هل باتت مظاهرات الأردنيين ترعب النظام السعودي!؟
[عبد العزيز المكي]
أن ينضم الجيش الإعلامي الالكتروني المحسوب على النظام السعودي إلى
حملة النظام الأردني وأجهزته الأمنية على الذين تظاهروا، انتصاراً لغزة ودفاعا عن أهلها، وضد العدو الذي يرتكب المذابح اليومية بحق أهالي غزة منذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر ولحد اللحظة.. أن ينضم هذا الجيش إلى تلك الحملة التشويهية والتحريضية ضد المتظاهرين فذلك يعني
أن ذلك تم بإيعاز مباشر من ابن سلمان، وما يثير الاستغراب هو أن النظام الأردني وأجهزته الأمنية والقمعية لم يقصروا في مهاجمة المتظاهرين الذين جاءوا قرب السفارة الصهيونية في العاصمة الأردنية ليعبروا عن مشاعرهم و استنكارهم للجرائم والمذابح التي يرتكبها العدو، بحق إخوانهم أبناء الشعب الفلسطيني وليطالبوا النظام الأردني باتخاذ مواقف ولو رمزية من قبيل قطع العلاقات مع العدو وطرد السفير الصهيوني حتى تتوقف الحرب العدوانية الصهيونية على غزة والضفة الغربية.. لكن النظام الأردني بدلاً من تفهم مطالب المتظاهرين وإتاحة الحرية لهم بالتعبير عن مشاعرهم وغضبهم شن حملة قمع، وسحل بالشوارع لبعض الفتيات واعتقالات بالجملة، أكثر من ذلك، حاول النظام الأردني ومؤيدوه التركيز على تفكيك وحدة الشعب الأردني، بالتركيز على المنتمين إلى حركة حماس والتيار الديني في الأردن، من أجل تحميل حماس المسؤولية عن هذا التحرك الشعبي، وبالتالي تبرير حملةـ القمع والعنف التي تقوم بها الأجهزة الأمنية الأردنية ضد المتظاهرين، تحت عنوان، أو على خلفية تصور زائف أن هؤلاء يهددون أمن الشعب الأردني واستقراره !! وما إلى ذلك من العناوين الزائفة !! فوزير الإعلام الأردني السابق سميح المعايطة انبرى في عدة تدوينات عبر منصة اكس للتحريض على المظاهرات وحركة حماس، ودعا بشكل علني إلى سحب جنسية كل مسؤول في فصيل فلسطيني، وأفراد عائلته كافة يقوم بالتحريض على أمن الأردن بحسب زعمه، ويعمل على إشعال الساحة الأردنية بما يمس أمن الأردن واستقراره، على حد زعمه وقوله !!
المعايطة كان واضحاً جداً في محاولته حصر الاحتجاجات باتباع حركة حماس وبعض الأخوان المسلمين، وأبناء الشعب الفلسطيني الساكنين في الأردن حيث قال "إن هذه الفئة قادة التنظيمات غير أردنية تسعى إلى نشر الفوضى في الأردن، فهم لا يستحقون هذا الدلال!!" على حد قوله.
من جهته وزير الاتصال الحكومي مهند مبيضين هو الآخر جاءت تصريحاته في ذات السياق حيث قال نتمنى على الأخوة من القيادات في حركة حماس أن يوفروا نصائحهم ودعواتهم لضرورة حفظ السلم، ودعوة الصمود للأهل في قطاع غزة، !! لم تقف الأمور عند هذا الحد، بل إن عمر عياصرة النائب في البرلمان، والمعارض السابق المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، هاجم هو الآخر المظاهرات وزعم أن الهتافات عالية السقف يجب أن تتوقف متهما الحركة الإسلامية بالوقوف خلفها !! كما شارك في حملة التحريض الأردنية مدير الأمن العام السابق فاضل الحمود: الذي أضاف بعداً آخر للمظاهرات وهو العامل الخارجي، حيث تحدث عن أجندات خارجية في تلك المظاهرات بحسب مزاعمه،محذرا المشاركين في الوقفات اليومية أمام السفارة الإسرائيلية" من صبر وحلم الحليم !! أكثر من ذلك أن سميح المعايطة المشار إليه ذهب إلى أبعد من ذلك بالقول، إن هناك من يريد تثوير الساحة الأردنية وابتزاز الأردن لمصلحته.. زاعماً أنه "في بداية العدوان كانت محاولة تحشيد العشائر وبعدها اعتذر من ارتكب الخطيئة.. اليوم نشهد محاولة تأجيج الشارع ضد الدولة"!! على حد زعمه، وترافقت هذه الحملة مع حملة إعلامية لصحف النظام الأردني في ذات السياق ضد المتظاهرين تحريضاً وتشويها وعزلاً !! فمثلا صحيفة الدستور أعادت نشر مقال تحريضي ضد حماس، في موقع "اسكاي نيوز عربية" الإماراتي جاء فيه: "رغم مآسي غزة تريد حماس فوضى اكبر في الجوار، حيث تتجلى