نيوم بن سلمان على خطى مشاريع أسلافه الوهمية .. تنويم للشعب وتبديد للثروات!
[من الصحافة]
بقلم: منصور عطية
بعد مرور نحو 7 أشهر على إعلان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن مشروع مدينة “نيوم”، خفت ذكرها كثيرًا بعد أن كانت ملء السمع والبصر، بل يكاد كثير من السعوديين أن ينسوها ، لم لا وهي المدينة التي رُوج لها بمصطلحات وهمية ذات دلالة، مثل أرض الأحلام ومدينة الخيال العلمي!.
وبما أن الشيء بالشيء يُذكر، فإن تقريرًا نشرته صحيفة “فاينانشيال تايمز”، عن مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، أعاد “نيوم” إلى الواجهة، كما فتش في دفاتر الماضي القريب، ليصنع مقارنة تهدد السعوديين بأن تصبح أحلام “نيوم” سرابًا كما كانت أحلام مدينة الملك عبدالله.
المدينة النائمة تحذر!
يرى كاتب التقرير، أن حكاية تطوير مدينة الملك عبدالله التي يصفها بالنائمة تشكل تحذيرًا بشأن التحديات التي تواجه ولي العهد السعودي في برنامجه الطموح لتحديث المملكة، بما في ذلك خططه لإنشاء مدينة استثمارية كبرى بتكلفة 500 مليار دولار على الساحل الشمالي الغربي للبلاد تعرف باسم “نيوم”.
ويقول إن مدينة الملك عبدالله أنشئت قبل عقد كجزء من مشروع بقيمة 30 مليار دولار، لإنشاء ست مدن جديدة لتنويع اقتصاد البلاد المعتمد على النفط، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتوفير 1.3 مليون فرصة عمل، وإضافة 150 مليار دولار لإجمالي الناتج المحلي.
ويضيف: إن مدينة واحدة فقط من هذه المدن الست، هي مدينة الملك عبدالله، قائمة اليوم بعدد سكان لا يتجاوز 7 آلاف نسمة فقط، على الرغم من أن الهدف المرجو كان أن يصل عدد سكانها إلى مليونين في عام 2035.
ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من توفير حريات اجتماعية في المدينة أكثر من المدن السعودية الأخرى، إلا أن المدينة الواقعة على بعد 145 كيلومترًا إلى الشمال من جدة، تبدو هادئة تمامًا وخالية.
وكان الهدف أن تكون هذه المدينة مركزًا للخدمات اللوجستية والصناعية، إلا أن معاناتها في جذب المستثمرين والسكان تشير إلى أن معركة طويلة تواجهها المملكة في جذب الرأسمال الأجنبي في مجالات خارج قطاع الطاقة.
ويرى التقرير أن ذلك النموذج يوضح التحديات التي يواجهها ابن سلمان لإنجاز خطته (رؤية 2030)، التي تهدف إلى تقليل دور الدولة المهيمن، وتوفير 450 ألف فرصة عمل في القطاع الخاص بحلول 2020، وتخفيض نسبة البطالة.
“نيوم” على الخطى
ويشير التقرير إلى أن مشروع “نيوم”، هو المشروع الأبرز في خطة ولي العهد السعودي الذي كشف عنه في مؤتمر استثمار ضخم بالرياض، في أكتوبر الماضي، ويضيف أن “نيوم” أكثر طموحًا بكثير من المدن الاقتصادية الست التي أُطلقت في العقد الأول من هذا القرن.
ويرى أن الشركات السعودية تظل مترددة جراء حالة “اللايقين” لديها، وهي تعاني من اقتصاد راكد وإجراءات التقشف الحكومية، كما أظهرت الشركات الأجنبية ترددًا أيضًا في الاستثمار خارج قطاع الطاقة، وهي من بين التحديات التي تجعل حلم “نيوم” سرابًا.
وينقل التقرير عن ستيفن هيرتوج، الخبير في الاقتصاد السياسي لدول الخليج في كلية لندن للاقتصاد، قوله إنه “من غير الواقعي أن نتوقع قيام القطاع الخاص ببناء بنى تحتية أساسية وصيانتها”.
وبعيدًا عن الخيال الذي رسمه ابن سلمان بشأن “نيوم”، في ظل ميزانية تعاني عجزًا كبيرًا وسحبًا من الاحتياطي النقدي للبلاد، فليس أدل على ممارسات ابن سلمان وميله إلى تبديد ثروات البلاد أكثر من أبرز ما تم إعلانه ضمن مشروع “نيوم” حتى الآن.
