ميكافيلية بن سلمان ومستقبل المملكة الغامض
[حسن العمري]
بقلم: حسن العمري
تنسب “الميكافيلية” الى الدبلوماسي والكاتب الايطالي “نيكولو مكيافيلي”، وتعرف بالمكر والخداع والازدواجية السياسية، وهو مصطلح يعبر عن مذهب فكري سياسي أو فلسفي يمكن تلخيصه في عبارة “الغاية تبرر الوسيلة”، ويعتبر أشهر مبدأ يستخدمه الزعماء لحماية كراسيهم بجميع السبل والوسائل التي تؤهل الوصول لهذا الهدف، مهما كانت قاسية أو ظالمة، ولا ينظر لمدى أخلاقية الوسيلة المتبعة لتحقيق الهدف، وإنما ينظر الى مدى وئامها مع تحقيق الهدف وهو الحفاظ على السلطة والحكم والكرسي.
هذا المبدأ كان الأساس في أشهر كتاب بالتاريخ العالمي الذي ألفه “ميكافيلي” عام 1513م، ويعرف بـ”الأمير”، ورغم مرور خمسة قرون على تأليف “الأمير” لم يحظ كتاب في السياسة بشهرته ولم يذع اسم مؤلف كما ذاع اسم "ماكيافيلي". وهو نسخة طبق الأصل ما نشهده اليوم في المملكة وأخواتها تلك الأنظمة الوراثية التي لا تمت للديمقراطية وحرية الرأي والمشاركة الشعبية بأدنى صلة، فيما حكامها يتشدقون بالدفاع عن حقوق الشعوب الأخرى بإفتعال الحروب في هذا البلد أو ذاك، أو الدخول مباشرة فيها كما هو الحال في العدوان على اليمن بذريعة الدفاع عن "الشرعية" فيما أنظمتها تفتقر بما للكلمة من معنى لهذ الشرعية المزعومة.
يؤكد المراقبون أن المتمسك بهذه السياسة المخادعة كما هو الحال لحكام المملكة تتلخص أفعالهم بضرورة أن يخافه الشعب وأن يتأكد من كونه مخيفاً ومهاباً وفزعاً للقريب والبعيد وللصديق والمعارض على الصعيد الداخلي، فيما ينتهج سياسة عدم الوفاء بالعهود التي يقطعها على نفسه وكذلك المواثيق والقرارات الدولية على الصعيد الخارجي الى جانب إستعمال القوة عند الحاجة للوصول الى الهدف المطلوب وهو ما نشهده في سياسة الرياض الاحتلالية في البحرين منذ أكثر من سبعة سنين، ومحاصرة قطر وتهديد كل من الكويت وسلطنة عمان وتخويفهما، ثم العدوان الاجرامي على اليمن الجار الشقيق المسالم منذ أكثر من أربع سنوات راح ضحيتها عشرات آلاف الأبرياء بين قتيل وجريح قسم كبير منهم من الأطفال والنساء، يقوم "بن سلمان" بشراء ذمم القوى الكبرى بمال لقمة عيشنا المنهوب فيما الصيحات تتصاعد بمقاضاته كمجرم حرب لأفعاله الشنيعة هناك ومنها باص طلبة ضحيان التي لن تكون الأخيرة.
تتركز "الميكافيلية" على عدة أسس منها: حبي لنفسي دون حبي لبلادي، ومن الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك، والغاية تُبرر الوسيلة، وإن الدين ضروري للحكومة لا لخدمة الفضيلة ولكن لتمكين الحكومة من السيطرة على الناس، ولا يجدى أن يكون المرء شريفاً و.... وهو مشهود في سلسلة الأحكام والقرارات الجائرة التي تصدر يومياً ضد النشطاء والعلماء والداعين للاصلاح والحرية والتغيير والعدل والمساوة، ورفض الظلم والجور والتمييز والتكفير بكلا جناحيه التطرف الديني الوهابي لآل الشيخ والسياسي لآل سعود طيلة العقود الطويلة الماضية وحتى يومنا هذا.
"ميكافيلية" محمد بن سلمان أدت الى تقلبات سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية كثيرة في البيت السعودي وعلى المستوى الأقليمي، ما دفعه الى الإنصياع الكامل لإرادة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب ورغباته المالية التي لا نهاية لها طالما أن البقرة الحلوب تدر علية مئات مليارات الدولارات لتنفيذ مأربه تجاه الدول الاسلامية والعربية خاصة تلك المحيطة بالكيان الاسرائيلي الوليد غير الشرعي والمدلل للعم سام، انتهاجه سياسة التخويف والتهديد مع المملكة منذ اللحظة الأولى لدعايته الانتخابية متهماً إياها بالتطرف والإرهاب وهو ليس بجذاف، ثم تخويف الرياض من الدور الإيراني في المنطقة وخشيتها من التقارب السياسي بين طهران وواشنطن زاد الطين بلة ودفعها لإرتماء في إحضان المخبول ترامب أكثر فأكثر دون وعي وتعقل.