السياقات بعد أن بدأ تصعيد حماس من رسائل التحشيد والتعريض لتوسيع نطاق الفوضى" !! على حد زعم صاحب هذا المقال السخيف ! بدورها أعادت صحيفة الرأي الأردنية الحكومية نشر ذات المقال ولكن تحت عنوان "خطاب مشعل .. هل هي دعوة صريحة لتوسيع نطاق الفوضى" !! كما قلت قبل قليل، أن هذه الحملة الأردنية الحكومية تستهدف تشويه أهداف المظاهرات وحرفها من استهداف النظام الصهيوني وفضح جرائمه ومحاولة استنهاض الرأي العام العالمي لنصرة هؤلاء المسلمين الفلسطينين المظلومين ... إلى استهداف استقرار وأمن" الشعب الأردني ، ثم قلب النظام الأردني !!! . وما زالت تلك الحملة تدق على هذا الوتر!! ولكن إذا كان ديدن الأنظمة القمعية والشمولية ومنها النظام الأردني مع شعوبها، تنفيذ ما يملى عليها من السيد الأمريكي أو البريطاني أو الصهيوني الموجه والمرشد الحقيقي لهذه الأنظمة، فلماذا ينضم النظام السعودي إلى تلك الحملة ضد الشعب الأردني عبر جيشه الالكتروني ؟ لأن المظاهرات والاحتجاجات لم تكن في المدن السعودية حتى يبرر النظام هذه الحملة التحريضية التي جاءت أشد من حملة تحريض النظام الأردني نفسه وأزلامه !! ولماذا بدا الجيش الالكتروني لبن سلمان مرعوباً من هذه المظاهرات ؟ هذه التساؤلات وغيرها تشير إلى أن الموضوع أقصد، تظاهرات الشعب الأردني، جلل بالنسبة للنظام السعودي الذي يعتبر تحريض جيشه الالكتروني تدخلاً سافراً في شؤون بلد مجاور !! فكيف يسوغ لنفسه بهذا التدخل السافر، بينما يعيب على الآخرين أو حتى يجرم بعضهم هذه بتهمة التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة !!؟
اعتقد أن هذا التدخل، وهذا التحريض له أسباب ومبررات كثيرة نذكر منها ما يلي:
1- أن إتساع نطاق المظاهرات والغضب الشعبي، يمكن أن يتطور إلى ثورة شعبية عارمة تقلع النظام الأردني من الجذور، ولا سيما وأن هذا النظام أوغل في التحالف والتعاون والتنسيق العسكري والاقتصادي مع العدو ضد رغبة وضد معتقدات الشعب الأردني وضد مشاعره، ورغم أن هذا العدو يرتكب المجازر ويدمر يوميا أحياء بأكملها في غزة بأسلحته الفتاكة التي تزوده بها الولايات المتحدة الأمريكية، فالنظام الأردني أصبح جسرا للعدو الصهيوني تعبر منه كل ما يحتاجه العدو من مواد غذائية والكترونية وسيارات وما إلى ذلك، بعد ما فرض أنصار الله عليه الحصار البحري الكامل، وذلك ما اعترف به مسؤولو الكيان الصهيوني أنفسهم، حيث أكدوا أن الأردن والسعودية وفرتا لهذا الكيان الطريق البري الآمن لنقل الحاويات من موانئ الإمارات، ومن ثم نقلها بشاحنات ضخمة عبر السعودية والأردن إلى الأرض المحتلة، فالشعب الأردني لم يلم النظام على سكوته وتقاعسه عن نصرة إخوانه في غزة وحسب، وإنما صار لديه يقين أن النظام الأردني متواطئ وخائن ومتآمر مع أمريكا والعدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني وضد قضية المسلمين القدس، ولذلك مع تواتر هذه الأدلة يوماً بعد آخر يزداد غضبهم وتتوسع دائرة رفضهم وشجبهم لهذه الخيانة وإذا ما ظلت الأمور على هذا المنوال يمكن أن تؤدي إلى سقوط النظام الأردني واقتلاعه من الجذور، وبالتالي سوف يكون هذا السقوط لا محالة نموذجاً يحتذي به أبناء الجزيرة العربية وأبناء مصر، وكل بقاع الوطن العربي، حيث ستتحرك الشعوب وتقلع الأنظمة العميلة والمتواطئة والمتآمرة مع العدو الصهيوني على الأمة وقضيتها، تماماً مثلما حصل في ٢٠١١م عند ما سقط النظام التونسي بثورة شعبية، سرعان ما انتقلت إلى مصر وإلى بقية المواطن العربية فهذا النموذج كسر الحواجز النفسية عند الأمة وحواجز الخوف التي نسجتها الأنظمة بقمعها وأجهزتها الدموية، وكذلك يفعل نموذج الأردن على غرار النموذج تونسي، وهذا الذي يرتعب منه النظام السعودي، سيما وأن الوضع الداخلي في السعودية يشهد احتقانا وغضباً من سياسات بن سلمان، تعوزه الشرارة فقط لينفجر ويتحول إلى بركان جارف، يجرف آل سعود وجلاوزتهم.
