"كورونا" تكشف زيف ادعاءات الانفتاح وحقيقة القمع والتكفير
[حسن العمري]
البعض الساذج يظن أننا نتحامل على آل سعود زيفاً وظلماً، ونناصبهم العداء لا لشيء بل لأجل العداء والعناد فقط.. وبسبب ذلك فإننا نتوقع نهاية دويلتهم من باب الأمنيات الساذجة والشريرة.. ويظنون اننا نستخف بعقل الأسرة الحاكمة الجاثمة على رقاب شعبنا لأننا لا نعرف حقيقتها الإجرامية المتعطشة للدم والمزيفة للحقائق.. ويظن البعض الآخر أن ما نكتبه ونكشف النقاب عنه إما ليس موجوداً على أرض الواقع أو هو ليس بهذا الحجم الذي نستعرضه ونسلط الأضواء عليه بل حالات فردية بعيدة كل البعد عن سيطرة وإجراءات وقرارات السلطة الحاكمة، ولو وقفت الحكومة عليها لحاربتها.. فيما الحقائق والبراهين في الشارع السعودي والمنشور على مواقع التواصل الاجتماعي يدلل على سذاجة هذا التفكير جملة وتفصيلاً.
"عصر السوشيال ميديا" أدى الى تزايد الحروب المجتمعية، والاقتتال السياسي والحزبي والديني والطائفي القائم على التكفير ونبذ الطرف الآخر دون وعيّ أو مطالعة، وفي خضم ذلك يميل الناس لأن يتعالوا أخلاقيا على الآخرين زوراً وبهتاناً، خاصة أولئك الذين يرتكبوا أفعالهم “المشينة” بشكل أكثر فداحة، لماذا؟ لأن هذا التعالي قد يمنحهم مكانة زائفة بأنهم هم الأفضل فيما الطرف الآخر هو الأسوأ، أو قد يكون "التعالي" فرصة لجلد المجتمع الذي يحكمونه بمختلف الوسائل القمعية من تغذية الأفكار السامة الى الاعتقال والتغييب والقتل حرابة بتهم واهية في مقدمتها "الخروج على ولي الأمر".
آل سعود كيان عديم الأخلاق والضمير والشعور بالمسؤولية تجاه الشعب قائم على ثلاثية الغدر والأنانية والمال، يفتقد للمصداقية والأخلاق والقيم والسياسة الحكيمة في الكثير الكثير من المواقف، وهو ما يتفق عليه الغالبية المطلقة للمراقبين للشأن السعودي، استغلوا الدين ألعوبة لتمرير مخططات ورغبات منّ جاء بهم الى السلطة ويواصل دعمه لهم لأهداف وحاجة في نفس يعقوب، لا مصلحة لا من قريب ولا من بعيد لشعبنا المغلوب على أمره.. ليزيد العهد السلماني كل تلك الأمور سوءً "بتنشيره" المعارضين وتصفيتهم داخل بلاد الحرمين وخارجها على حد سواء يدفع أموال بترولنا وثروات بلادنا ثمناً لشراء ذمم وصمت من يتشدقون بحقوق الإنسان والدفاع عن حرية الرأي والتعبير والدعوة للديمقراطية والمساواة.
العميل السوفياتي السري "يوري بيرمينوف" أعدّ في تقرير سريّ له، أربعة عوامل تدميرية يمر بها المجتمع العربي في عصرنا الحاضر يتصدرها "التدمير الأخلاقي"، والذي يهمنا الآن في مقالنا هذا حيث تُقدّم "الأنانيات الفردية" نفسها على أنها "مشاريع إصلاحية"، كما هو حال ولي عهد آل سعود "محمد بن سلمان" ومخططاته لتفسيق المجتمع السعودي وتفسيخه على انها مشاريع إصلاحية مدنية، فيما حقيقة الأمر أنها ليست سوى أحابيل لإلتهام المال العام وتقديمه على طبق ذهبي للبوفالو أو الثعلب العجوز الأمريكي ومن شاكل شاكلتهم الذي يقفون الى جانب المنشار في رغباته القمعية ضد حرية مجتمعنا الحقيقة ألا وهي المشاركة الحقيقية في تقرير المصير عبر إقامة انتخابات حرة نزيهة يتم عبرها تمثيل الشعب في إدارة أمور البلاد والعباد، وليست قوانين دار العجزة والمصابين بالزهايمر وجنون العظمة.
آل سعود نظام سلطوي "محّاحّ" لم يشهده التاريخ البشري ما يشبه وقاحته في الإجرام ونفيه، وبالتشدق الوهمي فيما الحقيقة تجافي ذلك جملة وتفصيلاً.. يعرف المحّاحّ في لسان العرب: بالكذّاب الذي يرضي الناس بالقول دون الفعل؛ وفي التهذيب: يرضي الناس بكلامه ولا فعل له، كما عرّفه الفيلسوفان جستن توسي وبراندون وارمك في كتابهما: المحّاحّ.. حيث استخدام واستغلال الخطاب العاطفي لحمل الآخرين على الاعتقاد بمكانة المرء وإقناعهم بأن لديه “جودة أخلاقية” واستحقاق غير مشروط للاحترام والإعجاب من قِبل الآخرين، وذلك من خلال تحويل مساهمته في الخطاب العام الى مشروع للتبجيل الذاتى والغرور والتعالي الأخلاقي (Ralston, Shane J. “Metaphor Abuse in the Time of Coronavirus: A Longer Reply to Lynne Tirrell.”(2020):8).