المثير أنه وبعد مرور 7 أشهر على الإعلان، لم تطالعنا المملكة بخبر عن اتفاقات مع شركات عالمية أو حتى وعود باستثمارات أجنبية ضخمة في “نيوم”، لكن طالعتنا بخبر التعاقد على بناء قصور ملكية.
ووفق ما نشرته “رويترز”، في فبراير الماضي، فقد بدأت الحكومة إرساء عقود تطوير منطقة “نيوم” الاقتصادية، وطلبت من شركات بناء محلية تشييد خمسة قصور ملكية هناك.
وقالت مصادر إن قصور الملك وولي العهد وشخصيات ملكية بارزة أخرى، والتي ستقع على ساحل البحر الأحمر على بعد 150 كيلومترًا غربي مدينة تبوك، من بين العقود الأولى التي تمت ترسيتها في “نيوم”.
الأكثر إثارة في هذا الخبر، أنه جرى تكليف مجموعة “بن لادن” السعودية، أكبر شركة إنشاءات في المملكة، ببناء أحد القصور، في مؤشر على احتفاظها بدعم الحكومة على الرغم من احتجاز بعض مالكيها في الآونة الأخيرة ضمن حملة على الفساد في المملكة.
واحتُجز رئيس مجلس إدارة المجموعة بكر بن لادن، وعدد من أفراد العائلة إلى جانب عدد من الأمراء وكبار المسئولين ورجال الأعمال في الحملة التي أُعلن عنها في نوفمبر الماضي.
والشهر الماضي، قالت “بن لادن” إن بعض ملاك الشركة قد ينقلون جزءًا من حصصهم إلى الحكومة، في إطار تسوية مالية لادعاءات بحقهم، وجرى إطلاق سراح معظم أو جميع أفراد العائلة في الوقت الحالي.
واتهمت الشركة بالإهملال في حادث رافعة الحرم المكي الشهيرة التي أودت بحياة أكثر من 100 زائر بالمسجد الحرام في سبتمبر 2015، وصدر أمر ملكي بوقف إسناد أية أعمال للشركة في منطقة الحرم.
رائحة الفساد طالت المشروع أيضًا من ناحية مديره التنفيذي المثير للجدل “كلاوس كلاينفيلد”، فقد نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في 2009، تقريرًا كشف أن الرجل قدم استقالته من منصب الرئيس التنفيذي لشركة “سيمنز” الألمانية عام 2007، بسبب تهم فساد، من بينها دفع رشاوى من أجل عقد صفقات في الخارج.
“كلاينفيلد” المتهم بين عدد من المديرين التنفيذيين السابقين في “سيمنز” والمتورطين في قضية الرشاوي، اتفق على أن يدفع 4 ملايين يورو كتعويض للشركة، التي تكبدت خسائر ضخمة هي الأخرى، من أجل إغلاق القضية وعدم متابعتها قانونيًّا.
تخدير وتبديد.. لابن سلمان في والده قدوة!
ثَمّ هدفان رئيسيان تسعى إليهما دومًا العائلة المالكة في السعودية من وراء الإعلان عن مشروعات ضخمة على غرار “نيوم”، أولهما: تخدير الشعب، ووضعه في دوامة أوهام لا يقلق فيها على مستقبله الخالي من النفط، والثاني: تبديد ثروات البلاد فيما لا طائل منه.
وفي هذا السياق، لا يبدو ابن سلمان في الحقيقة مبتدعًا بمشروع “نيوم”، لكن على مر عقود كان هذا هو دأب آل سعود، والأمير الشاب هنا يتحسس خطوات والده حينما كان أميرًا للرياض منذ سبعينيات القرن الماضي.
ومن اللافت في رحلة البحث عن المشروعات الوهمية التي صدرها آل سعود للشعب، كان خبرًا طالعتنا به جريدة “الجزيرة” السعودية في عددها الصادر 22 يوليو 1978، حيث مر على إمارة الأمير سلمان الثانية للرياض 15 عامًا.
“الرياض ستضاهي كبريات مدن العالم في عام 1985″، كان هذا مانشيت الجريدة على لسان أمير الرياض حينها، العاهل السعودي الحالي الملك سلمان بن عبدالعزيز، مسهبًا في سرد المزيد من الوعود والأحلام البراقة، التي يستيقظ فيها سكان الرياض يوميًّا على أزمات لا تنتهي في البنية التحتية للمدينة التي تولى إماراتها أكثر من نصف قرن.
ولعل الحديث عن المشروعات الكبرى المتعثرة في السعودية ليس بغريب على هذا البلد، بل هو حديث يتكرر في كل يوم وليلة ولا يخفى على أحد.