2- إن هؤلاء المتظاهرين، بل اغلب قطاعات الأمة في الوطن الإسلامي المترامي الأطراف وليس في الدول العربية فحسب تطالب وتتوق إلى فتح الحدود للذهاب إلى حدود العدو مع الأردن أو مع مصر والمشاركة في المعركة ضد العدو وجيشه المرعوب، وإذا ما ضاقت الأمور على النظام الأردني وأصبح بين خيارين إما القلع والسقوط أو فتح الحدود لمن يريد مقاتلة العدو فإنه سيفتح هذه الحدود لا محالة، وبالتالي ستهب الجماهير ليس من الأردن فحسب بل من كل الدول العربية والإسلامية كما قلنا قبل قليل للذهاب إلى جبهات القتال مع العدو، وإذا لم تستطع هذه الجماهير كنس العدو فإنها ستربك خططه وحساباته وستسقط بالتأكيد مشاريعه في المنطقة، وسقوط هذه المشاريع يعني سقوط الأنظمة نفسها، لأن هذه الأنظمة كما تؤكد أمريكا والكيان الصهيوني، هي جزء لا يتجزأ من هذه المشاريع، وبالتالي فإن القلق السعودي ليس على النظام الأردني، وإنما على نفسه لأن مصيره مرتبط ارتباطاً وجوديا بوجود الكيان الصهيوني وبمشاريعه في المنطقة!! وهذا ما يفسر أيضاً مشاركة حتى أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، في التحريض على الشعب الأردني، متهما في منشور على منصة اكس البعض بـ "استغلال العدوان "الإسرائيلي" على غزة لتأليب الناس والتحريض على استقرار المملكة" على حد قوله ومتابعاً بأن هذا "أمر مرفوض جملة وتفصيلا ولا يخدم أهل غزة" بحسب زعمه.. متهماً ما اسماها "التنظيمات" بإسقاط الدولة وزاعما أن هذه التنظيمات أبعد ما تكون عن الحقوق المشروعة للفلسطينيين والدفاع عنها، لأنه يعرف تماماً أن سقوط المشاريع الصهيونية يعني سقوط الأنظمة العميلة ومنها نظام الإمارات والنظام السعودي وما إليها ...
3 - قد يؤدي هجوم الجماهير العربية التواقة لمقاتلة العدو، والأخذ بثأر المجازر التي ارتكبها في غزة إلى زوال العدو نهائياً وهذا ما تحدث به الصهاينة قبل غيرهم لأن تمرد هذه الجماهير يعني جرفها للأنظمة وبالتالي انفتاح ساحة المواجهة أمام محور المقاومة بكل آفاقها ما يعني تلاشي هذا الكيان، وقد تنبأ بزواله الكثير من المؤرخين والسياسيين والخبراء الصهاينة، أو بقرب هذا الزوال، محتملين حدوث أو حصول مثل هذا السيناريو، ومنهم ايهود باراك رئيس الوزراء الأسبق.. وموشه دایان وزير الدفاع الأسبق والبروفسور الصهيوني دانيال كاهنمان الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد وغيرهم كثير .. ولأن وجود النظام السعودي مرتبط عضوياً كما أشرنا قبل قليل بوجود النظام الصهيوني، فإن زوال الأخير يعني زوال كل مخلفاته وذيوله ومنها النظام السعودي.
4- يكشف هذا التحريض السعودي الشديد عمق قلق النظام السعودي على مصير الكيان الصهيوني، فالخبراء أو أكثرهم يرون أن محمد بن سلمان، قلق على مصير العدو الصهيوني أكثر من قلقه على النظام الأردني، لأنه كما أشرنا قبل قليل، أن الكيان هو التوأم للنظام السعودي، وكلاهما يعتمد أحدهما على وجود الآخر!!
على أن كل ما تقدم وغيره يكشف كم هذه الأنظمة هشة وخائفة من شعوبها رغم أنها مدججة بالأسلحة، ونقطة الضعف هذه يجب أن تلتفت إليها الشعوب في مواجهتها لهذه الأنظمة، وفي الدفاع عن وجودها وهويتها وثقافتها وتاريخها التي تعبث بها هذه الأنظمة، وتوظفها في خدمة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني !!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق