قمع النظام السعودي للمعارضة ودمويته!! ...التوبيخ الأوربي خطوة تحتاج إلى مواقف عملية جادة!!
[عبد العزيز المكي]
وجهت 36 دولة من الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان، من بينها دول الاتحاد الأوربي الـ28، يوم 7/3/2019 توبيخاً شديد اللهجة للنظام السعودي، منتقدة وضع حقوق الإنسان في مملكة آل سعود، وقتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، ومطالبة السلطات السعودية بمحاسبة المسؤولين ومنح المدافعين عن حقوق الإنسان حرياتهم الأساسية.
وقال بيان صادر عن الدول الـ36 تلاه السفير الايسلندي الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف هارالد أسبيلوند " ندين بأشد العبارات جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي، التي تأكد ارتكابها على يد مواطنين من السعودية في قنصليتها بإسطنبول ". ودعا أسبيلوند السعودية الى الكشف عن كافة المعلومات التي بحوزتها حول الجريمة والى التعاون مع كافة التحقيقات في مقتل خاشقجي، والتي تقودها أغنيس كالامارد مقررة الأمم المتحدة المعينة بالقتل خارج نطاق القضاء والاعدام التعسفي. ودعا البيان أيضاً إلى الإفراج عن لجين الهذلول وإيمان النفجان وعزيزة اليوسف ونسيمة السادة وسمر بدوي ونوف عبد العزيز وهتون الفاسي ومحمد البجادي وأمل الحربي وشدن العنزي..وكانت السعودية قد أعلنت قبل خمسة أيام من تاريخ هذا التوبيخ اعتزامها إحالة المعتقلين المذكورين على المحكمة المختصة بعد انتهاء التحقيقات التي تخللتها عمليات تعذيب بالكهرباء والجَلد، فضلاً عن انتهاكات جنسية !كما جددت السلطات السعودية اتهام النشطاء الذين اعتقلوا على خلفية حراكهم الحقوقي، خصوصاً في مجال الدفاع عن حقوق المرأة بالعمل المنظم على النيل من أمن المملكة واستقرارها وسلمها الاجتماعي، والمساس باللحمة الوطنية !! على حد زعم السلطات السعودية. وللإشارة، كان قد سبق هذا التوبيخ بيوم واحد، دعوة مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه، السعودية إلى الإفراج عن الناشطات المحتجزات اللائي أشارت التقارير إلى تعرضهن للتعذيب بعد أن أتهمتهن السلطات السعودية بالأضرار بمصالح البلاد. على أن التوبيخ الآنف يعد الأول من نوعه الذي يوجه للنظام السعودي من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، منذ تأسيس الأخير في عام 2006م، وجاء في ظل تنامي القلق الدولي من انتهاك السلطات السعودية للحريات الأساسية في البلاد..ولذلك فهو يؤشر إلى معطيات ودلالات مهمة نذكر منها ما يلي:-
1- إن هذا التوبيخ الذي تشارك فيه دول الاتحاد الأوربي يؤكد أن النظام السعودي يمارس القمع الوحشي والاستبداد ضد المعارضين في داخل المملكة، وبالتالي فهو يشكل أي هذا التوبيخ وثيقة إدانة واضحة ومعتبرة ضد هذا النظام، يمكن أن توظفها المعارضة السعودية في مساعيها الرامية إلى فضح عسف وظلم هذا النظام بحق المعارضين، وأيضاً فضح قمعه الفكري والسياسي لشرائح في مجتمع المملكة على اسس طائفية ومناطقية وقبلية.
2- إن هذا التوبيخ يؤشر بوضوح إلى أن هذا النظام لم يرتدع عن ممارساته القمعية وحملاته الدموية ضد معارضيه وضد الشعوب المجاورة، رغم الضغوط التي تعرض لها من أوساط أمريكية وغربية سياسية وإعلامية، على خلفية مقتل خاشقجي وبهذه البشاعة، واللافت أن هذه الضغوط أو بعضها مازال متواصلاً..ففي هذا الإطار جدد أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي خلال جلسة للتصديق على ترشيح جون أبي زيد لتولي منصب سفير الولايات المتحدة في السعودية، هجومهم على بن سلمان، ووصف السيناتوران الديمقراطي ماركو روبيو، والجمهوري رون جونسون ولي العهد بأنه مجرم عتيد. وصف أضاف إليه روبيو قوله " إن ولي العهد متهور عديم الرحمة، ولديه نزوع للتصعيد والمخاطرة ".
هذا فيما نقل الكاتب الأمريكي في صحيفة الواشنطن بوست إيشان ثارور في مقالة ليوم8/3/2019 عن السناتورة الديمقراطية جين شاهين قولها " إن القائمة السعودية في انتهاكات حقوق الإنسان طويلة من الصعب استيعاب ماذا يحصل هناك "! وتحدث ثارور عن الملف السعودي في هذا الإطار، في مقالة مشيراً إلى ردة فعل النظام بعد إصدار بيان التوبيخ بحقه من مجلس حقوق الإنسان، وموضحاً أن النظام لم يكترث إلى هذا التوبيخ، واعتبره تدخلاً في شؤون السعودية السيادية !! ما يعني كل ذلك أن النظام السعودي مدعوم من القوى الأمريكية والغربية نفسها، لاسيما إدارة البيت الأبيض الأمريكي، والكيان الصهيوني.
