من صنعاء الى مأرب.. و"عقدة اليمن" التأريخية
[حسن العمري]
"سندخل صنعاء خلال اسبوع أو عشرة أيام على أكثر تقدير ونطيح بحكومة الحوثي.. سنجتث حركة الحوثيين وقوات صالح الحليفة لهم في بضعة أيام.. لا يمكن للحوثي أن يعيق عمل التحالف العربي لدعم "الشرعية" ولا قدرة له على ذلك.. القوات المسلحة السعودية بإمكانها "اجتثاث" مليشيات الحوثيين خلال "أيام قليلة" ولكن المملكة لن تقوم بذلك حفاظاً على أرواح المدنيين في اليمن وتجنباً لخسائر في صفوف القوات السعودية.. القوات المسلحة السعودية حققت إنجازاً كبيراً جداً، إذ عندما بدأت العمليات كانت سيطرة الشرعية تكاد تكون صفر في المائة على الأراضي اليمنية، واليوم تسيطر الشرعية على حوالي 85 % من الأراضي اليمنية، و....." وعود للحليف وجملات ملونة تنبئ عن احلام بنفسجية كان ولا زال يعيشها ولي عهد سلمان فيما عويل الإستغاثة لنجدته والعرش أطلق بعد حوالي الشهرين من عدوان "عاصفة الحزم" على اليمن الفقير.
أعاد "محمد بن سلمان" قبل أيام إلتماسه للحليف راعي البقر الأمريكي العمل على إنقاذه من ورطة السقوط في وحل المستنقع اليمني أكثر من هذا والنجاة بجلدته وحفظ عرشه واستمرارية سلطة الأسرة الجاثمة على رقاب شعبنا الأبي، خلال اتصال هاتفي مع وزير الدفاع الأمريكي "لويد أوستن" والذي أوصاه بضرورة وقف العدوان وإلتزام الرياض بالتوصل إلى تسوية سياسية، محذراً إياه من التمادي في مواصلة الحرب والحوثي بات يصل الى أدنى نقاط استراتيجية عسكرية واقتصادية في داخل المملكة ولم يعد يعيقه شيء في ظل تقدمه على الأرض وفي جانب التصنيع العسكري بتطويره أسلحته لترتقي الى مستوى كبير لم تعد مضادات "الباتريوت" ولا غيرها من الأنظمة الدفاعية الأمريكية والغربية الأخرى قادرة على ردع إلحاقه الأضرار الكبيرة في القواعد العسكرية ومصافي آرامكو وحتى القصور الملكية التي باتت هي الأخرى بنك أهداف سهل الوصول بالنسبة للحوثيين الحفاة.
ست سنوات من الحرب المدمرة على اليمن من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غرب يدعمها حصار بري وبحري وجوي، وقوات عسكرية كبيرة غربية وعميلة عربية وسرح متطور من أحدث أنواعه الأمريكي والبريطاني والفرنسي والكندي والبرازيلي والتركي و... أوجد فرص عمل لملايين العاطلين في تلك البلدان فيما تم تجويع أبناء اليمن الأعزاء والشارع السعودي على حدِ سواء؛ ما كانت لتبدأ لولا حماقة وسخافة ورعونة وطيش "مدلل قصر اليمامة" وسياسة "عقدة اليمن" التاريخية التي أوصى بها مؤسس دويلة آل سعود الثالثة عبد العزيز "عزّكم في ذلّ اليمن وذلّكم في عزّ اليمن"، حيث لا سلمان ولا نجله يفقهان من أن "العدوان على اليمن هو بمثابة حرب حياة أو موت" وإرتدات فشلها ستنعكس بشكل مزلزل على الداخل السعودي ستؤل الى تدمير ما تبقى من "مشروع العائلة الحاكمة".
الرياض ومن جانب واحد اعلنت مبادرة وقف اطلاق النار وفتح مجال ضيق لمطار صنعاء وميناء الحديدة بإشراف قوى تحالف العدوان جاء بسبب هلع الرياض ورعب سكان قصر اليمامة من زحف كبير للحوثيين على عدة مدن داخل الأراضي السعودية، منها ظهران الجنوب ونجران شمالاً (أي شرق الربّوعة) وجيزان وأبو عريش غرباً؛ اعتبرت جماعة الحوثي أن المبادرة السعودية لإنهاء الحرب في اليمن "لا تتضمن أي شيء جديد". ومراقبون للشأن السعودي يؤكدون ان وضع النظام الحاكم سيء جداً ولكن عنجهيته ومكابرته لا تسمح له او لا تساعده على الاعتراف بالأمر الواقع والتعامل مع موازين القوى الجديدة على الأرض وقبوله بانه "خسر الحرب".. فيما مأرب باتت تحت سيطرة الحوثيين بعد دخول قواتهم إليها من طرفها الغربي نحو مركزها وفلول القوات السعودية ومرتزقتها من اليمنيين والسودانيين وداعش والقاعدة وحزب الاصلاح في طوابير الهروب.
"أخطأنا بترك السعودية تهاجم اليمن، وكان علينا ألا نصدق وعودهم، فأكد سلمان وابنه ان الحرب على اليمن لا تستمر أكثر من عشرة أيام، وأن الجيش السعودي قادر على دخول صنعاء بعد اليوم السابع من بدء الهجوم، والنتيجة كانت بعد 41 يوماً من القصف سمعنا صراخ السعوديين يطلبون النجدة، لأن اليمنيين دخلوا أراضي سعودية واسعة وقتلوا العديد من الجنود السعوديين، وصادروا أسلحة مهمة، رغم أننا قدمنا دعماً لوجستياً كبيراً للسعوديين.. لقد أخطأنا كثيراً عندما راهنا على جيش ضعيف ووزير دفاع ليس لديه فكرة عن كلمة حرب" - وزير الخارجية الأمريكي على عهد الرئيس السابق "باراك أوباما" في حديثه لقناة "فوكس نيوز" الأمريكية بعد ستة أشهر من بدء العدوان على اليمن عام 2015.
تقارير المؤسسات الغربية لرصد الحروب تشير الى أن كلفة الحرب العدوانية على اليمن بلغت حوالي ترليوني مليار دولار، والتعويضات المستحقة لليمن تتجاوز 500 مليار دولار حتى بداية العام الميلادي الحالي 2021، فيما ولي عهد سلمان المصاب بجنون العظمة ووالده المصاب بمرض الزهايمر، يظنان أن العدوان هذا على اليمن الشقيق نزهة سينتهي بمبادرة أمريكية باذنجانية..
فالذي لا يفقه لكلمة الحرب من معنى كيف به أن يفهم من أنها حرب عدوانية خليجية عربية رجعية أمريكية صهيونية إرهابية ظالمة لا مبرر لها، لها تداعياتها وإرهاصاتها الداخلية وفي محيطها الإقليمية والنسيج الدولي تحمل فاتورة كبيرة جداً لليمن "حقوق وحقوق ومستحقات" عليهم أن يدفعونها وهم صاغرون، ثمن البنى التحتية التي دمروها والدماء البريئة التي أراقوها دون ذنب ثم أن "بأي ذنب قتلت" ستلاحقهم الى آخر المطاف.
ست أعوام عجاف مضت من عمر العدوان الذي شنه التحالف العسكري العربي الرجعي والغربي الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وتنفيذ كل من أنظمة السعودية والامارات على اليمن الشقيق، والذي لم يثمر حتى الآن سوى تدمير اليمن بشكل كبير وسقوط مئات آلاف الأبرياء العزل بين شهيد وجريح ومعاق الى جانب تهديد حياة 80% مما تبقى من الشعب اليمني الصامد والمقاوم بسبب تفشي الأمراض وسوء التغذية ونقصان المواد الغذائية وفقدان الخدمات الصحية والأدوية والمعدات الطبية التي دمرها تحالف العدوان، فيما كان محمد بن سلمان يأمل في تحقيق نصر سريع ضد الحوثيين خلال "حرب أيام" ودخوله صنعاء منتصراً ليحكمها كما سكن قصر اليمامة، وإذا به يفقد آخر معقل له ولمرتزقته "مأرب" وينبري مستغيثاً بالحليف الكابوي وصارخاً من ألم وخوف وفزع ما آلت اليه الآلة العسكرية الحوثية وما حققته قواتهم في الميدان وداخل المملكة.
أكثر من 250 ألف غارة ختم بها العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي ست سنوات من مغامرته العدوانية الخاسرة، لم يترك فيها أي حيلة ولا أي وسيلة لم يمارسها في سبيل إركاع الشعب اليمني الذي وقف شامخاً كشموخ جبال اليمن الشماء، فاتحاً عدوانه بلغة المغتر وبلهجة الطاغي المستكبر لينتهي به المطاف الى النواح والصراخ والعويل وطائرات اليمن المسيرة وصواريخه المجنحة تحلق وتضرب من فوق رأسه.. ست سنوات وشعب اليمن العظيم يواجه تسونامي الاستكبار العالمي وجيوشه من المنافقين والخونة والمرتزقة الذين جلبهم من مختلف الآفاق، ليذهل العالم بنتائج صمود اليمنيين وثمرة استبسالهم وجهادهم ودفاعهم عن أرضهم وعرضهم.. اليمن عصي على الاحتلال.
ارسال التعليق