داخلياً، أطاح ولي العهد بالكثير من الأمراء المقربين من البلاط أبرزهم ولي العهد السابق محمد بن نايف وأبن عمه متعب وكذا غيرهم، الى جانب مجموعة من الاسماء المقربة منه سياسياً؛ تحت ذريعة ملفات الفساد، ولا ننسى حادث سقوط طائرة الأمير منصور بن مقرن، فضلاً عن تهم الفساد الذي استغلها "بن سلمان" للإطاحة بكل الاسماء والتجار المقربين من خصومه أو المنافسين له سياسياً؛ ناهيك عن موجة العنف والإرعاب التي تعيشها المملكة تحت شعار "الإنفتاح" ملأت السجون بالنشطاء والدعاة والمعارضين ينتظر الكثير منهم عقوبة "الاعدام حرابة" بذريعة "الخروج على الولي"؛ ما دفع المنظمات الدولية الناشطة في مجال حقوق الانسان والأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية الى التعبير عن مخاوفها من تصعيد حملات الإعتقالات والمحاكم السرية وأحكام الإعدام التي ستطال المعتقلين.
نخب سياسية وأمنية غربية مرموقة ومشهود لها بصوابية الرؤية والتحليل السياسي والأمني والاقتصادي، أجمعت على أن المملكة تمر بمرحلة غير مسبوقة من فقدان التوازن والتخبط والهزائم والإرباك والأرتباك والفوضى والعنف، فقد نشرت مجلة "بولتيكو" الأميركية، مقالًا تحليليًاً للكاتبين آرون ميلر وريتشارد سوكولسكي تناولا فيه تبعات سياسة "ولي العهد" واصفة إياها بسياسات "الطيش والتخبط والفوضوية المرتبكة"، تلك السياسات التي ينتهجها "بن سلمان" بدعم ولي عهد أبو ظبي وترامب؛ وركزا على الأليات والزوايا التي يمكن لإدارة ترامب استغلالها لتحقيق مكاسب أكبر من سياسة الطيش السعودية باستغلال مخاوف الرياض من طهران وتوظيفها تجاه تطبيع سلس وكامل مع تل أبيب .
سعودياً فلا أحد داخل المملكة يضمن إن كان هذا الأمير الشاب الأرعن سيحقق الطموحات التي وعد بها، سيما مع وجود قوى مضادة وتحديات عديدة تعترض سياساته الطائشة التي تتأكد بكيفية إدارته العشوائية للسياسة الخارجية؛ فخلال سنتين قصيرتين، ورط البلاد في حماقات طائشة مع كل من اليمن وقطر وإيران، وقدم وعودًا مبالغاً بها بشأن ما يمكن للرياض القيام بها على صعيد عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين..
ويقول الكاتبان "لقد كان أبن سلمان أبعد ما يكون عن إظهاره الحكمة والخبرة، بل أثبت أنه طائش ومتهور، وبالكاد يعرف شيئًا عن أساليب وإستراتيجيات الحكم".
"باتريك كوكبيرن" الكاتب الصحفي الأمريكي المتخصص في شؤون الدفاع أدلى هو الآخر بدلوه متناولا تخبط "بن سلمان" بالانتقاد واصفا إياه بالمتهور والعدائي، في مقال نشرته صحيفة الاندبندنت البريطانية ومضيفاً إن "أبن سلمان والرئيس الأمريكي ترامب هما أخطر رجلين في العالم، خصوصاً مع التصعيد غير المسبوق ضد إيران"، مشيراً إلى أن "الثنائي تسبب في عدم استقرار منطقة الشرق الأوسط بشكل لم تتعرض له من قبل، وأن كلاهما يشترك في اتخاذ مواقف شديدة التهور والعدائية... كما أن المخابرات الألمانية ذكرت، أن المملكة قد اعتمدت سياسة تدخل متهورة في الملفات الإقليمية والدولية محذرة من سذاجة الأمير محمد بن سلمان السياسية".
اما "بروس ريدل" الضابط السابق في المخابرات الأمريكية والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط، وعضو الفريق الانتقالي في إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما فقال في تصريحات نشرتها شبكة NBC News الأمريكية إن "كثيرين داخل الإدارة الأمريكية يعتريهم قلق شديد من قرارات الأمير المتهورة والذي يشاع عنه تعيين العديد من الأشخاص من دائرته المقربة ممن لا يتمتعون بالخبرة الكافية لقيادة دولة كبيرة كالسعودية".
ارسال التعليق