ففي أغسطس 2016، أصبح نحو 40% من مشروعات المقاولات الحكومية السعودية متعثرة، والمتهم الأول والأخير عدم توفر السيولة المالية اللازمة.
وقدرت هيئة الرقابة الإدارية، في ديسمبر 2014، عدد المشاريع التي تم اعتمادها ولم تنفذ في موعدها بما يتجاوز 3 آلاف مشروع، وفي مارس 2017 أشارت هيئة المقاولين السعودية إلى أن 60% من المشاريع الحكومية متعثرة.
وفي نوفمبر الماضي، أعلن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه ابن سلمان، إيقاف التعاقد على مشاريع تصل قيمتها الإجمالية إلى تريليون ريال.
وبالعودة إلى أزمة المدن الاقتصادية الوهمية، فقد أطلقت السعودية عام 2005 (بعهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز) أربع مدن اقتصادية، بتكلفة قدرت بنحو 455 مليار ريال، كان أبرزھا مدينة الملك عبدالله الاقتصادية بجدة، ومدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية بحائل، ومدينة المعرفة بالمدينة المنورة، إضافة إلى مدينة جازان الاقتصادية.
وكانت تهدف مدينة الملك عبدالله إلى وضع المملكة بين أكثر 10 دول جذبًا للاستثمار والتنافسية، إلا أنه رغم مرور نحو 13 عامًا، فإنه تم تنفيذ نسبة 15% فقط من المدينة، ويعاني القطاع الخاص، المسؤول عن تطوير المدينة، أزمة مالية خانقة بسبب تراجع أسعار النفط.
الاقتصادي السعودي “جمال بنون” يقول: “قامت المدن الاقتصادية بحلم جميل في البدايات، وكنا نسمع ونرى المدن الصناعية، وكانت الفكرة جديدة وبمفهوم مستحدث على الساحة المحلية، إذ أُعلن أنها ستكون لها بنية تحتية متكاملة، وفيها إمكانيات ضخمة، وتستطيع جذب الاستثمارات الضخمة والمستثمرين الأجانب، وستوفر وظائف حددت بمليون ونصف وظيفة”.
وتابع في تقرير صحفي: “جاء الإعلان عن عدد من المدن الاقتصادية في الوقت ذاته، وللأسف الشديد! لم تكن لدينا التجربة لنقلها للمدن الأخرى، لتكون نموذجًا يطبق في مثيلاتها لو نجحت التجربة الأولى”، مشيرًا إلى أن النتيجة كانت سلبية، إذ إن لدينا 4 مدن اقتصادية متعثرة.
وزاد “بنون”: “على سبيل المثال مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، تم تسليم المشاريع فيها لغير ذوي خبرة في إنشاء المدن الاقتصادية، بل لشركات عاملة في مجال عقاري، وكانت النتيجة تحول المشروع من اقتصادي إلى عقاري، وأصبحت الإنجازات عقارات يتم تسويقها، والسؤال: أين المصانع والشركات الضخمة التي أُعلن عنها في البدايات؟ ويظل السؤال مطروحًا لاسيما في غياب المعلومات التفصيلية عما تم تحقيقه من أهداف للمدن الاقتصادية”.
وفي مقال نشرته صحيفة “المدينة” بتاريخ 30 ديسمبر 2017، قال الكاتب “سالم بن أحمد سحاب” عن أجواء إطلاق المدن الصناعية قبل 13 عامًا: “كانت الأحلام جميلة كبيرة بحجم الشاشة الكبيرة التي نقلتنا من أراضٍ بيضاء جرداء إلى مدن حضارية ذات مبانٍ شاهقة، وطرقات حديثة متطورة، ووسائل اتصالات متكاملة، وخدمات لا مثيل لها.. قيل لنا: لن يمضي أكثر من عقد من الزمان قبل أن تكتظ المدينة الاقتصادية في رابغ بنصف مليون إنسان على الأقل..”.
وبلغة متحسرة يتابع: “اليوم، أتردد بانتظام على مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، فأتحسَّر على مستقبل لم يُشرِق، وخطط لم تكتمل، وأبراج لم تستقم إلاّ على الورق! وحتى عند مدخل المدينة، وعلى امتداد عدد من الكيلومترات، ترى لوحات عليها أسماء شركات للدواء والغذاء والخدمات تحسبها وقد ضربت بأوتادها في المدينة الخالية، وأشرعت أبوابها وبدأ إنتاجها، لكن واقع الحال يقول إن معظم هذه الأسماء اللامعة قد وقّعت عقد الخطوبة، ولم يَحن بعد موعد الزفاف”.
ارسال التعليق