هل حقا يريد الملك سلمان انهاء الصراع الأفغاني؟!
[عبد العزيز المكي]
استضافت المملكة قبل ايام المؤتمر الدولي للمصالحة بين الفرقاء الأفغان، بمشاركة 105 من أبرز علماء المسلمين، وفي اليوم الثاني من فعالية المؤتمر استقبل الملك سلمان في قصر السلام بجدة وفد العلماء المشاركين في المؤتمر ، ورحب بهم وبالجهود التي يبذلوها "لمنع التطرف وحل أزمات العالم الاسلامي".
وكانت كلمة سلمان لافتة جدا خلال هذا اللقاء لما أظهره من حسن نوايا للبدء بوضع خارطة طريق لانهاء الصراع الأفغاني_الأفغاني، ولكن يبقى السؤال ما هي الاحتمالات الموجودة لتحقيق ذلك، وهل العاهل السعودي جاد بهذا الخصوص ومالذي تغير بعد أن قدم ملوك السعودية الدعم المالي لحركة طالبان وغيرها من الحركات لأكثر من خمسة عقود متتالية، فهل حان الموعد لتجفيف منابع هذا الدعم وما الطارئ الجديد على الأحداث في تلك البلاد؟!.
نقلت وكالة الأنباء السعودية "واس" كلمة الملك سلمان الذي قال فيها موجها كلامه لعلماء الدين الذين استقبلهم: "أنتم خير من يعمل لخدمة الإسلام والمسلمين، وتوحيد كلمتهم، وجمع شملهم، وإزالة ما حل في العالم الإسلامي من حروب وأزمات، ومن آفات التطرف والإرهاب، وهذا ما عملناه ونعمله دائماً من عهد والدنا إلى اليوم".
الجملة الأخيرة يجب التوقف عندها لكي نوضح الخيط الأبيض من الأسود، لمن لا يعلم فقد كان الملك سلمان بن عبد العزيز عندما كان أميرا لمنطقة الرياض، يجمع التبرعات للمجاهدين الإسلاميين في أفغانستان في الثمانينيات. أي أنه عمل كركيزة للدعم المالي للجهاديين في الحروب التي خاضتها السعودية بالوكالة خارج أراضيها، واليوم يقول أنه ساهم مع والده في إحلال السلام وابعاد الحروب عن العالم الاسلامي، ولكن الأرقام والحقائق تقول عكس ذلك، فالسعودية دخلت في مشروع طويل الأمد نسبيا ومازال مستمرا حتى اللحظة في دعم التطرف في أفغانستان وانشأت جمعيات خيرية في أفغانستان منذ الحرب في هذا البلد مع الاتحاد السوفياتي، فعلى سبيل المثال، عززت السعودية الجهاد الأفغاني في أواخر 1980 وأوائل 1990، كما كانت المملكة ثاني دولة تعترف بحكومة طالبان في أواخر 1990.
قدمت السعودية كافة أنواع السلاح والعتاد العسكري لحركة طالبان و "حزبِ إسلامي" التابع لگلبدين حكمتيار وشبكة حقاني، بالإضافة لمجموعات صغيرة من بقايا المجاهدين كجماعة سياف الذي اجبرته السعودية على تغيير اسمه وقد انضم بعضها لركب الحكومة، وفي يناير ١٩٨٠ قامت المملكة العربية السعودية بتقديم نحو 800 مليون دولار إلى باكستان لدعمها في مناصرة المجاهدين الأفغان، وذلك بعد عام من الغزو السوفيتي لأفغانستان.
هذا الدعم رافقه دعم آخر من قبل المملكة عبر منابر المساجد ورجال الدين والمشايخ الذين دعوا وبأمر من الحكومة في تلك المرحلة إلى الجهاد في أفغانستان، وفتحوا باب الجهاد أمام عشرات الآلاف من السعوديين والعرب للقتال في تلك البلاد، وأصبحت الدعوة للجهاد على المنابر والإذاعات والصحف، وبدعم رسمي كامل.