انتشار جائحة "كورونا" في المجتمع البشري دفعته للإستفادة من الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي لمواصلة التعليم ومزاولة نشاطاته اليومية خاصة في المملكة رغم تخوف السلطة الحاكمة منها، فكانت المفاجئة الكبرى للكشف عن المستور وزيف ادعاءات محمد بن سلمان وتشدقه بخصوص مكافحته "الوهابية" ودورها في تغذية أطفالنا على الكراهية والحقد وتكفير بعضنا البعض في الدين والمذهب الذي تربوا عليه طيلة أكثر من ستة عقود، فينبري متشدقاً أنه أمر بحذف مثل هذه الدروس من الكتب المدرسية فيما الحقيقة تظهر للعيان عبر مقطع فيديو تقوم مدرسة في منهج التاريخ لأحدى مدارس جدة على تغذية أطفالنا بسموم الوهابية وترسيخ فكر التكفير في أذهانهم وهي أن "ثورة الحسين بن علي بن أبي طالب ضد يزيد بن معاوية (فتنة)" كما هو موجود في كتبنا المدرسية، وسط صمت مطبق من وزارة التربية والتعليم التي ادعت مسبقاً انها سحبت هذه المناهج من الكتب الدراسية.
مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية وفي مقال لها كتبت تقول: أن السجل السيء للرياض بمجال حقوق الإنسان، من المحاكمات غير العادلة والتي برزت مؤخراً في تخفيف الأحكام الصادرة بحق قتلة "جمال خاشقجي"، وهو ما وصفته المقررة الخاصة للأمم المتحدة أغينيس كالامارد بأنه الفعل الأخير من محاكمة ساخرة للعدالة تم التدرب عليها جيدا، والأفراد الذين حكموا بالإعدام لا يزالون يتحركون بحرية. وحذرت المجلة المجتمع الدولي مساعي الرياض لتلميع صورتها وسجلها الحقوقي عبر استضافة قمة "مجموعة العشرين"، داعية الى رفض عضوية السلطات السعودية في "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة، مشيراً الى ضرورة عدم تجديد عضويتها بعد مغادرتها في الأول من يناير المقبل، من أجل معاقبتها على سجل انتهاكاتها المتفاقم سوءاً، مؤكداً أن تجديد عضويتها من شأنه أن يظهر للعالم أنه طالما أن الدولة لديها أصدقاء أقوياء وميزانية علاقات عامة غير محدودة، فيمكنها تعذيب وإعدام شعبها، بمن فيهم الأطفال، مع الإفلات من العقاب.
يقول المفكرون أن علاقة الأخلاق بالسياسة قضية شغلت فلاسفة اليونان ومفكري الإسلام، وظل السؤال الذي يعيد طرح نفسه لديهم: هل يمكن للسياسة أن تقوم دون استناد الى الأخلاق والقيم؟ وهل من الممكن "للعقل النظري" أو "العقل المجرد" أن يتحكم في "الغريزة" فتنشأ "المدينة" التي تتحقق فيها "الفضيلة"؟ أم إن السياسة بطبعها مجال تضارب للمصالح المادية وتحقيق الشهوات المعنوية، ومنها شهوة الجاه والسلطة وغريزة التسلط والهيمنة وتحقيق تبعية المستضعفين؟؛ والنظر في واقعنا يكشف صورا كثيرة من هذا الوعي المزيف، والأخطر من ذلك أن ينطلي ذلك على بعض الشباب وبعض الفئات، وأن يروجوا لأطروحاته رغم أنهم من ضحاياه، وهو وعي شقيّ مزدوج، ومن اللازم كشفه وتسليط الضوء عليه. والأصل في ذلك ومصدر دخول البلاء عليه هو ضياع الأخلاق والإصلاح الحقيقي.
يقال أنه "مِنْ ثِمَارِهِم تَعْرِفُونَهُم: هَلْ يُجْنَى مِنَ الشَّوْكِ عِنَب، أَو مِنَ العَوْسَجِ تِين؟ هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ فَاسِدَةُ لا تُثْمِرُ سوى ثِمَارًا رَدِيئَة..".. هكذا هم آل سعود لا يمكن الانتظار منهم أن يقدموا الخير والمساواة والحرية لبلد الحرمين الشريفين وأبنائه القابعين تحت سطوة سياط سكنة القصور الملكية الفارهة ببذخهم وتبذيرهم ونهبهم للثروات وتجويع الشعب، وإلهاء الطبقة الساذجة منه بالفساد الخلقي بالطرب والرقص الماجن المختلط وصالات القمار وحرية مبيت البنت خارج بيت والدها والمرأة خارج منزل الزوجية، ومعاقبة كل من يقدم بلاغاً أو شكوى بهذا الخصوص، وهو ما تفتقده أكثر المجتمعات الغربية المعروفة بانحطاطها للأخلاق مثل الأمريكي والفرنسي والبريطاني والسويدي وغيرها.
ارسال التعليق