هكذا ينصهر إقتصاد المملكة ليواجه المواطن نفقاً مظلماً في تأمين معيشته
[جمال حسن]
بقلم: جمال حسن
أعلنت شركة "أرامكو السعودية" أنها رفعت أسعار البنزين بعد مراجعة أسعار المنتج خلال أبريل - يونيو 2019. مشيرة الى أن بنزين 91 سيكون بسعر 1.44 ريال (38 سنتا أمريكيا) لكل لتر، وبنزين 95 بسعر 2.10 ريال (52 سنتا أمريكيا) لكل لتر؛ وأن هذه الأسعار قابلة للتغيير "إرتفاعاً" تبعا للتغيرات لأسعار التصدير الى الأسواق العالمية. وكان قد تم مضاعفة هذه الأسعار قبل عام سعياً لدعم عجز الميزانية العامة للبلاد.
وقد توقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع تضخم مؤشر الأسعار في السعودية الى أكثر من 3% هذا العام، بعد أرتفاع سعر البنزين مع تطبيق ضريبة القيمة المُضافة وزيادة أسعار المواد الغذائية والكهرباء، كما توقع إتساع عجز المالية العامة مع عمليات سحب من الأصول والاقتراض المحلي والدولي؛ محذراً من تصاعد معدلات البطالة، مع ضعف الائتمان والودائع.
تذرع الحكومة بإجراءات حوكمة تعديل أسعار منتجات الطاقة والمياه المعتمدة من قبلها، يعني هناك مفاجئات جديدة للمواطن في مجال رفع أسعار الطاقة والمياه مع خفض نسبة الدعوم الحكومية للمواد الغذائية والمنتوجات الأساسية. ما يعكس أسباب إرتفاع معدل التضخم خلال الأشهر ال14 الماضية، لسبب إرتفاع الرقم القياسي لأسعار الأغذية بنسبة 6.7%، والنقل 11%، والتبغ 10%، الى جانب تطبيق الضريبة الانتقائية بواقع 100% على التبغ ومشروبات الطاقة، و50% على المشروبات الغازية، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات 5 %.
ورغم محاولات السلطة الحاكمة لطمأنة المواطن، إلا أن لغة الأرقام وإرتفاع حجم الإنفاق لمحمد بن سلمان على المستوى الخارجي الى جانب كلفة الحرب على اليمن التي دخلت عامها الخامس دون جدوى، يشير الى أن الوضع الإقتصادي للمواطن السعودي مقبل على واحدة من أحلك فترات لم يشهدها حتى قبل 2014، خاصة وأن أكبر مصدر للبترول في العالم واجه عجزاً قياسياً في الميزانية العامة العام الماضي تجاوز ال 120 مليار دولار، ما دفع بالسلطة الى سحب أكثر من 80 مليار دولار من الإحتياطيات الخارجية وإصدار سندات إقتراض خارجي بلغت حوالي 6 مليارات دولار.
وصندوق الاستثمارات العامة في السعودية (الصندوق السيادي)، يعلن عن حصوله على أول قرض خارجي بقيمة 11 مليار دولار لتمويل الديون الاستراتيجية في المدى المتوسط. ما يؤكد أن الموازنة العامة لصاحبة أكبر أقتصاد عربي تعاني من عجز تجاوز أكثر من 260 مليار دولار، منذ إعتلاء سلمان ونجله السلطة ما دفع بها لإقتراض نحو 100 مليار دولار لتمويل العجز.
وقبل أيام كتبت مجلة "ذا نيشن" الأمريكية عن بدء العد العكسي لإنهيار إقتصاد السعودية، بعد أن كان وعلى مدى العقود الثمانية الماضية وبفضل ثروتها النفطية الهائلة، تلك الممول الأساس لنشر تعاليم الوهابية التكفيرية المتطرفة في جميع أنحاء العالم العربي والاسلامي، ودفعها كلفة "الحروب بالوكالة" بتغذيتها التنظيمات الإرهابية التي تعيث الفساد في المنطقة. واشارت الى أن الرياض تنفق 10 مليارات دولار شهرياً من إحتياطيات النقد الأجنبي لدفع فواتير ومستحقات تدخلاتها الخارجية الغبية. فيما حذّر مدير صندوق النقد الدولي الإقليمي مسعود أحمد الرياض من أن المملكة ستستنزف إحتياطياتها المالية في غضون خمس سنوات كحد أقصى.
أما صحيفة "وول ستريت جورنال الأميركية" فذكرت أن السعودية أنفقت مليارات الدولارات خلال الأشهر الأخيرة، لتجنب إنهيار بورصتها التي خسرت نحو 37 مليار ريال (9.86 مليارات دولار) في يوم واحد، فيما هيئة السوق المالية السعودية تتعمد إخفاء التدخلات الحكومية ما يوضح أمتلاك محمد بن سلمان لأكثر من 40% من إجمالي القيمة السوقية للشركات التي يتم تداولها في البورصة!!، ما يفسر إرتفاع مؤشر البورصة السعودية منذ بداية العام الجاري بما يقرب من 10%، بينما سجل مؤشر "مورغان ستانلي" لبورصات العالم يسجل إنخفاضها بأكثر من 7% عن الفترة نفسها.