وبعد حينٍ من الزمن ولكثرة الأموال التي ضختها السعودية في افغانستان لدعم طالبان عبر علماء باكستان، اتهمتها واشنطن بأنها تدعم أطراف ضد أطراف بعينها وإشعال حروب لا تنتهي هناك بعد خروج الاتحاد السوفييتي حتى ظهور ما يعرف بتنظيم القاعدة في منتصف التسعينيات.
وبالتالي هذا يقودنا إلى نتيجة مفادها أن السعودية هي صاحبة النفوذ الأكبر والتأثير الأقوى في افغانستان وعليه يمكن القول بأن المملكة اذا أرادت المضي في مشروع سلام حقيقي وجاد داخل بين الأطراف المتانزعة في افغانستان بإمكانها فعل ذلك، ولكن لا يبدو أن الأمر كذلك لعدة أسباب:
أولاً: لم يضم المؤتمر الذي عُقد في السعودية أياً من مسؤولي حركة طالبان، ولو كان الملك السعودي جاداً في كلامه الأخير حول طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة، لكان دعا مسؤولين من طالبان وساهم في رعاية حوار جاد بين طرفي النزاع، ولكن الأمر كما بدى لنا يأتي في اطار تلميع صورة الملك ونجله بعد الدخول في مستنقع اليمن ومعاداة قطر والتدخل في عدة دول اخرى.
ثانياً: من الممكن أن يساهم الملك سلمان في رعاية حوار أفغاني_أفغاني، لكونه بحاجة اليوم اكثر من اي وقت مضى لإعادة مركزية ودور السعودية في العالم الاسلامي، بعد أن تهشمت صورتها أمام العالم أجمع لتدخلها في شؤون الدول الأخرى وماليزيا ليست آخرها، وهناك احتمال آخر بأن ورقة طالبان قد احترقت مع وصول جحافل داعش إلى شمال أفغانستان وبدء مسلسل اجرامها هناك، وبالتالي تريد الرياض أن تستبق اي اتهام قد يوجه لها في خصوص دعم هذه المنظمة الارهابية وتظهر للعالم خوفها على أفغانستان وتعاطفها مع شعبها وسعيها لاحلال السلام في تلك الأرض التي شهدت افظع جرائم التاريخ بمال سعودي ودعم أمريكي.
ثالثاً: مالذي تغير حتى بدأت السلطات السعودية تُحرم مشاركة أي سعودي في "أعمال قتالية خارج المملكة بأي صورة كانت"، لماذا كان الجهاد حلالا في افغانستان وحراماً في أماكن أخرى، عليك ان تبحث عن المصالح التي تغيرت على ما يبدو مع الزمن وخاصة بعد "قانون جاستا" وأحداث 11 ايلول، يضاف إلى ذلك النتائج العكسية التي حصلت بعد عودة المجاهدين من افغانستان والتي قد تكلف المملكة الكثير من الدماء، فضلا عن التهم التي قد وجهت وتوجه إليها بدعم التطرف حول العالم.
نختم مع قسم من تصريح هيلاري كلينتون لقناة "بي بي سي" الذي قالت فيه "بمباركة الرئيس ريجان وبموافقة الكونغرس بقيادة الحزب الديموقراطي، قمنا بالتعامل مع المخابرات الباكستانية ودعمنا تجنيد هؤلاء المجاهدين من السعودية وأماكن أخرى.. استوردنا العلامة الوهابية للإسلام حتى نستطيع الإجهاز على الاتحاد السوفيتي". وأكدت كلينتون ": "في النهاية انسحب السوفييت، لم يكن استثمارا سيئا فقد أسقطنا الاتحاد السوفيتي، ولكن علينا أن نوقن أن ما نزرعه فسوف نحصده".
ارسال التعليق