فرق الأمم المتحدة... النظامان السعودي والإماراتي مجرما حرب
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي
من الواضح أن نظامي السعودية والإمارات، لا يفكران بالعواقب في اقترافهما الجرائم والمجازر المروعة في اليمن، لأنهما اعتادا على أن الأمم المتحدة ظلت تغطي وتغض النظر عن جرائمهما ومذابحهما بحق الشعب اليمني، الأبرياء من النساء والأطفال بشكل خاص، طيلة السنوات الثلاث، أو أكثر من ذلك، أي طيلة عاصفتها المخزية. أكثر من ذلك أن المنظمة الدولية، لم تكتفِ بغض النظر وتجاهل المذابح التي يرتكبها هؤلاء وحسب، بل وشطبت اسم السعودية من قائمة الدول التي تقتل الأطفال (القائمة السوداء) العام الماضي، بعد 72 ساعة من وضع اسمها في القائمة، ويومها علل أمين عام الأمم المتحدة السابق بان كي مون، أنه أجبر على رفع اسم السعودية نتيجة الضغط التي مورست عليه- من قبل شخصيات خليجية، كما تبين لاحقاً-ونتيجة تهديد السعودية نفسها بقطع التبرعات للمنظمة الدولية، وحرمان أطفال اللاجئين السوريين والأفغان من الدعم الأممي!!
ذلك فضلاً عن التغطية الأمريكية والغربية لهذه المجازر، ودور أمريكا والدول الغربية في ممارسة الضغط على المنظمات الإنسانية والدولية وحملها على تجاهل هذه المجازر، وغض الطرف عنها، وعن بقية معاناة الشعب اليمني والكوارث المرة التي ألمت به بسبب الحصار البري والجوي والبحري الذي فرضه النظام السعودي على هذا الشعب المظلوم...كل ذلك جعل السعوديين والإماراتيين لا يفكرون بالعواقب، ولا يبالون في ارتكاب الجرائم والمجازر، بل يغالون في ارتكابها وبدون حدود معقولة...فقبل شهر ارتكبوا مذبحة ضحيان بصعدة والتي راح ضحيتها أربعين طفلاً بريئاً أو أكثر من ذلك، سقطوا شهداء غير الجرحى، تلك المذبحة التي قال عنها المتحدث باسم التحالف، تركي المالكي، بأنها كانت هدفاً مشروعاً للتحالف!! ودافع بحماس عن ارتكاب هذه الجريمة! رغم الإدانات والشجب التي صدرت من أوساط دولية ومنظمات إنسانية، ومنها مقربة من النظام السعودي وقد تبين فيما بعد أن " الهدف المشروع" الذي برر قصفه تركي المالكي، ما هو إلاّ حافلة تقل طلاب مدارس في صعدة، تناثرت أشلائهم على قارعة الطريق، تاركة مشهداً مروعاً، هزّ ضمير الرأي العام العالمي الميت أصلاً، أو المتلبد الآسن، ثم مجزرة سوق السمك في الحديدة التي سقط فيها العشرات من الشهداء والجرحى من الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ، وبعد هذه الجريمة أرتكب مذبحة الدريهمي سقط فيها أكثر من خمسين شهيداً، بينهم 20 طفلاً، عندما استهدفت طائرات العدوان النازخين من معارك الدريهمي في الساحل الغربي....وأخيراً وليس آخراً ارتكاب مجزرة الصيادين في الحديدة أيضاً، والتي سقط فيها أكثر من عشرين شهيداً من الصيادين الذين كانوا يتكسبون للحصول على قوت يومهم!! ذلك محاولة، من قبل التحالف البربري، ونكاية بالحوثيين قامت بارتكاب هذه المذابح ومحاولة منها والتغطية على هزائم جيوشها ومرتزقتها في جبهات القتال.