من جانبه قال مدير مكتب إدارة الدين التابع لوزارة المالية السعودية فهد السيف، إن حجم الاقتراض في المملكة خلال 2019، سيبلغ بحد أعلى 118 مليار ريال (31.46 مليار دولار). فيما نقلت وكالات الأنباء الرسمية (واس) أنه تم منع غير السعوديين من مزاولة 41 مهنةً ونشاطاً في المملكة.. وهو مؤشر جديد على تزايد الضغوط التي يتعرض لها إقتصاد المملكة وإرتباك القائمين عليه. ثم أن الرياض مضطرة لإنفاق أموال طائلة من أجل تحسين الصورة السلبية لولي العهد، عبر إبرام العديد من صفقات السلاح مع مبتزيها في الولايات المتحدة وأوروبا، إن أرادت تأمين استمراره مرشحاً وحيداً لخلافة الملك- وفق وكالات إستخبارات غربية.
وحسب مؤسسة النقد انخفض الاحتياطي العام للبلاد حيث تم سحب نحو 99.65 مليار ريال منه عام 2018، ما يوحي الى أن المملكة فقدت نحو ثلثي إحتياطيها خلال السنوات الأخيرة، وقد بلغت نسبة الخسارة 63% نهاية العام الماضي أو 223 مليار دولار، بالنظر الى قيمة الاحتياطي المسجلة في نهاية 2014 والبالغة 1.32 تريليون ريال (353.4 مليار دولار). ما ينبأ عن زيادة الديون الى أكثر من 180 مليار دولار خلال العام الجاري مع إستمرار العجز للعام السادس على التوالي.
ولم يكن الدين العام يتجاوز نحو 11.8 مليار دولار في نهاية 2014، وفق وزارة المالية. وكان عبارة عن ديون محلية تعادل 1.6% من إجمالي الناتج المحلي للمملكة آنذاك، بينما قفز نهاية العام الماضي ليشكل نحو 17% من الناتج المحلي. وارتفع الدين العام للبلاد بنسبة 24 % الى 549.51 مليار ريال (146.53 مليار دولار) نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، مقابل 443.25 مليار ريال (118.2 مليار دولار) نهاية 2017.
لا يختلف أثنان بوجود أزمة ثقة محلية ودولية في الاقتصاد السعودي من الصعب تجاوزها دون حدوث تغيير إستراتيجي، فقد ترجمت الأزمة على الصعيد المحلي في هروب الثروات المحلية من السعودية الى عواصم المال الغربية العام الماضي بأكثر من 100 مليار دولار، وفق مصرف "جي بي مورغان" الأميركي؛ فيما الرقم الحقيقي يفوق ذلك كثيراً مع توقع تزايد حجم الأموال السعودية التي ستهرب من المملكة هذا العام. فيما أثرياء السعودية يتحينون الفرص لتهريب ثرواتهم من البلاد، كما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
وتقول "وول ستريت جورنال" الأمريكية، إن مديري أرامكو يتخوفون من فقدان المستثمرين الدوليين الشهية لشراء سندات الدين السعودية. حيث تقول البروفسورة الأميركية "كارن يونغ" المتخصصة في شؤون التجارة والأعمال في البلدان الخليجية، إن أولى متطلبات تدفق الاستثمارات في القطاع الخاص هي "الشعور بالأمان والمرجعية القانونية" وهذه المرجعية غير موجودة في السعودية. ويقول خبراء إن شهية المستثمرين الأجانب لوضع أموال في السوق السعودي قد انتهت، وفق "غاربس أرديان" الاقتصادي المتخصص في المنطقة العربية بمعهد التمويل الدولي.
ما ينتظر المواطن السعودي في المستقبل القريب الى جانب تردي الوضع الإقتصادي وإرتفاع معدل التضخم وأسعار الطاقة وخفض الدعم الحكومي للمنتوجات الأساسية، هو مضاعفة معدل البطالة رغم إن مجموع الوافدين الذين غادروا المملكة، بلغ نحو 1.6 مليون - بحسب شركة "جدوى للاستثمار"، كان أكثرها قطاع التشييد بنحو 910 آلاف أجنبي، فيما شهد قطاع التجارة مغادرة 340 ألف عامل أجنبي، لكن لا أفق قريباً بوجود فرص عمل لشبابنا على مختلف الصعد، لينشغل الشارع السعودي بمشكلة كيفية حصوله على لقمة العيش ويكون بعيداً عن تخبطات سلمان وابنه محمد داخليا وخارجياً.
ارسال التعليق