من أجل وصاية إسلامية جامعة على الحرمين الشريفين
[-----------------------]
بقلم: عبدالرحمن الهاشمي…
يتجدد مع موسم الحج سؤال الوصاية السعودية على الحرمين الشريفين، سؤال لا يرقى صداه-للأسف- إلى المستوى المطلوب حتى مع وقوع الحوادث المؤسفة التي ذهبت بأرواح مئات الحجاج، فمع كل الإجراءات والقرارات التي يتخذها النظام السعودي دون التشاور مع أية جهة في العالم الإسلامي، تترسخ هذه الوصاية المغلقة لتتحول إلى أمر سيادي داخلي لا يعني سوى النظام السعودي وحده!
في أثناء جائحة كورونا؛ التي لازلنا نعيش بعض أجواءها؛ ظل المسلمون يترقبون ما سيصدر عن الحكومةالسعودية ، وهذا للأسف يستبطن تسليما وإعترافا للحكم السعودي بأنه هو صاحب القرار في موضوع الحج وهو المرجعية العليا في إدارة هذه الشعيرة المقدسة وإستطرادا العمرة على مدى شهور السنة.
فمن قرار إنفرادي بتعطيل حج المسلمين في العالم لسنتين وحصره في بضعة آلاف من مسلمي بلاد الحرمين الشريفين، إلى تقليص عدد حجاج مسلمي العالم إلى 850 ألف حاج هذا الموسم، وتحديد سن الحاج والحاجة في أقل من 65 سنة، مع رفعٍ فاحشٍ وغير مبرر من رسوم خدمات الحجيج أثناء أداء المشاعر وانتهاءً بالإعلان المفاجئ عن منصة إلكترونية لتسجيل من يرغبون في الحج من داخل أستراليا وأوروبا والولايات المتحدة، مما أربك الحجاج الذين سلكوا طريق الوكالات المعتمدة ووضع وكالات الحج والعمرة نفسها ضمن هذه القارات في مأزق كبير.
لم يتوقع الملك عبد العزيز بن سعود الذي سيطر جيشه على مكة المكرمة في أكتوبر 1924؛ وكان ذلك دون قتال بعد أن عجز جيش الشريف علي بن الحسين على المواجهة بسبب الخيانة؛ بأنّ العالم الإسلامي سيتقبل ان تغدو الحجاز إمارة وهابية خاصة أن اقترافات الوهابيين وجرائمهم في الطائف والمدينة المنورة وغيرهما وتدميرهم للمعالم الإسلامية بحجج عقدية فاسدة وباطلة أوجدت مناخا من الإدانة والشجب مشوبا بمخاوف على قبر النبي(ص) نفسه من المدى الإجرامي لهذه الفرقة التكفيرية الضالة ، لذلك وجدناه يخاطب العالم الإسلامي بلغة مرنة ومطمئِنة، فقد ورد في الصفحة الأولى من جريدة (أم القرى) العدد 45 الصادر في19 ربيع الثاني 1344هـ/6 نوفمبر 1925، كتاب السلطان ابن سعود، إلى ملوك المسلمين والجمعيات والهيئات الإسلامية وجهه يوم 10 ربيع الآخر سنة 1343 ، ومن بين ما جاء فيه ما يعنينا في المقام، النقطةالثانية:"حكومة الحجاز يجب أن تكون مستقلة في داخليتها، ولكن لا يصح لها أن تعلن الحرب على أحد،ويجب أن يوضع لها النظام الذي يمكنها من ذلك". وكان قد تعهد للعالم الإسلامي بتسليم الوديعة لحاكم من أهل الحجاز . تماما كما لم يخطر ببال من جاء بعده من الملوك السعوديين أن حكمهم سيصبح مبسوط اليد على الحرمين الشريفين دونما احتجاج ولو في حده الأدنى عن استلحاقهم الحرمين الشريفين بالسيادةالسعودية بشكل تام ومطلق،بل والمزايدة على العالم الإسلامي بخدمة الحجيج وبمشاريع التوسعة التي قرروها وحدهم وكأن الأمر يتعلق بعقار في ملكيتهم الخاصة، فطمسوا المعالم والمآثر التاريخية وارتكبوا بذلك جناية عظمى وفادحة ! كان الراحل معمر القذافي وكلما توترت علاقته بالنظام السعودي؛ وهي في الأعم الأغلب كانت علاقة متوترة، يدعو إلى ما سمّاه بـ" فاتيكان إسلامي" بحيث تغدو مكة والمدينة تحت وصاية هيئة إسلامية جامعة؛ تكون هي المشرفة والوصية على البقاع المقدسة في أرض الحجاز.
