منتدى البحرين: لخفض التوتر أم أنه من عوامل التوتر وزعزعة الأمن فيها
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكيبحضور وزراء دفاع وخارجية الدول الأوربية ودول الخليج بالإضافة إلى الولايات المتحدة.. كما لا نستبعد مشاركة وفد الكيان الصهيوني.. نقول بحضور هؤلاء الوزراء، انعقد منتدى حوار البحرين يوم 22/11/2019 وأنهى أعماله يوم 24/11/2019، في العاصمة البحرينية المنامة في إطار دورته الخامسة عشر، وعلى مدى فترة الثلاثة أيام لانعقاده ألقيت فيه كلمات وتصريحات تعاقب عليها المشاركون.. وعند إطلاعي على بعض هذه الخطب والتصريحات التي أدلى بها بعض الوزراء المشاركين، تذكرت المؤتمرات والمنتديات، التي كانت تقد في عقد السبعينيات وما قبلها ولنفس الدوافع، فكانت تلك المؤتمرات والمنتديات نقعد تحت عناوين ولنفس الدوافع، فكانت تلك المؤتمرات والمنتديات تعقد تحت عناوين أمن المنطقة وحفظ الاستقرار فيها، من خطر الاتحاد السوفيتي والزحف الشيوعي، الذي كان يهدد تلك المنطقة برأي الغربيين والولايات المتحدة وحينها يجري التحشيد وتعبئة الرأي العام العربي من أجل تسويغ وتبرير التحركات العسكرية والأمنية، التي تقرها مثل تلك المؤتمرات، أو تؤسس لها، سيما المؤتمرات الأمنية والعسكرية، على شاكلة مؤتمر منتدى حوار البحرين.. وعلى نفس الشاكلة ما نراه اليوم في تحركات أميركا والدول هو أن الخطر السوفيتي أستبدل اليوم بالخطر الإيراني المزعوم! على دول الخليج وعلى المنطقة!! ولذلك لو رجعنا الى خطب وتصريحات بعض الوزراء نجد أنها تدور حول مواجهة هذا " الخطر الداهم" وحول كيفية المواجهة على سبيل المثال: قالت فلورانس بارني وزيرة الجيوش الفرنسية في خطابها أمام المؤتمرين: "رأينا عدم انخراط أمريكي تدريجي متعمد، مضيفة ان هذه السياسة كانت مطروحة على الورق لفترة من الوقت لكنها أصبحت اكثر وضوحاً موخراً". وأضافت: "عندما مضى تلغيم سفن دون رد، أسقطت الطائرة بدون طيار، وعندما حدث ذلك بدون رد، قصفت منشآت نفطية رئيسية. أين تتوقف هذه الأحداث؟ أين الأطراف التي تفرض الاستقرار!؟" وتابعت بارلي قائلة: أن "المنطقة معتادة على انحسار ثم تزايد التدخل الأمريكي، لكن هذه المرة بدأ أكثر خطورة"، على حد قولها..
وجاءت تصريحات وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير في كلمته أمام المؤتمرين على نفس المنوال، حيث أشار إلى التراجع الأمريكي في المنطقة لكنه أكد على ضرورة الحضور الأمريكي وقال "الولايات المتحدة حليف يمكن الاعتماد عليه إلى حد كبير، كما كان على مدى العقود السبعة الماضية" وتابع قائلاً: هناك رغبة في الولايات المتحدة تاريخياً لمحاولة التراجع على الساحة الدولية، لكن هذه الرغبة لا تنعكس في الموقف الأمريكي على الأرض".