يضاف إلى ذلك، أن هذين النظامين_السعودي والإماراتي-يتملكان ماكنة إعلامية جبارة تجر معها قاطرات أجنبية مستأجرة هي الأخرى جبارة وضخمة، كلها تعمل وتتحرك مثيرة دوياً وصخباً إعلامياً، يضيع بوصلة الطريق، ويقلب الحقائق في اليمن، ويؤثر على الرأي العام في الغرب، بل ويؤثر، حتى على بعض المنظمات الإنسانية، حيث وفي كثير من الأحيان، تتبنى هذه المنظمات وجهة نظر العدوان باتهام الضحية وتبرر للجلاد جريمته! فهذه الماكنة الإعلامية الضخمة، بالإضافة إلى التواطئ الأممي والأمريكي مع العدوان، جعل النظامين السعودي والإماراتي يتماديان في ممارسة الأجرام وارتكاب المذابح المروعة بحق المدنيين اليمنيين، وبلا حدود ولا سقوف، وباطمئنان تام، بأنه لا توجد ردود أفعال دولية، أو ردود أفعال للمنظمات الإنسانية إزاء هذا التمادي في ارتكاب الجرائم وفي ارتكاب المجازر والمذابح المروعة بحق الأبرياء من هذا الشعب المحروم. وحتى وان أثيرت ردود فعل من قبل الأوساط المشار إليها، فأنها تبقى خجولة ولا تتعدى حدود رفع العتب فحسب!
غير انه، وخلافاً لهذا الاطمئنان السعودي الإماراتي، جاءت تقارير بعض الخبراء والمنظمات الإنسانية، وعلى غير العادة المألوفة التي تقول قوى التحالف، أن هذه المنظمات تعرض عليها تقارير قبل نشرها، جاءت هذه التقارير صادمة لدول العدوان، بل ومفاجئة أيضاً بتوثيقها للحقائق، لما يقوم به التحالف من جرائم ومجازر، ويقف على رأس هذه التقارير تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة الذي صدر يوم الثلاثاء الموافق 27/8/2018، والذي أقرّ وأكد جملة أمور صادمة للنظامين السعودي والإماراتي مثلما أشرنا قبل قليل وما يلي:
1. حمّل التقرير، السعودية والأمارات مسؤولية ارتكاب المجازر بحق الأطفال والنساء من أبناء الشعب اليمني، واعتبر الخبراء أن هذه الجرائم ترقى إلى جرائم حرب، يجب أن يحاسب عليها تحالف الحزم، وبالأخص النظامان السعودي والإماراتي. أكثر من ذلك أن تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة، ودعا مجلس الأمن إلى تشكيل محكمة جنائية لمحاكمة المسؤولين في دول التحالف عن هذه المجازر، وضمّن أسماء بعض المسؤولين عن تلك المجازر،من السياسيين والعسكريين، في قائمة سرية سلمت إلى مجلس الأمن، ويتصدر هذه القائمة كل من محمد بن سلمان، ومحمد بن زايد، وليي عهد السعودية والأمارات على التوالي.
2. اتهم تقرير خبراء الأمم المتحدة نظامي السعودية والأمارات بتجنيد الأطفال والزج بهم في أتون الحرب، بينما كان النظامان السعودي والإماراتي يتهمان الحوثيين بذلك!
3. أكد تقرير الخبراء الأمميين إن " اللجنة الوطنية" التي شكلها عبدربه منصور هادي، بأمر من السعودية لتقصي الحقائق حول تعرض المدنيين في المدن اليمنية إلى المجازر والتدمير، هي لجنة منحازة للعدوان، وغير نزيهة ويشوب عملها وتقاريرها الكذب والتزوير وطمس الحقائق.
4. أكد التقرير، أن هؤلاء الخبراء يحملون السعودية والأمارات، مسؤولية ما له من 18-20مليون يمني، من معاناة وكوارث وفقر وجوع والتعرض إلى الهلاك، بسبب استمرار الحرب، واستمرار الحصار الذي يفرضه العدوان على اليمن...كما أن التقرير حذر الدول الكبرى التي تدعم السعودية والإمارات في عدوانهما على اليمن، من أنها ستكون شريكة في هذه الجرائم وسيطالها القانون والمحاسبة، إذا لم توقف هذا الدعم لقوى التحالف.
5. برّز التقرير أغلب الجرائم والمجازر التي ارتكبتها السعودية والإمارات وبوضوح لا لبس فيه، وبالأدلة القاطعة المستقاة من مكان الجريمة ومن شهود العيان، ومن الجهات المحايدة، وبين ان هذه الجرائم والمجازر ارتكبت في مناطق مدينة غير حربية، وعلى مدى هذا العدوان...برز التقرير ذلك نحو كبير من الصدق والشفافية والتوثيق كما قلنا.
