من تلميع صورة بن سلمان في الخارج الى تطبيع الحضور دوليا
[عبد الرحمن الهاشمي]
بلقم عبد الرحمن الهاشمي
كانت اللحظة الأصعب على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هي عندما التزم الرئيس الأمريكي جو بايدن في أثناء حملته الإنتخابية نحو البيت الأبيض بأن يجعل من "السعودية" دولة منبوذة! نقول كانت الأصعب على الأمير الطامح وليس على النظام السعودي، ليس لأن ذلك التعهد الإنتخابي جاء لدور ولي العهد المفترض من قبل المخابرات الأمريكية، في مقتل جمال خاشقجي المعارض السياسي والصحفي في "واشنطن بوست" في 2018، بل لأن السياسة الأمريكية الخارجية تعتمد على هذا النظام في المنطقة ولا يمكنها من الناحية الإستراتجية الإستغناء عن خدماته وإستطرادا على ثرواته.
امام هذا القلق على مستقبله السياسي سيلجأ بن سلمان خارجيا إلى الحليف الإسرائيلي العتيد، وفي هذا السياق جرى ترتيب لقاء نيوم بين رئيس الوزار الاسرائيلي نتنياهو ومحمد بن سلمان اواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2020 اي بعد أيام معدودة فقط من الإعلان الرسمي عن فوز جو بايدن على منافسه دونالد ترامب، وكانت رسالة اللقاء السري موجهة إلى جو بايدن مباشرة وكرد على تعهده الحازم، فحسب متابعين كان هدف الرياض هو إظهار حرية حركتها أمام إدارة بايدن، بحيث يظهر للرئيس بايدن أن للرياض نفوذا، ومكانة إقليمية واسعة.
على صعيد آخر تمت الإستعانة ببعض الماكينات الإعلامية العالمية، ففي بريطانيا حاول الأمير ابن سلمان تلميع صورته بعد مقتل الخاشقجي ودفع مئات الملايين من الجنيهات الاسترلينية إلى شركة “سي تي اف بارتنرز” للدعاية والعلاقات العامة والتي يديرها سير لينتون كروسبي، الحليف المقرب لرئيس الوزراء البريطاني ألأسبق بوريس جونسون، وذلك من أجل تلميع صورة ولي العهد. هذا، وقد ظلت صورته على غلاف مجلة "بلومبرج" الشهيرة وتحت عنوان (الأمير وثورته) في عام 2017 حلما يراهن على أن يتكرر للخروج من بركة دم خاشقجي التي أوقع نفسه فيها. ولتعذر ذلك لجأ إلى إستغلال الرياضة أو ما ما وصفته "منظّمة العفو الدولية" بـ«ديناميكية الغسيل الرياضي». وفي هذا السياق تم إستحواذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على نادي "ينوكاسل يونايتد" الإنكليزي حيث يتمتع الدوري الإنكليزي بالشعبية والجماهيرية الأكبر في العالم، وذلك ضمن استراتيجية سعودية جديدة تركز على قطاعي الرياضة والترفيه، كما سبق وتواصلت جهات سعوية مع النجمين الكرويين كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي لتمثيل حملة «زوروا السعودية»، وفقاً لتقارير نشرت في حينه.
صحيح أن النظام السعودي لم تتأثر علاقاته العربية والإقليمية ولم تغلق الأبواب أمام وجه محمد بن سلمان بعد جريمة خاشقجي، لذلك تكررت جولاته الإقليمية بشكل عادي وطبيعي، لكن المشكلة ظلت قائمة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، رفعت في فبراير/ شباط 2021، السرية عن تقرير الاستخبارات الأمريكية حول مقتل جمال خاشقجي الذي قتل في قنصلية بلاده بإسطنبول العام 2018. وجاء في التقرير أنه "وفقا لتقديراتنا، وافق ولي العهد محمد بن سلمان على عملية في إسطنبول في تركيا لإعتقال أو قتل الصحفي جمال خاشقجي"، مشيرا-التقرير- إلى أن ولي العهد السعودي اعتبر خاشقجي تهديدا للمملكة ووافق على إجراءات من شأنها إسكاته.
وهكذا ظل الحرج ملحوظا على مستوى الحضور والمشاركة السعوديين في الملتقيات الدولية، خاصة في شخص الأمير المتهم.
لكن الحملة العسكرية التي شنّتها روسيا على أوكرانيا في 24 شباط/فبراير 2022، فرضت واقعا سياسيا جديدا وتغييرا في المعادلات. ففي الصيف الماضي يضطر الرئيس جو بايدن لزيارة السعودية واللقاء مع ولي العهد السعودي بعد كل ما قاله أثناء حملته الانتخابية، وذلك بهدف معالجة أزمة الطاقة وزيادة إنتاج البترول. قبل ذلك، فرنسا وبوضعها الإعتباري الأوروبي، ولدواع مصلحية وبراغماتية سافرة أنهت سنة 2021 بزيارة رئيسها إيمانويل ماكرون إلى جدة في 4 ديسمبر. أعتبرت هذه الزيارة ناجحة من جميع النواحي، حيث عُقد لقاء مباشر بين الرئيس الفرنسي و الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ، استمر قرابة 3 ساعات. كما قام الأمير محمد بن سلمان من جانبه بزيارة رسمية إلى فرنسا في 28 يوليو 2022، حيث تمّ توقيع العديد من الاتفاقيات بين الحكومتين في مجالات السياحة والثقافة والاقتصاد الرقمي والفضاء.
وهكذا، بدا وكأن محمد بن سلمان قد أفلت من مأزق جمال خاشقجي، وذلك من خلال التعبيرات النفسية لمشاركته الأخيرة وقبل أيام في منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ "أبيك"، حيث إجتمع على هامش المنتدى بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بانكوك، كما التقى بالرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، والرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس الابن، والحاج حسن البلقيه سلطان بروناي دار السلام، ولي هسين لونغ رئيس وزراء سنغافورة، كل على حدة. تزامن ذلك مع ما أعلنته وزارة العدل الأمريكية في وثيقة محكمة بأن إدارة الرئيس جو بايدن خلصت إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لديه حصانة قانونية من الملاحقة القضائية في دعوى مرفوعة ضده في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2018. ليعلن البيت الأبيض من جهته أن الحصانة القضائية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان الملاحق مدنيا أمام محكمة أمريكية في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، “لا علاقة لها” بالعلاقات بين واشنطن والرياض!
إنه عالم بلا مبادئ ولا تحكمه قيّم بل يمضي على وفق مصالحه، ولذلك تبقى الشعوب وحدها القادرة على تقرير مصيرها. فالتغيير حصيلة تراكمات، وفرص تاريخية إذا حسنت الإستفادة منها.
ارسال التعليق