3- إذا أضفنا إلى هذا التوبيخ مساعي مفوضية الإتحاد الأوربي السابقة إلى وضع النظام السعودي في قائمة الدول الداعمة للإرهاب مالياً، والداعمة له في مجالات أخرى، تكتمل الصورة حول مسؤولية النظام السعودي عن القتل والتدمير والتخريب الذي طال المنطقة طيلة التسع سنوات الماضية، أي منذ هجمة الجماعات التكفيرية المنتجة سعودياً فكرياً والمدعومة مالياً من قبل السعودية وقطر والإمارات وغيرها، على الدول العربية والإسلامية، وحتى طالت بعض العواصم الأوربية. وكانت أوساط سياسية أمريكية وأوربية، وأيضاً مخابراتية وإعلامية قد أشارت صراحة إلى دور النظام السعودي والى أدوار أنظمة عربية خليجية أخرى في دعم التكفيريين الوهابيين خلال هذه الهجمة على تلك البلدان المذكورة، سيما على العراق وليبيا وسوريا ومواطن عربية وإسلامية أخرى، وبالتالي فأن كل ذلك يشكل إدانة للنظام السعودي وتأكيد على مسؤوليته المباشرة على كل تلكم الويلات والجرائم المروعة التي ارتكبها التكفيريون من القاعدة وداعش وأخواتها وما إلى ذلك.
4- إن هذا التوبيخ ورغم أنه يبقى حبراً على ورق، لأن قرارات مجلس حقوق الإنسان غير ملزمة، ولا يمكن أن تترتب عليها أية استحقاقات عقابية للطرف المدان الذي صدرت بحقه قرارات وتقارير الإدانة، مثل النظام السعودي، في هذه الحالة..نقول رغم أن هذا التوبيخ يبقى حبراً على ورق لأن مجلس حقوق الإنسان لا يمتلك الأسنان، فأنه يبقى على قدر كبير من الأهمية لاعتبارات كثيرة منها، انه يبقي الضغوط الدولية سلطة على رؤوس رعاة الإرهاب الداخلي والخارجي من آل سعود وعلى رأسهم الملك سلمان وابنه، ومن شأن ذلك أن يقلل أو يخفف من اندفاعات النظام السعودي في هذا الاتجاه، أي في اتجاه التدمير والتخريب والقتل وممارسة الإرهاب في المنطقة وفي داخل المملكة نفسها، ومنها أن ذلك يفتح عيون الرأي العام العالمي، في المنطقة خصوصاً على إجرام ودموية هذا النظام، وعلى دوره التخريبي التدميري الذي يواصل ممارسته في المنطقة وفي داخل المملكة نفسها خدمة لأمريكا وللصهيونية..فاليوم حتى حلفاء السعودية، حلفاء النظام السعودي الأمريكان يصرحون بواضح العبارة حول خطورة الدور التخريبي والقمعي لهذا النظام الدموي كما مر بنا..ومنها..أن فتح عيون الناس على الأجرام السعودي، من شأنه أن ينسف كل هالات التضليل الإعلامي ومحاولات أبواق النظام في الداخل والخارج وحتى الأجيرة منها في البلاد العربية وتلك في البلاد الأجنبية التي ما فتأت تحاول أسباغ صورة على وجه النظام القبيح لإخفاء تجاعيده القمعية والدموية ومن شأن ذلك أن يعزز حالة الوعي عند الرأي العام، وان يزيد بالتالي من محاصرة هذا النظام وملاحقته على كل الأصعدة والرامية إلى إدانته وتسخير كل أدوات الضغط الدولية والإقليمية وحتى المحلية لردعه ومعاقبته
هذا ولا تنحصر معطيات هذا القرار بحدود دائرة النظام السعودي وحسب، بل تتعدى إلى دائرة الاتحاد الأوربي نفسه الذي وقف بكل دوله وأعضاءه الثمانية والعشرين إلى جانب هذا القرار الذي وبخ النظام السعودي، فمن معطيات القرار على هذا الصعيد ما يلي:
1- إن هذا التوبيخ يدين الأنظمة الأوربية، لأنها رغم تأكدها باليقين الثاقب، أن النظام دموي وقمعي وإجرامي، إلا أنها مازالت تمده بمستلزمات القوة العسكرية والتمكين المعنوي والسياسي من خلال مده بالأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة، ومن خلال الدعم الدبلوماسي له، ذلك رغم أن الكثير من الأوساط السياسية والإعلامية تطالب في الولايات المتحدة والدول الغربية، الحكومات الغربية وإدارة البيت الأبيض بقطع الإمدادات العسكرية والدعم المعنوي والدبلوماسي لهذا النظام بعد ثبوت إجرامه وقتله لخاشقجي وتعذيبه للنشطاء والناشطات الحقوقيين، وبعد اقترافه مئات المجازر المروعة بحق الشعب اليمني المظلوم، إلا أن هذه الحكومات لم تلتفت لهذه المطالب وتصر على استمرار هذا الدعم، الأمر الذي شجع هذا النظام على الايغال في جرائمه بحق الشعب داخل المملكة وبحق الشعوب الأخرى المجاورة منها على وجه الخصوص الشعب اليمني المحروم.