6. أكد التقرير قضية السجون السرية في المناطق الجنوبية، التي أُثيرت مؤخراً واتهمت بها الإمارات، وأكد التعذيب الذي يمارسه الإماراتيون بحق اليمنيين في الجنوب، ومنها الاعتداءات الجنسية على المتهمين، وبأدلة دافعة منها صور عن آثار التعذيب على الذين تعرضوا له في السجون السرية المشار إليها، حيث أكد تقرير الخبراء ضرورة معاقبة الفاعلين، الذين أدعوا إنهم جاؤوا لإعادة ما يسمونه "الشرعية " إلى صنعاء لكنهم احتلوا البلد ومارسوا القهر والإذلال والتجويع والاغتصاب بحق الشعب اليمني في الجنوب، وارتكاب المجازر والحصار بكل أنواعه بحق أبناء هذا الشعب في محافظات الشمال، كما جاء ذلك في التقرير الأممي.
وكما أشرنا، فأن ثمة منظمات ومفوضيات أخرى أصدرت تقارير مماثلة، بشكل متزامن مع تقرير الأمم المتحدة، أو سبقته بأيام، أو بعده بقليل، وكلها جاءت في السياق ذاته، فعلى سبيل المثال أن تقرير منظمة هيومن رايتس ووتس الذي سبق تقريراً لأمم المتحدة بأيام، تضمن كل ما جاء في التقرير الأممي، وأيضاً بشكل دافع وموثق، وزاد على تقرير الأمم المتحدة، بأنه اعتبر جريمة مذبحة ضحيان جريمة حرب يجب أن يُقدم المسؤولون عنها إلى محكمة الجنايات الدولية، مما حمل ذلك النظام السعودي إلى الاعتراف بها، والإدعاء بأنها حصلت نتيجة الخطأ ووعد بمحاسبة المسؤولين، في محاولة للتهرب من الملاحقة القانونية! ذلك بعد تحجج طويل بارتكاب هذه المجزرة والادعاء بأنها كانت هدفاً مشروعاً للعدوان، كما جاء في تصريحات المتحدث باسم تحالفها (تركي المالكي)، التي سبق وان أشرنا إليها! كما أن هيومن راتيس أشارت في تقريرها المكون من90صفحة إلى أن "عمل فريق هيئة التحقيق التابع للتحالف لم يرق إلى المقاييس الدولية فيما يتعلق بالشفافية والنزاهة والاستقلالية، وان المحققين كانوا يتسترون على جرائم الحرب بشكل وآخر". من جهتها منسقة الشؤون الإنسانية في اليمن ليزا غراندي أصدرت في 25آب الماضي بياناً شجبت فيه المجازر التي ارتكبتها العدوان بحق اليمنيين، وجاء فيه "إن ما يحدث في اليمن لا يمكن تصوره، لقد حان الوقت لكي يستيقظ الجميع على حقيقة هذه الحرب الرهيبة وتكلفتها الإنسانية والعمل معاً لإنهاء الأعمال القتالية...".أما تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 28 آب الماضي، فكان صادماً لدول التحالف للدرجة التي اعتبر بعض المحسوبين على هذه الدول أن " الحوثيين هم الذين كتبوا التقرير" وفي الحقيقة أن هذا التقرير أيضاً حمل العدوان مسؤولية ارتكاب الجرائم بحق الشعب اليمني، وذهب إلى ما ذهب إليه تقريرا فريق خبراء الأمم المتحدة، وهيومن راتيس...ما يعني كل ذلك جملة أمور نذكر منها ما يلي:
1. إن ثمة تطور لافت في تعاطي المنظمات الدولية مع جرائم التحالف السعودي في اليمن، وبدون شك أن هذه المنظمات لا تقدم على مثل هذا التحول في إدانة السعودية والأمارات، الّا بضوء أخضر أمريكي، وهذا يعني احتمالين، هما:
أولاً: إن الولايات المتحدة تريد ممارسة المزيد من الابتزاز المالي وغير المالي للنظام السعودي والإماراتي من خلال وضعهما تحت مطرقة هذه التقارير وتهديدهما بشكل دائم بالمحاكم الدولية كمجرمي حرب..
وثانياً: ان الولايات المتحدة وجهت انذاراً لكل من السعودية والإمارات، بأن الفرصة التي منحتهما لهما ليحسما الأمر في اليمن قد انتهت، وان الأمريكي يريد التنصل من المشاركة في المسؤولية عن تلك المجازر والكوارث التي حصلت ومازالت تحصل في اليمن وتحميل السعودية والإمارات وحدهما المسؤولية، عن هذه الجرائم وبالتالي وضعهما تحت طائلة الملاحقات الدولية والقانونية بارتكاب جرائم حرب يجب معاقبة المسؤولين عنها.
