ما وراء الحكم بإعدام "بن تركي".. حقائق ودماء
[حسن العمري]
* حسن العمري
"حكمت لجنة عسكرية على الفريق ركن قائد القوات السعودية في الحرب على اليمن فهد بن تركي بن عبد العزيز، ابن شقيق الملك سلمان، بالإعدام بتهمة الخيانة بمحاولة انقلاب لعزل الملك سلمان ونجله محمد بن سلمان، الذي يشغل منصب وزير الدفاع والحاكم الفعلي للبلاد.. بعد أن كان الأخير قد أمر في سبتمبر/أيلول الماضي باعتقال الفريق ركن فهد برفقة نجله عبد العزيز الذي كان نائب امير منطقة الجوف".. المصير الذي ينتظره الكثير من أمراء الأسرة الحاكمة في المستقبل القريب، وفق مراقبون دوليون معنيون بالشأن السعودي.
حقيقة الأمر أن القصور الملكية بإنتظار موجة جديد من الاعتقالات تطال كبار الرؤوس تلك التي لها تأثير كبير في وسط السلطة السياسية والأمنية والعسكرية والقبلية التي يخافها محمد بن سلمان كثيراً، هي تلك الأسباب التي طاردت محمد بن نايف وأبناء عبد الله وأحمد بن عبد العزيز ومن قبله شقيقه مقرن، يؤخذ بهم نحو مسلخ القرابين ويصل الدم الى الركب كما قلنا مسبقاً تمهيداً لإعتلاء مدلل سلمان العرش دون منافس يذكر خاصة وأنه يحس هذه الأيام أكثر من سابقاتها بقلق وخوف كبيرين من نفوذ كبار الأمراء في الوسط العائلي والقبائلي ويخشى من “ثورة مضادة في العائلة المالكة أو حدوث انقلاب عسكري ضده”.
الكاتب والباحث في مركز بروكينغز الأمريكي المختص بسياسات الشرق الأوسط "بروس ريدل" كتب يقول، أن "محمد بن سلمان سوف لن يصمد طويلاً في الحكم لسجل كوارثه الداخلية والإقليمية والتي تعتبر الحرب على اليمن مثالاً بارزاً ولكن ليس الخطأ الوحيد"، داعياً الادارة الأمريكية الى الحيطة والحذر من التمادي معه كما فعلها ترامب من قبل حيث ستكون عواقبها وخيمة جداً على المنطقة الخليجية والمصالح الأمريكية في المنطقة إذا لم تأخذ بنظر الاعتبار سلوكه الشاذ المنحرف الدموي الإجرامي حتى داخل أسرته الحاكمة، وما فعله بجمال خاشقجي سيتكرر مع آخرين دون ترديد بل أسوأ من ذلك بكثير ربما يدفع الى الاقتتال الداخلي في القصور الملكية.
غموض كبير يكتنف القصور الملكية ومستقبل البلاد لما سيحدث فيما لو قرر ولي عهد سلمان إشهار السيف ضد معارضيه لتوليه العرش بحضور والده أو بعد موته، حيث أحداث أمنية مريبة ومثيرة للشبهات في الديوان الملكي والكل قلق على مستقبله، والسرية تأخذ ابعاداً غير مألوفة وسط تحركات إماراتية فرنسية كثيفة بين قصر اليمامة بالرياض وقصر السلام بجدة، وأنباء جديدة عن تدهور في صحة سلمان وفرض العزلة عليه من قبل نجله بعد أن قام الأخير بسجن بعض اخوته وفق أنباء غير مؤكدة حتى الآن، ما أدى الى توتر حالة سلمان بشكل كبير وارتباك أمني وتوجس ومخاوف في قصور العائلة الحاكمة.
مراقبون يؤكدون أن التوتر الذي تعيشه السلطة يعود سببه لتوصيات محمد بن زايد والرئيس الفرنسي ماكرون لولي العهد، حيث يسعى الأول الانتقام بشكل مريب من أسرة آل سعود ليعوض عما سلف من تحقير لأسرته من الأخيرة طيلة عقود طويلة مضت، فيما يقال أن ماكرون قد وصل الى اتفاق يضمن المصالح الفرنسية بشكل كبير في حال سقوط محمد بن سلمان واعتلاء عمه أحمد بن عبد العزيز السلطة وهو الذي كان ظيفاً على فرنسا طيلة سنوات طويلة واعتقاله من قبل نجل شقيقه يشكل ضربة مؤلمة وقاضية للاستخبارات الفرنسية وفشل في مهامها بالمنطقة الخليجية، ما دفعها للتعاون مع الحاقد الاماراتي لبلوغ المراد لكلا الطرفين.
أحاديث تدور في أزقة البلاط عن أن الملك سلمان (84 عاماً) في العناية المركزة، الى جانب العديد من الأمراء الذي طالهم سوط أبو منشار وذلك في مستشفى الملك فيصل التخصصي، فيما آخرون محتجزون داخل قصورهم ومخاوف عن قتلهم أو تسميمهم وهي فكرة محمد بن زايد كما فعل ذلك مع شقيقه خليفة ليبقى صورة في اطار دون دور في السلطة أو حركة تذكر؛ و مخاوف كبيرة من تطور الأمر واغتصاب الأرعن للحكم حيث ستكون المرة الأولى التي يتم فيها نقل السلطة الى شخص غير مرغوب فيه بالنسبة لأقرب الحلفاء، حيث معظم الشعب يكرهه ما عدا القلة المنتفعة.
الخبير الأمريكي "ريدل" يكشف في مقال آخر من أن إدارة بايدن قلقة للغاية من الوضع في المملكة ومنزعجة من اضطرابات "بن سلمان" النفسية والعقلية والتي لها تأثير كبير على قراراته السياسية والعائلية، وحربه على اليمن في حالة سكر ومخمورة منذ 6 سنوات وقد حان الوقت لنخبر اصدقائنا في نظام آل سعود، قوموا بتغيير قيادتكم وأوقفوا الحرب التي تستهلك ثرواتكم. فيما يرى المحامي الدولي وخبير القانون محمود رفعت أن اعتقالات بن سلمان وإجراءاته القمعية ضد شعبه وأفراد أسرته تمت بإيعاز من ولي عهد أبوظبي الذي خذل الرياض في حربها على اليمن وانسحب من مناطق النزاع مكتفياً باحتلاله المناطق ذات الطاقة الكبير وبعض الجزر الحساسة يتعاون فيها مع الاسرائيلي بعيداً عن الخسائر التي تلاحق نجل سلمان وجيشه المنهار.
"معهد واشنطن" لسياسة الشرق الأدنى يشدد في تقريره الأخير، أن "بن سلمان" يخشى المؤامرات التي تحول دون استلامه للعرش رسميا، خلفا لوالده المريض والمسن.. وهو ما دفعه الى زج العديد من الأمراء بما فيهم بعض اشقائه الى السجون والحكم على فهد بن تركي بالاعدام ليكون درساً وعبرة للآخرين الذين لا يزالون يفكرون بالانقضاض على ولي العهد، فالقضية ليست قضية خيانة أو تآمر بل حقيقة الحكم باعدام "بن تركي" هي أولاً فشله الذريع في الحرب على اليمن، ثم ما تمكن الأخير من توثيق علاقاته مع القبائل السعودية في جنوب البلاد وكذا القبائل اليمنية الموالية للرياض الى جانب علاقاته المميزة مع الكثير من كبار القادة العسكريين والأمنيين السعوديين، وهذا بحد ذاته يشكل اكبر تهديد لمحمد بن سلمان.
صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية كتبت تقول: أن "هجوم بن سلمان داخل الأسرة الحاكمة لن يُنسَى أو يُغفَر على أبناء عمومته في ظل ثقافةٍ بدوية.. هذه الحملة ينظر لها في الثقافة البدوية على أنها إذلال علني لهم، فضلاً عن أن تجميد أصولهم كان بمثابة ضربة لشرفهم، الذي يتعين على أفراد أسرتهم المتبقين أن يثأروا له.. كما أن هجوم ولي العهد على شخصيات الأعمال البارزة يحمل خطورةٍ بالقدر نفسه الذي يحمله اعتقال الوزراء والأمراء الآخرين.. وبات عددٌ كبير من رفاق بن سلمان الآن كم أمامهم من الوقت حتى ينقلب عليهم الأمير". في الوقت ذاته كشفت مصادر في البلاد عن احتمال إصابة الملك سلمان بالفيروس التاجي، سيما أن الأخير يعاني من عدة أمراض وكهل كبير؛ وهذا ما يعقد الأمور أكثر ويزيدها سوءاً.
الإرباك والفزع الذي ينتاب ولي العهد دفع به بإصدار قرار بفرض الإقامة الجبرية على الكثير من الأمراء وقادة الحرس الملكي في جميع المناطق المتواجدين فيها، ومنعهم من التواصل مع أي أحد كان- وفق ما سربه موقع"فورين بوليسي" الأمريكي، ما يربك الوضع أكثر ويزيد من احتمالية القيام بتصفيات دموية فيما بين المحتجزين بعيداً عن الأنظار والأصوات والاعلام، وأنه سيتم فيما بعد فبركة أخبار عن أسباب وفاة كل واحد منهم كما تم مع من سبقهم، أو سيتم إدانة البعض منهم بـ "جريمة الخيانة العظمى لتعاونهم مع العدو بما يهدد المملكة ومصالحها العسكرية" كما حدث مع العسكريين الثلاث وهم محمد بن أحمد بن يحيى عكام، وشاهر بن عيسى بن قاسم حقوي، وحمود بن إبراهيم بن علي حازمي.. في ظل توجيه "بن سلمان" سهامه للدعائم التقليدية للسلطة السعودية بضرب أسس وحدة العائلة الحاكمة، والأقلية من نخبها الداعمة، واستهدافه الشخصيات الثقافية والفكرية والدينية المستقلة.
ارسال التعليق