2- إن هذا التوبيخ يؤكد نفاق الدول الغربية والولايات المتحدة، فهي كما مر بنا رغم ثبوت الأدلة لديها بأن النظام السعودي قمعي دموي راعي للإرهاب إلا أنها تواصل تقديم الدعم والعون العسكري له، ما يعني ذلك أن إصدار مثل هذه القرارات هو لرفع العتب ومحاولة امتصاص نقمة الرأي العام الغربي والأمريكي والتهرب من مسؤولية المشاركة في اقتراف النظام السعودي الجرائم والمجازر الدموية بحق أبناء الشعب الجزيري، وبحق أبناء الشعوب المجاورة، كالشعب اليمني، ذلك أن هذه الحكومات لا تحكمها ومواقفها مبادئ حقوق الإنسان والقيم الإنسانية وما إلى ذلك مما تدعيه زوراً وبهتانا، إنما تحكمها المصالح والمنافع المادية فمادامت هناك لها مصالح تجارية واقتصادية وصفقات استثمار وأسلحة مع النظام السعودي، فلابد من غض النظر عن جرائمه ومذابحه، كما يجري الآن في غض النظر عما يقوم به من مذابح ومجازر بحق الشعب اليمني، في عدوانه الظالم والمستمر على هذا البلد الفقير وشعبه المحروم !
3- وكما أشرنا في النقطة أعلاه، فأن هذا القرار، يشكل دليلاً دافعاً على مشاركة الحكومة الأمريكية والحكومات الأوربية، النظام السعودي مسؤوليته عن كل ما يقوم به من أجرام داخل وخارج المملكة..إذ أن محاولات التهرب من هذه المسؤولية عبر قرارات التوبيخ أو ما شابه ذلك باتت لا تنطلي على الرأي العام سواء في داخل مملكة آل سعود أو في خارجها.
4- أكثر من ذلك أن الحكومات الأوربية وان ساهمت في توبيخ النظام في مجلس حقوق الإنسان، إلا أنها قدمت خدمة غير مباشرة لهذا النظام، لأنها ساهمت في اختصار جرائمه وحصرها في نطاق ضيق جداً، هو ممارساته القمعية بحق الناشطين والناشطات وقتله لجمال خاشقجي، في حين تركت جرائمه وقمعه الدموي ومجازره المروعة بحق شريحة كاملة من أبناء الشعب الجزيري في الإحساء والقطيف، حيث يمارس معها وبشكل يومي الحصار والملاحقة والاعتقالات والإعدامات الميدانية والسرية لناشطيها ولشبابها ولعلمائها، وأيضاً الزج لبعضهم بالسجون السرية والزنازين الانفرادية، يعانون فيها أقسى أنواع التعذيب والممارسات اللاأخلاقية واللا إنسانية والتي يندى لها الجبين الإنساني !!
5- كما أن هذه الحكومات- الغربية- تنسى جرائمه المتواصلة ومجازره بحق الأطفال والنساء العزل المتكررة في كل أسبوع، في اليمن، وتنسى هذه الكارثة التي تسبب بها على خلفية الحصار البحري والبري والجوي الذي فرصه على بلاد اليمن وحرم شعبه من كل مستلزمات الأمور الحياتية من أغذية وأدوية ومعدات وما إلى ذلك، وأشارت المنظمات الإنسانية ومنها منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن راتيس الأمريكية إلى إحصاءات كارثية حول ضحايا هذا الحصار وحول الأعداد الهائلة من أبناء الشعب اليمني الذين باتوا يعانون من المجاعة ومن الموت، ومن الأوبئة ومن الحرمان وما إلى ذلك..الدول الأوربية تنسى كل هذه الجرائم التي تستحق محاكمة ومعاقبة هذا النظام وتختصرها في ملاحقته لمجموعة من الناشطين، رغم أن ملاحقة هؤلاء تعتبر هي الأخرى من الجرائم المروعة التي تستحق العقاب، فذلك لا يعني التهوين والتقليل من هذه الجرائم، لكن لابد من النظر إلى جميع جرائم هذا النظام بعين واحدة، لضرورة الأنصاف والعدالة ولضرورة، ملاحقة هذا النظام ومعاقبته وتحميله مسؤولية ما يعانيه الشعب الجزيري وبقية الشعوب المجاورة من ويلات وكوارث تدميرية.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق