ما هي الدوافع الخفية للأزمة القطرية - السعودية؟
[ادارة الموقع]
تمر هذه الأيام الذكرى السنوية الأولى للنزاع بين قطر من جهة، والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة أخرى على خلفية اتهام الدوحة بدعم الإرهاب والتقارب من إيران.
وأدى الخلاف إلى فرض حصار شامل على قطر من قبل الرياض والمنامة وأبو ظبي، ووضعت هذه العواصم ثلاثة عشر شرطاً على الدوحة، الأمر الذي رفضته الأخيرة بعد أن اعتبرت هذه الشروط غير واقعية وغير قابلة للتطبيق على الاطلاق.
والتساؤل المطروح: ما هي حقيقة الأزمة التي تمثل في الواقع امتداداً لأزمات أخرى داخل مجلس التعاون الخليجي؟ وهل التهم التي وجّهتها السعودية وحلفاؤها لقطر هي سبب الأزمة؟ أم أن هناك دوافع أخرى تقف وراءها؟ وهل الأنظمة الحاكمة في السعودية والإمارات والبحرين بريئة من تهمة دعم الإرهاب؟ أم أن الأدلة المتوفرة في هذا المضمار ضد هذه الأنظمة كفيلة بتقديمها للمحاكم الدولية وإنزال أشد العقوبات بمسؤوليها.
الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها تكمن بتسليط الضوء على الحقائق التالية:
- إن تاريخ مجلس التعاون الخليجي الذي تأسس عام 1981 في ظلّ ظروف خاصة كانت تشهدها المنطقة آنذاك وخاصة فيما يتعلق بالجانب الأمني يثبت أن دول المجلس لم تكن متوافقة فيما بينها إزاء الكثير من القضايا خصوصاً ما يرتبط بالخلافات الحدودية بين معظم دول المجلس والتي لاتزال عالقة حتى الآن ومن بينها الخلافات بين قطر والبحرين، وبين كل من الكويت والإمارات وسلطنة عمان وبين السعودية، والتي تمّ رفع الكثير منها إلى محكمة "لاهاي" الدولية للبتّ فيها دون التوصل إلى نتائج حاسمة للكثير من هذه الخلافات.
وبعيداً عن الخلاف الحالي بين دول مجلس التعاون المتأثر بعدّة متغيرات إقليمية ودولية، وناهيك عن الصراعات الداخلية في أوساط الأسر الحاكمة في عدد من هذه الدول، فإن لهذا الخلاف جذوراً تاريخية لا يمكن تجاهلها بأي حال؛ إذ إنّ كلاً من السعودية والإمارات حاولتا احتواء إمارة قطر في مهدها قبيل التأسيس، ثم دخلت هذه البلدان في صراعات حدودية، وسرعان ما تحول الأمر إلى صراع مكتوم بعد إرساء عدّة تحالفات مع دول كبرى لاسيّما أمريكا وبريطانيا.
- المتتبع لمسيرة مجلس التعاون يلمس بوضوح العقلية القبلية التي تسيطر على العديد من أعضائه خصوصاً السعودية التي يرى نظامها أن بقية دول المجلس يجب أن تخضع له، ومردّ ذلك هي النظرة العنجهية التي تتحكم بآل سعود الذين يزعجهم أن يغرد أيّ من دول الخليج خارج سربهم، فضلاً عن مواجهتهم وفضحهم بالدليل سواء فيما يتعلق بدعمهم للإرهاب أو التسبب بأزمات كارثية للمنطقة كالعدوان الظالم والمتواصل على اليمن منذ أكثر من ثلاثة أعوام.
في هذا السياق يمكن الإشارة إلى ما كشفته قناة "الجزيرة" التي تبثّ برامجها من قطر بشأن جرائم آل سعود ضد شعبنا وباقي شعوب المنطقة لاسيّما الشعب اليمني، وكذلك ما كشفته هذه القناة بشأن علاقات آل سعود بالكيان الصهيوني الغاصب.
- يتعامل آل سعود مع باقي دول مجلس التعاون بنظرة استعلائية باعتبار أن مساحات هذه الدول تعد صغيرة مقارنة مع مساحة السعودية، ولكون أراضي الحجاز تضم الأماكن المقدسة لاسيّما مكّة المكرمة والمدينة المنورة، وكأنّ هذه الأماكن بنظر آل سعود ملكاً لهم وليست للمسلمين جميعاً، ولهذا طالبت ولازالت تطالب الكثير من الدول الإسلامية بتشكيل لجنة مشتركة تمثل كافّة العالم الإسلامي لإدارة هذه الأماكن خصوصاً بعد أن فشلت سلطات الرياض في تسيير شؤون الحج وتسببت بكوارث إنسانية كما حصل في كارثة مِنى قبل عامين والتي راح ضحيتها الكثير من الحجّاج من مختلف أنحاء العالم.
- من الأسباب الأخرى لانعدام الثقة بين معظم دول مجلس التعاون هو عدم وجود آلية لحلّ النزاعات بين هذه الدول، بالإضافة إلى غياب الروح الجماعية التي يمكن أن تسهم في تسوية الأزمات والخلافات بين أعضاء المجلس.
واللافت أن أمريكا تمكنت من توظيف الأزمة بين قطر من جهة والسعودية وحلفائها من جهة أخرى لفرض ما يحلو لها على الطرفين، ومن بين ذلك مطالبة الرياض والدوحة بتحمل نفقات القوات الأمريكية في سوريا وفي عموم المنطقة مقابل تقديم الحماية لهما أمام ما تسمية واشنطن التهديد الإيراني، في وقت أعربت فيه طهران عن استعدادها لمساعدة قطر في مواجهة الحظر المفروض عليها من قبل السعودية وحلفائها، ما يعني أن الإدارة الأمريكية لم تكن جادّة ولا صادقة في حلحلة الأزمة الخليجية؛ بل كانت تسعى لتوظيف هذه الأزمة لمصالحها الخاصة على حساب دول المنطقة ولخدمة الكيان الصهيوني الذي يسعى هو الآخر للتصيّد في الماء العكر لإرغام الرياض ومن يسير في ركبها على إكمال خطوات التطبيع مع تل أبيب في كافّة المجالات.
أخيراً بقي أن نشير إلى أن الصراع القطري - السعودي ينطوي على خلافات أخرى بينها موقف الطرفين من حركة "الإخوان المسلمين"، فالرياض ترفض التعامل مع هذه الحركة وتصفها بالإرهابية، في حين تدافع الدوحة عن الحركة وتستضيف عدداً من قادتها والمحسوبين عليها ومن بينهم "يوسف القرضاوي".
من هنا لاتبدو في الأفق بوادر لحل الأزمة القطرية - السعودية طالما أن الأخيرة لاتمتلك إرادة صادقة لتسوية هذه الأزمة وما زالت تماطل وتتظاهر بالمواقف المخادعة بغية تحقيق أهدافها الرامية إلى بسط نفوذها وهيمنتها غير المشروعة على باقي دول مجلس التعاون بدعم من واشنطن وتل أبيب اللذين يسعيان لترتيب أوراق الشرق الاوسط بما يخدم مصالحهما من خلال السعي لتمزيق دول المنطقة والعبث بمصيرها تمهيداً للاستحواذ على مقدراتها وثرواتها بتواطئ مع الأنظمة السائرة في فلكهما وفي مقدمتها نظام آل سعود.
ارسال التعليق