والآن فإن مشروع الوصاية الإسلامية على مكة المكرمة والمدينة المنورة يتأكد أكثر مع السياسة التغريبيةالتي ينتهجها ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" فيما يعتبر تعديا وتدنيسا لحرمة البقاع المقدسةوتعارضا مع المظهر الموقر لتلكم البقاع، وتتقوّى مصداقية المشروع مع توثيق النظام السعودي لتحالفه مع الكيان الإسرائيلي الغاصب وتظهير الكثير من مظاهر هذا التحالف الذي يقع خلافا لمقتضيات الدين الإسلامي ويحمل تهديدا محققا لمصالح العالم الاسلامي، بل إنه يفتح الباب واسعا أمام الأطماع الإسرائيلية في المدينة المنورة خصوصا، وذلك تحت دعاوى أملاك اليهود وأحياءهم في مدينة رسول الله(ص).
لقد حوّل آل سعود موسم الحج إلى أحد مصادر الناتج المحلي الإجمالي المهمة تضاهي إيرادات النفط ،ففي عام 2017 بلغت إيرادات الحج 4.2 مليار دولار (16 مليار ريال) وإذا أضفنا إليها إيرادات العمرة فسيصبح المجموع 12 مليار دولار. وعلى افتراض أن ما يسمى برؤية 2030 السعودية ستحقق هدفها الرامي إلى زيادة الطاقة الاستيعابية للحج والعمرة من 8 ملايين إلى 30 مليون شخص فإن الإيرادات قد تتجاوز الخمسين مليار دولار سنويا. وإلى ذلك الحين فمن المتوقع أن يدر موسم الحج والعمرة، حسب بعض الخبراء الإقتصاديين، أكثر من 150 مليار دولار أمريكي من الدخل للسعودية على مدى السنوات الخمس المقبلة،ويخلق أكثر من مئة ألف وظيفة أخرى مرتبطة بالحج مباشرة.
كل هذه الأموال تتحول إلى ريع يتقاسمه الأمراء ويذهب نصيب منه على صفقات السلاح وفي التآمر على القوى الحية في الأمة وفي الحروب الإجرامية كما يحصل في اليمن . بل إن إيرادات النظام السعودي على إختلاف مصادرها مرشحة لأن تستثمر ضمن متطلبات الرؤية الأمريكية الإسرائيلية والتي ترمي إلى جعل(إسرائيل) القوة الإقتصادية الكبرى في المنطقة، وفق معادلة لنا العقول ولكم الأموال.
إن صمت دول العالم الإسلامي ومنظماته وفي مقدمتها منظمة المؤتمر الإسلامي، على الإستئثار السعودي بشؤون الحج والعمرة والسكوت عن التصرف الأحادي في الأماكن المقدسة تحت عناوين التوسعة وتجويد خدمة الحجيج، وعدم مساءلة النظام السعودي عن توظيفه السياسي لمنبري الحرم المكي والمسجد النبوي الشريف لتبرير سياساته وتحالفاته مع قوى الهيمنة الغربية وفي مقدمتها عدوة الأمة الولايات المتحدةالأمريكية، وازدراء الحجاج وفق الأحكام الشاذة للعقيدة الوهابية واتهامهم بالشرك ، وعدم مطالبة النظام السعودي عن مآل إيرادات الحج الصافية وحق الشعوب الإسلامية الفقيرة فيها..كل ذلك يسجله التاريخ كإحدى عهود الخذلان والتقاعس عن الواجب الديني.
ارسال التعليق