2. ومهما تكن الأهداف الأمريكية في منح هذه المنظمات الضوء الأخضر، أو الإشارة إليها بالقيام بتوثيق الجرائم السعودية والإماراتية في اليمن، فأن هذه التقارير شكلت توثيقاً دولياً للجرائم السعودية والإماراتية في اليمن، يمكن لأبناء الشعب اليمني الاستفادة منها، لملاحقة مسؤولي النظامين السعودي والإماراتي، وخاصة محمد بن سلمان، ومحمد بن زايد وتقديمها إلى المحاكم الدولية لمعاقبتهما على ما جنياه وارتكباه من مجازر بحق الشعب اليمني. سيما وان هذه التقارير تحمل السعودية والإمارات المسؤولية المباشرة عن المجازر والمعاناة التي يتعرض لها الشعب اليمني.
3. ورد في تقرير الأمم المتحدة اسما محمد بن سلمان ومحمد بن زايد صراحة، وبالإضافة إلى عدد لا بأس به من قادة حربهما، باعتبارهما المتسبب الأساسي بالكارثة التي يتعرض لها الشعب اليمني، ومن شأن ذلك أن يضعهما تحت طائلة الملاحقة الدولية القانونية، مما يشكل نكسه لهما، أكثر من ذلك أن وضع أسميهما في مقدمة مجرمي الحرب والمسؤولين عن ارتكاب المجازر في اليمن، يفضح مزاعمها بأنهما " إصلاحيان ودعاة تحرر وانفتاح" فيما هما في الحقيقة مجرد سفاحان دمويان قمعيان ومجرما حرب.
4. شكل تقرير الأمم المتحدة وبقية التقارير الأخرى ضربة كبيرة للنظام السعودي في ما يخلص مساعيه لخندقة وجمع البلدان الإسلامية حوله في مواجهة ما يسميه " التمدد الإيراني" أو " الإرهاب الشيعي" وما إلى ذلك من العناوين المماثلة، فهذه الدول تحاول اليوم بعد اتضاح حقائق الإجرام الذي يقوم به النظامين السعودي والإماراتي، لكي لا تتلطخ سمعة هذه الدول بتحالفها أو تخندقها وراء هذان النظامين المجرمين.
5. إن تلك التقارير شكلت أرضية لإلزام النظامين السعودي والإماراتي بتعويض كل الخسائر البشرية والمادية التي تسبب بها عدوانهما على اليمن، وهذا يعني أن هذين النظامين سيرغمان دولياً على دفع مئات المليارات من الدولارات لتدميرهما البنية التحتية لليمن وعن بكرة أبيها، ولقتلهما أو تسببهما في شهادة ومِوِت العشرات، من الآلاف من أبناء الشعب اليمني المحروم ما يعني ذلك، أن الاقتصادين السعودي والإماراتي سيتلقيان ضربات قاصمة حتى وان انتهت الحرب!!
6. والى ذلك فأن هذه التقارير كشفت للشعب اليمني زيف ما يسمى " بالشرعية"،وعمالة وخيانة كل قطعان المرتزقة ورمزهم، وكيف أن هذه "الشرعية" البائسة شكلت غطاءاً لجرائم العدوان من أجل مصالحها الخاصة والفئوية على حساب قهر وتدمير وقتل الشعب اليمني، حيث ازداد الذين يقفون من هذا الشعب في الدائرة الرمادية، ازدادوا وعياً بحقيقة العدوان وعمالة مرتزقته ممن يسمون أنفسهم بالشرعية، بل حتى أن بعضاً من هؤلاء المرتزقة انسحبوا من جبهات القتال وتركوا أسلحتهم وراء ظهورهم، بعدما تحركت ضمائرهم وتأكد لهم أن هذا العدوان يستهدف ثروات بلدهم، واستعبادهم، واستعمارهم...وفي المقابل فأن هذه التقارير عززت قناعات لدى الشعب اليمني وحسب، بل ولدى الرأي العام، بأن السعوديين والاماراتيين ما هم إلا دول غازية جاءت لتحتل اليمن وتنهب خيراته وتصادر حريته، وهذا ما زاد من عزلة شرعية هادي وانزوائها وتشرذمها، وكذلك عزلة القوى التي تقف ورائها، كالنظامين السعودي والإماراتي.
ارسال التعليق