في الحاجة إلى تسفيه مشروع "الترفيه"الأميري
[عبد الرحمن الهاشمي]
بقلم عبد الرحمن الهاشمي
استهجن الشارع الاسلامي الواقع تحت الصدمة، مظاهر الاحتفال السعودي بما يسمى بمهرجان الهالوين،لكنه استهجان اخلاقي وغضب ديني من أن تعرف بلاد الحرمين الشريفين بخصوصيتها المكانية والدينية والاجتماعية هذه المظاهر المسخة والتعبيرات الشاذة والدخيلة. لكن وللاسف فان نفس الشارع لم يهتز ولم يغضب بنفس القدر لا من العدوان الذي يقوده النظام السعودي منذ سبع سنوات على الشعب اليمني المظلوم ولا من الخطوات التطبيعية مع الكيان الصهيوني التي يقترفها آل سعود والتي تحولت الى تحالف استراتيجي غير معلن رسميا، لكن معطياته تزخر بها المواقع الاخبارية!
مع ذلك يبقى من الواجب القيام بعمل دؤوب لتوضيح المشهد في بلاد الحرمين الشريفين للمسلمين في العالم ووضعهم في صورة ما يخطط له ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وجب التنويه أولا إلى أن معظم أبناء شعب الجزيرة العربية لا يقبلون بالأنشطة والفعاليات التي تندرج تحت ما يسمى مشاريع الترفيه والانفتاح في مملكة آل سعود، ويعتبرونها سياقا دخيلا ومقحما على ثقافتهم وعاداتهم بقوة السلطة وجبروتها ولن يطول الوقت حتى يتحول الغضب والإمتعاض إلى فعل معارض خاصة وأن إيقاع عمل هيئه الترفيه التي يرأسها خديم الأعتاب السعودية "تركي آل الشيخ" تتجه نحو سرعة مجنونة لإثبات النجاح وتحصيل الرضى على حساب القيم والاخلاق والهوية الثقافية لشعب الجزيرة العربية.
وبالعودة إلى المشهد المتصل بالهالوين المخزي فإنه يبقى على شناعته مجرد تفصيل ضمن إستراتيجية خطيرة تروم تغيير وجه وصورة الجزيرة العربية، فمنذ وصوله إلى موقع ولاية العهد يعمل محمد بن سلمان بإندفاع على تغيير وجه "المملكة" ، فبعد أن قام بإجراءات إستباقية ردعية وترهيبية في دائرة السلطة بحملة «تطهيرية» ضد الأمراء والمسؤولين السابقين ورجال الأعمال، ثمّ حملات إعتقال طالت العلماء والمثقفين، فرض مشروع رؤيته المُسمّاة «رؤية 2030»، والتي أطلقها في أبريل 2016، حيث تقوم في أساسها على تقديم صورة مختلفة ل"السعودية"، يمثّل الإصلاح والانفتاح المعلمَين الرئيسَين فيها.وصحيح أن "الرؤية" في بعدها الاقتصادي؛ بمعزل عن ملاحظات خبراء الإقتصاد؛ تهدف إلى التحول من اقتصاد ريعي تعيش في كنفه "المملكة" ، على الأقلّ منذ الطفرة النفطية في سبعينيات القرن الماضي، إلى اقتصاد متنوع في عام 2030، تمهيداً لمرحلة ما بعد النفط، من خلال زيادة الاستثمار وتعزيز الإنتاجية، لكنّ هذه الرؤية بطموحها الإقتصادي وبطموح صاحبها الذي اختزل الكيان السعودي في شخصه تخطت ضابط الحفاظ على البنى التقليدية الدينية والقبلية كما كان يحصل سابقا، وقامت بتعريضها إلى خلخلةعنيفة بل وبتصفيتها بداعي توفير بيئة ملائمة للاستثمار!
وهنا فإن الكاسحة بين يدي هذه الرؤية "التحديثية" المزعومة هي ما يسمى بهيئة الترفيه التي تم استحداثها إثر إلغاء دور«هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وتعيين تركي ال الشيخ رئيسا لها بمرتبة وزير عام 2018!
و"الترفيه" هو مشروع بلا شك يعتمد على خبراء في علم الإجتماع وفي علم النفس الإجتماعي وفي الإعلام ممن تم استجلابهم من الخارج لصياغة الأساليب التي تسرّع في تقويض قيم المجتمع التقليدي والمحافظ،وإيهامه بأنه يندمج بذلك مع ديناميات العصر . وقد ساعد المخطط في تحقيق بعض النجاح أن المؤسسة الدينية كانت قد كرست نمط من الحياة الإجتماعية متسمة بالإنغلاق والقيود الصارمة الشيء الذي جعل"محمد بن سلمان" يبدو في أعين بعض الشباب كشخصية منفتحة وليبرالية يقود المجتمع للحاق بركب الحداثة!
إن الإيقاع الهستيري والفاضح الذي يحكم سياسة "الترفيه" يستعجل تقديم صورة حساب للخارج من كون" السعودية" وتحت الحكم الفعلي ل"محمد بن سلمان" تتغير وتتكيف بسرعة مع شروط العصرنة وأن هذا"الإنجاز " هو ضمانة لتحقق الرؤية ضمن أمدها المرسوم، فمن جهة يتحفز الإستثمار الخارجي على الإنخراط في «رؤية 2030» ومن جهة يحقق ولي العهد؛ المتحفز للتتويج الرسمي؛ صورة عن شخصه مقبولة في الغرب والخارج ويضمن له مشروعية في الداخل عبر ظهوره بمظهر المصلح ورائد التحديث السعودي التاريخي.
لكن مكر التاريخ قد يقلب الحسابات، فحتى عملية تطويع مجتمع محافظ وإخضاعه بالإغواء والتضليل لبعض الأجواء الغربية كما في احتفال الهالوين تكشف عن منطق سلطوي قروسطي يصعب معه تقديم " السعودية" كوجهة تجارية مربحة، بل إن ذلك ينتج التشكّك وعدم اليقين لدى المستثمرين الأجانب.فالديمقراطية هي ما يصلح أساسًا لأي رؤى إقتصادية طموحة وهي ضمانة الإستقرار وجلب الرساميل الخارجية.
وكما أن المعطيات الإقتصادية المتصلة بحركية رؤية محمد بن سلمان الإقتصادية لم تأت وفق التوقعات خاصة بعيد جريمة تصفية خاشقجي، فإن مشروع "الترفيه" الزائف والذي يضمر التآمر على هوية وإنتماء شعب الجزيرة العربية لن يعرف النجاح أبدا، بل سيتحول إلى عنوان معركة وجود ، فهناك الكثيرمن الغضب والإحتقان في الصدور، ودرس التاريخ يؤكد أن الشعوب هي من تنتصر دائما في معارك الهوية.
ارسال التعليق