لذنب ذنبنا.. هبل وخاملات و"بن سلمان" يسرح فينا!!*
[حسن العمري]
* حسن العمري
تعود أبناء الجزيرة العربية طيلة عقود طويلة وعريضة على الخضوع مجبرين لسلطة القبضة الحديدة والترهيب والتخويف والاعتقال لكل من تحلو له نفسه الدعوة نحو المساواة والعدالة والتغيير وحرية الرأي ونفي التمييز الطائفي والقبلي.. فيما زاد حكم سلمان المصاب بالزهايمر العضال ونجله محمد المصاب بجنون العظمة الطين بلة حيث التجويع والتشريد وتخريب المناطق ومصادرتها ونمو مضطرد للفقر والبطالة وتفشي المخدرات والرشى والفسق والفجور وارتفاع مقلق جداً في عمليات الإعدام وقطع الرؤوس حتى للمعاقين والمصابين بعاهات وإن كانوا صبية ذنبهم الوحيد مشاركتهم في تظاهرات سلمية او كتابة عدة مفردات في وسيلة تواصل مطالبين بأبسط الحقوق المسلوبة منهم منذ عقود.
انها حقيقة مؤلمة جداً.. الذنب ذنبنا، والسبب جهلنا بحقوقنا، وخوفنا على أنفسنا، ونحن من دفع الأمور لتبلغ ما هي عليه الآن حيث الشوفينية السلطوية التي ترى في نفسها منتجة إبداع حكم مميز لا مثيل له، فيما هي لا تنتج أيّ شيء سوى السلبيات وسلطتها قبلية جاهلية وكأننا نعيش ما قبل الإسلام أو القرون الوسطى حيث القتل والدمار يتفشى في ربوع بلادنا المقدسة من شرقها الى غربها ومن شمالها الى جنوبها، وأنهار الدمار جارية كجريان السيول المتكررة المأساة في كل فصل ممطر فيما القتل على حرية الرأي بات لا يعرف الهوية ولا يفرق بين هذا وذاك من أبنا الجزيرة العربية، المهم في ذلك أنه لا يحق لك إبدا الرأي أو المطالبة بحقوق مغتصبة.
يؤكد علماء السياسة والنفس أن الشوفينية هي نتيجة الهبل المركب للشعوب وصمتها المطبق أمام سطوة حكام طغاة، والركون لقراراتهم الظالمة والخوف من وحدة التحرك واتخاذ القرار الصائب ولو كلف ذلك حياتهم وقوله تعالى {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} – الرعد الآية 11، حيث يرى الحاكم المستبد مثل "أبو منشار" نفسه أعقل العقلاء ويطالب بقوة السيف من الآخرين أن يحذوا حذوه؛ مع أنّ علاج الأمراض لا يكون إلا بمواجهة المرض، والاعتراف به، لمعرفة نوع الدّواء.. وقد مهدنا لذلك عبر (الحمق الديني) عندما سمحنا لخطباء المساجد ومشايخ العرش الجهلة الحمقى عبدة الدرهم والدينار بأن يهددوننا بحرمة الخروج على "الولي الحاكم" مهما كان ظالماً أو فاسقاً حتى وإن تجاهر بالفسق على الملأ العام!!.
وعاظ السلاطين شركاء السلطة في النهب وسرقة بيت المال والقبضة الحديدة الذين طالما نبسوا في آذاننا ضرورة الدعاء على شركاء الوطن والجيران، المختلفين معنا في تفاصيل الدين، تثبيتاً لسياسة "فرق تسد" الاستعمارية الخبيثة ليتسنى لهم وأسيادهم السطوة على الرقاب والقرار، يدفعون السذج تارة الى "داعش" وأخواتها وأخرى نحو وهابية التكفير الطائفي مستغلين ليس منابر المساجد فحسب بل حتى "فضائيات الهبل العربي" التي تحولت الى منابع لبث الحمق والجهل في مجتمعاتنا على نطاق واسع، مدفوع الثمن؛ ثم منصات التواصل الاجتماعي تويتر وفيسبوك والانستغرام وغيرها تلك التي يديرها الذباب الإلكتروني للدب الداشر، وهم يسمحون لأنفسهم بأن يهددون الشعوب وجوب الركون لأفعال وأعمال الحاكم دون أدنى إعتراض حتى وإن نهب بيت المال برمته والاستعانة بالكفار لنهب ثروات الأمة!.
يحتار البعض في تفسير ما يجري في مملكة الذهب الأسود من تمييز على مختلف السطوح حتى في لقمة العيش، حيث بذخ وترف أمراء آل سعود ومن يحوم من حولهم وسط تفشي مفرط للفقر المدقع بين أبناء شعبنا الذين باتوا يبحثون عن لقمة العيش في المزابل ظاهرة متفشية في غالبية شوارع وأزقة مملكة البترول؛ ناهيك عما يدور في المجال السياسي حيث سجون آل سعود وخلال السنوات الثماني الأخيرة باتت مزدحمة ومكتظة بالعلماء والنشطاء والدعاة والمفكرين والإعلاميين والجامعيين من كلا الجنسين، أولئك الذي أنبهم ضميرهم فانبروا مطالبين بالتغيير والإصلاح لصنع مستقبل افضل للبلاد تنعم فيه الأجيال القادمة فكان مآلهم الاعتقال أو الموت الخفي أو الإعدام بقطع الرؤوس أو الإختفاء القسري أو الهروب والتشريد من أرض الأم إذا حالفهم الحظ.