وفيما أكتفت وزيرة الجيوش الفرنسية بالإشارة غير المباشرة إلى "الخطر الإيراني" والى تحميله المسؤولية عن انعدام الأمن وزعزعة الاستقرار وتجارة النفط الدولية في المنطقة، فأن الجبير قال ذلك مباشرة، داعياً إلى اتخاذ موقف متشدد إزاء إيران، بتحذيره من استرضاء إيران، معتبراً أن ذلك لم يفلح حتى مع الزعيم النازي ادولف هتلر، على حد قوله. وشدد الجبير في كلمته بحوار المنامة على انه لا يمكن السماح لإيران بمواصلة نهجها "القائم على تحديد سياستها الخارجية من خلال الأهداف الطائفية" على حد زعمه.
وأعتبر الجبير أن بلاده والدول الاستعمارية تمثل طريق النور في المنطقة فيما إيران وحلفاؤها يمثلون طريق الشر!! وقال" المنطقة تواجه خياراً بين الخير والشر بعد الهجوم على منشآت أرامكو في الرابع عشر من سبتمبر الماضي" لافتاً إلى أن المملكة السعودية لا تعارض الحوار مع طهران لكن الردع يجب أن يستمر لمنع إيران من تكرار الهجمات"! على حد قوله ومزاعمه. واتهم الجبير إيران بنشر طائفية مدمرة" مؤكداً أن منطقة الشرق الأوسط فيها رؤيتان، رؤية النور ورؤية الظلام" على حد زعمه.
من جهة شن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاوش هجوماً مماثلاً لنظيره السعودي عادل الجبير على إيران!! ذلك تزامناً مع حملة المبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري الذي اتهم إيران " بإشعال الحروب بالوكالة في سوريا وفي مناطق أخرى ".
وهكذا فأن كل الذين تحدثوا تقريبا تمحور حديثهم بشكل مباشر أو غير مباشر أو حتى تلميحا، حول تضخيم ما يسمونه "الخطر الإيراني" فإيران بحسب أحاديثهم هي التي " تهدد أفق المنطقة " وهي التي تريد " مهاجمة دولها" و.و.. الخ.
ماذا يعني تضخيم " الخطر الإيراني" الى هذه الدرجة في هذا المؤتمر، كما كانوا يفعلون في تضخيم الخطر السوفيتي!؟ انه يعني عدة أمور نذكر منها ما يلي:
1ـ خلق وتسويق المبررات لعسكرة المنطقة الخليجية، كما يشي بذلك كلام وزيرة الدفاع الفرنسية بالي، ذلك من خلال هذا التضليل البشع وهذه الأكاذيب التي صرح بها الجبير والوزيرة الفرنسية وقرقاش وبعض المسؤولين الأمريكيين، بهدف تهيئة الرأي العام في الدول الخليجية وفي المنطقة لتقبل المشروع الذي تحاول أمريكا إنجازه، فمنذ عدة سنوات أي منذ مجيء ترامب ولحد الآن تسعى لانجازه في المنطقة، والهدف منه حماية الكيان الصهيوني، ويتمثل في إقامة حلف أوربي خليجي صهيوني في المنطقة لمواجهة إيران وحلفائها، ومطالبة وزير الخارجية الأمريكي الدول الخليجية بهذا الخصوص في تغريدة حول مؤتمر المنامة، يوم 24/11/2019، مؤشر على ذلك، إذ قال "إن الوقت قد حان للدول العربية للتخلي عن المقاطعة والعمل مع (إسرائيل) الانقسامات في الشرق الأوسط يساوي عدم الاستقرار. لا ينبغي أن يواجه المفكرون العرب الذين يخاطرون بحياتهم للدفاع عن رؤية إقليمية للسلام والتعايش بشجاعة الانتقام، نحن بحاجة إلى الحوار".
2ـ ذلك أن الولايات المتحدة فشلت في محاولاتها السابقة بسبب رفض الأوربيين، لأن هؤلاء يريدون البقاء كظل للولايات المتحدة، لا تصدر الموقف والاضطلاع بالدور الريادي، فيما واشنطن ترى أنها غير قادرة على تحمل تبعات الحرب مع إيران وحلفائها، بسبب تراجعها العسكري وضعفها الاقتصادي بعد أن أنهكتها سياسة الحروب الخارجية والتدخلات في العراق وفي أفغانستان وفي أماكن أخرى والتي كلفتها خسائر اقتصادية تقدر بالترليونات من الدولارات البعض يحاول رسم صورة للمشهد مغايرة عن الواقع بالادعاء أن هناك تنافس أوربي أمريكي في منطقة الخليج في حين هو عبارة عن توزيع أدوار، فأمريكا هي التي تحث الأوربيين على تحمل أعباء الريادة في المواجهة مع إيران.. بينما الدول الأوربية تريد أمريكا هي التي تقوم بالمواجهة كما أسلفنا، وانتقادات وزيرة الحرب الفرنسية لأميركا بعدم الردع إسقاط طائرتها، وعلى هجمات منشآت أرامكو في بقيق وهجرة خريص السعودية واضحة في هذا الإطار لا تحتاج إلى تفسير أو تحليل.
3ـ محاولة احتضان أنظمة الخليج العربية، ذلك أن التراجع الأمريكي في المنطقة، وتخلي واشنطن عن الدفاع عن السعودية بعد الضربات التي تعرضت لها، ثم امتناعها عن الرد على سقوط طائرتها الدرون المتطورة، كل ذلك أعطى انطباع لهذه الأنظمة أن ظهورها باتت مكشوفة، ولذلك انتاب هذه الأنظمة القلق والخوف بل الهلع، لدرجة أن بعضها بدأ يفكر بالتحرك نحو روسيا أو الصين، وبعضها بات يفكر بالتجاوب الدعوات الإيرانية للحوار والتفاهم وإقامة معاهدة عدم اعتداء بين دول المنطقة، ما يعني ذلك ضربة قاصمة للمشروع الأمريكي الصهيوني، ولأمن الكيان الصهيوني بدون شك، ولذلك جاء هذا الجو الذي روج له مؤتمر المنامة، وروجت له تحركات ونشاطات أمريكا والكيان الصهيوني الأمنية والعسكرية في سوريا والعراق ولبنان، من أجل أن يبقى الخليجيون في أحضان الأوربيين والصهاينة والاميركان، ليظلوا مطايا لتمرير مؤامراتهم ومشاريعهم في المنطقة وعلى شعوبها.. ولذلك فأن تأسيس قيادة أوربية خليجية في أبوظبي وفي المنامة يأتي في الإطار المشار إليه، لأن أوربا لا تريد الحرب لا مع إيران ولا مع روسيا، إنما محاولة لضبط تحركات أنظمة الخليج العربية كما أشرنا.
4ـ تضخيم الخطر الإيراني والترويج له في مثل هذه المؤتمرات، إنما هو في الواقع إمعان في تكريس الابتزاز الغربي بعد الأمريكي للدول الخليجية، بنهب أموالها وثرواتها عبر صفقات الأسلحة، وعبر النفقات الهائلة التي تجريها، أو تقوم بتغطيتها أنظمة هذه الدول على التواجد العسكري الغربي الأمريكي في تلك الدول، كالقواعد العسكرية والأساطيل البحرية وما إلى ذلك، فبغير الإنفاق الخليجي على تلك العسكرة الأمريكية والغربية، لا يمكن للدول الغربية ولأميركا، أن تغطي هذه النفقات الهائلة، وحتى أن تمكنت من تغطيتها أي أمريكا والدول الغربية، فأنها سترهق إقتصادات هذه الدول بعد فترة قصيرة باعتراف وتأكيد الخبراء والمتخصصين الغربيين وغيرهم، ولكي يستمر إنفاق الدول الخليجية العربية على العسكرة الغربية الأمريكية فلابد أن يستمر التوتر في المنطقة، ولا بد أن يتزعزع الاستقرار الأمني والسياسي وحتى الاجتماعي فيها.
وبناء على ذلك، فأننا لو أمعنا النظر في واقع المنطقة، نجد أن عوامل التوتر في المنطقة، لم تكن إيران، ولا خطرها المزعوم، إنما تكمن في السياسات الغربية والأمريكية العسكرية والأمنية التي تتبناها في هذه المنطقة وبالتعاون والتنسيق مع أنظمتها العميلة كالنظامين السعودي والإماراتي وغيرهما، فهذه السياسة والذي يعتبر مؤتمر منتدى البحرين للحوار أحدى تجليلتها تتمحور حول ما يلي:
أولاً: إشعال الحروب العسكرية، والقضية معروفة لا تحتاج الى تفاصيل، فأمريكا شنت الحرب على أفغانستان ثم العراق، ثم سوريا، كما أعلن النظام السعودي الحرب على اليمن على لسان الجبير، واليوم تنشر أمريكا والكيان الصهيوني وعملائهما السعوديون والإماراتيون ومن لف لفهم من بقية العملاء في المنطقة في ونشر الفوضى في العراق ولبنان، والآن تجري العسكرة الغربية في المنطقة، وإذا تمعنت أخي القارئ في تصريحات وخطاب وزيرة الدفاع الفرنسية في مؤتمر منتدى حوار المنامة، الذي أشرنا إليه، تجد التحريض واضحاً لإشعال الحرب بدلاً من الإشارة إلى الأسباب الحقيقة لضرب منشآت أرامكو النفطية وهو العدوان السعودي على اليمن والدعم الأمريكي والفرنسي والغربي والصهيوني لهذا العدوان، فهي انتقدت أمريكا لأنها لم ترد عسكرياً على إيران بعد ضرب جماعة الحوثي لتلك المنشآت، رغم أن التحقيقات لم تثبت لحد الآن بشكل قاطع تورط إيران بضرب تلك المنشآت!
ثانياً: إشعال الحروب الاقتصادية، فقبل حرب العراق عام 2003 م كانت قد شنت حرباً اقتصادية ضد الشعب العراقي استمرت الأكثر من عقد من الزمن، والى جانب فرض حصار على هذا الشعب وحرمانه من أبسط مستلزمات الحياة، لدرجة أن هذا الشعب فقد أكثر من مليون ضحية من النساء والأطفال والشيبة بسبب الجوع ونقص الأدوية والحرمان، وشنت الحرب الاقتصادية الأمريكية على إيران منذ انتصار ثورتها، واليوم تشتد هذه الحرب بضراوة لدرجة أن ترامب وطاقمه من أمثال بومبيو وزير خارجيته يحتجون بمعاناة الشعب الإيراني، وبتدهور اقتصاده، ويعتبرون ذلك انجازاً للإدارة الأمريكية الحالية، وقبل ذلك وما زالت تشن أمريكا حروبها الاقتصادية على سوريا وعلى لبنان وعلى كل الدول التي تعتبرها تسرح خارج القطيع الأمريكي مثل كوريا الشمالية، وروسيا وحتى العملاق الصين!!
ثالثاً: ولأن الحروب العسكرية والاقتصادية في بعض الدول لم تحقق الأهداف الأمريكية الصهيونية، فأن أمريكا تخطط لضرب الاستقرار الاجتماعي في تلك الدول ومحاولة ضرب وتفتيت المنظومات الاجتماعية فيها ومحاولة توظيف معاناة الناس وأخطاء الأنظمة، في ضرب الاستقرار في تلك الدول، ومحاولة فرض أجندتها السياسية والأمنية عليها، خدمة لمصالحها غير المشروعة ولمصالح الكيان الصهيوني، سيما مصالحه الأمنية، كما يحصل اليوم في العراق ولبنان وفي مناطق أخرى.
كل ذلك يؤكد وبما لا يقبل الشك ان الذي يهدد أمن المنطقة واستقرارها لهذا الطرف أو ذاك بتهديد أمن المنطقة، فذلك لتبريرهم وتسويقهم مخططاتهم ومشاريعهم، كما بينّا في هذه السطور.
ارسال التعليق