هل تتمرد السعودية على أمريكا؟!
[عبد الرحمن الهاشمي]
بقلم عبد الرحمن الهاشمي
كانت زيارة جو بايدن الصيف الماضي إلى السعودية بنتائج قمتها الباهتة اكثر من مجرد خيبة أمل لرئيس الدولة الحليف الاستراتيجي الأكبر للسعودية منذ اللقاء التاريخي بين الرئيس فرنكلين روزفلت والعاهل السعودي الملك عبد العزيز ال سعود على البارجة كوينسي في قناة السويس، وابعد من مجرد عصف بصيغة الحلف الذي أعدّ تفاصيله على يقين خبراء مجلس الأمن القومي. كان ذلك الفشل المدوّي وفي سياق المواجهة الأمريكية المحتدمة مع روسيا على المسرح الأوكراني مؤشرا على تحول في التعاطي الخليجي مع الولايات المتحدة الأمريكية وقد بدت هذه الاخيرة متوسلة للدعم، وفي حاجة ماسة لتسخير حلفائها الصغار في هذه المواجهة المصيرية، و هو ما شجع على تغيير النظرة وإستطرادا الجرأة في الموقف من الولايات المتحدة الأمريكية أن الملابسات التي حفت بوصول الرئيس الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض جعلته في نظر اهل الحكم في السعودية خاصة مجرد بطة عرجاء تتحامل على نفسها في مضمار الانتخابات النصفية للكونغرس، كما أن تنصله الجبان من إستحقاقات الموقف العسكري تجاه اوكرانيا جعله يبدو ضعيفا وانتهازيا، يداري تردده العسكري في الميدان بالرهان على الحرب الإقتصادية على روسيا.
لذلك لا يمكن فصل ما يحصل هذه الأيام من تراشق بالمواقف بين إدارة بايدن والحكم السعودي على خلفيةإعلان "أوبك+" عن خطط لخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا، وهو ما جاء مخيبا لآمال المسؤولين الأمريكيين الذين سعوا لمنع هذا القرار بحكم نتائجه الخطيرة على سوق الطاقة في العالم وإرتدادات ذلك على حظوظ الحزب الديمقراطي في المارثون الإنتخابي الطويل. وفي سياق جو التنابذ بين البلدين منذ وصول جو بايدن إلى سدة الرئاسة لم تتردد الولايات المتحدة الامريكية في توجيه اتهاما للسعودية بالانحياز إلى جانب روسيا عبر تأييد خفض الإنتاج، لأن ذلك، وحسب الإدارة الأمريكية، سيؤدي إلى زيادة إيرادات موسكو النفطية، وتعزيز موقعها في الصراع على المسرح الأوكراني. إدارة جو بايدن المتفاجئة من "التجاسر" السعودي لوّحت بتدفيع السعودية ثمن هذا الموقف عبر سلسلة من الإجراءات العقابية والإبتزازية كالدعوة إلى تسريع إقرار مشروع قانون "نوبك" (منع التكتلات الاحتكارية لإنتاج وتصدير النفط ) الذي قد يمهد لعقوبات في المحاكم الإتحادية، ووصولا إلى حد تداول أطروحة إعادة تقييم العلاقات مع الرياض داخل أروقة الكونجرس الأمريكي!
السعودية من جهتها حاولت أن تتذاكى عبر تفسير القرار بأسباب إقتصادية، مشددة القول على وجوب تحييد ملف إنتاج النفط والطاقة وأسعارها عن "المقايضات السياسية"، كون محرّكات أسعار النفط اقتصادية!
فهل يعني كل هذا، بداية تفسخ التحالف السعودي الأمريكي أو هل هي نهاية ما وصفه "افريل هاريمان"،الديبلوماسي الفذ الذي رافق روزفلت في كل خطواته بـ« الحلف الابدي» او «الحلف المقدس» بين واشنطن والرياض؟!
انه لمتغير كبير في تاريخ العلاقة السعودية الأمريكية أن تتناقل مصادر دبلوماسية سعودية القول بأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لم يطلب عقد لقاء مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، وليس لديه أي نية للقائه خلال قمة مجموعة العشرين بجزيرة بالي الإندونيسية يومي 15 و16 نوفمبرالمقبل، من جهته صرح مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جاك سوليفان أن بايدن ليس لديه أي نية للقاء ولي العهد السعودي خلال قمة العشرين على خلفية تدهور العلاقات بين الرياض وواشنطن.
للجواب على السؤال أعلاه هناك محددين أساسيين ، المحدد الاول هو أن السعودية لم تنتقل إلى محور أوقطب دولي معادٍ للولايات الأمريكية المتحدة، وكل ما تقوم به السعودية اليوم وعلى عهد ولي العهد محمد بن سلمان هو توسيع مروحة علاقاتها الدولية بأبعاد متقدمة على أساس المصالح المشتركة، وفي هذا الإطاريمكن فهم تطور العلاقة السعودية الروسية، وهو ما قد يصادف سياقات تزعج الإدارة الأمريكية .
المحدد الثاني هو أنّ السعودية طرف في التحالف الامريكي الإسرائيلي ولها أدوار كبرى في إطار مشاريع وخطط هذا التحالف، ولا يمكن فهم العلاقة السعودية الاسرائيلية؛ غير المعلنة رسميا والمكثفة في السنوات الأخيرة؛ إلا بإعتبارها إستمرارا للدور الوظيفي الذي اضطلعت به السعودية في معاداة حركات التحرربالمنطقة وتوفير البيئة الإقليمية لصالح "إسرائيل" على المستويات الدينية والثقافية وحتى الاستراتيجية وخدمة تفوقها الإقليمي والإستراتيجي.
وعلى هذا الأساس يمكن القول أن هناك تغيرا في النظرة السعودية الى العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية تعمد فيه القيادة المندفعة إلى إفتكاك هامش من الإستقلالية في بناء علاقات متعددة خاصة مع تراجع مكانة أمريكا وتفكك نظام القطبية الأحادية،وكل هذا التوتر السعودي الامريكي الذي نتابع تفاصيله اليوم لا يعني تمردا على الحليف التاريخي بقدر ما هو استغلال للتراجع الامريكي ونوع من إستخلاص الدروس من الأداء الامريكي الصادم في كل من أفغانستان وأوكرانيا.
ومن الوهم تصور أن هناك توجّها سعوديا للخروج عن العباءة الأمريكية، فأهل الحكم السعوديين يفهمون القدرة الأمنية الأمريكية وأنها هي الماسكة بحجارة الشطرنج على الرقعة السعودية ، هذا فضلا على أنّ الدولة العميقة في أمريكا تقرأ الموقف السعودي في إطار مشاكسة عابرة للإدارة الديمقراطية التي لا تتناغم معها تاريخيا القيادة السعودية، ولا يجب أن نغفل على موجبات التحليل الموضوعي عامل الطموح ؛ وهذا توصيف وليس إطراءا؛ لدى القيادة الماسكة بزمام الأمر في السعودية، ويكفي القول أن الطموح يكون مولدا لبعض القرارات والإجراءات المثيرة والتطلعات الجامحة.
على المقلب الآخر فلن تذهب الإدارة الامريكية بعيدا في ردود فعلها على الحكم السعودي، فالسعودية حليف قوي ومعتمد وهو فوق ذلك يتمتع بحصانة إسرائيلية، وإضعاف السعودية خط أحمر إسرائيلي كما هو بمثابة صب أرصدة ذهبية في حسابات المحور المناوئ لأمريكا والكيان الصهيوني.
ارسال التعليق