انها "لثقافة الهبل" التي تعشش في رؤوس الكثيرين ممن استمرأوا الهزائم والجهل ليس أبناء الجزيرة العربية لوحدهم فحسب بل الشعوب العربية برمتها.. أولئك الذين أساؤوا فهم الدين والدنيا. فلا الدين ولا العلم ولا العقل السليم يقبل الموبقات التي تسود في حياتنا الجمعية من فسق وفجور ومخدرات وتعري وخلاعة وخديعة وتزييف وتزوير للحقائق ونهب ثروات الشعوب ودفعهم نحو الاقتتال الأخوي ورفض بعضهم البعض وفق التمييز الطائفي والعرقي والقبلي.. تلك التراكمات التي ورثناها عبر عقود طويلة من سمحنا لسطوة آل سعود على بلاد الحرمين الشريفين.. تلك التي ذكرها "ابن خلدون" مؤسس علم الاجتماع في "مقدمته" قبل ثمانية عقود والذي نراه اليوم منطبقاً بكل تفاصيله على عربان القرن الحادي والعشرين، فلم يتبدلوا ولم يواكبوا تطور العلوم؛ وقد اتّهم "ابن خلدون" آنذاك أنّه كتب من منطلقات عدائه للعرب، كونه "أمازيغي"، تماما مثلما ما يحصل الآن، فالذي يطالب بالاصلاح، ومواكبة الحياة المعاصرة فإنّ تهمة التّكفير والتخوين بل والحسد جاهزة لقذفه بها.
مشايخ ودعاة وسلاطين باعونا الهبل وصدقناهم.. كما باع البعض النجوم في السماء للسذج من أبناء شعبنا، والأمر من ذلك أن عملية البيع هذه متواصلة حتى يومنا هذا فباع "أرعن" آل سعود الوهم والوعود الخاوية على جيلنا الصاعد بأن مخططاته ستجعل من حياتهم حياة جميلة أجمل من ضوء القمر وأزهر من شعاع الشمس، فيما الحقيقة هو العمل على إغراق شعبنا بالمخدرات والمجون والابتعاد عن الدين والحجاب والحياء والخجل والعطالة وزيف التطور والتقدم والعصرنة، فيكون مصداقاً للمثل القائل "رزق الأرعن على الهبل" أو "رزق القطاوة على الخاملات" كما يقال المثل في اللهجة المصرية المحلية.. «القطاوة» هم من يبيعون السلع غير المنطقية سواء من حيث نوعها أو سعرها، وان «الخاملات» هم من يصدقونهم ويشترون سلعهم تلك.
دجالون ومشعوذون يبيعون الوهم للهبل من أبناء شعبنا لضعف الوازع الديني وقلة الحيلة لديه وعدم التوكل على الله سبحانه وتعالى الذي دعانا الى وحدة الكلمة والاعتصام بحبله { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ} - آل عمران الآية 103.. نجاح هؤلاء الدجالين يتوقف على وجود من يصدقهم؛ هناك على سبيل المثال كتاب «كيف تصبح مليونيرا» يشتريه الفقير الذي لا يجد قوت يومه، لكنه لا يجد بين صفحاته دينارا واحدا، هذا الفقير وأمثاله من الباحثين عن الثروة من دون تعب أو جهد مصيرهم الجنون.. فلا استفادوا بما لديهم من مال ووقت ولا حققوا الملايين التي يحلمون بها كما يدعي الكتاب.. باتت الشعوب وفي مقدمتهم شعبنا يعتمد على وسائل الإعلام وهي اليوم أبلغ تأثيرا في الناس خصوصا الإعلام المرئي الذي يحظى بنسبة متابعة عالية بين الشباب لكنهم يجهلون أن وسائل الإعلام هذه التابعة للسلطة رغم اكتسابها الملايين من المشاهدين إلا أنها لا تقدم آراء صحيحة بل آراء مفبركة ومدفوعة حول كل موضوع، همها الوحيد هو تنفيذ متطلبات السلطة الحاكمة الجاثمة على رقاب شعبها كي لا تدع له منفذاً ليتنفس حرية الرأي والتعبير.
نجهل ومع كل الأسى والأسف ان أغلب الناس يستغل بعضهم بعضا فمن كان اليوم ذكيا يصبح غبيا في الغد ويقع ضحية مكر وخداع الآخرين وهكذا؛ لأن من يَخدع يُخدع والدنيا سلف ودين، والناس في دوامة خداع مستمر، لأن ظروف الحياة صعبة بسبب نهب ثرواتهم ولقمة عيشهم ورغدهم ورفاهيتهم من أجل رفاهية الحاكم الظالم وترفه وبذخه على عيشه وطربه.. والناس على دين ملوكهم يسعون هم أيضاً لاستغلال بعضهم البعض دينياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً ويندفعون نحو خداع أبناء جلدتهم من أجل كسب مادي أكثر فتكون الفاجعة الكبرى بأن نسمح وبكل سذاجة وطمع وهبل استمرارية سلطة من فرض سطوته علينا بحد السيف والدين المزيف حتى يومنا هذا.. أنه الذنب ذنبنا.
ارسال التعليق