لهذا قرر "بن سلمان" عدم المشاركة في قمة الجزائر العربية
[حسن العمري]
* حسن العمري
جاء في بيان الديوان الملكي السعودي، إن الملك سلمان وجّه بإنابة ولي العهد محمد بن سلمان برئاسة وفد المملكة للقمة العربية في الجزائر، إلا أن الفريق الطبي في العيادات الملكية أوصى بتجنب الأمير محمد السفر بالطائرة مسافات طويلة دون توقف، وذلك لتجنب رضح الأذن الضغطي والتأثير على الأذن الوسطى؛ موضحاً أنه مع تعذر سفر الأمير محمد فقد وجه الملك سلمان بإنابة وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان لرئاسة وفد المملكة في القمة العربية بالجزائر.. تذرع بإصابة الأذن الوسطى لأبن سلمان تمنعه من السفر لمسافات طويلة، مرض لا يمكن لأحد إثبات صحته أو سقمه؛ في الوقت ذاته كشف مصدر في الديوان الملكي أن الأمر لا صلة له بصحة نجل سلمان وإنما الأمر يتجاوز ذلك بشكل كبير، وفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
المقربون من ولي عهد سلمان وخبراء غربيين أشاروا الى أن لدى الأخير مخاوف كبيرة من وقوع انقلاب داخل الأسرة الحاكمة في المملكة ضده خاصة بعد تضييق الخناق على كبار أعضائها دون احترامه لكبيرهم ولا مراعاة لصغيرهم من رجال ونساء، حيث أودع الكثير منهم المعتقلات والإقامة الجبرية ولن يتوانى في ذلك حتى من فرضها على والده ووالدته وهو ما فعله العام الماضي عندما احتجزها لأكثر من سبعة أشهر بقصره في نيوم ووالده يبحث عنها دون جدوى حتى أخذ الضمانات من سلمان بالتنازل عن العرش لصالحه الى جانب فرض حظر سفر تعسفي على آخرين؛ الأمر الذي يقلق سائر اعضاء الأسرة الحاكمة فما كان من "هيئة البيعة" إلا أن اقدمت على عقد اجتماع سري قبل ايام لإختيار ولي لولي العهد تمهيداً لعزل ولد سلمان المدلل، حيث وقع الخيار على شقيقه "خالد بن سلمان"، وفق صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية.
تنامي مخاوف وقوع انقلاب من داخل العائلة لدى محمد بن سلمان دعمه التشكيك الرسمي للبيت الأبيض بجدوى العلاقة بين الرياض وواشنطن، حيث بدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن فعلياً بعملية إعادة تقييم العلاقات، وربما قرر تغير شكل العلاقة، بذريعة التصعيد بين البلدين في مجال الطاقة (النفط مقابل الأمن) تلك الصفقة التي كانت قائمة بين الإدارة الأمريكية وآل سعود طوال عقود طويلة أشار اليها دونالد ترامب خلال العقد الماضي؛ لكن الحقيقة هو التمهيد لتحقيق وعده خلال حملته الانتخابية بمعاقبة ولي العهد السعودي على مقتله لجمال خاشقجي، ونحن نقترب من موعد الدورة الجديدة للترشح للانتخابات الرئاسية في أمريكا مجدداً، خاصة وأن الديمقراطيين في واشنطن مصممون على التخلي عن الشراكة مع السعودية دون رجعة.
البعض علل عدم مشاركة محمد بن سلمان في قمة الجزائر العربية لدوافع سياسية حيث كان قد طرح وساطته لحل الخلاف القائم بين المغرب والجزائر، الأمر الذي واجه رفض الأخيرة ما أزعج ولي العهد السعودي وقرر توجيه ضربة مقابلة بعدم المشاركة في القمة، فيما علل آخرون أن عدم مشاركة نجل سلمان تأتي لهروبه من دعم القضية الفلسطينية وهو لا يزال يعتقل الكثير من قيادات حماس في معتقلاته السرية طلباً من الكيان الصهيوني الرامي الى التطبيع معه، خاصة وأن الجزائر تعتزم وضع فلسطين كأولوية في جدول أعمال القمة بعد أن تمكنت من حلحلة الخلافات الفلسطينية أدت الى توقيع جميع الفصائل الفلسطينية على اتفاقية مصالحة بواسطتها في ظل الظروف المتوترة في الضفة الغربية المحتلة.
