبت الى دعمه المؤسسة الدينية حتى بتحريفها الأحاديث النبوية الشريفة دون استحياء.
تبجحت سلطة محمد بن سلمان بمنح المرأة السعودية حرية السفر والقيادة فيما الحقيقة تنافي ذلك، حيث الهدف من ذلك هو تفسيق المرأة ودفعها نحو التحلل الخلقي والديني فكانت النتيجة أن سمح لها المبيت ليلاً خارج بيتها دون علم زوجها أو ولي أمرها والمعترض يزج في السجن.
كما بدأنا نشاهد جيلنا الشباب يهرول مسرعاً نحو العلمنة والإنحطاط الخلقي بإعداد الأرضية اللازمة له عبر الاحتفالات الراقصة المختلطة الماجنة بين الحين والآخر برعاية هيئة الترفيه، ومن بعدها منع الآذان من مكبرات الصوت في المساجد فيما أصوات الموسيقى تزعج الأحياء التي تضم محلات بيع الخمور ومسارح الرقص.
لقد بتنا لا نفرق بين الحق والباطل وبين الصواب والغلط وبين الدين والطين وبين الجيد والسئ وبين السليم والخبيث، وتشابه علينا الحمير ففكرنا أن حميرنا ساسة أمتنا وسلاطينها فرقصنا لسطوتهم على أرواحنا وممتلكاتنا وعقائدنا فرحاً وطرباً دون وعي وتعقل وفكر وتدبر، وهرولنا نحو تمجيد قاتلينا كما هرولوا نحو العبودية والخنوع والنذالة.
ارسال التعليق