وكالات الاستخبارات السرية الأمريكية أصدرت قراراً لفريق من ضباطها الكبار من جنرالات وضباط بإنهاء التعاقد القائم مع الأمير محمد بن سلمان والذين يشكلون الحلقة الأولى والأقرب له للحفاظ عليه وضمان أمنه واعتلائه العرش، حيث لم يعد الأخير يطمئن لأي من العسكريين السعوديين وعلى هذا الضوء قام باغتيال العديد من كبارهم مثل اللواء "عبد العزيز بن بداح الفغم المطيري" وغيره، الى جانب اعتقال عشرات آخرين من كبار ضباط الجيش والأمن ووزارة الداخلية بتهم الولاء لأبن عمه محمد بن نايف منذ عامين لم يعرف مصيرهم حتى الآن، أو أمراء وعسكريين ورجال أعمال مخالفين له تحت ذريعة "الفساد".. اعتادت العائلة الحاكمة على هكذا حملات قمع لمنتقدي نجل سلمان طيلة السنوات الأخيرة، ما يزيد من مخاوفهم ببقائه في السلطة.
وكالة "رويترز" نقلت عن سعوديين مطلعين ودبلوماسيون غربيين لم تذكر اسمهم، قولهم إنه “من غير المرجح أن تُعارض الأسرة الحاكمة ولي العهد أثناء حياة الملك سلمان (84 عاماً) مدركة أن من غير المحتمل أن ينقلب الملك على ابنه”؛ ولهذا نرى أن ولي العهد ينتابه الخوف الشديد من احتمال تصفية والده من قبل كبار أمراء العائلة الحاكمة في السعودية وهم أحمد بن عبد العزيز الأخ الأصغر لسلمان وولي العهد السابق محمد بن نايف وشقيقه الأصغر الأمير نواف بن نايف، خلال تواجده خارج المملكة وهذا ما يعيق سفره حتى يضمن العرش وينهي تصفية معارضيه مهما كان قربهم ومنزلتهم في الأسرة السعودية الحاكمة.
صحيفة "واشنطن بوست" كشفت النقاب عن تحذير وجهته وكالة استخبارات غربية لمحمد بن سلمان من تخليه من جمع الجنرالات والضباط الأمريكيين الكبار المحيطين به لآنه ذلك سيعزز حدوث انقلاب داخلي عليه فور غيابه من إدارة السلطة.. التحذير هذا ما كشفه الصحفي جورج مالبرونو في "لوفيغارو" الفرنسية من تأزم الوضع بين البيت الأبيض وولي العهد السعودي خلال الأشهر القليلة الماضية، مضيفة أن السعودية لم توجِّه دعوة رسمية الى أي سياسي أمريكي لحضور منتدى الصحراء، المنتدى سيحضره وفد صيني كبير يضم 80 من قادة الأعمال، يبدو العلاقات بين أمريكا وآل سعود قد دخلت في مرحلة التفكك الحقيقي وتخلي واشنطن من أبن سلمان.
آخرون قالوا أن موضوع عودة سوريا للجامعة العربية الذي ستطرحه الجزائر خلال القمة والذي يلاقي ترحيباً عربياً خاصة من قبل بعض البلدان الخليجية بعد انقطاع دام 11 عاماً، يمكن الإشارة اليه كعامل يتعلق بغياب "بن سلمان" عن القمة الجزائرية العربية.. في الوقت ذاته يرى مراقبون للشأن السعودي دعوى مرض "بن سلمان" المزعومة ليست الدافع الحقيقي وراء تعذّره عن حضور فعاليات القمة العربية، المزمَع تنظيمها في الأول والثاني من نوفمبر المقبل في الجزائر.. فبيان الديوان الملكي السعودي، الذي أدعى فيه “أن محمد بن سلمان لن يسافر للجزائر لتجنب صدمة ضغط الأذن وتأثيرها على الأذن الوسطى، مع مراعاة مدة الرحلة ذهاباً وإياباً في فترة لا تتجاوز 24 ساعة”، كان بمثابة الاعتراف بالصدمة التواصلية بين أفراد العائلة الحاكمة ومدى التوتر والقلق المسيطر على هذه العلاقة داخلياً.
السرية التامة التي تحيط حتى تحركات محمد بن سلمان في الداخل السعودي تشير الى مخاوفه المتزايدة من رقباءه الأقوياء الذين يحظون بدعم من قبل أفراد الأسرة الحاكمة ووكالة الاستخبارات الأمريكية وفي مقدمتهم عمه أحمد بن عبد العزيز وأبن عمه محمد بن نايف وابن عمه متعب بن عبدالله ، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية التي اشارت الى أن ولي العهد وضع ستار حديدي بدعم من عناصر عسكرية أمريكية منذ ثلاث سنوات وهو يعلم أن الإدارة الأمريكية ليست على وفاق معه وتتربص وتتحين الفرص للانقضاض عليه وإنهائه كلياً وهذا ما دفعه للأخذ باستشارة صديقه القديم الصهيوني جاريد كوشنر بالتوجه نحو الشرق والتصعيد مع إدارة بايدن عسى ولعل يعود ترامب للرئاسة الأمريكية وتعود الأمور لصالحه طبعاً وفق معادلة "استحلاب البقرة حتى يجف ضرعها".
ارسال التعليق